الإنسان والحيوان والآلة: إعادة تعريف مستمرة للطبيعة الإنسانية
تصانيف
وخلال هذا التعلم (الذي قد يكون طويلا) يمكن للآلة أن تستكشف هذه البيئة المكانية بذكاء (انظر الفصل الخامس)، فتختار الأفعال الأكثر ملائمة التي تسمح لها بتعلم أكبر قدر ممكن، وهو ما سيقودها إلى تجنب التراكيب أو قيم المعايير التي تعرف بالفعل نتائجها أو تلك التي لا يمكن حتى هذه اللحظة التنبؤ بنتائجها للتركيز على مناطق التعلم، وهي «كوامن التطور» الواعدة في ظل مرحلة الاستكشاف التي تمر بها والنماذج التي صنعتها.
يتلاءم هذا النوع من الاستكشاف مع أي بيئة مكانية، فسواء تعلق الأمر بتعلم حسي وحركي كالمشي أو بحل معادلة تفاضلية، ترتبط هذه العملية بالاستباق وبالتخطيط للقيام بحركة ما، وتتغير فقط البيئة المكانية. ولكن كيف يمكن الانتقال من بيئة مكانية إلى أخرى؟ (2-2) تكوين العادات يسمح بالتخيل
تستطيع الآلة أن «تدرك» انتظام سلوكياتها. فإذا كان يمكن التنبؤ جيدا بمسار حسي وحركي ما، يمكن ترجمة هذا المسار في صورة «عامل تنبؤ» مخصص إلى التعرف على الموقف (لا يخطئ في التنبؤ إلا قليلا) والتفاعل بصورة ملائمة عندما يحدث الموقف.
وتشبه عملية استخراج المقاطع المستقرة تكوين «العادات »؛ فتدمج الآلة السلوكيات الملائمة ويمكنها إذن أن تصب اهتمامها على ملامح أخرى في بيئتها، كالطفل الذي يبلغ من العمر عاما واحدا والذي لا يفكر تدريجيا في التحكم الحسي والحركي الذي يسمح له بالمشي بل يركز فقط على المكان الذي يريد الذهاب إليه. (2-3) التخيل يتوقف عندما نتعثر
إن ظاهرة الإدماج والانفتاح على بيئات مكانية ذات مستوى أعلى هي التي تسمح بالتخيل. ففي الواقع، لا مجال للتخيل إلا عندما يتحول التحكم الفيزيائي في الجسد تدريجيا إلى آلي ويختفي من البيئة المكانية التي ينصب عليها التركيز ويترجم إلى «عادات»، وأي فشل في هذه العملية (حدث غير متوقع أو غير قابل للتنبؤ به) يجعلنا «نتعثر» في بيئات مكانية ذات مستوى أدنى. فإن طاليس الذي كان ينظر إلى السماء لم يكن يرى الحفرة التي سيقع فيها. ويتسبب هذا التغير المفاجئ للجسد بالضرورة في توقف عملية التخيل على الأقل لمدة محددة.
على غرار طاليس، تتعثر الآلات التي تستبق؛ فخلال مراحل التعلم (انظر الفصل الثاني) لا تترتب على أخطاء توقعاتها نتائج بصورة عامة لأنها تحدث خلال عملية استكشافية. وفي المقابل، عندما تتكون عادة ما أو يسجل سلوك يمكن التنبؤ به، يكون خطأ الاستباق أكثر مفاجأة؛ أي إنه قد يؤدي إلى نتائج جسيمة. ولقد ربطنا من قبل هذه الظاهرة بإدراك الوقت (انظر الفصل العشرين)، ويمكن أيضا ربطها بالإحساس بالألم. وتفرق إلين سكاري بصورة واضحة بين التخيل والألم؛ فعندما ينسى الجسم نفسه وتعمل الآليات بلا مفاجأة نميل إلى التخيل البحت، في حين أنه عندما يذكرنا الجسم بنفسه وعندما نتعثر نقترب من الألم.
3
وإذا كانت الآلات المتعلمة تتعثر، فهل تعاني أيضا (انظر الفصل السادس)؟ (2-4) هل يمكننا تصميم آلات تحلم؟
يستغرق تكوين العادات وقتا طويلا سواء للآلة أو الحيوان، وهي عملية استخراج المقاطع الحسية والحركية التي يمكن التنبؤ بها بصورة كبيرة. وتحدث هذه العملية عبر تكرار التجارب المعيشة. أما لدى الإنسان فيبدو أنها تحدث بصورة جزئية خلال النوم والحلم. فعند الاستيقاظ، نجد أصابعنا تلعب بسهولة أكبر على البيانو الذي كان يصعب التحكم فيه في الليلة السابقة.
ويمكننا بصورة مماثلة أن نعتقد أن الآلة خلال أوقات توقف نشاطها تتذكر تجاربها «في دائرة مغلقة» مما يسمح لها باستخراج العمليات المنتظمة. وخلافا للحيوان، تستطيع الآلة أن تسجل بالفعل كل ما يحدث لها وأن «تلعب من جديد» هذه التدفقات الحسية والحركية لإعادة تفسيرها بصورة متكررة. وترتبط إعادة التفسير دائما بقدرات الآلة على التنبؤ في وقت محدد. ويمكن «تقسيم» المقطع ذاته بطريقة مختلفة حسب قدرة نظام التنبؤ على فهمه؛ لذا يتعين على الآلة الاحتفاظ بكل شيء من هذه التدفقات الداخلة والخارجة إذا أمكنها ذلك. (2-5) هل تستطيع الآلة تكوين «تمثيلات» داخلية؟
صفحة غير معروفة