منها: قضاء يكون بمعنى الخلق، وذلك قوله تعالى: " فقضاهن سبع سموات في يومين " يعني خلقهن، ويكون القضاء بمعنى التسليط. والخلق، وهو قوله تعالى: " فلما قضينا عليه الموت " يعني خلقنا وسلطنا عليه الموت، ويكون بمعنى الإخبار والإعلام، وهو قوله تعالى: " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين " يعني أعلمناهم وأخبرناهم، ويكون القضاء بمعنى الأمر، قال الله تعالى: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " ، ويكون القضاء بمعنى الحكم والإلزام، يقال: قضى القاضي على فلان بكذا، أي أوجبه عليه وألزمه إياه وحكم به عليه، فإن الله تعالى قضى بالمعاصي والكفر، بمعنى أنه أراده وخلقه، وقدره، ولا يجوز أن يكون بمعنى أمر به واختاره دينا وشرعا، ولا مدحه، ولا يثيب عليه؛ ولا فرضه فرضا على أحد، بمعنى أن أوجبه عليه، فاعلم هذه الجملة وتحققها تسلم من شبه المبتدعة وتلبيسهم على العوام ومن لا فهم له إن شاء الله.
فإن قيل: أفترضون بقضاء الله وقدره ؟ قلنا: هذا يحتاج إلى تفصيل، فنحن نطلق الرضا بقضاء الله وقدره على الإطلاق، بمعنى أنه لا يعترض على حكمه السابق وإرادته الأزلية، ولا يتقدم بين يديه بالاعتراض بل نسلم لما أردا فينا وفي غيرنا، ولا نعترض بما يفعل، فنقول: نحن نرضى بقضاء الله الذي هو خلقه، كما أخبرنا به ومدحنا على فعله، ووعد عليه الثواب، فنرضى بذلك ونريده لنا ولجميع إخواننا من المسلمين، ولا نقول: إن قضاءه الذي هو بمعنى خلقه، وإيجاده الذي هو خلقه مذموما قبيحا؛ ذنبا معصية كفرا، إنا نرضى بذلك دينا وشرعا ولا نحبه ولا نرضاه ولا نريده لنا ولا لأحد من إخواننا المسلمين، فاعلم هذا التفصيل تسلم من شبه الأباطيل ومن خدع أهل التعطيل. يؤكد هذا أو يقرره أنا نقول وكل مسلم عند الإطلاق: إن جميع الأشياء لله تعالى، إنه خلقها وهي ملك له، لا خالق ولا مالك لها غيره، من والد، وولد، وزوجة، وصاحبة، فنطلق ذلك عند الإجمال. فأما عند التفصيل فنقول: إن لله الأسماء الحسنى. ونقول: إن له الجلال، والجمال، والقدرة، والكمال، ولا نقول: إن له الولد، والوالد، والصاحبة، والزوجة، والشريك. فاعلم ذلك. وكما نقول عند الإطلاق: إن كل مخلوق يبيد ويفنى ويزول ويضمحل، ولا نقول عند التفصيل: إن حجة الله على خلقه والأعمال من الصلاة، والصيام، والحج، إن ذلك يبيد ويفني ويضمحل، ونحو ذلك.
ثم نقول لهم يا جهلة: أليس الله تعالى قضى بموت نبيه صلى الله عليه وسلم، وكذلك موت جميع الأنبياء عليهم السلام، فلا بد أن يقولوا: بلى. فنقول لهم: أفترضون بذلك وأشباهه ؟ إن قالوا: نعم. وكلنا نقول: إنه قضى ذلك، قلنا: وكذلك نقول نحن أيضا: قضى كل موجود وخلقه وأراده عند الإطلاق، وعند التفصيل لا نقول: إنا رضينا موت النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى إنا أحببنا ذلك، وأنه سرنا، فاعلم ذلك.
فإن قيل: أليس الله تعالى قد نهى عن الكفر والمعصية ؟ قلنا: بلى قد نهى عن ذلك. فإن قالوا: فلا يحسن أن يريد شيئا ويريد وجوده ثم ينهى عنه، قلنا: الجواب من وجهين:
صفحة ٦٥