وانتشرت كذلك معاداة السامية في الكنائس البروتستانتية الألمانية الرئيسية. ففي كتابه «جلادو هتلر الطوعيون»، يورد دانيال جولدنهاجن أن أحد إصدارات كنيسة بروتستانتية: ... حسب تعبير مراقب معاصر: «لن نتوقف عن وصف اليهود بمنتهى الحماس بأنهم جسم غريب يجب أن يتخلص منه الشعب الألماني، وأنهم خصم خطير يجب أن نشن عليه حربا لا تبقي ولا تذر.» كان الاختلاف على هذا الرأي نادرا ... ويقول أحد رجال الكنيسة في مذكراته إن معاداة السامية انتشرت في الدوائر الكنسية لدرجة أنه «لم يتجرأ أحد على الاعتراض العلني عليها.»
قال الكاثوليكي كونراد أديناور، أول من شغل منصب المستشار بألمانيا بعد الحرب فيما يتعلق بمحرقة اليهود :
أعتقد أنه لو أن الأساقفة جميعهم اتخذوا موقفا علنيا [بمعارضة معاداة السامية] من منبر الوعظ، لأمكن تجنب الكثير. لكن لم يحدث ذلك، ولا عذر لهم في ذلك.
لكن ربما كانت ألمانيا النازية استثناء. ماذا عن الدول الشمولية الأخرى، مثل إيطاليا الفاشية؟ كيف استجابت الكنائس المسيحية لصعود الشمولية هناك؟ كانت الكاثوليكية هي دين الدولة الوحيد المعترف به. ماذا عن صعود الفاشية في إسبانيا؟ كيف قاومت الكنيسة الكاثوليكية إطاحة فرانسيسكو فرانكو بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا؟ لم تقاومها!
لا تتمتع الكنائس المسيحية بسجل تاريخي جيد بخصوص مقاومة الشمولية الأوروبية. وكثيرا ما ارتضت التعاون مع أنظمة شمولية، بل وبناء تحالفات معها، وذلك على الأقل حتى بدأت تلك الأنظمة تهدد مصالحها. وبالطبع ثمة استثناء وحيد لاتجاه التقارب الوثيق هذا لدى الكنائس المسيحية مع الدول الشمولية؛ وهو الأنظمة الشيوعية الإلحادية بشرق أوروبا، التي طالما اجتهدت الكنيسة الكاثوليكية من أجل الإطاحة بها.
كما ينبغي أن نتذكر، منذ وقت ليس ببعيد، أن الكنيسة الكاثوليكية نفسها كانت لا تزال تنظم عمليات الإعدام خنقا التي تنفذها الدولة الإسبانية بحق المواطنين الذين لا يؤمنون بما قالته لهم الكنيسة.
إذن، فالاقتراح القائل بأن انتسابهم للكنائس المسيحية هو أفضل وقاية للدول الأوروبية من الانزلاق إلى الشمولية ليس اقتراحا مدعوما جيدا بالشواهد التاريخية. وفي الواقع، إن التحذير الذي يسوقه التاريخ الأوروبي، إن وجد، هو ضرورة ألا نعتمد على الكنائس لحمايتنا من الشمولية. (6) التسليم بشيء أعلى من الدولة
من المهم بالتأكيد التسليم بوجود مبادئ أعلى من الدولة، وأغلبنا، الديني منا واللاديني، يقر بأن هذا صحيح بشأن المبادئ «الأخلاقية»، وما تفرض الدولة صحته أو خطأه أخلاقيا ليس بالضرورة كذلك.
حاليا «يمكن» أن تكون أي كنيسة من بين من يقدمون نقدا أخلاقيا للدولة عندما تبدأ في الانزلاق نحو الشمولية. ولا شك في أن التعاون الوثيق مع الدولة قد يزيد من نفوذ وسلطة الكنيسة لتكون بمنزلة كابح لسلطة الدولة. المشكلة هي أنه بمجرد أن تدخل الكنيسة في مثل هذا الاتفاق، ستقل كثيرا احتمالات تقديم أي نقد كهذا إلى الدولة . وبمجرد أن تدخل الكنيسة والدولة في اتفاق دعم متبادل، سيكون إذن لكل منهما مصلحة خاصة في حماية نفوذ وسلطة الآخر. وبالتأكيد أغلب الظن أن الكنيسة ستقدم مثل هذا النقد عندما تكون مستقلة حقا عن الدولة، وليس متعاونة عن قرب معها. (7) ماذا عن أسسنا الدينية؟
ماذا عن اقتراح تريج بأن قيمنا الليبرالية الحديثة لها أساس ديني من دونه يحتمل أن تتآكل هذه القيم؟ صحيح أن حرياتنا وحقوقنا السياسية الحديثة غالبا ما نجد تبريرها في الأصل على نحو ديني، لكن هذا بسبب أنه آنذاك كانت العادة تبرير كل موقف أخلاقي وسياسي على نحو ديني. وكما يوضح واضعو نشرة الرابطة البريطانية الإنسانية التي تحمل عنوان «الحجة المؤيدة للعلمانية»:
صفحة غير معروفة