الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الحادي والأربعون
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الحادي والأربعون
تدخل امرأة
تدخل امرأة
تأليف
روبرت بار
ترجمة
مصطفى محمد فؤاد
إلى صديقي هوراس هارت.
الفصل الأول
كان مدير التحرير في صحيفة «نيويورك آرجوس» يجلس على مكتبه وعلى وجهه عبوس شديد، وأخذ ينظر من تحت حاجبيه الكثيفين إلى الشاب الذي ألقى لتوه بمعطف كبير من الفراء على ظهر أحد الكراسي، بينما جلس هو على كرسي آخر.
بدأ مدير التحرير الحديث قائلا: «لقد تلقيت برقيتك. هل لي أن أفهم منها أنك قد فشلت في مهمتك؟»
أجاب الشاب، دون أدنى تردد: «نعم ، يا سيدي.» «تماما؟» «نعم.» «ألم تحصل حتى على فكرة عن أهم ما يوجد بداخل المستندات؟» «نعم، على الإطلاق.»
ازداد عبوس مدير التحرير. وأخذ ينقر بأطراف أصابعه بعصبية على المكتب.
وقال في النهاية: «يخيل إلي أنك لست خجلان من فشلك.» «وما فائدة أن أفعل؟ أنا على يقين من أنني قمت بكل ما في وسعي.» «حسنا. إن في ذلك تعزية كبيرة، بلا شك، ولكن ذلك لا قيمة له في عالم الصحافة. أخبرني ماذا فعلت.» «لقد تلقيت برقيتك في مونتريال، وعلى الفور ذهبت إلى بيرنت باين التي تعد أبعد بقعة على وجه الأرض. ووجدت أن كينيون وونتوورث يقيمان في الفندق الوحيد الموجود في المكان. حاولت أن أعرف منهما محتوى تقريريهما، لكنني لم أنجح في مهمتي رغم أنهما كانا مهذبين للغاية. حاولت بعد ذلك أن أرشوهما، لكنهما طرداني من الغرفة.» «ربما لم يكن مبلغ الرشوة الذي عرضته عليهما كبيرا بما يكفي.» «لقد عرضت عليهما ضعف ما كانت ستدفعه لهما لندن سينديكيت لتقديم تقريريهما، وعرفت المبلغ منهما. ولم يكن بإمكاني أن أعرض مبلغا أكبر لأنهما في ذلك الوقت كانا قد أغلقا باب النقاش بطردي من الغرفة. حاولت الحصول على الأوراق في تلك الليلة، سرا، من حقيبة ونتوورث، لكنني لم أستطع للأسف. شعر الشابان بالقلق، وفي صباح اليوم التالي، ذهبا لأوتاوا لإرسال التقريرين، كما فهمت لاحقا، إلى إنجلترا. لقد نجحت في الحصول على التقريرين، لكنني لم أستطع الاحتفاظ بهما؛ فهناك عدد كبير من رجال الشرطة في أوتاوا يمكن أن يلاحقني.»
قال مدير التحرير: «هل تقصد أن تقول لي إنك قد حصلت بالفعل على التقريرين وإنهما قد أخذا منك؟» «لقد حصلت بالتأكيد عليهما؛ أما فيما يتعلق بمسألة أنهما أخذا مني، فلم يكن أمامي سوى أن أفعل هذا أو أسجن. إن رجال الشرطة في كندا، كما تعرف، لا يتفاهمون كما يحدث في الولايات المتحدة.» «لكنني أعتقد أن رجلا بحنكتك كان سيتمكن من أن يحصل حتى على الأقل على فكرة عما بداخل التقريرين قبل أن ينتزعا منه.»
قال الصحفي بغضب شديد: «سيدي العزيز، إن الأمر كله مكتوب في مجموعة من الصفحات الفولسكاب، لا أتذكر كم عددها، وكان يمثل أعقد مسألة صادفتها في حياتي. لقد حاولت قراءة ما فيها؛ حيث جلست في غرفتي في الفندق وبذلت كل ما في وسعي للتعرف على التفاصيل. لكن الأوراق كانت مليئة بالتفاصيل الفنية ولم أستطع تبينها. كان الأمر يتطلب خبيرا في المناجم لفهم العبارات والأشكال المذكورة؛ لذا، ظننت أن أفضل شيء يمكن فعله هو إرسال الأوراق بالتلغراف إلى نيويورك. أعرف أن الأمر كان سيتكلف الكثير من المال، لكنني كنت أعرف أيضا أنك لن تبالي؛ واعتقدت أنه ربما يكون شخص هنا يمكنه فهم ما استغلق علي؛ هذا بالإضافة إلى أنني كنت أريد أن أتخلص من المستندات بأسرع ما يمكن.»
قال مدير التحرير بعد أن تنحنح: «عفوا! ولكن ألم تدون أي ملاحظات؟» «نعم، لم أدون. لم يكن لدي وقت. كنت أعرف أن المحققين سيتعقبونني في اللحظة التي يدرك فيها هذان الشابان ضياع المستندات. وكما هو متوقع، قبض علي بمجرد دخولي مكتب التلغراف.»
قال مدير التحرير: «حسنا، يبدو لي أنني إن كان لي أن أحصل على الأوراق، فما كنت لأدعهم يأخذونها مني حتى أعلم أهم ما جاء فيها.»
رد الصحفي بالأسلوب المتحرر وغير المتكلف الذي يتحدث به أي صحفي أمريكي مع رئيسه: «أوه، إنه لمن الجيد منك أن تثير نقطة كهذه، لكنني أستطيع أن أؤكد لك أنه من الصعب عليك أن تقرر أفضل شيء يمكن أن تفعله عندما تجد أن هناك احتمالا لأن تتعرض للسجن في كندا. لم يكن باستطاعتي الخروج من المدينة قبل ثلاث ساعات، وقبل نهاية ذلك الوقت، كان سيكون في يد كل رجل شرطة في المكان وصف لي. إنهم يعرفون جيدا من أخذ الأوراق؛ لذا كان أملي الوحيد يتمثل في إرسالها بالتلغراف إليك، ولو تحقق ذلك، لكان كل شيء على ما يرام. كنت سأسجن عن طيب خاطر لو أرسلت التفاصيل إلى نيويورك.»
سأل مدير التحرير قائلا: «حسنا، ماذا علينا أن نفعل الآن؟» «أنا لا أدري على وجه التحديد ما الذي علينا فعله. سيأتي الرجلان إلى نيويورك قريبا جدا. إنهما، كما فهمت، سيبحران على متن سفينة «كالوريك» التي ستغادر في خلال أسبوع. إن كنت تعتقد أن لديك صحفيا يمكنه معرفة تفاصيل الأمر من هذين الرجلين، فسأكون سعيدا جدا إن عرفت أنك أرسلته إليهما. أستطيع أن أؤكد لك أنه ليس من السهل معرفة ما لا يريد رجل إنجليزي أن تعرفه.»
