الاشتراك المتعمد في الجناية على النفس بالقتل أو الجرح
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
العدد ١١٩-السنة ٣٥
سنة النشر
١٤٢٣ هـ/٢٠٠٤م
تصانيف
المقدَّمة
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وفضله على كثير من المخلوقات بالعقل والتفكير، والصلاة والسلام على الهادي البشير، وآله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد؛ فإن الله ﵎ خلق الإنسان، ونفخ فيه الروح وسجد له الملائكة، وجعله خليفته في الأرض، وفضله على كثير مما خلق تفضيلا، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ ١ وتجلت في خلقه عظمته حيث قال: ﷿: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ ٢، وتولاه بحفظه فشرع احترامه وحرم قتله بغير حق، قال تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ ٣، وقال تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾، وقال رسول الله ﷺ: " أول ما يقضى بين الناس، يوم القيامة، في الدماء " ٤.
_________
١ آية (٧٠) من سورة الإسراء.
٢ آية (١٤) من سورة المؤمنون.
٣ آية (٢٩) من سورة النساء.
٤ أخرجه البخاري ٨/٣٥ في كتاب الديات، باب قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾، ومسلم ٢/١٣٠٤ في القسامة، باب المجازاة في الآخرة، من حديث عبد الله ابن مسعود ﵁.
1 / 341
وقد عظمت العقوبة في الاعتداء على النفس المؤمنة في الدنيا بالقود في النفس والقصاص في الطرف، وفي الآخرة بما توعد الله به القاتل من غضبه ولعنته، وأن مصيره إلى جهنم وبئس المصير، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ ١، وقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ ٢، وقوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأَذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ ٣. وفي إقامة القصاص على الجاني حياة للناس، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ٤، كيف لا والقاصد للاعتداء على الإنسان إذا علم أنه مقتول أو معاقب على فعلته فكر كثيرًا، ونظر في العاقبة، وثاب إلى رشده، وكف عن فعلته، فكان في ذلك حقنٌ لدمه ودم غيره وحياة له ولغيره من الناس، أجل بتطبيق القصاص في النفس وما دونها تحقن الدماء، وينتشر الأمن، ويطمئن الإنسان على نفسه وماله وعرضه. ومن أمعن النظر في بلادنا المباركة التي حرص ولاة الأمر فيها على تطبيق شرع الله يجد أنها تنعم بالأمن والطمأنينة والعدل والاستقرار بفضل التزامها بتطبيق شرع الله مما جعلها مضرب المثل.
ولما كانت مسائل القصاص في النفس والطرف كثيرة ومتشعبة أحببت أن
_________
١ آية (٩٣) من سورة النساء.
٢ آية (٣٣) من سورة الإسراء.
٣ آية (٤٥) من سورة المائدة.
٤ آية (١٧٩) من سورة البقرة.
1 / 342
أسهم ببيان شيء من أحكامه، فنظرت في مسألة الاشتراك في الجناية بقتل النفس المحترمة أو جرحها ظلما وعدوانا، فوجدت الاختلاف في القود بها والقصاص في الأطراف فيها حاصلا فأحببت أن أجلي الحق فيها وأكشف غموضها بأسلوب علمي قريب إلى الإفهام في مؤلف سميته "الاشتراك المتعمد في الجناية على النفس بالقتل أو الجرح ".
وقسمت هذا البحث إلى مقدمة وخمسة مباحث وخاتمة.
المقدمة: وتشتمل على الافتتاحية وخطة البحث ومنهجه.
المبحث الأول:
في تعريف الجناية لغة واصطلاحا وبيان أقسامها.
المبحث الثاني:
في حكم القتل بغير حق.
المبحث الثالث:
مشروعية القصاص في النفس وما دون النفس.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في مشروعية القصاص في الجناية على النفس.
المطلب الثاني: في مشروعية القصاص في الجناية على ما دون النفس.
