الصراع الفكري في البلاد المستعمرة

مالك بن نبي ت. 1393 هجري
92

الصراع الفكري في البلاد المستعمرة

الناشر

دار الفكر الجزائر / دار الفكر دمشق

رقم الإصدار

الثالثة

سنة النشر

١٤٠٨ هـ = ١٩٨٨ م / ط ١ القاهرة ١٩٦٠ م

مكان النشر

سورية

تصانيف

لحم ودم، أمام الآلة الدقيقة المركبة من حديد وفولاذ، ويتحقق أمام عينيك المعنى الذي خطر ببالك يومًا ما، عندما أودعت في مذكراتك أنك «الذرة التي ألقت بنفسها بين قوى هائلة تتصارع في العالم ... وأن الذرة إن لم تحطم، فهي معجزة ...». هذا وجه الصراع، أو بعض ملامحه من الناحية الموضوعية، ولكن ما صورته من الناحية الشكلية؟ إن الفرد الذي اكتشف فجأة أن عمليات حرمانية تجري على دائرته الاجتماعية، قد يقرن تاريخ هذه العمليات بالحدث الذي لفت نظره إليها لأول مرة، فيصبح هذا الحدث في ذهنه هو بداية العمليات ... ثم تأتي الأيام بمزيد من المعلومات، فتكشف عن أن الحدث السابق، ليس هو البداية وإنما هو من طوارئ الطريق الطارئ، الذي لم يقدره القائم بالعمليات تقديرًا محكمًا، حتى استطاع أن يلفت به نظر من تجري على حسابه هذه العمليات، فيكشف هذا الأخير أو يرى على ضوء المعلومات الجديدة، أن الصورة الأولى التي أخذها عن القضية، وإن كانت صحيحة من الناحية الموضوعية، ليست صحيحة من الناحية الشكلية، إذ أن الحدث الذي كان يرى فيه بدايتها ما كان في الواقع إلا طارئًا من طوارئ الطريق .. وربما تأتي الأيام بمعلومات أخرى، فتكون نتيجتها من الناحية الشكلية، صورة جديدة للقضية في ذهن من يعيش هذه التجربة ... والآن لو فرضنا أن هذا الرجل ليس لديه، للوصول إلى الحقيقة إلا وسائله الشخصية،- وسائل الفرد أمام الجهاز الضخم، وسائل الإنسان المركب من لحم ودم أمام الآلة المركبة من الفولاذ، وسائل الذرة المقحمة بين قوى هائلة- لو فرضنا أنه أراد أن يرفع القضية، في صورتها الأولى مثلًا، أمام مجلس أرواح استحضره، كي يصدر حكمه فيها ... ماذا سيحدث؟

1 / 95