الإنجاد في أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه وذكر جمل من آدابه ولواحق أحكامه
محقق
(مشهور بن حسن آل سلمان ومحمد بن زكريا أبو غازي) (ضبط نصه وعلق عليه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه وآثاره)
الناشر
دار الإمام مالك
مكان النشر
مؤسسة الريان
تصانيف
الفقه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
= ومن الغباوة الجمود على ظاهر الحديث؛ فإنّ التحريض عليه ليس إلا للجهاد، وليس فيه معنى وراءه، ولما لم يبق الجهاد بالنشاب والأقواس؛ لم يبق فيها معنى مقصود، فلا تحريض فيها.
ومن هذه الغباوة ذهبت سلطنة (بخارى)، حيث استفتى السلطان علماء زمانه بشراء بعض الآلات الكائنة في زمنه، فمنعوه، وقالوا: إنّها بدعة! فلم يدعوه أن يشتريها، حتى كان عاقبة أمرهم أنهم انهزموا، وتسلّط عليهم الروس، ونعوذ بالله من الجهل.
قاله الكشميري في «فيض الباري» (٣/٤٣٥)، ونحوه عند المطيعي في «تكملة المجموع» (١٥/ ٢٠٣)، وعند الساعاتي في «الفتح الرباني» (١٣/١٣٠) .
بقي بعد هذا: التنبيه على إلحاق العلماء على (الرمي بالمنجنيق) قديمًا: الرمي بالمدافع والطائرات والدبابات والصواريخ.
قال فقيه الزمان الشيخ محمد بن صالح العثيمين ﵀ في «الشرح الممتع» (٨/٢٧): «المنجنيق بمنزلة المدفع، ففي الوقت الحاضر لا يوجد منجنيق، لكن يوجد ما يقوم مقامه، من الطائرات، والمدافع، والصواريخ، وغيرها» .
وجاء في «توضيح الأحكام» (٥/٣٩٩): «... النبي ﷺ رمى أهل الطائف بالمنجنيق، ومثله غيره من المدافع والصواريخ وغيرها» . ونحوه في «العلاقات الدولية في الإسلام» (ص ٤٧) للزحيلي.
وكادت أن تجمع كلمة الفقهاء على جواز تحريق الكفار بالنار في حال القتال إذا لم يقدر عليهم المسلمون بغير ذلك، وحصل هذا مع بعض السلف، كما تراه في «سنن سعيد بن منصور» (رقم ٢٦٤٧، ٢٦٤٨- ط. الأعظمي) . ذلك أن المقصود كبت العدو، وكسر شوكتهم، بل توسع بعض أهل العلم، كالحنفية والشافعية، فجوزوا تحريقهم بالنار، ولو قدرنا عليهم بغيرها!
وعليه، فيجوز الرمي بالسهام المسمومة، ولا وجه لكراهية ذلك، كما تراه في بعض كتب المالكية، مثل: «مواهب الجليل» (٤/٥٤٥)، «الخرشي» (٤/١٨) .
ويعجبني كلام الماوردي في «الحاوي الكبير» (١٤/١٨٤): «يجوز أن يُلقى عليهم -أي: العدو- الحيات والعقارب، ويفعل بهم جميع ما يفضي إلى إهلاكهم» .
أما بالنسبة إلى استخدام الرمي بالأسلحة النووية والكيميائية والجرثومية، فالواجب على المسلمين معرفة كل جديد من الأسلحة، ومعرفة طريقة استخدامها، وكيفية تصنيعها، ولكن الأصل عدم الإفساد في الأرض، وإتلاف النفوس. وبناءً عليه، فلا تستعمل هذه الأسلحة إلا في الضرورات، بحيث لا يمكن التغلب على العدو إلا بواسطتها، ولا سيما إذا كان ذلك من باب المعاملة بالمثل، ورحم الله الشوكاني فإنه قال في «السيل الجرار» (٤/٥٠٤):
«قد أمر الله بقتل المشركين، ولم يعيّن لنا الصّفة التي يكون عليها، ولا أخذ علينا أن لا نفعل إلا كذا دون كذا، فلا مانع من قتلهم، بكل سبب للقتل من رمي، أو طعن، أو تحريق، أو هدم، أو دفع عن شاهق، ونحو ذلك» .
1 / 94