قال مدير التحرير: «حسنا، ربما يكون هذا صحيحا. سأفكر في الأمر. بالطبع، أنت فعلت ما في وسعك، وأنا أقدر جهودك؛ لكنني حزين لأنك فشلت في مهمتك.»
قال ريفرز، بينما كان يلتقط معطفه الكندي الكبير المصنوع من الفراء ويخرج من الغرفة: «إنك لست حزينا نصف حزني على الأمر.»
فكر مدير التحرير بالفعل في الأمر. فكر فيه لمدة ساعتين كاملتين. ثم كتب ملحوظة على قطعة من الورق وسحب لأسفل المقبض الصغير الذي سيرن جرس الساعي المكلف بنقل الرسائل، وعندما ظهر الساعي المرتدي زي العمل، أعطاه الملحوظة، قائلا: «أوصل هذه بأقصى سرعة ممكنة.»
ذهب الساعي وسرعان ما اتضحت نتيجة مشواره بوصول شابة أنيقة جدا إلى غرفة التحرير. كانت ترتدي ملابس مفصلة ملائمة لها تماما، وكانت شديدة الجمال، وتبدو في نحو التاسعة عشرة من عمرها، لكنها كانت، في الحقيقة، أكبر سنا بعض الشيء. كانت تمتلك عينين زرقاوين كبيرتين جذابتين توحيان بالثقة والرقة مما يجعل الرجل العادي يقول: «كم هي جميلة وبريئة نظرة تلك الفتاة!» لكنها كانت تعرف الكثير والكثير عن نيويورك. لقد كانت تتفاخر بأنها تستطيع الحصول على أسرار البلاد من أعضاء الحكومة الموقرين، وكانت تنظر إلى أي سيناتور أو عضو بالكونجرس باعتباره هدفها الطبيعي. وكان ما يقال لها خلف الأبواب المغلقة يثير ضجة كبيرة في اليوم التالي في الصحيفة التي تمثلها. لقد كانت تكتب تحت اسم مستعار، وجربت تقريبا الكتابة عن كل شيء. لقد كانت تتفاعل مع الإعلانات وتكشف عن المحتالين والغشاشين، وذهبت ذات مرة إلى فندق للعمل عاملة غرف، حتى تكتب عن تجاربها في هذا الشأن. وقد قبض عليها وحبست، حتى تستطيع أن تكتب تقريرا على ثلاثة أعمدة، لصالح طبعة الأحد من صحيفة «آرجوس» عن «طريقة التعامل مع النساء في مقرات الشرطة». وكان مدير التحرير ينظر إليها باعتبارها واحدة من أهم أعضاء فريق عمله، وكانت لهذا تحصل على مقابل كبير.
دخلت الغرفة بثقة صاحب المكان، ثم جلست، بعد أن أومأت برأسها لمدير التحرير تحية له، وقالت له: «ما الأمر؟»
قال الرجل بجدية: «اسمعيني، يا جيني، هل ترغبين في السفر إلى أوروبا؟»
قالت جيني: «لا أعرف، ولكن هذا ليس، كما تعرف، هو الوقت من العام الذي عادة ما يذهب فيه الناس إلى أوروبا من أجل الاستجمام.» «حسنا، هذه ليست رحلة استجمام بالمعنى الدقيق. إن حقيقة الأمر هي أن ريفرز كان في مهمة وقد أفسدها على نحو مريع، إلى جانب أنه كان على وشك أن يقبض عليه.»
لمعت عينا المرأة الشابة. كانت تحب أي شيء به أي ملمح من الخطورة، ولم تكن تأبى سماع أنه يتوقع منها النجاح فيما فشل فيه رجل صحفي زميل لها.
واصل مدير التحرير كلامه قائلا: «سيسافر رجلان شابان إلى إنجلترا عبر سفينة «كالوريك» التي ستبحر في خلال أسبوع. أريد منك أن تحصلي على تذكرة لليفربول على متن هذه السفينة، وتحصلي من أي من هذين الرجلين على التفاصيل - التفاصيل الكاملة - للتقريرين اللذين كتباهما عن بعض المناجم في كندا. وعليك بعد ذلك أن تنزلي في كوينزتاون وترسلي بالتلغراف القصة الكاملة إلى صحيفتنا.»
قالت الآنسة جيني، مقطبة جبينها الجميل: «المناجم ليست من ضمن اهتماماتي. ما نوع المناجم المتضمنة في هذه المسألة؛ مناجم ذهب أم فضة أم نحاس أم ماذا؟» «إنها مناجم معينة على ضفاف نهر أوتاوا.» «هذا غير محدد.» «أعرف أنه كذلك. إنني لا أستطيع أن أعطيك معلومات كثيرة عن الأمر. أنا نفسي لا أعرف، إحقاقا للحق، لكنني أعلم أنه من المهم جدا أن نحصل على نبذة عما يحتويه التقريران اللذان كتبهما هذان الشابان. لقد أسست شركة، تدعى لندن سينديكيت، في إنجلترا. إن ما تسعى إليه هذه الشركة هو شراء عدد كبير من المناجم في كندا، إن كانت الأخبار المتواترة عن الملاك الحاليين لها صحيحة. لذلك، أرسل رجلان، كينيون وونتوورث - الأول مهندس تعدين والثاني مراجع حسابات محنك - من لندن إلى كندا؛ الأول لفحص المناجم والثاني لفحص دفاتر حسابات الشركات المتعددة المالكة للمناجم. وسيعتمد قرار الشركة بشأن الشراء من عدمه كثيرا على التقريرين اللذين بحوزة الرجلين الآن. إن التقريرين، عند نشرهما، سيكون لهما تأثير كبير، بطريقة أو بأخرى، على البورصة. وأنا أود أن أعرف أهم ما جاء بهما قبل أن تطلع عليهما الشركة. سيكون سبقا كبيرا لصحيفتنا إن كنا نحن أول من يعرف حقيقة الأمر، وأنا على استعداد لدفع مبلغ كبير بالعملة الصعبة حتى أنجح في ذلك. لذا، لا يهمك مصاريف إرسال التفاصيل بالتلغراف.» «رائع جدا؛ هل لديكم كتاب عن المناجم الكندية؟» «لا أعرف إن كان لدينا واحد؛ ولكن يوجد هناك كتاب يسمى «مصادر التعدين في كندا»؛ هل سيكون له أي نفع لك؟» «سأحتاج إلى مصدر كهذا. أريد كما تعرف أن يكون لدي بعض الإلمام بالمجال.»
قال مدير التحرير: «أتفق معك. سأرى ما يمكننا الحصول عليه عن هذا المجال. يمكن أن تقرئيه قبل أن تبدئي الرحلة، وفي أثنائها.»
قالت الآنسة جيني: «رائع جدا، وهل لي أن أختار الرجل الذي سأحصل منه على المعلومات من بين الرجلين؟»
رد مدير التحرير: «بالتأكيد. سترين الاثنين، ويمكنك بسهولة تحديد من سيقع على نحو أسرع ضحية لك.» «السفينة ستبحر خلال أسبوع، أليس كذلك؟» «بلى.» «إذن، سأحتاج على الأقل إلى خمسمائة دولار للحصول على فساتين جديدة.»