المبحث الرابع: وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأول:
في الاشتراك في الجناية على الواحد بالقتل.
المطلب الثاني:
في اشتراك الأب والأجنبي في قتل الولد.
1 / 343
المطلب الثالث:
في اشتراك الصبي والمجنون والبالغ في القتل.
المبحث الخامس:
في الاشتراك المتعمد في الجناية على الواحد بالجرح أو القطع.
الخاتمة: ذكرت فيها أهم نتائج البحث.
وسلكت في إعداد هذا البحث المنهج الآتي:
١- جمعت المادة العلمية المتعلقة بالاشتراك المعتمد في الجناية على النفس بالقتل أو الجرح.
٢- درست المسألة الواردة في البحث دراسة موازنة وحرصت على بيان المذاهب الأربعة في المسألة، وقد أذكر أقوال بعض الصحابة والتابعين وغيرهم من الفقهاء.
٣- حرصا مني على إخراج المسألة بأسلوب مبسط، يسهل معه معرفة الحكم في المسألة صدرتها بالإجماع أو الاتفاق إن كانت من المسائل المتفق أو المجمع عليها، كما أنني إن رأيت الخلاف ليس قويا في المسألة صدرت المسألة بقول أكثر أهل العلم، وبعد ذلك أشير إلى القول المخالف ثم أذكر أدلة كل قول، وما قد يرد عليه من اعتراض إن وجد، ثم أختم المسألة بالقول الراجح، وقد أؤخر الاعتراضات مع الترجيح.
٤- حرصت على نقل أقوال الفقهاء من مصادرها الأصلية.
٥- ذكرت أرقام الآيات الواردة في البحث مع بيان أسماء سورها.
٦- خرجت الأحاديث الواردة في البحث مبينا الكتاب والباب والجزء والصفحة. فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت
1 / 344
بتخريجه منهما أو من أحدهما، وإن لم يكن فيهما أو في أحدهما اجتهدت في تخريجه من كتب السنة الأخرى مع ذكر درجة الحديث صحة أو ضعفا معتمدا على الكتب التي تعنى بذلك.
٧- بينت معاني الكلمات التي تحتاج إلى بيانها معتمدا على الكتب التي تعنى بذلك.
٨-لم أترجم للأعلام الواردة في البحث خشية الإطالة.
٩- بينت في نهاية البحث في الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها.
١٠- وضعت فهرسا للمصادر التي اعتمدت عليها مرتبا حسب الحروف الهجائية، وآخر للموضوعات.
1 / 345
المبحث الأول: تعريف الجناية وبيان أقسامها
تعريف الجناية:
الجناية لغة: مصدر جنى جناية، وجمعه جنايات، وجمعت – وإن كانت مصدرا – لتنوعها إلى عمد وشبه عمد وخطأ. والجناية؛ الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه القصاص والعقاب في الدنيا والآخرة. يقال: جنى جناية إذا جر جريرة على نفسه أو على قومه.١
واصطلاحا: هي التعدي على البدن بما يوجب عليه قصاصا أو مالا٢.
_________
١ انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ١/٣٠٩، المصباح المنير ١/١٣٦، ١٣٧، لسان العرب ١٤/١٥٤، التفريعات ص/٧٩، القاموس المحيط ٤/٢١٢.
٢ انظر: حاشية ابن عابدين ٦/٥٢٧، مواهب الجليل ٦/٢٧٧، المجموع ١٨/٣٤٤، المغني ١١/٤٤٣.
