المجلد الأول
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، الذي بعثه الله بالحنِيفِيّة الواضحة والدين القويم، فهدى الناس من الضلالة وبصَّرهم من العمى وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وعلى آله مصابيح الظلام وهُداة الأنام، وصَحْبه القادة المَغَاوير أولي الآراء الراجحة والحجج الواضحة والمنهاج المستقيم، وعلى من سلك طريقه واقتفى أثره وتبع سنّته إلى يوم الدين.
وأما بعد؛ فإني منذ أكثر من خمسة عشر عامًا كنت قد عُنِيتُ بتخريج كتاب"الإنصاف، في مسائل الخلاف، بين النحويين البصريين والكوفيين" الذي صنفه الإمام الحجة والعالم الثبت كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد، الأنباري، النحوي، المولود في سنة ٥٣١، والمتوفى في سنة ٥٧٧ من الهجرة، بعد أن قرأت بعض مسائله لأبنائي من طلبة الدراسات العليا في كلية اللغة العربية إحدى كليات الجامع الأزهر، وعَلَّقت عليه تعليقات ذات شأن، ثم رأيت أن أذيع الكتاب مع شرحي عليه الذي أسميته "الانتصاف من الإنصاف" ليكون بين يَدَي قرّاء العربية "كتاب لطيف، يشتمل على مشاهير المسائل الخلافية بين نحويِّي البصرة والكوفة، على ترتيب المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة"١، وكان أن قدّمت الكتاب للنشر، ولكن أزمة الورق في أعقاب الحرب العالمية الثانية وقفت حائلًا منيعًا بين نشر الكتاب مع شرحي عليه، وكنت بين اثنتين: إما أن أنشر الكتاب وحده وأترك شرحي الذي كَابَدْت فيه ما لا يعلمه إلا الله من الجهد والعناء، وإما أن أتركهما جميعًا حتى يأذن الله بنشرهما معًا، وترددت كثيرًا فيما عسى أن أختار من هاتين الخلّتين، وصحّ العزم آخر الأمر على أن أرضى بنشر كتاب "الإنصاف" غُفْلًا مما كتبته عليه؛ رغبة في أن يعرفه قرّاء العربية ويَرَوْا أنه من أفضل ما صنّف علماؤنا في فنون العربية، فيُقْبِلوا عليه ويرتاحوا له. وظهر الكتاب كما
_________
١ من كلام مؤلف "الإنصاف" في وصف كتابه.
1 / 5