ولا يرى الشيخ أن هناك مشكلة في تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين، المشكلة فقط في العلمانيين الذين يثيرون هذه المشكلة وهم أقلية، لكن لهم ضجة كبيرة بما يملكون من وسائل الإعلام!
تعالوا نصدق هذا الكلام جدلا أو خبلا، فلماذا ينزعج قرضاوي من الأقلية والعلمانية، وقد اعتاد هو وفريقه عبر تاريخهم على عدم وجود شيء اسمه الأقلية، فالأقلية خاضعة للأغلبية في كل شأن وكل فكرة وكل ضمير حتى جعلوهم كالماعز، ثم ألم يكن المسلمون الأوائل هم الأقلية عندما فتحوا بلاد غيرهم؟ وظل المسلمون أقلية أرستقراطية حاكمة في تلك البلاد قرونا طويلة. كانوا أقلية وتسيدوا على الأغلبية بالسيف والحديد والنار.
إن من وضع القانون يجب أن يبدأ به نفسه حتى نحترمه وحتى لا نظنه نصابا مصابا بالحول الفكري، وبالعمى في الضمير، وبالضلال في البصيرة.
لقد قال الشيخ وسط سيل مقولاته كلمة حق وهي أننا كعلمانيين رغم عدم امتلاكنا أي وسيلة للوصول إلى الإعلام، إلا عند دعوتنا لمحاصرة بعضنا بعضا في الجزيرة أو غيرها، كان العلمانيون يحرزون في هذه الفلتات قصب السبق، نعم برز العلمانيون عندما كنتم تستدرجونهم لتهونوا من شأنهم، برزوا رغم الحصار الظالم والتهديد بالذبح والتعتيم الإعلامي والتشنيع والتخوين والطعن في الأخلاق، مع كل هذه الحملة أصبح العلمانيون موجودين ملء السمع والبصر بعد أن أثبتوا وجودهم، ولأن لديهم شيئا يريده الناس ليس موجودا عندكم يا أصحاب الفضيلة، عندهم منطق متماسك وقيم محترمة ومبادئ راقية نظيفة لا ترتزق على حساب الناس ولا الوطن ولا الدين.
الناس يستمعون إلينا لأننا نحترم حقهم في الحرية وفي تفهم ما شاءوا، لا نطلب منهم سمعا ولا طاعة بل مشاركة حوارية للجميع فيها حقوق متساوية، حرية مشاع دون تكفير وتخوين وتجريم؛ فالرأي بالرأي، والحجة بالحجة، مع ضمان حرية الاعتقاد وحماية هذا الحق لأصحابه وتحقيق الشعائر وأداء العبادات في حماية القانون. هذا ببساطة ما يريد العلمانيون الذين هم سبب مشاكل قرضاوي وفريقه. (3) دعوة مفتوحة لمناظرة قرضاوي
قال قرضاوي، وهو يفلسف لقيام دولة الشريعة في دولة بها ديانات أخرى، بوجوب قبول الأقليات الدينية في الدولة الإسلامية لتطبيق شريعة الإسلام، وبرر هذا الوجوب بطرافة غير معهودة لديه، بأن «الإنجيل لم يأت بتشريع، إنما يعتمد على تشريعات التوراة، يعتمدون على التشريعات الوضعية التي تأتيهم من أوروبا ، الشريعة فريضة علينا نحن، فنحن نأخذ هذا على أنه دين، والمسيحيون كالأقباط في مصر يأخذونه على أنه قانون، كما قبلوا قانون نابليون أو القانون المستورد من أوروبا، لماذا لا يقبلون القانون من الإسلام؟ ثم إن الأحكام الشرعية هي بنت بيئتنا يعني مش جايبنها من برة، هذه الأحكام صادرة من تراب هذه المنطقة» (حلقة الدستور ومرجعية الشريعة، الجزيرة).
حيرنا الشيخ، هو مرة ضد أي فكرة عن مفهوم الوطن وتراب الأرض والمواطنة حتى إنه يصفها بالوثنية وأنها مدسوسة علينا من بلاد الغرب الكافر، ليعود ليؤكد أن شريعتنا الإسلامية تناسبنا مسلمين ومسيحيين لسبب موضوعي هو أن هذه الشريعة بنت أرضنا ونبتت في بلادنا؟ يعني فيه وطن يا شيخ؟ لكن يبدو أن وطن قرضاوي هو السعودية وليس مصر، لأن الشريعة ليست بنت مصر ولا هي فرز وادي مصر، ولا هي بنت الرافدين ولا فرز بيئتهم، ولا هي بنت الشام ولا فرز بيئتها، إنما هي جاءت إلى هذه البلاد وافدة عليها من بلاد الحجاز منذ ما قبل أربعة عشر قرنا من الزمان، جزء كبير منها يعالج مشاكل محلية بدوية قبلية تتعلق بمكانها وزمانها فقط، مشاكل لم نعرفها ولم تعرفها بلاد الشام ولا بلاد العراق ولا بلاد فارس، ولا علاقة لنا بها، لاختلاف ظرف البيئات جغرافيا وطبوغرافيا وسكانيا ولغويا وتاريخيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، اختلافات كاملة المواصفات. كل شيء كان غير كل شيء، ثم تعال يا شيخ أفهمنا واشرح لنا: منذ متى تعتبرون المقدس فرز بيئة وظرفا اجتماعيا واقتصاديا وجغرافيا؟
عندما قال صاحب هذا القلم مثل هذا الكلام منذ حوالي خمسة عشر عاما أو يزيد، قامت الدنيا ولم تقعد إلا بعد محاكمتي بتهمة ازدراء الأديان، فمالك اليوم يا شيخ وهذا السبيل الصعب الوعر، تتيه فيه فتخلط الحابل بالنابل والمقدس بالدنيوي، ناسيا أو متناسيا أن الشريعة سماوية وليست أرضية، وليس فيها أي أكثرية أو أقلية ويلا شورى ولا بيعة ولا ديمقراطية، فقد وضعها الله في شكل أوامر ونواه، ولم يستشر أحدا وهو يضعها ولا حتى أنبياءه، أما في العلمانية فإن الناس على اختلاف مللهم يصطلحون على ما يناسب مصالحهم من قوانين يخضع لها الجميع راغبا لا راغما.
المهم أن الشيخ لا يرى الأقباط سببا في عدم تطبيق الشريعة حتى الآن، إنما السبب هو «الذين يثيرون هذه الضجة أقلية هم العلمانيون؛ لأنهم يمتلكون المنابر الإعلامية والأبواق الإعلامية» (الحلقة نفسها).
كيف يمكنك أن ترد على قرضاوي هنا؟ إن الرجل يقولها ولا يطرف، بينما هو يعلم والجميع يعلم حجم المساحة التي يحتلها التيار الإسلامي في الإعلام أو التعليم، ويعلم والجميع يعلم أن العلمانيين مستبعدون من الإعلام ومن الوصول إلى الناس، ومع ذلك يقول دون خشية من ملامة، فقد أصبح شخصا مقدسا يقول ما يعن له ولا يؤاخذه أحد، ولا يقول له أحد عيب يا شيخ، أو يرفع عليه قضية حسبة.
صفحة غير معروفة