صاح مدير التحرير متعجبا: «يا إلهي!» «لا مجال للتعجب في هذا الأمر. إنني سأسافر باعتباري ابنة مليونير، ومن غير المحتمل أن يكفيني فستان أو اثنان طوال هذه الرحلة.»
قال مدير التحرير: «لكن لن يمكنك تفصيل فساتين جديدة في أسبوع.» «أتعتقد ذلك؟ حسنا، أعطني فقط الخمسمائة دولار، وسأتدبر الأمر.»
كتب الرجل المبلغ على ورقة عنده.
وقال: «ألا تظنين أن أربعمائة دولار كافية؟» «نعم، لا أظن ذلك. وهل لي أن أسافر إلى باريس بعد انتهاء هذه المهمة أم علي أن أعود مباشرة إلى هنا؟»
قال مدير التحرير: «أوه، أظن أننا يمكننا أن نمنحك هذه الرحلة هدية.» «ذكرني باسمي الرجلين الشابين، أم هما ليسا بشابين؟ ربما يكونان عجوزين مملين، بالنظر إلى مجال التعدين الذي يعملان به.» «لا؛ إنهما شابان، وهما حويطان وإنجليزيان. لذا، أنت ترين أن هذه المهمة قد فصلت من أجلك. إن اسميهما جورج ونتوورث وجون كينيون.»
قالت المرأة الشابة بمرح: «أوه، ونتوورث هو الرجل الذي سأستهدفه. جون كينيون! أنا أعرف أي نوعية من البشر ينتمي إليها؛ إنه متجهم ومتحفظ. يبدو أنه يشبه كثيرا جون بانيان أو جون ميلتون، أو أسماء من هذا القبيل.» «حسنا، أنا لن أكون متأكدا بشدة بشأن هذا حتى تري الاثنين. من الأفضل ألا تحزمي أمرك الآن.» «متى سأحصل على الخمسمائة دولار؟» «أوه، لا يجب أن تقلقي بشأن هذا. وأفضل طريقة هي أن تفصلي الفساتين وتطلبي ممن يحيكها إرسال الفواتير إلينا.»
قالت المرأة الشابة: «رائع جدا. سأكون مستعدة في الوقت المطلوب. لا ترتعب من الفواتير عندما تأتي إليك. إن جاءت بألف دولار، فتذكر أنني قلت إنني أحتاج منك إلى خمسمائة دولار فقط.»
نظر الرجل إليها للحظات، وبدا أنه يفكر أنه ربما من الأفضل ألا يترك لامرأة شابة أن تنفق كما تشاء في نيويورك. لذا، قال لها: «انتظري قليلا؛ سأكتب لك أمر الدفع، ويمكنك صرفه في الدور السفلي.»
أخذت الآنسة جيني أمر الدفع الذي أعطاه لها مدير التحرير وخرجت من غرفته. وعندما أعطت الأمر لموظف الدفع في قسم الحسابات، رفع الموظف حاجبيه عندما قرأ المبلغ وقال لنفسه، وهو يصفر بصوت منخفض: «خمسمائة دولار! ترى ما المهمة المكلفة بها جيني بروستر؟»
الفصل الثاني
لقد دق آخر جرس. وقد غادر كل من سيغادرون على الشاطئ. وتجمع حشود من البشر على نهاية الرصيف وعند أبواب المخزن الكبيرة المفتوحة عند مرسى السفينة. وبينما أخذت السفينة البخارية الكبيرة تتحرك، كان هناك تلويح بالمناديل من الجمع الموجود على الرصيف، ورد بالتلويح من هؤلاء الذين تكدسوا بطول أسوار السفينة. سحب المركب القاطر ببطء مقدمة السفينة، وبدأت محركات السفينة في النهاية الاهتزاز بصوت عال، وهو ما ستفعله لعدة أيام حتى تصل السفينة إلى القارة العجوز. وأصبح الجمع على الرصيف غير مرئي أكثر فأكثر لمن هم على متن السفينة، ونزل العديد من الركاب إلى الدور السفلي؛ فقد كان الهواء شديد البرودة، وكانت السفينة تتحرك بصعوبة وسط كتل ضخمة من الثلج.
كان هناك راكبان، على الأقل، لم يكترثا كثيرا بمسألة الرحيل؛ فهما لم يتركا أي أصدقاء خلفهما، وكان كل منهما يتطلع لرؤية أصدقائه في وطنه.
قال ونتوورث لكينيون: «لننزل إلى أسفل ونتأكد من الحصول على مقعدين متجاورين على الطاولة قبل أن تشغل كل المقاعد.»
رد رفيقه: «هيا بنا.» ونزلا إلى القاعة الكبيرة، التي كانت توجد بها بالفعل طاولتان طويلتان وعليهما كم كبير من أدوات ولوازم الطعام الفضية والزجاجية الفخمة، التي جعلت الكثيرين ممن نظروا إلى تلك الغابة من فوط الطاولات ببعض الحزن، يتمنون أن تمر الرحلة بسلام رغم الاحتمالات العديدة لكونها بخلاف ذلك؛ نظرا إلى أنها تنطلق في الشتاء. جلس مسئول الحسابات في السفينة واثنان من مساعديه على واحدة من الطاولات القصيرة وأمامهم مخطط، يحدد أسماء الركاب الذين أرادوا أن يجلسوا معا أو أرادوا مكانا معينا على أي من الطاولات. لم تكن الطاولات الجانبية الأصغر حجما مغطاة بعد لأن عدد الركاب في تلك الفترة من العام قليل نسبيا. ونظرا إلى أن الأماكن كانت محددة، فقد أخذ أحد المساعدين يكتب أسماء الركاب على بطاقات صغيرة في حين كان الآخر يضعها على الطاولات.
وقفت امرأة شابة، ترتدي رداء سفر يلائمها على نحو رائع، كان من الواضح أنه حديث التفصيل والتصميم، بعيدا قليلا عن الجمع الذي أحاط بمسئول الحسابات ومساعديه. وأخذت تنظر بحماس في كل الوجوه، وتستمع باهتمام للأسماء التي تجري تلاوتها. أحيانا كانت لمحة من خيبة الأمل تعلو حاجبيها، كما لو أنها كانت تتوقع أن يكون لشخص معين اسم محدد وهو الأمر الذي لم يحدث. وفي النهاية، لمعت عيناها.
قال الرجل الشاب الذي جاء الدور عليه: «اسمي ونتوورث.»
سأله مسئول الحسابات بلطف، كما لو أنه كان يعرفه طوال حياته: «حسنا، هل تريد أي مكان معين، يا سيد ونتوورث؟» «لا، نحن لا تعنينا مسألة مكان جلوسنا؛ لكنني أنا وصديقي السيد كينيون نريد أن نجلس معا أحدنا بجوار الآخر.»
