الإنجاد في أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه وذكر جمل من آدابه ولواحق أحكامه

محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ، أبو عبد الله بن المناصف الأزدي القرطبي (المتوفى: 620هـ) ت. 620 هجري
62

الإنجاد في أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه وذكر جمل من آدابه ولواحق أحكامه

محقق

(مشهور بن حسن آل سلمان ومحمد بن زكريا أبو غازي) (ضبط نصه وعلق عليه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه وآثاره)

الناشر

دار الإمام مالك

مكان النشر

مؤسسة الريان

تصانيف

الفقه
وإنما اخْتُلِف فيمن أسلم من غير أهل مكة، فقيل: كانت الهجرة لهم نافلةً، ومُرَغَّبًا فيها، ولم تكن واجبة، وقيل: إنما كانت الهجرة واجبةً على من أسلم، فأما إذا أسلم كلُّ مَنْ في الموضع، فلا هجرة عليهم، واستدلَّ من صار إلى هذا بما كان من تعليم رسول الله ﷺ، وأمره، ونهيه؛ لوفدِ عبدِالقيس حين أسلموا، ولم يأمرهم بالهجرة، بل أقرَّهم بأرضهم (١) . فالهجرة -على هذا- تقع على أمرين: أحدهما: ماكان مخصوصًا بمؤازرة النبي ﷺ ومعاونته، والجهادِ معه، حتى أعْلَى الله -تعالى- كلمة الإسلام، وأظهَرَ دين نبيه محمدٍ ﷺ؛ الذي أرسله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدّين كلِّه، ولو كره المشركون، فهذا هو الذي وَرَدتْ فيه الآثار الصحيحة: أنه نُسخ بعد فتح مكة، وعُلوِّ الإسلام وأهله. خرَّج البخاري (٢) عن ابن عباس قال: قال النبي ﷺ يوم الفتح بمكة: «لاهجرة بعد الفتح، ولكن جهادٌ ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا» . فقوله ﷺ: «إذا استنفرتم فانفروا» بيانٌ أن الهجرة التي نُسِخَتْ هي ماكان من مهاجرة أرضهم وديارهم في اللِّحاق بالنبي ﷺ؛ لإقامة الجهاد معه، فلما علا الدِّينُ، وتمَّ وعد الله؛ رُفعَ ذلك عنهم، وأوجب إجابة النفير متى احتيج في أمر الجهاد إلى طائفة تستنفر من المسلمين.

(١) أخرج قصتهم البخاري (٥٣)، ومسلم (١٧)، ومطولة أحمد (٣/٤٣٢ و٤/٢٠٦)، وابن شبة في «تاريخ المدينة» (٢/٥٨٦-٥٩١)، وكانوا يسكنون البحرين، وينسبون إلى عبد القيس بن أَفْصى بن دُعْمي بن جليلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، ولهم وفادتان على رسول الله ﷺ قبل الفتح سنة خمس أو قبلها، وأما الوفادة الثانية فكانت في سنة الوفود، وكان عددهم حينئذٍ أربعين رجلًا، ويدل على ما ذكره المصنف من إقرار النبي ﷺ بقائهم بأرضهم، قولهم: «بيننا وبينك كفار مضر» . (٢) في «صحيحه» في كتاب الجهاد والسير (باب فضل الجهاد والسّير) (رقم ٢٧٨٣) . وفي (باب وجوب النفير، ومايجب من الجهاد والنية) (رقم ٢٨٢٥)، وفي (باب لا هجرة بعد الفتح) (رقم ٣٠٧٧)، وفي كتاب الجزية والموادعة (باب إثم الغادر للبرّ والفاجر) (رقم ٣١٨٩) .

1 / 63