ولكن حسب رؤية الضرورة هذه، إن كان الإله، أو شيء آخر، يوجد بفعل الضرورة، فلا يمكن أن يتحقق ذلك إلا «بسبب أن الإله معرف أو متصور بهذا الشكل؛ أي على أنه شيء موجود.»
والمشكلة هنا هي أنه «لا الوجود ولا الوجود الضروري يمكن الجزم بهما مفاهيميا على هذا النحو.» فإن عرفت «ووزل» على أنه أول شخص سار على سطح المريخ في عام 2000، فأنا بذلك أعرف أنه إن كان أي شخص ووزل، فسيكون أول من سار على المريخ في عام 2000. لكن بالطبع لم يسر أحد على المريخ عام 2000. ولاحظ أنني لا أستطيع الجزم بأن مثل هذا الشخص موجود بمجرد إضافة الوجود إلى تعريفي له، مثل الآتي: «ووزل» هو أول شخص يسير على سطح المريخ في عام 2000 «وهو موجود».
وعلى نحو مشابه، حتى إن كان الوجود مشمولا في فكرة الإله، فلن يستتبع ذلك وجود مثل ذلك الكيان، فضلا عن وجوده بالضرورة (ولهذا السبب فإن الفشل مصير تلك الحجج «الوجودية» التي تحاول إثبات وجود الإله عن طريق الإشارة إلى أن مفهوم الإله ينطوي على مفهوم الوجود).
ولذا، إذا كان السبيل الوحيد لإلحاق صفة بشيء على نحو ضروري هو عن طريق تعريفنا أو تصورنا له بطريقة معينة، وليس من الممكن إلحاق الوجود على هذا النحو؛ إذن «فالعدم يمكن أن يوجد بالضرورة.»
حتى إن أمكن التعامل مع جميع الاعتراضات المختلفة الموضحة أعلاه، فستبقى مشاكل أخرى أمام الحجة الكونية، وفيها المشكلة التالية: حتى إن لم تنجح الحجة في إثبات وجود شيء ما موجود بالضرورة يسير الكون، فإنها، بشكلها الحالي، قفزة أخرى ضخمة غير مبررة إلى الخلوص بأن هذا الشيء أشبه بكيان ذكي، بله كيان يتمتع بخصائص أخلاقية مثل الخيرية العليا، ويستجيب لدعواتنا، ويقوم بمعجزات، وما إلى ذلك.
إن الحجة الكونية على ذلك النحو لا تؤيد الإيمان بالإله كما هو في الديانتين اليهودية والمسيحية بالقدر نفسه الذي لا تؤيد به الإيمان بإله عظيم القوة ومتباين أخلاقيا، أو في الواقع بعدد لا يحصى من الآلهة أو الأشياء الأخرى. وهو بالطبع ما تؤيده الحجة بالكاد، في كل حالة، إن كانت تؤيده من الأساس. (3) برهان التصميم
دعونا نلتفت الآن إلى ما يعرف ببرهان التصميم أو الحجج الغائية المؤيدة لوجود الإله. تبدأ هذه الحجج بملاحظة أن العالم الطبيعي - أو العناصر التي يضمها - يبدو أنه يتمتع بسمات مميزة معينة؛ مثل الترتيب والغاية. وتخلص هذه الحجج إلى أنه بما أن الإله هو التفسير الوحيد، أو أفضل تفسير متاح على الأقل، لتلك السمات؛ فالإله موجود إذن.
لعل أشهر حجة من حجج التصميم هي الحجة التي قدمها ويليام بايلي في كتابه «اللاهوت الطبيعي» المنشور عام 1802. يقول بايلي إن رأى أحدهم شيئا معقدا مثل ساعة يد ملقاة على الأرض، فمن غير المعقول افتراض أن تلك الساعة وجدت هناك بالمصادفة، أو أنها وجدت دائما في هذا الشكل. ومع العلم بالغرض الواضح من الساعة - معرفة الوقت - وتكوينها الشديد التعقيد المصمم للوفاء بهذا الغرض، فمن المنطقي افتراض أن الساعة صنعها كيان عاقل من أجل هذا الغرض. لكن إن كانت تلك نتيجة منطقية تخلص إليها في حالة الساعة، فبالتأكيد النتيجة نفسها التي تخلص إليها في حالة العين البشرية، مثلا، لا تقل منطقية عن سابقتها؛ إذ تتمتع العين البشرية بغرض مصممة له هي الأخرى بإتقان. ويفترض بايلي أن هذا المصمم الذكي هو الإله.
وفكرة أن العضو البيولوجي مثل العين البشرية يجب أن يكون له مصمم ما قام بتصميمه، فكرة يقبل بها الكثيرون، وفيهم العالم تشارلز داروين، إلى أن وضع داروين تفسيره التطوري البديل للكيفية التي ظهرت بها العين.
والآلية التي كان داروين يرى أنها يمكن أن تفسر التطور التدريجي للعين هي «الانتخاب الطبيعي». عندما تتكاثر الكائنات الحية، قد تختلف ذريتها قليلا في مناح وراثية. ويستغل مربو الحيوانات وزارعو المحاصيل تلك الطفرات التي تحدث بالمصادفة لإنتاج سلالات جديدة. فعلى سبيل المثال، قد ينتقي مربي كلاب من كل جيل من الكلاب الكلاب الأكبر حجما والأقل شعرا، وفي النهاية ينتج سلالة جديدة بالكامل من الكلاب الضخمة العديمة الشعر.
صفحة غير معروفة