رد مسئول الحسابات: «رائع جدا؛ من الأفضل أن تأتيا إلى طاولتي. رقما 23 و24؛ السيد كينيون والسيد ونتوورث.»
أخذ المساعد البطاقتين اللتين أعطيتا له، ووضعهما بحيث يتفقان مع الرقمين اللذين أعلن عنهما مسئول الحسابات. في تلك الأثناء، تحركت المرأة الشابة باتجاهه بخفة، كما لو أنها كانت مهتمة بالاسمين الموضوعين على الطاولة. نظرت إلى اسم ونتوورث للحظات، ورأت في المكان المجاور له اسم السيد براون. وألقت بعد ذلك نظرة سريعة وشاملة في أنحاء القاعة ولاحظت أن الشابين اللذين حددا مكان مقعديهما في طاولة الطعام يتحدثان الآن بارتياح باتجاه الدرج. أخذت البطاقة التي عليها اسم السيد براون، ووضعت مكانها أخرى مكتوبا عليها «الآنسة جيني بروستر». ووضعت بطاقة السيد براون في المكان الذي أخذت منه بطاقتها.
قالت جيني لنفسها: «آمل ألا يكون السيد براون مهتما بالجلوس في مكان معين، لكن على أي حال علي أن آتي مبكرا لتناول العشاء، وأن أتأكد أن السيد براون، أيا ما كان، لن يفتقر إلى التهذيب بحيث يصر على الاحتفاظ بمكانه إذا علم أن بطاقته كانت هناك.»
أثبتت الأحداث التالية صدق تخمينها بشأن عدم اكتراث السيد براون بمسألة مكان جلوسه على طاولة الطعام. لقد بحث هذا الشاب عن بطاقته ووجدها، وجلس على الكرسي المقابل لكرسي السيدة الشابة التي كانت قد شغلته بالفعل، وكان في واقع الأمر أول كرسي يشغل في الطاولة. وعندما وجدت أنه لن يوجد خلاف بشأن مكان الجلوس، بدأت تخطط في ذهنها كيف ستجذب انتباه السيد ونتوورث. وبينما هي تفكر في أفضل طريقة للاقتراب من ضحيتها، سمعت صوته. «هنا، يا كينيون؛ ها هما المكانان الخاصان بنا.»
قال كينيون: «أيهما يخصني؟»
رد ونتوورث: «لا يهم.» وحينها تسرب الخوف إلى قلب الآنسة جيني بروستر الرقيق. لم تفكر في مسألة عدم اهتمام ونتوورث بالمقعد الذي سيجلس عليه، وخشيت من احتمال أن تجد نفسها تجلس بجانب كينيون وليس بجانبه هو. بدا أن تقديرها الأولي لشخصية الرجلين صحيح. لقد كانت تنظر إلى كينيون دائما على أنه بانيان، وباتت متأكدة من أن ونتوورث سيكون الأسهل في التأثير عليه من بين الرجلين. في اللحظة التالية، تبددت مخاوفها؛ إذ إن كينيون عندما ألقى نظرة سريعة على المرأة الشابة الأنيقة، اختار عن عمد المقعد البعيد عنها، وجلس ونتوورث على الكرسي المجاور لها بكل تهذيب وأدب.
قالت جيني في نفسها، وهي تتنفس الصعداء: «الآن، تم تحديد أماكن تناول الوجبات على مدار الرحلة.» وأخذت تضع الخطط لبدء التعرف على الرجل الشاب، لكنها كلها تبددت عندما أعطاها السيد ونتوورث المهذب قائمة الطعام.
قالت الفتاة: «أوه، شكرا لك.» قالت ذلك بصوت خفيض كان موسيقيا للغاية، لدرجة أن ونتوورث ألقى نظرة ثانية عليها ورأى مدى رقتها وجمالها وبراءتها.
قال الشاب التعيس الحظ لنفسه: «أنا محظوظ.» ثم قال بصوت عال: «ليس معنا في هذه الرحلة العديد من السيدات.»
ردت الآنسة بروستر: «لا. أعتقد أن لا أحد يسافر في هذا الوقت من العام إلا إذا كان مجبرا على ذلك.» «أستطيع أن أؤكد أن هذا صحيح بالنسبة إلى راكبين.» «هل تقصد أنك أحدهما؟» «نعم، أنا وصديقي.»
قالت الآنسة بروستر: «كم هو رائع السفر مع صديق! فحينها، لن تكون وحيدا. لكنني للأسف أسافر بمفردي.»
قال ونتوورث المهذب: «أعتقد أنه سيكون خطأك بالكامل إذا كنت تشعرين بالوحدة وأنت على متن سفينة.»
ضحكت الآنسة بروستر ضحكة رقيقة.
قالت: «أشك في ذلك. إنني ذاهبة إلى قبلة الأمريكيين؛ باريس. أبي سيلتقيني هناك، وسنذهب بعدها معا إلى منطقة الريفيرا.»
قال ونتوورث: «آه، سيكون هذا ممتعا. إن الريفيرا في هذا الوقت بالطبع لمكان رائع.»
ردت: «هكذا سمعت أيضا.» «هل سافرت على متن رحلة بحرية من قبل؟» «لا، هذه هي أول رحلة لي. أعتقد أنك سافرت عدة مرات؟»
رد الرجل الإنجليزي: «أوه، لا، هذه هي رحلتي البحرية الثانية، وكانت الأولى هي التي أخذتني إلى أمريكا.»
قالت الآنسة بروستر باندهاش ظاهر: «آه، إذن أنت لست أمريكيا.»
تصورت أن الرجل بوجه عام يشعر بالإطراء عندما يحدث خطأ من هذا النوع. وبغض النظر عن مدى فخر الرجل ببلده، فهو يسعد لمعرفة أن ملامحه لا تقصره على بلد معين، أو كما يقول الأمريكيون: «تفصح عن هويته.»
قال ونتوورث: «أعتقد أنني بوجه عام لا أبدو سوى ما أنا عليه بالفعل؛ رجل إنجليزي.»
قالت المرأة الشابة التي تدعي البراءة: «لقد قابلت عددا قليلا جدا من الإنجليز؛ مما يجعلني في الواقع غير قادرة على معرفتهم.» «أعرف أن هناك اعتقادا شائعا بين الأمريكيين بأن الرجل الإنجليزي يسقط حرف الهاء من كلامه، وأنه يمكن التعرف عليه من خلال ذلك.»
ضحكت جيني مرة ثانية، واعتقد جورج ونتوورث أن ضحكتها من أجمل الضحكات التي سمعها في حياته.
لقد كان كينيون المسكين متجاهلا من جانب صديقه طوال العشاء. وقد شعر ببعض الكآبة عندما قدمت أطباق الطعام، وتمنى لو كان معه صحيفة مسائية. وفي تلك الأثناء، كان ونتوورث والفتاة الأنيقة الجالسة بجواره منسجمين معا. وفي نهاية العشاء، بدا أنها تجد بعض الصعوبة في الخروج من كرسيها، وأوضح لها ونتوورث السبيل إلى ذلك، تاركا إياها تنهض بنفسها. وشكرته هي بلطف.
