الإنجاد في أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه وذكر جمل من آدابه ولواحق أحكامه
محقق
(مشهور بن حسن آل سلمان ومحمد بن زكريا أبو غازي) (ضبط نصه وعلق عليه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه وآثاره)
الناشر
دار الإمام مالك
مكان النشر
مؤسسة الريان
تصانيف
الفقه
ظاهر هذا الحديث أن من غزا فغنِمَ نقصَ أجرُ جهاده -كما ذهب إلى ذلك قوم (١) -، وليس معنى ذلك كذلك عند أهل العلم والتحقيق، بل أجر الجهاد كاملٌ لكلِّ واحدٍ منهم، بفضل الله -تعالى-، وإنما يفترقون في زيادة الأجر فوق ثواب الجهاد (٢)؛ فأمّا من غنم، فقد حَصَل له في الحال من السرور، ونشاط النفس بالظهور، والغُنْم، ما يَدْفع عنه آثار الجهد في الغزو، وتخلف المال في النفقة، ونحو ذلك مما تَفترق فيه حالهُ مِنْ حال مَنْ غزا فلم يُصبْ شيئًا، ولا عفَّى على كدِّه ونفقته خَلَفٌ، فلهؤلاء زيادةُ أجرٍ فوق أجر الجهاد، من حيثُ تضاعف آثار الجَهدِ
_________
(١) ذهب إلى ذلك القاضي عياض في «إكمال المعلم» (٦/٣٣٠-٣٣١)، وتبعه عليه النووي في «شرح صحيح مسلم» (١٣/٧٨-ط. قرطبة)، وردَّ مذهبهما ابن عبد البر -ولم يذكر أعيانهما- في كتابه «الاستذكار» (١٤/١١-١٢)، ثم قال: «فيحتمل أن يكون الأجر مضاعفًا لها -أي: السرية- بما نالها من الخوف، وعلى ما فاتها من الغنيمة، كما يؤجر من أصيب بماله مضاعفًا، فيؤجر على ما يتكلَّفه من الجهاد أجرَ المجاهدِ، وعلى ما فاته من الغنيمة أجرًا آخر، كما يؤجر على ما يذهب من ماله، ونحو ذلك» . ا. هـ كلامه.
وذكر قبله حديث أبي أمامة الباهلي، مرفوعًا: «ثلاثة كلهم ضامنٌ على الله ﷿: من خرج غازيًا في سبيل الله، ... الحديث» .
أخرجه أبو داود (٢٤٩٤)، وابن حبان (٤٩٩) -وصحَّحه-، والحاكم (٢/٧٣)، والبيهقي (٩/١٦٦) .
ثم قال ابن عبد البر: «وفي هذا دليلٌ على أن الغنيمة لا تنقص من أجر المجاهد شيئًا، غَنِمَ، أو لم يَغْنَم»، وقال: «لو كانت تحبط الأجر، أو تنقصه، ما كانت فضيلةً له» .
وانظر: «التمهيد» (١١/٣٥- مع ترتيبه «فتح البر») .
ومالت صفاء العدوي في شرحها على سنن ابن ماجه المسمَّى: «إهداء الديباجة» (٤/٦٣) إلى ما ذهب إليه القاضي عياض، والنووي. وقالت في حديث عبد الله بن عمرو -وهوحديث الباب-: «هو صريح في ما ذهب إليه النووي، وهو الأرجح، والله أعلم» .
قلت: ما ذكره ابن عبد البر من أن الغنيمة لو كانت تنقص الأجر، ما كانت فضيلةً له، أقوى في الاستدلال، وفيه إعمال جميع النصوص الواردة في الباب. وهو ما رجحه المصنف، وهو الأَوْلى بالصواب، والله أعلم.
(٢) انظر: «التمهيد» (١١/٣٥-مع ترتيبه: «فتح البر»)، «الاستذكار» (١٤/١٠)، «مجموع فتاوى ابن تيمية» (٢٦/١٩-٢٠)، «الدين الخالص» (٢/٢٨٣) للسبكي، «مقاصد المكلفين» (٤٥٧-٤٥٩) .
1 / 88