الإنسان والحيوان والآلة: إعادة تعريف مستمرة للطبيعة الإنسانية

فريدريك كابلن :: جورج شابوتييه ت. 1450 هجري
47

الإنسان والحيوان والآلة: إعادة تعريف مستمرة للطبيعة الإنسانية

تصانيف

(1) هل للحيوانات حقوق؟

إن الحقوق بالمعنى الفلسفي أو القانوني للكلمة هي من وضع الجنس البشري. فالبشر هم من يضعون داخل مجتمعاتهم قيودا تسمى «المعايير» أو «القوانين» التي تجبر البعض من بني جنسهم على القيام ببعض الأشياء أو الامتناع عن البعض الآخر. وعندما تتعلق هذه الالتزامات أو الواجبات بأناس آخرين فهي تعطيهم في المقابل حقوقا. فإذا كان يتوجب علي ألا أسرق جاري، فذلك يعطيه الحق في العيش دون أن يتعرض للسرقة. وإذا كان يتوجب على الدولة إتاحة الفرصة للمواطنين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات فذلك يمنح المواطنين الحق في التصويت. وإذا توجب علي إطعام قريب معاق فذلك يعطيه الحق في أن أطعمه. فإذا كانت الحقوق إذن من وضع البشر مما يفيد في تسيير المجتمعات الإنسانية فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل تنطبق هذه الحقوق على البشر وحدهم؟ (1-1) هل الحقوق للبشر فقط؟

عندما يتعلق الأمر بالحيوانات، يحتدم النقاش، فيرى معارضو «حقوق الحيوان» أن الحقوق التي وضعها البشر لا يمكن ولا ينبغي تطبيقها إلا على البشر أنفسهم، وهم يقرون بالطبع أن بعض البشر يعجزون فعليا عن المطالبة بحقوقهم، مثل المصابين بالغيبوبة والمعاقين ذهنيا أو الأطفال الصغار. ولكن يرى هؤلاء الأشخاص الذين يؤيدون حصر الحقوق على البشر فقط أن هؤلاء العاجزين يجب أن يتمتعوا بحقوقهم لمجرد كونهم بشرا ولانتمائهم للجنس البشري.

إلا أن ذلك الموقف خاطئ؛ فالآن ثمة كيانات مجردة ليست بشرا وتتمتع بحقوق ونسميها «الأشخاص المعنوية». وسيسمح المثال الطريف التالي بتوضيح قصدنا: يعتبر ميناء بيريه اليوناني «شخصا معنويا»؛ أي كيانا مجردا «يمتلك» (أو تحديدا تعطيه الجماعة الإنسانية) حقوقا، وبالطبع لن يؤكد أي من القراء أن ميناء بيريه إنسان!

لن يستطيع الشخص المعنوي أن يستمتع بحقوقه، فيمثله بالتأكيد شخص طبيعي (إنسان) يستطيع أن يقوم بذلك. وينطبق الأمر ذاته على البشر العاجزين عن الدفاع عن حقوقهم (مثل المصابين بالغيبوبة والمعاقين ذهنيا أو الأطفال الصغار ... إلخ)، فيمثلهم شخص بالغ أو عدد من الأشخاص الأصحاء القادرين على الاستمتاع بحقوقهم. وفيما يتعلق بمناصري «حقوق الحيوان»، يتعين أن يكون الأمر مشابها للحيوانات، فقد يدافع عن مصالحها وحقوقها وسيط إنساني. (1-2) الإعلان العالمي لحقوق الحيوان

