إن القرآن الكريم بهذا الإلهام الصادق ينقذ العقل من نقائض التفكير، ولا ينجيه من نقائض التكليف وحسب، أو من نقائض الحيرة بين العالمين في حقائق الدين، ولا مزيد.
فمن ضلال التفكير قديما، أنه ساق كبار العقول إلى ذلك الفاصل المعتسف بين عالم النور والفلك الأعلى، وعالم التراب والأرض السفلى.
كل ما فوق القمر فهو صفاء وطهارة، وكل ما دون القمر فهو كدر ودنس، وكل ما هنالك فهو جوهر خالص، وكل ما دونه فهو عرض مشوب، أو أعراض لا يصفو لها وجود ولو أشرق عليها عالم النور.
وعلى مثل هذا «التفاضل» المسلم به بين النور والتراب، وبين الجوهر والعرض قد دار كل ما دار قديما وحديثا - في الدين والعلم - من عزل أصيل بين الصفاء والكدرة، وبين العقل والمادة، وبين الروح والجسد، وبين النقيضين من النور والظلام.
إن هذا الاعتساف في التفريق بين هذين الوجودين المتقابلين قد عطل العقل زمنا طويلا عن فهم حقائق الحس، كما عطله - ولا يزال يعطله - عن فهم حقائق التكليف وحقائق الأديان.
إن العقل ليعلم اليوم أن ذرات التراب وذرات الضياء من معدن واحد ، وأن الحجر اليابس يتفتت فإذا هو شعاع، وأن الشعاع المنطلق ينعقد ويتقابل فإذا هو حجر، وأن الفيصل بين ضياء الفلك وضياء العقل قائم لا شك فيه، ولكن لا شك كذلك في خفاء هذا الأمر على العلم كخفائه على الإيمان.
فماذا يقول العالمون بالذرة من «المؤمنين» بالمادة دون الروح؟
ماذا يقولون عن عقل «الدماغ»؛ كيف يرى ما لا تراه العين بشعاع الضياء؟ سيقولون علما ما قال به قارئ الكتاب إيمانا حين قيل له عن الروح فسمع وصدق وقلبه مطمئن بالإيمان:
قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (الإسراء: 85).
النفس
صفحة غير معروفة