قالت وهي تلتفت للذهاب: «سأصعد على سطح السفينة. إنني شديدة القلق من أن ألقي أول نظرة لي على المحيط بالليل من أعلى سطح سفينة بخارية.»
رد ونتوورث الشاب: «أرجو أن تجعليني أصحبك. إن أسطح السفن زلقة بعض الشيء، وحتى عندما لا يكون هناك تمايل من جانب السفينة، فليس من الأمان تماما لسيدة غير معتادة على حركة السفن أن تسير بمفردها في الظلام.»
ردت الآنسة بروستر بنعومة: «أوه، أشكرك شكرا جزيلا. هذا بالتأكيد لطف كبير منك؛ وإذا وعدتني بألا تدعني أحرمك من متعة تدخين سيجار ما بعد العشاء، فسأكون في منتهى السعادة لاصطحابك إياي على سطح السفينة. سأقابلك بأعلى الدرج في خلال خمس دقائق.»
قال كينيون، بينما المرأة الشابة تتوارى عن الأنظار: «أرى أنكما انسجمتما معا.»
قال ونتوورث: «ما فائدة أن تكون على متن سفينة إذا لم تستغل الفرصة لتكوين معارف؟ إن هناك عدم تقليدية في الحياة على متن السفينة، وهو الأمر الذي له جماله، وذلك كما ستكتشف ربما قبل نهاية الرحلة يا جون.» «إنك فقط تحاول إراحة ضميرك بسبب تجاهلك القاسي لي.»
انتظر جورج ونتوورث بأعلى الدرج لأكثر من خمس دقائق بقليل حتى ظهرت الآنسة بروستر، وهي ملتحفة بعباءة حوافها من الفراء، مما أعطى سحرا إضافيا لبشرتها، التي زاد من جاذبيتها قبعة ثقيلة أنيقة. ذهبا إلى سطح السفينة، ووجدا أن ليس هناك ظلام دامس كما توقعا. لقد كانت هناك كرات صغيرة من الإضاءة الكهربية موضوعة على مسافات منتظمة على أسوار السطح. وكان يوجد فوقهما نوع من السقف المصنوع من قماش القنب، الذي كانت تتدفق عليه الأمطار الثلجية. أحد البحارة، الذي كان معه ممسحة مطاطية، كان يدفع إلى فتحة الصرف الموجودة بجانب السفينة الماء الموجود على السطح. كان الليل حالك السواد في كل ما حول السفينة، فيما عدا في بعض الأحيان حين كانت تظهر موجة كبيرة بيضاء لامعة للحظات.
أصرت الآنسة بروستر على أن يشعل ونتوورث سيجاره وهو الأمر الذي فعله، بعد عدة محاولات لإقناعه. وبعد ذلك، أخذ بيدها ووضعها على نحو مريح تحت ذراعه، وعدلت خطوتها لتناسب خطوته. وأخذا يتمشيان بمفردهما تماما؛ فلم يكن ليل الشتاء المطير مشجعا لمعظم الركاب بالمقارنة بالغرف المريحة بالأسفل. ومع ذلك، صعد كينيون واثنان آخران إلى سطح السفينة وجلسوا على الكراسي التي كانت مربوطة بقضيب نحاسي يمتد بطول سور السطح. رأى بريق سيجار ونتوورث بينما كان الرفيقان يلتفتان في أقصى نهاية سيرهما، وعندما مرا به، سمع همهمة حديث منخفضة النبرة، وجزءا من ضحك خفيف بين الحين والآخر. لم يكن شعور كينيون بعدم الراحة والضيق بسبب ترك ونتوورث له؛ فهو نفسه لم يكن يعرف السبب، لكن تملكه هاجس غريب غير مريح. وبعد بعض الوقت، نزل إلى القاعة وحاول أن يقرأ، لكنه لم يستطع، ولذلك، سار بطول الممر الضيق الذي بدا أنه لا نهاية له، والمؤدي إلى غرفته (التي كانت أيضا غرفة ونتوورث) التي دخلها في النهاية. ولم يعد رفيقه إلى الغرفة إلا متأخرا.
سأله الآخر: «هل نمت يا كينيون؟»
كانت الإجابة: «لا.» «يا إلهي! إنها يا جون واحدة من أجمل الفتيات التي رأيتها في حياتي. كما أنها بارعة جدا؛ فهي تجعل الرجل يشعر بجوارها وكأنه أحمق. لقد قرأت تقريبا في كل الموضوعات. ولديها آراء عن كل كتابنا، الذين لم أسمع بالكثير منهم قط. أتمنى من أجلك، يا جون، أن تكون لديها أخت على متن السفينة.»
قال كينيون: «شكرا، أيها العجوز؛ إن هذا لطف شديد منك. ألا تشعر أنه قد حان الوقت لتتوقف عن هذا الهذيان وتذهب إلى سريرك وتطفئ هذا الضوء القوي؟» «حسنا، أيها المتبرم، سأفعل.»
في تلك الأثناء، كانت الآنسة جيني بروستر تنظر في غرفتها إلى انعكاس صورتها في المرآة. وبينما بسطت شعرها الطويل حتى انسدل مموجا على ظهرها، ابتسمت برقة وقالت لنفسها: «يا لك من مسكين يا سيد ونتوورث! في أول ليلة لنا معا وأخبرني بأن اسمه جورج.»
الفصل الثالث
لقد كان اليوم الثاني مفاجأة سارة لكل ركاب السفينة الذين أعدوا أنفسهم لرحلة شتوية غير سارة. لقد كان الهواء صافيا والسماء زرقاء كما لو كان الوقت وقت الربيع، وليس منتصف الشتاء. وكانت السفينة في منطقة تيار الخليج الدافئ. سطعت الشمس بشدة وكان الطقس معتدلا. ومع ذلك، كان يوما غير مريح للركاب المعرضين لدوار البحر. فعلى الرغم من أنه لم يكن يبدو، للملاحظ العادي، أن هناك حركة كبيرة للماء، فقد أخذت السفينة تتأرجح على نحو شديد. إن هؤلاء الذين اتخذوا قرارات جريئة بالجلوس على السطح كانوا يجلسون هناك في بؤس صامت على كراسيهم التي كانت مربوطة بدعامات قوية. القليل كان يتمشى على السطح اللامع النظيف لأن التمشي في ذلك الصباح كان يتطلب رشاقة لاعبي الجمباز. واستطاع الثلاثة أو الأربعة الذين أرادوا على ما يبدو أن يثبتوا أنهم سافروا على متن هذه السفن من قبل ، ويعرفون كل شيء عنها، أن يمشوا بالكاد على طول السطح. أما هؤلاء الجالسون على كراسي السطح، فكانوا يشاهدون ببعض الاهتمام من كانوا يسيرون أمامهم والذين كانوا من آن لآخر يتوقفون عن المشي وينحنون بشدة مع ميل السطح لأسفل. وأحيانا كانت أقدام السائرين تزل، فينزلقون بسرعة على السطح المائل. ومثل هذه الحوادث كانت بلا شك محل متابعة من قبل الجالسين، وحتى العجز كانوا يضحكون بوهن.
