3
المذهب كله في حياته؛ فإنه لم يزعم قط أن أدلة الانتخاب الطبيعي المؤيد لتحول الأنواع كافية لتقرير هذه النتيجة، وإنما كان يقول: إن الانتخاب الطبيعي يفسر لنا جملة من الظواهر والمشاهدات تبقى بغير تفسير لو لم نتقبل مبادئ الانتخاب الطبيعي، كما عرضها دارون بعد تعديله لآراء لامارك.
ويرى العالم البيولوجي الكبير أن نظرية التطور على أساس الانتخاب الطبيعي إنما هي نظرية منطقية، وليست بالنظرية التي تعتمد على شواهد التجربة والأدلة الحسية، قال في رده على هربرت سبنسر: «إننا لن نستطيع أن نثبت بالمشاهدة عملية الانتخاب الطبيعي»، وإن قول هربرت سبنسر: «إنه إما أن تحدث وراثة للصفات المكتسبة، أو لا يحدث تطور على الإطلاق»، إنما هو دليل منطقي، وليس بالدليل التجريبي، وهو مع ذلك ليس بالدليل الملزم في قضايا المنطق؛ لأن تعليل التطور بغير وراثة الصفات المكتسبة ليس بالفرض المستحيل. •••
وبقيت هذه العقدة عصية الحل على القائلين بالتحول النوعي إلى اليوم، فلم يتقدم أحد من النشوئيين عند الاحتفال بذكرى كتاب «أصل الأنواع» (1958) بدفع حاسم لشكوك المترددين في قبول تحول الأنواع. وقد كتب دوبزانسكي
Dobzansky ، أشهر المختصين بالبيولوجية النوعية، فصلا عن الأنواع بعد دارون في مجموعة «قرن من دارون»،
4
فلم يحاول تهوين القضية، ولكنه زاد أسبابا جديدة لبيان الصعوبات التي تحول دون تلاقي الناسلات والصبغيات في أرحام أفراد الحيوان المتميزة، وزاد أسبابا أخرى لبيان الصعوبات التي تحول دون تلاقي الفردين من نوع واحد أخذ في التباعد والاختلاف، ومن ذلك نقص الألفة بين الذكور والإناث كلما ابتعدت أشكالها، ولو بقيت ناسلاتها وصبغياتها قابلة للتزاوج والانقسام إلى تمام تكوين الجنين. •••
وآخر ما نعلم من أطوار هذه المشكلة أن البحث عن الحلقة المفقودة ينتقل الآن من سلسلة الأنواع إلى سلسلة الناسلات
Genes
والصبغيات، وأن الأمل في الوصول إلى هذه الحلقة من استقصاء تاريخ الناسلات
صفحة غير معروفة