وقد خاطب يسوع الشعب بقوله: إن يوحنا أول من نادى في الشعب بملكوت الله، ولكن مناداته لم تكن خارجية محسوسة كما يريد العالم، بل كانت روحية معنوية، وقد جاء إليه الفريسيون ليسمعوا تعليمه ولكنهم لم يفهموا شيئا؛ لأنهم لا يفهمون إلا ما ولدته بنات أفكارهم عن الإله الخارجي المحسوس، وهم لا يعلمون الشعب سوى أوضاع أفكارهم الفاسدة، ويستكبرون كيف أنه لا يوجد من يسمع تعليمهم ويعمل به، إن يوحنا نادى بين الناس بملكوت الله الحقيقية؛ ولذلك فإنه قام بعمل عظيم لم يسبقه إليه أحد، فإنه أرشد الناس إلى أنه من عهده فصاعدا ما عاد لزوما للناموس والأنبياء والعبادة الكمالية، وأن ملكوت الله كائنة في نفوس الناس وأن البدء والمنتهى في نفس الإنسان الذي أصبح بعد ذلك يعلم أن ما عدا حياته الجسدية الفانية التي اتصلت به عن أب الجسد والحبل به في جسم امرأة أن به نفس حرة عاقلة مدركة ليس لها علاقة بالجسد، وأنها - أي النفس - خالدة صادرة من ذاك الأزلي الذي لا بداية له ولا نهاية، وأصل الوجود الذي نسميه الله ونحن نعرف الله بنفوسنا، والنفس هي بدء حياتنا وينبغي علينا أن نضعها في مواضع الشرف والسمو، وبواسطتها ينبغي أن نعيش، وعندما نعتقد فيها بمثل هذا الاعتقاد نحصل إذ ذاك على الحياة الأبدية الحقيقية، إن الآب الروح لم يرسل الروح للناس ليخدعهم ويغشهم حتى إنهم عندما يعلمون أنهم حاصلون على الحياة الأبدية لا يفعلون ما هو مفروض عليهم فيفقدوها؛ لأنه إن كانت في الناس نفس خالدة فقد أعطيت لهم ليحصلوا بها على الحياة الأبدية.
إن الناس مخيرون بين اختيار الحياة أو الموت، فالحياة في النفس والموت في الجسد، وحياة الروح هي صلاح ونور وحياة الجسد شر وظلام، والمؤمن بالروح يعمل أعمال الصلاح، ومن لا يؤمن بها يعمل أفعال الشر، فالصلاح حياة والشر موت، نحن لا نعرف الله المحسوس خالق جميع الموجودات وأصل كل أصل، وما نستطيع أنه تتصوره به هو أنه زرع الروح في الناس كما يزرع الزارع الحبوب في كل مكان دون أن يختار الأرض أو ينقي الحبوب التي إذا وقعت على أرض صالحة تنمو وتعطي ثمرا، وإن وقعت على أرض رديئة تهلك، والروح فقط يعطي الحياة للناس، وعليهم وحدهم يتوقف ضبطها أو فقدها، والشر لم يوجد لأجل الروح، وإنما الشر يشبه الحياة أو هو مثالها، وإنما يوجد إنسان حي وإنسان غير حي، وقد أعطيت لكل إنسان معرفة مملكة الله في نفسه، وكل واحد له الخيار بدخولها أو الخروج منها، وما عليه لدخولها إلا أن يؤمن بحياة الروح، والمؤمن بحياة الروح تكون له حياة أبدية. •••
متى، 11: 2 و3: وبعد ذلك جاء إلى يسوع تلاميذ يوحنا وسألوه: هل هو ذاك الذي تكلم عنه يوحنا؟ وهل هو الذي يفتح ملكوت الله ويجدد الناس بالروح؟
4: فأجابهم يسوع: انظروا واسمعوا وأخبروا يوحنا، واحكموا هل قام ملكوت الله وتجدد الناس بالروح؟ أخبروه عن كرازتي بملكوت الله.
5: فقد جاء في النبوات: أنه عندما يجيء ملكوت الله يصبح جميع الناس سعداء، فأخبروه أن مملكتي الإلهية تجعل الناس سعداء.
6: لأن كل من يفهمني يصبح سعيدا مغبوطا.
7: وبعد أن أطلق يسوع تلاميذ يوحنا ابتدأ يعلم الشعب عن ملكوت الله التي كرز بها يوحنا، فقال: إنكم قد ذهبتم إلى البرية إلى يوحنا لتعتمدوا منه، فماذا رأيتم؟ وكذلك الناموسيون والفريسيون ذهبوا إليه، ولكنهم لم يفهموا ما علمهم به، وعلم غيرهم، ولذلك لم يعدوه شيئا.
16: وهذا الجنس أعني به جنس الناموسيين والفريسيين لا يعتقدون بصحة شيء سوى ما وضعوه من الأباطيل والمعتقدات الفاسدة، فيسمعون بعضهم بعضا، ويرضخون لأحكام ذلك الناموس الذي اختلقوه.
18: وما قاله يوحنا أقوله أنا، ولكنهم لا يسمعون ولا يفهمون ، ولم يفهموا من أقوال يوحنا وأعماله إلا أنه يصوم في البرية، فقالوا: إن الله به.
19: ولقد فهموا مما قلته أني لا أصوم فقط، فقالوا: إنه يأكل ويشرب مع العشارين والزناة، وإنه صديق لهم.
صفحة غير معروفة