أسند كينيون ظهره على كرسيه على سطح السفينة وكانت عيناه مثبتتين على السماء الزرقاء. كان عقله غير منشغل الآن بشأن تقرير المناجم بعد أن أرسله بالتلغراف إلى لندن. وأخذ عقله ينظر في أحواله، وتساءل ما إذا كان سيجني الكثير من المال من عقد خيار الشراء الذي حصل عليه في أوتاوا. لم يكن شخصا متفائلا، ولذلك شك في هذا الأمر.
بعد أن انتهى الشابان من عملهما لصالح شركة لندن سينديكيت، أجريا صفقة صغيرة لصالحهما. لقد زارا معا منجم ميكا كان بالكاد يغطي نفقاته، وكان مالكوه متلهفين على بيعه. كان المنجم مملوكا لشركة المناجم النمساوية التي قابل كينيون وكيلها، فون برينت، في أوتاوا. أبرم الشابان عقد خيار شراء بشأن هذا المنجم لمدة ثلاثة أشهر مع فون برينت. كانت عين كينيون الخبيرة تقول له إن المادة المعدنية البيضاء التي كانوا يلقونها عند مقدمة المنجم كانت حتى ذات قيمة أعلى من الميكا التي كان المنجم يستخرجها من الأرض.
كان كينيون أمينا بشدة - وهي صفة نادرة بعض الشيء في مجال المناجم - وبدا له أنه ليس من العدل أن يستغل جهل فون برينت بشأن المادة المعدنية التي يتم التخلص منها. ووجد ونتوورث بعض الصعوبة في التغلب على ضمير صديقه وأمانته الشديدة. وزعم أن المعرفة دائما شيء يجب أن يدفع من أجل الحصول عليه، سواء في القانون أو الطب أو مجال المناجم، ومن ثم فهما محقان تماما في الاستفادة من علمهما الكبير. وهكذا عاد الشابان بعقد خيار شراء إلى لندن، مدته ثلاثة أشهر بشأن هذا المنجم.
أخذ ونتوورث يتجول في أنحاء السفينة طوال الصباح كروح تائهة تبحث على ما يبدو عن صاحبها. وقال لنفسه: «لا، لا يمكن.» فقد كانت الفكرة مريعة للغاية؛ ولذا، فقد أبعدها عن رأسه وخمن أنها ربما ليست من محبي الاستيقاظ المبكر، وقد كان بالفعل. في واقع الأمر، لم يستفد أحد يعمل في صحيفة صباحية قط من المثل الذي تضربه القنبرة في الاستيقاظ مبكرا.
قال ونتوورث: «حسنا يا كينيون، إنك تبدو وكأنك تكتب قصيدة أو تقوم بشيء يتطلب جهدا ذهنيا كبيرا.» «أترك لك كتابة القصائد، يا عزيزي ونتوورث. أنا أقوم بشيء عملي أكثر على نحو كبير؛ شيء كان يجب أن تقوم به أنت أيضا. أنا أفكر فيما سنفعله في منجم الميكا الخاص بنا عندما نصل إلى لندن.»
قال ونتوورث بمرح: «أوه، «يكفي اليوم شره»؛ بالإضافة إلى ذلك، نصف الساعة من التفكير من جانب شخص في ذكائك تساوي رحلة كاملة من تأملي العميق.»
قال كينيون: «ألم تظهر بعد؟» «نعم، يا عزيزي؛ نعم، ليس بعد. انظر كيف أنني لم أظهر غير ما أبطن كما يفعل غيري من الرجال الأقل صدقا. نعم، هي لم تظهر، ولم تتناول طعام الإفطار.»
قال كينيون: «ربما ...»
صاح ونتوورث: «لا، لا! أنا لا أريد كلمة «ربما». لقد فكرت في هذا، لكنني استبعدت الفكرة على الفور. إنها غير معرضة لدوار البحر.» «يجب أن تكون كذلك لكي تحتمل مثل هذه الحركة. كما أن هذا يبدو غير ضروري أيضا. ترى لماذا تتمايل السفينة هكذا؟» «لا يمكنني القول، لكن يبدو أنها تتمايل بشدة. يا صديقي القديم كينيون، أشعر بأن ضميري يؤنبني بشدة بشأن تركك هكذا، وفي وقت مبكر من الرحلة. أنا لم أفعل ذلك في المرة السابقة، أليس كذلك؟»
رد كينيون: «لقد كنت مثالا لرفيق السفر في الرحلة السابقة.» «أنا لا أريد أن أقدم لك اقتراحات وقحة، يا عزيزي، لكن اسمح لي أن أخبرك بأن هناك بعض الفتيات الأخرى الجميلات جدا على متن السفينة.»
رد كينيون: «إذن، أنت لست سيئا للغاية كما كنت أخشى، وإلا ما كنت ستعترف بهذا. ظننت أنك لا ترى أحدا سوى الآنسة ... الآنسة ... في الواقع لم أسمع اسمها.» «أنا لا أمانع في أن أخبرك يا كينيون، مع اعتبار هذا سرا، بأن اسمها هو جيني.»
صاح كينيون: «يا إلهي! أوصل الأمر إلى هذا الحد؟ ألا تعتقد يا ونتوورث أنك متعجل بعض الشيء؟ يبدو هذا التوجه أمريكيا أكثر منه إنجليزيا؛ فالإنجليز يزنون الأمور على نحو أكبر.» «لا توجد ضرورة لوزن الأمور، يا صاح. أنا لا أرى أي ضرر في التقرب من فتاة جميلة ما دام أمام المرء رحلة طويلة.» «حسنا، أنا ما كنت سأترك العلاقة تتطور، لو كنت مكانك.» «لا يوجد أي احتمال للتطور في هذه العلاقة. فعندما تصل الفتاة إلى الشاطئ، لن تلقاني ثانية. إنها ابنة مليونير. وأبوها الآن في باريس، وسينطلقان في رحلة إلى منطقة الريفيرا في غضون بضعة أسابيع.»
رد كينيون: «وهذا سبب أدعى لضرورة ألا تجعل العلاقة تتطور. خذ حذرك، يا صاح. لقد سمعت أن الفتيات الأمريكيات يهوين استدراج الرجال في علاقة حتى تصل تلك العلاقة لنقطة معينة، وحينها ترفع كل منهن حاجبيها وتبدو عليها أمارات الاندهاش وبعد ذلك تنسى كل شيء بشأنه. ومن الأفضل أن تنتظر حتى ينجح مشروعنا الخاص بمنجم الميكا، وبعدها، قد تستمع إليك مليونيرتك الحسناء.»
