مع تصعيد الحملة التي شنتها دكاكين الإسلام المتطرف والسياسي ضد حصولي على جائزة الدولة التقديرية، بهدف تركيع وزارة الثقافة لتسحب جائزتها بما هو ضد القانون، أو تركيعي لأتنازل عن الجائزة اعترافا بقدرتهم على الحشد والهجوم وأنهم فوق أي قانون، أرسل موقع الجماعة السلفية (المصريون) برسالة على الإيميل إلى مفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة، وكان نص السؤال كما سجلته الفتوى الرسمية من المفتي كالتالي: «اطلعنا على الإيميل الوارد بتاريخ 9 / 7/ 2009م المقيد برقم 1262 لسنة 2009م والمتضمن: ما حكم الشرع في منح جائزة مالية ووسام رفيع لشخص تهجم في كتبه المنشورة والشائعة على نبي الإسلام، ووصفه بالمزور ووصف دين الإسلام بأنه دين مزور، وأن الوحي والنبوة اختراع اخترعه عبد المطلب لكي يتمكن من انتزاع الهيمنة على قريش ومكة من الأمويين، وأن عبد المطلب استعان باليهود لتمرير حكاية النبوة - على حد تعبيره - فهل يجوز أن تقوم لجنة بمنح مثل هذا الشخص وساما تقديريا تكريما له ورفعا من شأنه وترويجا لكلامه وأفكاره بين البشر، وجائزة من أموال المسلمين، رغم علمها بما كتب في كتبه على النحو السابق ذكره، وهي مطبوعة ومنشورة ومتداولة، وإذا كان ذلك غير جائز فمن الذي يضمن قيمة هذه الجائزة المهدرة من المال العام؟»
وجاءت إجابة صاحب الفضيلة كالتالي: «قد أجمع المسلمون أن من سب النبي
صلى الله عليه وسلم
أو طعن في دين الإسلام فهو خارج عن ملة الإسلام والمسلمين ، مستوجب للمؤاخذة في الدنيا (لم يحدد طبيعة المؤاخذة أو أنه يفترضها جريمة ردة منتهية) والعذاب في الآخرة، كما نصت المادة 98 من قانون العقوبات على تجريم كل من حقر أو ازدرى أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو أضر بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، أما بخصوص ما ذكر في واقعة السؤال، فإن هذه النصوص التي نقلها مقدم الفتوى - أيا كان قائلها - هي نصوص كفرية تخرج قائلها من ملة الإسلام إذا كان مسلما، وتعد من الجرائم التي نصت عليها المادة سالفة الذكر من قانون العقوبات. وإذا ثبت صدور مثل هذا الكلام الدنيء والباطل والممجوج من شخص معين؛ فهو جدير بالتجريم لا بالتكريم، ويحب أن تتخذ ضده كل الإجراءات القانونية التي تكف شره عن المجتمع والناس وتجعله عبرة وأمثولة لغيره من السفهاء الذين سول الشيطان أعمالهم وزين لهم باطلهم. قال تعالى:
قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (الكهف 103-104)، واللجنة التي اختارت له الجائزة إن كانت تعلم بما قاله من المنشور في كتبه الشائعة فهي ضامنة لقيمة الجائزة التي أخذت من أموال المسلمين والله سبحانه وتعالى أعلم.»
