ورثة الأنبياء شرح حديث أبي الدرداء
محقق
أبي مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني
الناشر
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
تصانيف
ومما يدل على تفضيل العِلْم على العبادة: قصة آدم ﵇ فإن الله تعالى إنما أظهر فضله على الملائكة بالعلم، حيث علمه أسماء كل شيء واعترفت الملائكة بالعجز عن معرفة ذلك، فلما أنبأهم آدم بالأسماء ظهر حينئذ فضله عليهم، وقال ﷿ لهم:
﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ (١).
وذكر طائفة من السلف أَنَّ الَّذِي كتمُوهُ أنّهُمْ قالُوا فِي أنفُسهمْ: لَنْ يَخْلُقَ اللهُ خَلْقًا إِلاَّ نَحْنُ أَكرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ.
ومما يدل على فضل العِلْم أن جبرئيل ﵇، إنما فضل على الملائكة المشتغلين بالعبادة بالعلم الَّذِي خص به، فإنه صاحب الوحي الَّذِي ينزل به على الأنبياء ﵈.
وكذلك خواص الرسل إنما فضلوا على غيرهم من الأنبياء ﵈ بمزيد العِلْم المقتضي لزيادة المعرفة بالله والخشية له.
ولهذا وصف الله تعالى محمدًا ﷺ في كتابه ومدحه بالعلم الَّذِي اختصه به، وامتن به عليه في مواضع كثيرة، وأمره أن يعلمه لأمته.
فأول ما ذكره بالعلم وبتعليمه في قصة إبراهيم حين دعا ربه لأهل، البيت الحرام أن يبعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ثم امتن علينا بأن بعث فينا رسولًا منا، وهو محمد ﷺ بهذه الصفة، فَقَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (٢).
_________
(١) البقرة: ٣٣.
(٢) آل عمران: ١٦٤.
1 / 39