كانت المسيحية هي الثقافة المهيمنة؛ ومن ثم لا غرو أنها قدمت المفردات لطرفي أغلب الانقسامات الأخلاقية والاجتماعية المهمة. فمن عملوا من أجل إلغاء تجارة العبيد أقاموا حجتهم بقيم مسيحية؛ وكذلك فعل تجار العبيد. وكثير ممن سعوا إلى تحسين ظروف العمل القاسية في المصانع والمناجم استحضروا قيما مسيحية؛ وكذلك فعل أصحاب المصانع وأصحاب المناجم. والبعض على الأقل ممن نظموا حملات للوصول إلى مزيد من تكافؤ الفرص، أو من أجل توسيع نطاق حق الانتخاب، أو من أجل تحرير المرأة، أو من أجل وضع حد للتمييز العنصري استدعوا قيما مسيحية، وكذلك فعل من دافعوا عما رأوه التراتب الاجتماعي والتفاوت المفروضين من السماء، وغير القابلين للتغيير.
وكحقيقة تاريخية، رغم أن قيمنا الليبرالية الحديثة دار حولها جدل في الأصل على أسس دينية، فقد قدم الفلاسفة الأخلاقيون والسياسيون مجموعة كاملة من التبريرات التي يمكن أن نعتمد عليها أيضا، بما في ذلك التبرير البراجماتي الذي ألقينا عليه الضوء في موضع سابق من الفصل. لا توجد ضرورة لتبرير حقوقنا وحرياتنا على أسس دينية.
بالطبع، قد يصر منتقدو العلمانية على أن هذه التبريرات اللادينية لا تفي بالغرض، إلا أن التبريرات القائمة على الافتراض بأن الإله كما هو في الديانتين اليهودية والمسيحية موجود تبدو تبريرات أقل منطقية في أعين أغلب المنظرين والفلاسفة السياسيين.
كما ينبغي أن نلاحظ أنه في بلد مثل المملكة المتحدة، يوجد عدد كبير ومتنام من المواطنين - الثلث - غير مستعدين حتى للقول بوجود علاقة ثقافية مع المسيحية؛ فنتيجة إعطائنا قيمنا الأساسية تبريرا مسيحيا بالخصوص هي أنه تزيد، ولا تقل، احتمالات تجاهل أو رفض تلك القيم من عدد كبير من المواطنين. وبالتأكيد، إن كنا نريد من «الجميع» اعتناق قيم أساسية معينة، مثل حقوق الإنسان، أفلا يكون من الأفضل تقديم تبرير محايد دينيا لها؟
خاتمة
يفترض بعض الدينيين، لكن بالتأكيد ليس كلهم، أنه عندما تأمر شركة طيران أحد أفراد طاقمها بعدم ارتداء صليب، أو عندما يكره كاثوليكي يعمل بمؤسسة تبني على تقديم الخدمة نفسها التي يقدمها للجميع إلى زوجين من المثليين، يعد هذا شكلا من التمييز المجحف بحق أصحاب العقائد الدينية القوية، وأن الدينيين أصبحوا ضحية للظلم، وأننا لا نولي معتقداتهم «الاحترام» الجديرة به.
لكن هذا ليس هو الحال في واقع الأمر؛ ليس إذا كانت شركة الطيران تفرض قواعد ملبس تقتضي حظرا شاملا للحلي، وليس إذا كان العاملون العنصريون بمؤسسة التبني مجبرين على تقديم الخدمة نفسها التي يقدمونها للجميع إلى الأزواج المختلطي الأعراق. لم يجب على شركة طيران لها قواعد ملبس معينة تحظر على العاملين ارتداء الحلي أن تجبر على عمل استثناء للحلي الدينية؟ وإن لم نسمح للمتعصبين لأسباب لا دينية بالتمييز الظالم ضد الآخرين، فلم يجب علينا أن نمنح هذا التمييز للمتعصبين لأسباب دينية؟
لقد عرضت أربع إجابات مختلفة عن السؤال: لم يجب على الدولة منح المعتقدات الدينية أوضاعا تمييزية لا تبسط نطاقها إلى المعتقدات الأخرى، مثل المعتقدات السياسية (المحضة)؟ ولم تثبت كفاية أي من الإجابات. بالطبع يمكن تقديم الكثير من الإجابات الأخرى؛ فهذه الإطلالة مخصصة من أجل توضيح نقطة معينة؛ وهي أنه بينما قد يجد الكثير منا فكرة أن المعتقدات الدينية مستحقة لمعاملة خاصة فكرة بديهية، تفشل العديد من التبريرات التي يمكن تقديمها لتوفير مسوغ لذلك، وما زلت أبحث عن أي تبرير أفضل.
الفصل السادس
الإنسانوية والتعليم الأخلاقي والديني
صفحة غير معروفة