تفسير سورة الفاتحة - ضمن «آثار المعلمي»
محقق
محمد أجمل الإصلاحي
الناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٤ هـ
تصانيف
والجواب بتوفيق الله ﵎: أنَّ الله ﵎ ربُّ العالمين، وهو العليّ القدير الحكيم العليم، فلا يقع في العالم حركةٌ ولا سكون إلا والحكمةُ اقتضت أن يقع، حتى الفواحش التي يبغضها الله ﷿ ويعذِّب عليها، لولا أن الحكمة اقتضت أن تقع لما وقعَتْ. وقد أوضحتُ هذا في (الفرائد) (^١).
ولْنقرِّبْ ذلك بمثال، فنقول: إذا علم الحاكم من إنسان أنه خائن، ثم أراد أن يجازيه بما يستحقُّ، ولم تكن قد ظهرت خيانته ظهورًا يقف عليه الأشهاد فيعرفوا استحقاقه العقوبةَ، فرأى الحاكم أن يقيم شهودًا من حيث لا يعلم الرجل، ويأتمنه على شيء يريد لذلك أن يخون، فتظهر خيانته، ويعرف الأشهاد استحقاقَه للعقاب. ألا ترى فعل الحاكم هذا، وهو تعريضُه الرجلَ للخيانة وتمكينه له منها فعلًا تقتضيه الحكمة؟ أَوَلا ترى أنَّ وقوعَ الخيانة من الرجل أوفقُ لمقتضى الحكمة، وأنَّ ذلك لا ينافي أن تكون تلك الخيانةُ بالنظر إلى ذلك الخائن قبيحةً يستحقُّ أن يعاقب عليها؟
فتدبَّرْ وأمعِنْ النظرَ يتبيَّنْ لك إن شاء الله أنَّ جميع الحركات والسكنات التي تقع في العالم إنما تقع على مقتضى الحكمة، فهي بالنظر إلى تعلُّقِها بخلق الله ﷿ وتمكينِه وقضائه وقدرِه محمودةٌ لا يلصق بها الذمُّ البتة، وإنما يعلَق الذمُّ ما يعلَقه منها من جهة الخلق. ولا بدع أن يخفى على الإنسان وجهُ الحكمة في أمور كثيرة، فأين علمه من علمِ عالمِ الغيب والشهادة اللطيفِ الخبير! وأين حكمته من حكمة أحكمِ الحاكمين!
_________
(^١) قوله: "وقد أوضحت ... الفرائد" أضافه المؤلف فيما بعد، ولكن لم نجد في المخطوط شيئًا من الفرائد التي أحال عليها.
7 / 85