تفسير سورة الفاتحة - ضمن «آثار المعلمي»
محقق
محمد أجمل الإصلاحي
الناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٤ هـ
تصانيف
اقتضاءُ الحكمة لتحريم شيء، فإن الله ﵎ يحرِّمه بواسطة رسوله، وقدرةُ الله
﵎ محيطة، وتدبيرُه شامل. فلمَّا تمَّ اقتضاءُ الحكمة لتحريم الخمر حرَّمها الله تعالى بما أنزل على محمد ﵌.
واختلفت الحكمة باختلاف الناس، فمن كان من الناس بحضرة النبي ﵌ فقد تمَّ اقتضاءُ الحكمة تحريمَها عليهم حين إنزال التحريم. ومن كان في بيته فإنما تمَّ اقتضاءُ التحريم عليه حين يسَّر الله تعالى بلوغَ الخبر إليه، وهكذا.
فإن قلتَ: فالأحكام التي لا يُعذَر بجهلها؟
قلتُ: الذي لا يُعذَر بالجهل لابدّ أن يكون مقصِّرًا، فتعلقُ الأحكام به يكون عند ثبوت تقصيره؛ على أن التحقيق أن عقوبته إنما هي على تقصيره وإن اعتبرت بغيرها. كما أقوله في السكران إذا أُخِذ بمعاصي ارتكبها حالَ زوالِ عقله بسكره: أن مؤاخذته بذلك هي في الحقيقة عقوبةٌ على تناوله المسكِر. فإنَّ عقوبةَ الذنب تزداد بازدياد ما ترتَّب عليه من الفساد. ولإيضاح هذا موضع آخر، والله أعلم.
الإشكال الثاني: أن يقال: نفيُ استحقاقِ المخلوق للحمد الذاتي البتة إنما يتخرَّج على قول المجبرة الذين يقولون: ليس للإنسان فعل ولا اختيار، وإنما الله تعالى هو الذي يحرِّكه ويسكِّنه ويتصرَّف فيه كما يشاء، لا فرق بينه وبين الجماد في ذلك.
والجواب ــ بعون الله وله الحمد ــ: أنَّ الله ﵎ إنما خلق الخلقَ لعبادته. قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]، وهم
7 / 83