أقسام الجناية: تقدم في تعريف الجناية اصطلاحا أنها التعدي على البدن. وهذا التعدي لا يخلو الحال فيه من أمرين: ١- أن يكون بإزهاق الروح، وهو القتل. ٢- أن يكون واقعا على عضو من الأعضاء، ولا يؤدي لإزهاق الروح كقطع يد أو قلع عين أو قطع أذن أو أنف ... الخ. وبهذا يتبين أن الجناية إما أن تكون: ١- على النفس. ٢- أو ما دون النفس. _________ ١ انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ١/٣٠٩، المصباح المنير ١/١٣٦، ١٣٧، لسان العرب ١٤/١٥٤، التفريعات ص/٧٩، القاموس المحيط ٤/٢١٢. ٢ انظر: حاشية ابن عابدين ٦/٥٢٧، مواهب الجليل ٦/٢٧٧، المجموع ١٨/٣٤٤، المغني ١١/٤٤٣.
أقسام الجناية: تقدم في تعريف الجناية اصطلاحا أنها التعدي على البدن. وهذا التعدي لا يخلو الحال فيه من أمرين: ١- أن يكون بإزهاق الروح، وهو القتل. ٢- أن يكون واقعا على عضو من الأعضاء، ولا يؤدي لإزهاق الروح كقطع يد أو قلع عين أو قطع أذن أو أنف ... الخ. وبهذا يتبين أن الجناية إما أن تكون: ١- على النفس. ٢- أو ما دون النفس. _________ ١ انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ١/٣٠٩، المصباح المنير ١/١٣٦، ١٣٧، لسان العرب ١٤/١٥٤، التفريعات ص/٧٩، القاموس المحيط ٤/٢١٢. ٢ انظر: حاشية ابن عابدين ٦/٥٢٧، مواهب الجليل ٦/٢٧٧، المجموع ١٨/٣٤٤، المغني ١١/٤٤٣.
1 / 346
وهذا التقسيم مجمع عليه بين العلماء١.
ثم اخلتف العلماء – رحمهم الله تعالى – في أنواع الجناية على النفس وعلى ما دون النفس على النحو التالي:
أولا: أنواع الجناية على النفس:
إذا نُظِرَ إلى أقوال الفقهاء – رحمهم الله تعالى - في تقسيماتهم لأنواع الجناية على النفس يتضح أن آراءهم تنحصر في تقسيمها بين ثنائي وخماسي، وبذلك انحصرت أقوالهم في أربعة:
التقسيم الخماسي:
قسم جماعة من الحنفية كالجصاص٢ والقدوري٣ والنسفي٤ الحناية على النفس إلىخمسةأقسام:
١- العمد: وهو تعمد الضرب بسلاح أو ما يجرى مجراه في تفريق الأجزاء كالمحدد من الخشب والحجر والنار٥.
٢- شبه العمد: وهو تعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما يجري مجراه٦.
_________
١ انظر: مختصر الطحاوي ص/٢٣٤، حاشية ابن عابدين ٦/٥٢٧، الكافي ٢/٣٨٣، مواهب الجليل ٦/٢٧٦، روضة الطالبين ٩/١٢٢، المجموع ١٨/٣٩٨، المغني ١١/٥٣٠، المبدع ٨/٣٠٦.
٢ انظر: المبسوط ٢٦/٥٩.
٣ انظر: مختصر القدوري ٣/١٤١.
٤ انظر: كنز الدقائق ٦/٩٧.
٥ انظر: مختصر الطحاوي ص/٢٣٢، الاختيار ٥/٣١.
٦ انظر: الاختيار ٥/٣٤، حاشية ابن عابدين ٦/٥٢٩.
1 / 347
٣- الخطأ: وهو ضرب الشخص بدون تعمد. وهو على نوعين:
أ- خطأ في القصد: وهو أن يرمي شخصا يظنه صيدا، فإذا هو آدمي أو يظنه حربيا فإذا هو مسلم. ب- خطأ في الفعل: وهو أن يرمي عرضا فيصيب آدميا١.
٤- الجاري مجرى الخطأ: وهو حصول الموت بما لا يصدر عن إرادة وقصد كأن ينقلب نائم على آخر فيقتله.٢
٥- القتل بالسبب: وهو التسبب في موت آخر دون قصد ومباشرة كمن يحفر بئرا في الطريق فيقع فيها عابر السبيل فيموت٣.