قال ونتوورث: «جون، أنت أكثر رجل أعرفه غلظة. لم ألاحظ ذلك على نحو خاص من قبل، ولكن يبدو لي أن سنوات وسنوات من العمل مع المعادن من كافة الأنواع؛ المعادن الصلبة والمتحجرة، تغير الإنسان. احذر أن تصبح مثل المعادن التي تعمل معها.» «حسنا، أنا لا أعرف شيئا أقل قابلية لترقيق الطباع من أعمدة الأرقام الطويلة. أعتقد أن الأرقام التي تعمل معها تسبب غلظة الطباع تماما مثل المعادن التي قضيت حياتي في العمل معها.» «ربما أنت محق في ذلك، لكن يجب أن تلقى فتاة بين ذراعيك قبل أن تعترف بوجود ذلك الشيء الذي يطلق عليه فتاة جميلة.» «إذا استطعت الحصول على كل المال الذي آمل أن أكسبه من منجم الميكا، فأتوقع أن الفتيات لن يلقين بأنفسهن بين ذراعي ، وإنما سيتهافتن على التقرب مني. إن المال عامل مهم في إغراء أي فتاة لقبول الزواج.»
قال ونتوورث بتمهل: «إنه بالطبع عامل مهم لإغراء أمها لقبول الزواج. أنا لا أعتقد أن حبيبتي ... أن الآنسة بروستر تفكر على الإطلاق في المال.» «ربما هي لا تحتاج إلى فعل ذلك، لكن لا شك أن هناك أحدا سيفكر في ذلك بالنيابة عنها. إذا كان أبوها مليونيرا، وقد كون، مثل الكثير من الأمريكيين، ثروته بنفسه، فيجب أن تثق في أنه سيفكر في الأمر بالنيابة عنها، وإذا اتضح أن الآنسة بروستر لا تفكر في هذا الأمر، فإن الثري العجوز سرعان ما سيعيدكما أنتما الاثنان إلى صوابكما. سيكون الأمر مختلفا لو كان لديك لقب كبير.»
رد ونتوورث: «ليس لدي أي لقب، فيما عدا لقب جورج ونتوورث، مراجع الحسابات، مع عنوان في لندن وشقة في ضواحيها.» «بالضبط؛ إذا كنت اللورد جورج ونتوورث أو حتى السير جورج أو ونتوورث بارون كذا أو كذا، فربما تكون لديك فرصة؛ أما في الوضع الحالي، فإن لقب مراجع حسابات لن يجعلك تنجح في مسعاك مع مليونير أمريكي أو ابنته.» «إنك فتى بائس وبارد وشديد الحرص.» «أنا لست أيا من ذلك على الإطلاق. أنا فقط أفكر بعقلانية، وأنت تفتقد هذا في هذه اللحظة. إنك لن تثق في أرقام أي كاتب حسابات دون أن ترى فواتيره. حسنا، يا صاح، أنت ليس لديك الفواتير؛ على الأقل، ليس حتى الآن، ولهذا أطلب منك أن توجه اهتمامك لما سنفعله في منجمنا؛ وإذا أخذت بنصيحتي، فلن تفكر بجدية في المليونيرات الأمريكيين أو بناتهن.»
انتصب جورج ونتوورث بسرعة؛ وذلك لأن السفينة مالت فجأة في تلك اللحظة، وما إن استطاع الحفاظ على توازنه، حتى كاد أن يفقده ثانية؛ لكنه كان خبيرا في مسألة التوزان هذه كما هو حاله مع الحسابات، وعلى الرغم من أن انتباهه كان في هذه اللحظة مركزا على الحفاظ على توازنه، نظر إلى رفيقه، الذي كان لا يزال يسند ظهره بهدوء على كرسيه، وعلى وجهه ابتسامة.
وقال: «كينيون، سأبحث عن فتاة أخرى.» «ألا تكفيك واحدة؟» «نعم، أريد اثنتين؛ واحدة لي والثانية لك. لا يمكن لأحد أن يتعاطف مع الآخرين إلا إذا وضع في نفس الموقف الذي هم فيه. جون، أريد بعض التعاطف، ولا أحصل عليه منك.»
قال كينيون بهدوء: «ما تحتاج إليه على نحو فوري هو العقلانية، وهذا هو ما أحاول أن أمدك به.» «أنت تفعل كل ما تستطيع في هذا الشأن؛ لكن الإنسان لا يحيا بالعقلانية وحدها. يأتي على الإنسان وقت يرى فيه أن العقلانية لا قيمة لها. أنا لا أقول إن هذا الوقت قد أتى علي بعد، لكني مصر على أن أجعلك في مزاج أكثر تعاطفا؛ لذا، سأسعى لأن أجد فتاة مناسبة لك.»
رد كينيون، بينما تركه صديقه وعبر إلى الجانب الآخر من السفينة متواريا عن الأنظار: «الأكثر احتمالا أنك ستبحث عن فتاتك.»
لم يعد كينيون للتفكير في حساباته بشأن المنجم عندما تركه صديقه. وأخذ يفكر في التطور السريع على نحو غريب للأحداث. وأمل ألا يأخذ ونتوورث الأمر بجدية شديدة؛ لأنه شعر بطريقة ما أن الآنسة بروستر من نوعية الفتيات التي ستتجاهله بعد أن تقتل الوقت معه في رحلة مملة. بالطبع، لم يكن يستطيع أن يقول هذا لصديقه، الذي من الواضح أنه كان معجبا بالآنسة بروستر، لكنه قال له أقصى ما يمكنه ليجعله يأخذ حذره.
قال كينيون لنفسه: «لو كانت مثل هذه الفتاة، ما كنت سأبدي أي اعتراض.» كانت هذه الفتاة المشار إليها فتاة تمشي على سطح السفينة بمفردها لمدة نصف الساعة بمهارة شديدة. إنها لم تكن جميلة مثل الفتاة الأمريكية، ولكن كانت بشرتها أجمل، وكانت هناك حمرة في وجنتيها تشير إلى أنها تنتمي لإنجلترا. إن فستانها لم يكن أنيقا ولا ملائما بشدة على جسدها مثل فستان الفتاة الأمريكية، ومع ذلك، كان ما ترتديه مناسبا للطقس والظروف، وكانت ترتدي قبعة من نوع تام أو شانتر بنية تغطي شعرها الأشقر. كانت تضع أطراف أصابع يديها في جيبي معطفها الأزرق القصير، وأخذت تمشي على السطح بخطى ثابتة وواثقة أثارت إعجاب جون كينيون. وكرر كلامه لنفسه قائلا: «لو كانت مثل هذه الفتاة، ما كنت سأبدي أي اعتراض. هناك شيء غض وأصيل بشأنها. إنها تذكرني بتلال جنوب إنجلترا البهيجة.»
