ولا شك أن المؤمن بإيمانه وحسن خلقه يكتسب مودة أهل الإيمان وصحبتهم، فما لحقه من قربهم كان عين سابق سعيه، وأهله بمنزلة كسبه حملا على صريح {ولكم ما كسبتم}. وجاء في الحديث: ((لكل مؤمن شفاعة))، وفي الصحيح: ((فيشفع الأنبياء والرسل والملائكة والمؤمنون، ويبقى أرحم الراحمين فيخرج من النار قوما لم يعملوا خيرا قط، فيدخلهم الجنة)). وقال الله تعالى مخبرا عن أسف أهل النار على شفاعة الأصدقاء {فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم}. جاء في الحديث: ((أن الرجل من أهل الجنة ليذكر صديقه من أهل النار، فيشفع فيه ويطلبه من الله -عز وجل-، فيقول الله -تبارك وتعالى-: أخرجوا له صديقه. فيخرج له، فيدخله الجنة. فحينئذ يستغيث أهل النار يقولون: {فما لنا من شافعين} الآية. فإذا أثرت شفاعة الأصدقاء في الإخراج من النار إلى الجنة لم يمتنع تأثيرها في إيصال الثواب إليهم وهم في حبوس القبور، لأنهم بمصادقتهم في الدين وموالاتهم في الله اكتسبوهم وكانوا لهم ككسبهم الأولاد، لأنهم سعوا في تحصيل برهم.
ثم طريق العلم بوصول الثواب إليهم لا مجال فيه للخبير، فلم يبق إلا تلقيه من جهة المطلع على الغيب المقطوع بصدق خبره، الذي كان يسمع ما لا يسمع من عنده، ويرى ما لا يرى من حوله، {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى}، وقد أخبر بذلك، فكان المصير إلى تصديق خبره أولى.
صفحة ٨١