التقسيم الرباعي:
قسم جماعة من الحنابلة كأبي الخطاب، وصاحب المذهب، ومسبوك الذهب، والمستوعب، والخلاصة، والرعايتين، والحاوي والرعايتين، وغيرهم٤ القتل إلى أربعة:
١- العمد.
٢- شبه العمد.
٣- الخطأ.
٤- ما جرى مجرى الخطأ.
ولم يقولوا بقتل السبب؛ لأنهم يدخلونه في ما جرى مجرى الخطأ.
_________
١ انظر: المبسوط ٢٦/٦٦، بدائع الصنائع ٧/٢٣٤.
٢ انظر: المبسوط ٢٦/٦٦، حاشية ابن عابدين ٦/٥٣١.
٣ انظر: الاختيار ٥/٣٥، المبسوط ٢٦/٦٨.
٤ انظر: المغني ١١/٤٤٥، الإنصاف ٩/٤٣٣، المبدع ٨/٢٤٠.
1 / 348
التقسيم الثلاثي:
قسم الحنفية في ظاهر الرواية عندهم١، وهو قول لمالك حكاه العراقيون وغيرهم عنه٢، وبه قال الشافعية٣ والحنابلة في المعتمد عندهم٤ القتل إلى ثلاثة أقسام:
١- العمد: وهو أن يضربه بما يغلب على الظن موته به من سلاح أو ما جرى مجراه٥ من حديد أو خشب أو حجر أو نحوه مما يقتل غالبا٦.
٢- شبه العمد: هو أن يضربه بما لا يقتل غالبا كأن يضربه في غير مقتل بسوط أو عصىً صغيرة أو يفعل فعلا الأغلب من ذلك الفعل أنه لا يقتل مثله٧.
٣- الخطأ: وهو ضرب الشخص بدون قصد. وهو ضربان:
أ- خطأ في الفعل: بأن يرمي صيدا أو هدفا، أو شخصا فيصيب إنسانا لم يقصده، أو يكون نائما ونحوه فينقلب على إنسان فيقتله.
ب- خطأ في القصد كأن يرمي من يظنه حربيا فإذا هو مسلم٨.
_________
١ انظر: المبسوط ٢٦/٥٩، مختصر الطحاوي ص/٢٣٢.
٢ انظر: المعونة ٣/١٣٠٦، المنتقى ٧/١٠٠.
٣ انظر: الأم ٧/٢٩٩، ٣٠٠، المنهاج ٤/٣، غاية الاختصار ص/٤٥١.
٤ انظر: المغني ١١/٤٤٢، الشرح الكبير ٢٥/٨، الإنصاف ٩/٤٣٣، الفروع ٥/٦٢٢.
٥ خلافا لأبي حنيفة فإنه يرى أن القتل بالمثقل ليس من العمد.
انظر: بدائع الصنائع ٧/٢٣٣، حاشية ابن عابدين ٦/٥٢٧، ٥٢٨.
٦ انظر: الكافي ٢/٣٨٢، مغني المحتاج ٤/٣، المبدع ٨/٢٤١.
٧ انظر: الاختيار ٥/٣٤، المنهاج ٤/٤، المغني ١١/٤٦٢.
٨ انظر: المبسوط ٢٦/٦٨، الكافي ٢/٣٩١، المنهاج ٤/٤، المحرر ٢/١٢٤، كشاف القناع ٥/٥١٣.
1 / 349
ولم يقولوا بقتل السبب وما جرى مجرى الخطأ انفرادا؛ لأنهم أدخلوهما في قتل الخطأ.
التقسيم الثنائي:
قسم المالكية في المعتمد عندهم القتل إلى قسمين:
١- العمد.
٢- الخطأ١.
وهذا التقسيم سواء الخماسي أو الرباعي أو الثلاثي هو في الواقع من باب اختلاف تنوع صور القتل لاتفاقهم على تقسيمها باعتبار الحكم الشرعي على ثلاثة أنواع:
١- العمد.
