Ultimatum .
عقد المجلس العالي ورفضه لائحة مؤتمر الأستانة
عقد الصدر الأعظم مدحت باشا مجلسا عاليا مؤلفا من الوزراء والمشيرين ورجال الدولة والرؤساء الروحيين وأعيان المسلمين والمسيحيين واليهود، وعرض عليهم لائحة المؤتمر، وأفهمهم مطالب الدول الأوروبية، وأن ردها يؤدي إلى الحرب، فتشاوروا بكمال الحرية وأبدى كل منهم رأيه، فقال رؤوف بك ابن رفعت باشا ناظر الخارجية الأسبق إذ ذاك: الحرب كداء الحمى يمكن أن ننجو منه، ولكن لائحة المؤتمر كداء السل الرئوي عاقبته القبر لا محالة، وقال صاوا باشا من خطبة طويلة: إننا نختار الموت على إهانة شرفنا. وألقى وكيل بطريرك الأرمن الكاثوليك مقالة طويلة في رد اقتراحات المؤتمر، فرفض المجلس قبولها بالاتفاق، وظهر من هذا الاجتماع ائتلاف المسلمين والمسيحيين واليهود، واتفاقهم واتحادهم على محبة الوطن وترقيه والغيرة على منافعه، وكان الروم والأرمن الكاثوليك أشدهم حماسة، حتى إن الروم عزموا على تشكيل فرقة متطوعة لمحاربة الصرب مع العساكر العثمانية؛ لأن استقلال الأمم البلقانية من الصرب والجبل الأسود والبلغار مضر بمصالح الروم لانفصالهم عن الكنيسة الأرثوذكسية، التي هي تحت رياسة بطريرك الروم في القسطنطينية، ورفضهم استعمال اللغة والأدبيات اليونانية، فبناء على جميع ذلك أجاب الباب العالي في 20 كانون الثاني/يناير برفض مطالب الدول المذكورة في لائحتهن، فانفض مؤتمر الأستانة وغادرها المندوبون والسفراء، دلالة على قطع العلاقات بين أوروبا والباب العالي.
تغلب حزب التقهقر وكتاب مدحت للسلطان
كان الحزب المخالف للقانون الأساسي يسعى في التخلص من هذا القانون، فبعد تعيين مدحت باشا في الصدارة انعقد مجلس الوكلاء برياسته في دار الداماد محمود جلال الدين باشا، وتذاكروا في القانون الأساسي، فارتأى أحمد جودت باشا ناظر العدلية - الحقانية - تأجيل هذا القانون لعدم الحاجة إليه (؟) بسبب جلوس السلطان الحالي! وكان أحمد جودت باشا من المنتسبين إلى الداماد محمود جلال الدين، ومن كبار العلماء والمؤرخين، ولكن ارتشاءه مشهور في الأستانة والولايات، وإعلان القانون الأساسي يسد على المرتشين باب الارتكاب، فبإصرار مدحت باشا وحزبه - مثل ضيا بك وكمال بك وغيرهم من الأحرار الذين مر ذكرهم وبجريدتي «وقت» و«استقبال» والمقالات الشائقة المحررة فيهما - صدر الخط الشريف السلطاني إلى مدحت باشا بإعلان القانون الأساسي، وحمله الباشكاتب سعيد بك إلى الباب العالي، وتلي في الميدان الواسع الذي أمام الباب بحضور جماهير الناس، وبعد تلاوته خطب مدحت باشا في الموضوع، وتلا الدعاء فوزي أفندي مفتي أدرنة وأمن الناس.
وما زال مدحت باشا يلح في طلب اجتماع المبعوثان، ويجتهد في تأليفه من الأحرار، والمابين يؤخر ذلك ويفرق جميع الأحرار، حتى إنه أراد تعيين ضيا بك مسود القانون الأساسي سفيرا في برلين؛ لئلا ينتخب مبعوثا عن أهل الأستانة، فضاق صدر مدحت باشا من التأخير والمحاولة، وكتب إلى الذات الشاهانية مباشرة: «لم يكن غرضنا من إعلان القانون الأساسي إلا محو الاستبداد، وتعيين ما لجلالتكم من الحقوق وما عليها من الواجبات، وتعيين وظائف الوكلاء ومسئوليتهم، وتأمين جميع الناس على حريتهم، حتى ترتقي البلاد في معارج الارتقاء»، إلى أن قال: «وإني لكثير الاحترام لشخص جلالتكم، ولكن الشرع الشريف يوجب علي ألا أطيع أموركم «أوامركم» إذا لم تكن موافقة لمنافع الأمة»، ونحو ذلك مما لم يسمع بمثله إلا من مصطفى فاضل باشا كما تقدم. وبالحقيقة أن أحكام الشريعة الإسلامية وفتاوى الفقهاء في هذا الصدد لا تترك أدنى شك ولا ريب؛ لأن السلطان - بحكم الشرع - ليس مطلق الحرية، ولا مطلق التصرف في أموال الناس ومنافعهم، وإنما هو في جميع ذلك مقيد بالأحكام الشرعية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ فالحكومة المطلقة التي درجت عليها الدول والإمارات وتوارثتها من عهد معاوية، لا وجود لها على التحقيق في الدين الإسلامي.
عزل مدحت باشا ونفيه وصدارة أدهم باشا
عزل مدحت باشا ونفي على الباخرة «عز الدين» إلى إيطاليا، ووجهت الصدارة العظمى إلى أدهم باشا والد حمدي بك وخليل بك مديري دار العاديات «الموزة خانة»، وعين جودت باشا للداخلية، وأحمد وفيق أفندي لرياسة مجلس المبعوثان مؤقتا؛ لأن انتخاب الرئيس مبين في المادة السابعة والسبعين من القانون الأساسي.
بعد خروج السفراء ومندوبي الدول من الأستانة العلية، بعث البرنس غورجقوف ناظر خارجية روسيا إلى الدول بمنشور مؤرخ في 31 كانون الثاني/يناير يطلب فيه مداخلتهن بالاشتراك لإجراء الإصلاح في الممالك العثمانية (!) وإلا اضطر القيصر وحده إلى اتخاذ التدابير اللازمة في هذه المسألة، وأرسل الجنرال أغناتيف إلى أوروبا يقول: بما أن الباب العالي بدأ يخل بمعاهدة باريس، فتمام استقلال تركيا المشروط في تلك المعاهدة أصبح واهيا لاغيا، فترددت دول أوروبا ولا سيما إنجلترا في قبول هذا الكلام.
انتخاب أعضاء مجلس المبعوثان
صفحة غير معروفة