إذا أقررنا المبدأ الذي يمكن من خلاله للجنس البشري أن يمنح حقوقا لكيانات غير بشرية فلن يتعارض شيء مع تعريف «حقوق الحيوان». فقد اقترحت بعض جمعيات الدفاع عن الحيوانات «إعلانا عالميا لحقوق الحيوان» في عام 1978 وتمت مراجعة نصه وتنقيحه في عام 1989. ويهدف هذا الإعلان إلى تحديد الخطوط العريضة «لحقوق الحيوان» مع الأخذ في الاعتبار أن الحيوانات تنتمي لفصائل مختلفة جدا وأن الحقوق الممنوحة لها يجب بالطبع أن تراعي هذه الاختلافات. فلا يمكننا أن نعامل كلبا أو نحلة أو عنكبوتا أو شمبانزي بالطريقة نفسها. ويقصر الإعلان العالمي أيضا الحقوق على العلاقات مع البشر؛ فلا يمكن للإنسان أن يتدخل في التوازنات الطبيعية من أجل تفضيل نمر بدلا من فريسته أو العكس. وينشد الإعلان العالمي لحقوق الحيوان التوصل إلى أن يجد كل حيوان طريقة حياة ملائمة مع احتياجات جنسه.

وإذا فكرنا مليا فسنجد أن الإعلان العالمي لحقوق الحيوان ليس مذهلا ولا ثوريا بالدرجة التي قد يبدو عليها. ففي قوانين غالبية دول العالم توجد بالفعل أحكام تهدف إلى حماية الحيوانات أو بعض الحيوانات من المعاملة الوحشية أو القاسية التي قد تتعرض لها بلا سبب في أثناء التربية أو النقل أو الذبح، وتوجد أحكام تسعى (في حالة الحيوانات الأليفة) إلى توفير حياة هادئة لهذه المخلوقات. وكما يثبت العلم من جهة أخرى أن الحيوانات كائنات حساسة، فإن الإعلان العالمي لحقوق الحيوان يعمم هذه الحقوق المبعثرة في القوانين القائمة وينظم العمل بها. فهذا الإعلان بالأساس عبارة عن جهد لموائمة القوانين القائمة رغبة في إضفاء التماسك العام على المستوى الفلسفي والقانوني.

وعندما نمنح حقوقا لميناء بيريه فنحن لا نجعل منه إنسانا! وكذلك عندما نمنح الحيوانات حقوقا فنحن لا نجعل منها بشرا. فيتعين التركيز على أن «حقوق الحيوان» لا تشبه على الإطلاق «حقوق الإنسان»، لكن في غالبية الحالات لا يوجد بالطبع تعارض بينهما. ولكن قد يظهر هذا التعارض في حالات خاصة؛ فعندما يتعرض الإنسان لهجوم من حيوان مفترس كالنمر أو من إحدى الطفيليات مثل الدودة، فإننا نعطي الأولوية في هذه الحالات القصوى إلى حقوق الإنسان وفقا لفكرة أن كل جنس يدافع أولا عن حقوقه، وسيكون ذلك في إطار حقوق الحيوان معادلا للدفاع الشرعي في إطار حقوق الإنسان. وبعبارة أخرى عندما تتعرض الحقوق الأساسية للجنس البشري (الحق في الحياة وفي الصحة) للتهديد، نعطي الأولوية لحقوق الإنسان، وهو ما يحدث خاصة في التجارب البيولوجية والطبية على الحيوانات الحية، حيث نفضل الدفاع عن استفادة الإنسان وصحته على حساب حقوق حيوانات التجارب. ولكن بالطبع لا يقبل انتهاك حقوق الحيوان إلا إذا كانت حقوق الإنسان الأساسية مهددة. (2) هل للآلات حقوق؟

هل يمكن أن تصبح الآلة في يوم ما صاحبة حقوق؟ هل ستتمكن من الاستفادة من قواعد للحماية تشبه القواعد التي ذكرناها عن الحيوانات؟ يجدر تناول هذين السؤالين بصورة منفصلة. (2-1) اليوم تعد الآلات نوعا من الممتلكات

في ظل القوانين الحالية تعتبر الآلات من الممتلكات؛ ومن ثم لا يوجد أي تمييز لها. فربما تكون لها ديناميكية خاصة ولكن لا يؤخذ بعين الاعتبار قدرتها على القيام بحركات؛ فالمسئول عن أفعال أي آلة أو الأضرار الناتجة عنها هو إما مصممها أو مستخدمها. وقد توجد عيوب في الصناعة أو سوء استخدام ولكن لا تتحمل الآلة في حد ذاتها أي مسئولية.

صفحة غير معروفة