الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الاختلاف
محقق
د. محمد رضوان الداية
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٣
مكان النشر
بيروت
وغلطت الجبرية لأَنهم اعتبروا حَال العَبْد من جِهَة علم الله السَّابِق فِيهِ لَا من جِهَة الْأَمر وَالنَّهْي الواقعين عَلَيْهِ وظنوا أَن علم الله تَعَالَى بِجَمِيعِ مَا يَفْعَله العَبْد قبل فعله اياه اجبار مِنْهُ لَهُ على الْفِعْل وكلا الْقَوْلَيْنِ غلط لأَنهم أخذُوا بالطرف الْوَاحِد وَتركُوا الطّرف الآخر فَكَانَ الْمَذْهَب أحسن الْمذَاهب لمن آثر الْخَلَاص والسلامة
وَرَأى المشيخة وَجلة الْعلمَاء الْوَقْف عَن الْكَلَام فِي ذَلِك والخوض فِيهِ لقَوْله ﷺ اذا ذكر الْقَضَاء فأمسكوا وَلم يكن نَهْيه ﷺ وَنهي الْعلمَاء عَن الْكَلَام فِي ذَلِك من أجل أَن هَذَا أَمر لَا تمكن معرفَة الْحَقِيقَة مِنْهُ وانما كَانَ من أجل دقته وخفائه وَأَنه أَمر الْخَطَأ فِيهِ أَكثر من الاصابة فَأَنت ترى الْقَدَرِيَّة والجبرية الى يَوْمنَا هَذَا يختصمون فِيهِ وناقض بَعضهم بَعْضًا وَلَا يصلونَ مِنْهُ الى شِفَاء نفس وكل فرقة من الْفَرِيقَيْنِ يُفْضِي مذهبها الى شناعة اذا ألزمتها فرت عَنْهَا
وكلا الطَّائِفَتَيْنِ قد أَخْطَأت فِي التَّأْوِيل وضلت عَن نهج السَّبِيل ووصفت الله تَعَالَى بِصِفَات لَا تلِيق بِهِ عِنْد ذَوي الْعُقُول
وَهَذِه أعزّك الله جملَة قَليلَة تفصيلها كثير وَهُوَ بَاب ضيق المجال جدا والخائض فِيهِ تسبق اليه الظنة بِغَيْر مَا يقتقده فَلذَلِك نتحامى الْكَلَام فِيهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا نبهنا عَلَيْهِ مَعَ أَنا لم نضع كتَابنَا هَذَا للخوض فِي المقالات انما وضعناه ٢٠ ب لنبين الْمَوَاضِع الَّتِي نَشأ مِنْهَا الْخلاف
لَكنا نقُول يَنْبَغِي لمن طلب هَذَا الشَّأْن وَلم يقنعه مَا رَآهُ الْعلمَاء
1 / 139