٢- شبه العمد.
٣- الخطأ.
خلافا للمالكية في المعتمد عندهم حيث إنهم يسقطون شبه العمد. وهم محجوجون بحديث عبد الله بن عمرو – ﵄ – عن النبي ﷺ قال: " ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها " ٢.
_________
١ انظر: المعونة ٣/١٣٠٧، الكافي ٢/٣٨٢.
٢ أخرجه أبو داود ٤/٦٨٢-٦٨٣ في كتاب الديات، باب في دية الخطأ شبه العمد، والنسائي ٨/٤٠، في القسامة، باب كم دية شبه العمد، وابن ماجة ٢/٨٧٧ في الديات، باب دية شبه العمد، والبيهقي ٨/٦٨ في كتاب الديات، باب أسنان الإبل المغلظة في شبه العمد، وابن حبان حديث رقم (١٥٢٦) وصححه الألباني في إرواء الغليل ٧/٢٥٦.
1 / 350
ثانيا: الجناية على ما دون النفس.
يراد بالجناية على ما دون النفس: كل أذى يقع على الإنسان من الغير مما لا يوجب موته، سواء كانت الجناية عمدا أو غير عمد.
وهذه الجناية تنقسم إلى قسمين:
١- الجناية الواقعة على الوجه والرأس.
٢- الجناية الواقعة على سائر البدن١.
_________
١ انظر: الهداية ٢/٥٦٩، تبيين الحقائق ٦/١١١، بداية المجتهد ٢/٤٠٥، قوانين الأحكام الشرعية ص/٣٦٨، المهذب ٢/١٧٨، روضة الطالبين ٩/١٧٩، ١٨١، المغني ١١/٥٣٠ وما بعدها، الشرح الكبير ٢٥/٢٨٤.
1 / 351
المبحث الثّاني: القتل بغير حقّ
القتل بغير حق حرام وكبيرة من كبائر الذنوب١.
دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فآيات كثيرة، منها:
١- قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾ ٢.
٢- وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً﴾ ٣.
٣- وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ ٤.
٤- وقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ ٥.
٥- وقوله تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ ٦.
_________
١ انظر: المبسوط ٢٦/٥٨، ٥٩، المهذب ٢/١٧٢، المغني ١١/٤٤٣.
٢ آية (٣٣) من سورة الإسراء.
٣ آية (٩٢) من سورة النساء.
٤ آية (٩٣) من سورة النساء.
٥ آية (٣١) من سورة الإسراء.
٦ آية (٣٢) من سورة المائدة.
1 / 352
وأما السنة فأحاديث كثيرة، منها:
١- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – ﵄ – عن النبي ﷺ قال: " الكبائر١الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس٢ " ٣.
٢- حديث عبد الله بن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث٤الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة " ٥.
٣- حديث عبادة بن الصامت ﵁ قال: "إني من النقباء٦ الذين بايعوا
_________
١ ذكر في الحديث هنا أربع كبائر، وفي حديث آخر ذكر سبع كبائر، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري ١٢/١٨٣ الحكمة في الاقتصار على ذلك مع أن الكبائر لا يقتصر على ما ذكر: أن مفهوم العدد ليس بحجة، وهو جواب ضعيف، وبأنه أعلم أولا بالمذكورات ثم أعلم بما زاد، فيجب الأخذ بالزائد أو أن الاقتصار وقع بحسب المقام بالنسبة للسائل أو من وقعت له واقعة.
٢ الغموس: بفتح المعجمة وضم الميم. سميت بذلك؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، فهي فعول بمعنى فاعل. انظر: فتح الباري ١١/٥٥٥.
٣ أخرجه البخاري ٧/٢٢٨ في كتاب الأيمان والنذور، باب اليمين الغموس.
