الدراسة:
استنبط الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ استنباطا عقديا، في باب الإيمان، في مسألة الإيمان بالرسل متضمن للإيمان بالغيب، بدلالة التضمن.
وجه الاستنباط: أن أمر الغيب لا يعلم به أحدٌ من البشر إلا من شاء الله اطلاعه عليه، ونحن مأمورون بالإيمان بهذا الغيب جملة وتفصيلا، ورسل الله هم السبيل لعلمنا عن الغيب، فهو من الدلائل على صدق نبوتهم، فلذا كان الإيمان بهم متضمنا للإيمان بالغيب.
قال الرازي: "فآمنوا بالله ورسله يعني لما دلت الدلائل على نبوته وهذه الشبهة التي ذكرتموها في الطعن في نبوته فقد أجبنا عنها، فلم يبق إلا أن تؤمنوا بالله ورسله، وإنما قال: ورسله ولم يقل: ورسوله لدقيقة، وهي أن الطريق الذي به يتوصل إلى الإقرار بنبوة أحد من الأنبياء ﵈ ليس إلا المعجز وهو حاصل في حق محمد ﷺ، فوجب الإقرار بنبوة كل واحد من الأنبياء" (^١).
قال القرطبي: "قوله: ﴿وما كان الله ليطلعكم على الغيب﴾ أي على من يستحق النبوة، حتى يكون الوحي باختياركم، (ولكن الله يجتبي) أي يختار (من رسله) لإطلاع غيبه (من يشاء) يقال: طلعت على كذا واطلعت [عليه]، وأطلعت عليه غيري، فهو لازم ومتعد" (^٢).
قال البيضاوي: "وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء وما كان الله ليؤتي أحدكم علم الغيب فيطلع على ما في القلوب من كفر وإيمان، ولكن الله يجتبي لرسالته من يشاء فيوحي إليه ويخبره ببعض المغيبات، أو ينصب له ما يدل عليها" (^٣).
قال أبو السعود: " ﴿فَآمِنُوا بالله ورسله﴾ مع أن سوق النظم الكريم للإيمان بالنبى ﷺ لإيجاب الإيمان به بالطريق البرهاني والإشعارِ بأن ذلك مستلزِمٌ للإيمان بالكل لأنه مصدِّقٌ لما بين يديهِ من الرسل وهم شهداء بصحة نبوتِه ﵊ والمأمورُ به الإيمانُ بكل ما جاءَ به ﵊ فيدخُل فيه تصديقُه ﵇ فيما أخبَر به من أحوال المنافقين دخولًا أوليًا هذا هو الذي يقتضيهِ جزالةُ النظمِ الكريمِ" (^٤).
قال الشوكاني: "قوله: فآمنوا بالله ورسله أي: افعلوا الإيمان المطلوب منكم، ودعوا الاشتغال بما ليس من شأنكم من التطلع لعلم الله سبحانه، وإن تؤمنوا بما ذكر وتتقوا فلكم عوضا عن ذلك أجر عظيم لا يعرف قدره، ولا يبلغ كنهه" (^٥).
(^١) مفاتيح الغيب (٩/ ٤٤٢).
(^٢) الجامع لأحكام القرآن (٤/ ٢٨٩).
(^٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٥١).
(^٤) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ١١٩).
(^٥) فتح القدير (١/ ٤٦٣).
1 / 236