الصراع الفكري في البلاد المستعمرة

مالك بن نبي ت. 1393 هجري
111

الصراع الفكري في البلاد المستعمرة

الناشر

دار الفكر الجزائر / دار الفكر دمشق

رقم الإصدار

الثالثة

سنة النشر

١٤٠٨ هـ = ١٩٨٨ م / ط ١ القاهرة ١٩٦٠ م

مكان النشر

سورية

تصانيف

مثلًا إلى إحدى الهيئات لتجعله تحت رعايتها، ولسوف يتم هذا فعلًا، كما تمنيت، إلا أنك سوف تفاجأ أثناء زيارتك لتلك المصلحة الحكومية، حينما يقول لك من يتحدث باسمها، إن أحد الصحفيين، وهو مراسل جريدة كبرى من باريس قد سبقك، وقدم للمصلحة نفسها عرضًا بأن يقوم فيلسوف فرنسي بدراسة عن موضوع مؤتمر باندونج، حتى يستخلص منه نتائجه النظرية، في صورة تخطيط لحضارة إفريقية آسيوية تضم في تركيبها جانبًا غربيًا. ولا شك أن من تتبع النظريات السياسية منذ الحرب العالمية الثانية، سيشعر حينًا بما في هذا العرض الغريب من قرابة لفكرة أوربا- إفريقية «التي جادت بها القريحة الاستعمارية الصادرة عن فلسفة النازية»، وهي من مخلفات هتلر الفكرية في النفسية الاستعمارية الجديدة، التي نرى من آثارها السياسية، الجبهة الأوربية التي اتخذت قاعدتها في مدينة سترازبورج بشرق فرنسا. فعرض الصحفي الباريسي يتصمن هذه الفكرة الاستعمارية في نطاق أوسع: نطاق فكرة أوربية - إفريقية - آسيوية. ومما يزيد أهمية هذا العرض، هو أنه- فيما يبدو وكما قيل أثناء زيارة المصلحة المذكورة- قد عرض أيضًا على شخصيات مختصة بنيودلهي وبجاكرتا. فهذا دون ريب مسعى غريب، ولكن غرابته ذاتها تزيدنا اهتمامًا بشأنه، وتدعونا إلى التفكير في أمره. وإذا فكرنا فيه زاد اهتمامنا بقدر ما تقل غرابته في نظرنا إليه من وجهات متعددة: فيمكننا أولًا أن نناقش العرض الذي قدمه الصحفي الباريسي على أنه مجرد فكرة نشأت في عقل إنسان، أي بصفته فكرة تقبل المناقشة، ورأيًا يقبل الأخذ والرد، على أنه وجهة نظر خاصة تحتمل الصواب والخطأ، تبعًا لما إذا كنا نعترف أو ننكر إمكان قيام حضارة إفريقية آسيوية، يكون في تركيبها دور خاص للحضارة الغربية.

1 / 114