٤ قال الشوكاني في نيل الأوطار ٧/٦: " قوله " إلا بإحدى ثلاث " مفهوم هذا يدل على أنه لا يحل بغير هذه الثلاث، وسيأتي ما يدل على أنه يحل بغيرها فيكون عموم هذا المفهوم مخصصا بما ورد من الأدلة الدالة على أنه يحل دم المسلم بغير هذه الأمور المذكورة ".
٥ أخرجه البخاري ٨/٣٨ في كتاب الديات، باب قول الله تعالى: ﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾، ومسلم ٣/١٣٠٢ في كتاب القسامة، باب ما يباح به دم مسلم.
٦ النقباء؛ أي العرفاء. انظر: المصباح المنير ٢/٦٢٠.
1 / 353
رسول الله ﷺ بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نزني، ولا نسرق، ولا نقتل النّفس التي حرم الله "١.
٤- حديث عبد الله بن عمر – ﵄ – قال: قال رسول الله ﷺ: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما " ٢.
٥- حديث عبد الله بن مسعود ﵁ قال: قال النبي ﷺ: " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء٣ " ٤.
وأما الإجماع:
فقد نقل ابن قدامة – رحمه الله تعالى – أنه لا خلاف بين الأئمة في تحريم القتل بغير حق٥.
_________
١ أخرجه البخاري ٨/٣٥ في كتاب الديات، باب قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا...﴾ .
٢ أخرجه البخاري ٨/٣٥ في كتاب الديات، باب قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم﴾ .
٣ استشكل هذا الحديث مع حديث "أول ما يحاسب العبد عليه صلاته " الذي أخرجه أهل السنن.
وأجيب: أن الحديث الأول يتعلق بمعاملات العباد والثاني بمعاملات الله.
انظر: نيل الأوطار ٧/٤٥.
٤ تقدم إخراجه.
٥ انظر: المغني ١١/٤٤٣.
1 / 354
المبحث الثالث: مشروعية القصاص في النفس ومادون النفس
المطلب الأول: في مشروعية القصاص في النفس ومادون النفس
...
المطلب الأوّل: في مشروعية القصاص في النفس
أجمع العلماء على أن القود واجب بالقتل العمد إذا اجتمعت شروطه١.
وقد دلت الآيات والأحاديث بعمومها على ذلك:
من القرآن الكريم:
١- قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ ٢.
٢- وقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ ٣.
_________
١ انظر: البناية ١٢/١٠٠، حاشية ابن عابدين ٦/٥٢٩، الذخيرة ١٢/٢٧٩، قوانين الأحكام الشرعية ص/٢٢٦، المهذب ٢/١٧٢، الحاوي ١٢/٦، المغني ١١/٤٥٧، شرح الزركشي ٦/٥٣.
شروط وجوب القصاص:
١- أن يكون القاتل مكلفا، أي بالغا عاقلا.
٢- أن يكون متعمدا القتل.
٣- أن يكون تعمد القتل محضا، أي لا شبهة في عدم إرادة القتل.
٤- زاد الحنفية أن يكون القاتل مختارا، فلا قصاص على المكره عندهم. والجمهور يوجبون عليه القصاص. انظر: صفحات المصادر السابقة وما بعدها.
٢ آية (١٧٨) من سورة البقرة.
٣ آية (٣٣) من سورة الإسراء.
1 / 355
٣- وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ١.
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -: "يقول تعالى: وفي شرع القصاص لكم - وهو قتل القاتل - حكمة عظيمة، وهي بقاء المهج وصونها؛ لأنه إذا علم القاتل أنه يقتل انكف عن صنعه، فكان في ذلك حياة للنفوس. وفي الكتب المتقدمة: القتل أنفى للقتل، فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح وأبلغ وأوجز٢". انتهى
ونحوه ذكر القرطبي والبغوي٣.
وقوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ ٤.
فدلت الآيات بعمومها على مشروعية القصاص في الجناية على النفس.
