الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
الناشر
دار الفكر الجزائر / دار الفكر دمشق
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٠٨ هـ = ١٩٨٨ م / ط ١ القاهرة ١٩٦٠ م
مكان النشر
سورية
تصانيف
وقد يحدث أن يتنحى أو ينحى، الفرد الذي يجسد هذه السياسة فيحل مكانه كائن مركب، أو بعبارة أدق (مركب أفراد) يجمع بينهم اتصال عضوي، مثل ما يسمى في الطب (التوائم السيامية) (١).
وقد يحدث أن يكون هذا الاتصال بواسطة جهاز هضم مشترك. فيصبح الكائن المركب بذلك قائمًا على تضامن هضمي، فكل ما يمر بحنجرة فرد من الأفراد المركبين يدخل في عملية هضم مشتركة.
وتصبح (القضية) كما يقال في العرف السياسي قضية هضم، ولا بأس أن يكون في الرؤوس المتصلة بالجهاز الهضمي أفكار مختلفة شريطة ألا يعطل ذلك الاختلاف عملية الهضم، وإلا تخلص مركب الأفراد من الرأس الذي يحمل فكرة مشوشة، وفصله عن جهازه الهضمي.
إنه تركيب بالغ الدقة، والاستعمار يتقن تركيبه بدقة صانع الساعات العبقري، فهو يكوّن لها جهازًا صالحًا لتحويل أي فكرة تظهر في البلاد المستعمرة إلى فكرة (متجسدة) قريبة المنال، ويكون له بالتالي خير وسيلة لمقاومة أي محاولة، تظهر في البلاد المستعمَرة لتعديل وتصحيح نظمها السياسية.
إنه جهاز يعمل طبقًا لآلية نفسية غير معقدة، تدفعه إلى الحركة دوافع عاطفية، وتوجهه العوامل التي تتحكّم فيه لسياسة عاطفية، وهي عوامل تمثلها في مستوى معين، مصالح خاصة.
والاستعمار يعلم كل شيء عن آلية تلك المصالح، التي تعبر في النهاية عن ردود أفعال لجهاز هضم.
_________
(١) يعبرون بهذه العبارة عن التوائم التي تولد ملتصقة بعضو من أعضائها.
1 / 25