وفي يوم الثلاثاء 21 يوليو 2009م نشر موقع (المصريون) السؤال والفتوى بصفحته الرئيسية واضعا صورتي إلى جوار صورة فضيلة المفتي ليحيل الفتوى المجهولة ضد مجهول ويحددها ويشخصنها بجعلها موجهة لشخصي المتواضع بالذات وبالخصوص. إضافة إلى ما تم نشره في الموقع ذاته عني اعتمادا على تلك الفتوى. •••
وقبل أي تعقيب أجد من واجبي كمسلم من خيار المسلمين يعلم من دينه بجهد واجتهاد ما قد يعلم فضيلة المفتي، أن أتساءل عن سر لجوء صاحب الفضيلة إلى وجه واحد من بين مائة وجه تحتمل الإيمان؟ وأي دافع قوي وعظيم دفعه ليصدر مثل هذه الفتوى بشأن شخص مجهول دون أن يتيقن بنفسه ويتحرى ليدقق قبل أن يفتي، أم أن أهل نافذة السلفيين (موقع المصريون) هم عنده من المنزهين عن الكذب والتزوير والخطأ؛ لأن ممولها هو الشيخ قرضاوي العتيد الذي لم يرد مرة على ما طرحته عليه من تساؤلات، ويحمل لشخصي المتواضع مشاعر تتناسب طردا مع نقدي اللاذع والمرير لما يطرحه علينا من كوارث؟ أم أن مولانا المفتي قد سلم بما جاء في السؤال من مطاعن، حتى يتمكن من دخول الحلبة عن قصد ورغبة مسلحا بألفاظ لا مسلحا يصح أن تصدر عن مثله من قبيل: «الكلام الدنيء والباطل الممجوج والتجريم لا التكريم وعبرة وأمثولة لغيره من السفهاء» ... إلخ، ثم قام يحمل الله تعالى وزر كل هذه السخائم بدس كلامه - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - وسط كلامه البشري ليكسب به قدسية القول وضمان طاعة الأمر المتضمن إهدار الدم بالضرورة الشرعية.
فإذا كان كل ما جاء في سؤال المستفتي غير موجود بنصه في أي كتاب من كتبي، فماذا سيكون موقف صاحب الفضيلة من المستفتي؟ إن المستفتي لا تصح عليه هنا البراءة بحسبان ناقل الكفر ليس بكافر؛ لأنه لم ينقل عني شيئا، ولأني لست بكافر، وكل ما قاله المستفتي ومفتيه لا أعرفه ولا أعلمه؛ فهو من بنات أفكار المستفتي وحده، فهل سينطبق هنا قول المفتي عن الأخسرين عملا على المستفتي نفسه ليصفه بما وصفني به، وهل سنسمع منه فتوى بهذا الخصوص بشأن الذي استفتاه كذبا وخداعا، إضافة لسب هذا المستفتي الله ورسوله (منسوبا إلي)؟
من غير المفهوم عندي وعند صاحب أي عقل سليم، كيف استجاب المفتي لاستفتاء لا يخص شخص المستفتي وإنما يخص شخصا آخر؟ فالمعلوم أن الفتوى يطلبها المسلم عندما يستشكل عليه أمر من الأمور التعبدية، عن الحلال والحرام ونسبة الزكاة المفروضة على نوع تجارته، وعن كيفية علاج تقصيره في أداء شعيرة بعينها، وكيف يقضي واجباته تجاه ربه، لكن أبدا لا نستطيع أن نفهم شخصا سمع عن جاره في الطرف الآخر من المدينة ما لا يعجبه، فقام يقدم الحكاية للمفتي يطلب الفتوى بشأن هذا الجار البعيد، خاصة مم عدم وجود الطرف الثالث (الجار) لا في شكل حديث موثق بالصورة لما ارتكبه من آثام ولا في تسجيل صوتي له وهو يجدف مثلا ولا في شيء خطه بيده، فقط مجرد واحد يسأل الفتوى بشأن شخص آخر غير موجود ويحكي عنه حواديت وشائعات. هل يجوز هنا للمفتي إصدار فتوى بشأن هذا الجار معتمدا على المستفتي الذي لا ناقة له ولا جمل في الموضوع؟
وفي حال ارتأى المفتي ضرورة التدخل فكان عليه الاستقصاء والتيقن، وهي مسألة ليست من مهام المفتي وإدارته، وإنما هي من مهام القضاء والمباحث وهيئات التحري، وكان عليه في هذه الحال رد بلاغ المستفتي (لأنه بلاغ في آخر وليس طلب فتوى فقط)، وذلك لعدم التخصص، أو إحالة الأمر كله ببلاغ للقضاء ليستقصي ويفحص ويدقق ويتحرى وجود جريمة وفق التعريفات القانونية للفعل الجرمي من عدمه.
صفحة غير معروفة