من السنة.
١- حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى وإما أن يقتل " ٥.
٢- حديث أبي شريح الكعبي ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: " إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسفكن فيها دما ولا يعضدن٦
_________
١ آية (١٧٩) من سورة البقرة.
٢ انظر: تفسير القرآن العظيم ١/٣٠١.
٣ انظر: الحامع لأحكام القرآن ٢/٢٥٦، معالم التنزيل ١/١٤٦.
٤ آية (٤٥) من سورة المائدة.
٥ أخرجه البخاري ٦/٩٤ في كتاب اللقطة، باب كيف تعرف اللقطة أهل مكة، ومسلم ١/٩٨٨ في الحج، باب تحريم مكة.
٦ يعضدن؛ أي يقطعن. انظر: المصباح المنير ٢/٤٩٤.
1 / 356
فيها شجرا، فإن ترخص مترخص فقال: أحلت لرسول الله ﷺ، فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم هي حرام إلى يوم القيامة. ثم إنكم معشر خزاعة قتلتم هذا الرجل من هذيل، وإني عاقله، فمن قتل له قتيل بعد اليوم، فأهله بين خيرتين: إما أن يقتلوا أو يأخذوا العقل١ "٢.ففي هذين الحديثين دلالة على مشروعية القصاص في الجناية على النفس٣.
٣- حديث وائل بن حجر ﵁ قال: كنت عند النبي ﷺ إذ جيء برجل في عنقه النسعة٤، قال: فدعا ولي المقتول فقال: " أتعفو؟ "، قال: لا، قال: "أفتأخذ الدية؟ "، قال: قال: لا، قال: " أفتقتل؟ "، قال: نعم، قال: " اذهب به! " فلما ولى قال: " أتعفو؟ "، قال: لا، قال: " أفتأخذ الدية؟ "، قال: لا، قال: " أفتقتل؟ " قال: نعم، قال: " اذهب به! "، فلما كان في الرابعة، قال: " أما إنك إن عفوت عنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه "، قال: فعفا عنه، قال: فأنا رأيته
_________
١ العقل: الدية. وأصله أن القاتل إذا قتل قتيلا جمع الدية من الإبل، فعلقها بفناء أولياء المقتول؛ أي يشدها في عُقلها يسلمها إليهم ويقبضوها منه، فسميت الدية عقلا بالمصدر. وكان أصل الدية الإبل، ثم قومت بعد ذلك بالذهب والفضة والبقر والغنم.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر ٣/٢٧٨، المصباح المنير ٢/٥٠٤. وراجع: المغني ١٤/٦.
٢ أخرجه الإمام أحمد في المسند ٦/٣٨٥، والترمذي ٤/٢١ في كتاب الديات، باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو، وقال: " حديث حسن صحيح ". وصححه الألباني في إرواء الغليل ٧/٢٧٦.
٣ انظر: شرح السنة ١٠/١٥٩.
٤ النسعة – بنون مكسورة ثم سين ساكنة ثم عين مهملة – هي حبل من جلد مظفورة. انظر: شرح صحيح مسلم ١١/١٧٢.
1 / 357
يجر النسعة١.
قال البغوي – رحمه الله تعالى -: فيه دليل على أن ولي الدم مخير بين القصاص، وبين أن يعفو عن القصاص على الدية، وبين أن يعفو مجانا٢.
٤- حديث عبد الله بن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة " ٣.
ومن جهة المعنى: أنه لو لم يجب القصاص في هذه الحالة لأدى ذلك إلى سفك الدماء وهلاك الناس٤.
المطلب الثّاني: مشروعية القصاص في الجناية على ما دون النّفس أجمع العلماء على تحريم الاعتداء على ما دون النفس وأن القصاص جار فيها إذا أمكن٥. وقد دل على ذلك: قوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ _________ ١ أخرجه مسلم ٢/١٣٠٧ في القسامة، باب صحة الإقرار بالقتل وتمكين ولي الدم القتيل من القصاص، واستحباب طلب العفو منه، وأبو داود ٤/٦٣٨ في الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم. ٢ انظر: شرح السنة ١٠/١٦١. ٣ سبق تخريجه في صفحة (١٥) . ٤ انظر: الاختيار ٥/٣٠-٣١، المهذب ٢/١٧٢. ٥ انظر: المغني ١١/٥٣٠.
المطلب الثّاني: مشروعية القصاص في الجناية على ما دون النّفس أجمع العلماء على تحريم الاعتداء على ما دون النفس وأن القصاص جار فيها إذا أمكن٥. وقد دل على ذلك: قوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ _________ ١ أخرجه مسلم ٢/١٣٠٧ في القسامة، باب صحة الإقرار بالقتل وتمكين ولي الدم القتيل من القصاص، واستحباب طلب العفو منه، وأبو داود ٤/٦٣٨ في الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم. ٢ انظر: شرح السنة ١٠/١٦١. ٣ سبق تخريجه في صفحة (١٥) . ٤ انظر: الاختيار ٥/٣٠-٣١، المهذب ٢/١٧٢. ٥ انظر: المغني ١١/٥٣٠.
1 / 358
وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاص﴾ ١.
وحديث أنس بن مالك ﵁: أن الربيع بنت النضر كسرت ثنية جارية فطلبوا الأرش وطلبوا العفو، فأبوا. فأتوا النبي ﷺ فأمرهم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله؟، لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها٢. فقال: " يا أنس، كتاب الله القصاص! "، فرضي القوم وعفوا، فقال النبي ﷺ: " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " ٣.
_________
١ آية (٤٥) من سورة المائدة.
٢ قوله: " والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها " قيل: لم يرد بهذا القول رد حكم الشرع، وإنما أراد التعريض بطلب الشفاعة. وقيل: إنه وقع منه ذلك قبل علمه بوجوب القصاص إلا أن يختار المجني عليه أو ورثته الدية أو العفو. وقيل: غير ذلك. انظر: نيل الأوطار ٧/٢٤.
٣ أخرجه البخاري ٣/١٦٩ في كتاب الصلح، باب الصلح في الدية، واللفظ له، ومسلم ٢/١٣٠٢ في كتاب القسامة، باب إثبات القصاص في الأسنان وما معناها.
1 / 359
المبحث الرابع: في الإشتراك المتعمد في الجناية على الواحد بالقتل
مدخل
...
المبحث الرّابع:
في الاشتراك المتعمّد في الجناية على الواحد بالقتل
وفيه ثلاثة مطالب
إذا اشترك جماعة أو اثنان في قتل نفس لم يخل حالهم من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون كل واحد منهم لو انفرد بقتله قتل به كأحرار قتلوا حرا، أو العببد قتلوا عبدا، أو كفار قتلوا كافرا.
والثاني: أن يكون كل واحد منهم لو انفرد بقتله لم يجب عليه القود، كأحرار قتلوا عبدا، مسلمين قتلوا كافرا.
والثالث: أن يجب القود على أحدهم لو انفرد ولا يجب على الباقين إذا انفرد، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون سقوط القود عنه لو انفرد لمعنى في نفسه، كالأب إذا شارك أجنبيا في قتل ولده وكالحر إذا شارك عبدا في قتل عبده وكالمسلم إذا شارك كافرا في قتل كافر.
والثاني: أن يكون سقوط القود عنه لو انفرد لمعنى في فعله، كالخاطئ إذا شارك عامدا في القتل أو تعمد الخطأ إذا شارك عمدا محضا.١
وسيأتي أحكام هذه الأقسام في المطالب الآتية إن شاء الله.
_________
١ انظر: الحاوي ١٢/١٢٧-١٢٨، المغني ١١/٤٩٠ وما بعدها.
1 / 360