بينما أخذت تمشي جيئة وذهابا، حاول شاب أو اثنان التقرب منها، لكن كان واضحا لكينيون أن الفتاة أعلنت صراحة لهما، على نحو مهذب بالقدر الكافي، أنها تفضل السير بمفردها، وقد رفعا لها قبعتي البحر الخاصتين بهما احتراما لها وتركاها.
قال في نفسه: «إنها لم تصادق أول رجل يتحدث إليها.»
بدأت السفينة في التأرجح أكثر فأكثر، لكن اليوم كان بديعا والبحر يبدو هادئا. وقد غادر معظم المتنزهين السطح. وقد حافظ اثنان أو ثلاثة منهم على توازنهم بنجاح مرض ولد لديهم الشعور بالفخر الذي يسبق السقوط، لكن لحظة انزلاقهم أتت أخيرا ووجدوا أنفسهم ملقيين قبالة سور السفينة. حينها، ضحكوا بخجل وقاموا وتركوا السطح. والكثير من هؤلاء الذين كانوا جالسين في كراسيهم على متن السطح تركوا أماكنهم وذهبوا إلى غرفهم. كانت هناك لحظة إثارة مفاجئة عندما انخلع أحد الكراسي عن وثاقه وانزلق حتى اصطدم بالسور، محدثا صوت ارتطام قويا. ورفع من كان يجلس عليه من على الأرض وكان في حالة هيستيرية، وأخذ للأسفل. وربط المسئول عن السطح الكرسي على نحو أكثر حزما، حتى لا تقع تلك الحادثة مرة أخرى. وكانت الفتاة الإنجليزية قبالة جون كينيون عندما وقعت تلك الحادثة، وقد تشتت انتباهها بسبب الخوف على سلامة الشخص الجالس على الكرسي المنزلق، وتلاشى اهتمامها بنفسها في أكثر وقت كان مطلوبا فيه. كان الميل التالي الذي تعرضت له السفينة على الجانب الآخر هو الأقوى في هذا اليوم. ارتفع السطح حتى كادت الفتاة التي مالت بجسدها أن تلمسه بيدها، ثم، ورغم محاولاتها، انزلقت بسرعة البرق باتجاه الكرسي الذي كان يشغله جون كينيون، وتعثرت ووقعت على جون على نحو مفاجئ بشدة، وهو الأمر الذي كان سيودي به إذا لم يفعل ذلك السقوط المباغت لفتاة ممتلئة القوام عليه. انكسر كرسي السطح الهش محدثا صوتا عاليا، وكان من الصعب تحديد من كان الأكثر تضررا من الحادثة المفاجئة، جون كينيون أم الفتاة.
قال متلعثما: «أرجو ألا تكوني قد أصبت.»
ردت: «لا تهتم بأمري. لقد كسرت كرسيك، و... و...»
قال كينيون: «الكرسي لا يهم. لقد كان ضعيفا وهشا. أنا لم أصب، إن كان هذا ما تقصدينه؛ ولا يجب أن تهتمي بهذا.»
وهنا، تذكر مقولة جورج ونتوورث: «يجب أن تلقى فتاة بين ذراعيك قبل أن تعترف بوجود ذلك الشيء الذي يطلق عليه فتاة جميلة.»
الفصل الرابع
بالكاد يمكن القول إن إديث لونجوورث نموذج للفتاة الإنجليزية. صحيح أنها قد تعلمت مثل أي فتاة إنجليزية، لكن ليس على تنشئتها المعتادة. لقد فقدت أمها في مرحلة مبكرة من حياتها، وهو ما أحدث فارقا كبيرا في تربيتها، بغض النظر عن مدى ثراء والدها، الذي كان ثريا، دون أدنى شك. إذا سألت أي رجل لندني عن مكانة جون لونجوورث، فستعرف أن «المنزل» سمعته طيبة. يقول الناس إنه محظوظ، لكن جون لونجوورث العجوز يؤكد أنه لا يوجد شيء اسمه الحظ في مجال الأعمال، وهو قول غير صحيح على الأرجح. إن لديه استثمارات كبيرة في كل أنحاء الكرة الأرضية تقريبا. وعندما يدخل أي مجال، فإنه يدخله بقوة. يتحدث الناس عن عدم استحسان وضع كل البيض في سلة واحدة، لكن جون لونجوورث مؤمن بهذا الشيء؛ ومؤمن أيضا بمراقبة السلة. هذا لا يعني أنه يضع كل بيضة في سلة واحدة، أو حتى في نوع واحد من السلال؛ لكن عندما يكون جون لونجوورث مقتنعا بنوعية السلة المقدمة إليه، فإنه يضع عددا كبيرا من البيض فيها. وعندما يعرض عليه أي شيء للاستثمار فيه - سواء كان منجما أو مصنعا للجعة أو خط سكة حديدية - كان يأخذ رأي الخبراء في الأمر، والاحتمال الأكبر أن يتجاهل في النهاية هذا الرأي. لقد كانت لديه عادة الذهاب شخصيا لرؤية ما يعرض عليه. وإذا كان الاستثمار كبيرا بما يكفي، فلم يكن ليتردد في السفر إلى الجانب الآخر من العالم من أجل إلقاء نظرة عليه. صحيح أنه في حالات كثيرة كان لا يعرف أي شيء عن المجال الذي سيستثمر فيه، لكن هذا لم يكن مهما له؛ فقد كان يحب أن يفحص بنفسه المكان الذي سيضع فيه جزءا كبيرا من أمواله. بدا أن الاستثمار بالنسبة إليه نوع من الحدس. وفي أحيان كثيرة عندما كانت تجمع آراء الخبراء على مدى ربحية مشروع ما، وكان يبدو كل شيء آمنا على نحو تام، كان يقوم بزيارة شخصية للمكان موضوع البيع، ويصل إلى قناعة فورية بعدم شرائه. وحينها، كان لا يبدي أي أسباب لرفاقه بشأن تغيير رأيه؛ كان فقط يرفض الاستمرار في النظر في العرض وينسحب من الأمر. وقعت حالات كثيرة من هذا النوع في مسيرته. أحيانا، كانت تخسر شركة كبيرة ورابحة، وكان يتوقع لها مستقبل كبير، وعندما تجري تصفيتها، يتذكر الناس ما قاله لونجوورث عنها. وهكذا تكون لدى من يعرفون السيد لونجوورث العجوز شعور غير مستند على أي أساس علمي مفاده أنه لو كان طرفا في شيء، فإن هذا الشيء آمن، ولو استطاع مؤسس لشركة ما أن يحصل على موافقته على المشاركة فيها، فمن شبه المؤكد أن مشروعه سينجح. •••
عندما انتهت إديث لونجوورث رسميا من تعليمها، أصبحت رفيقة أبيها أكثر فأكثر، وكان عادة ما يشير إليها على سبيل المزاح باعتبارها مساعدته. لقد كانت تسافر معه في أسفاره الطويلة، ولذلك، سافرت العديد من المرات إلى أمريكا، ومرة إلى رأس الرجاء الصالح وأخذتها إحدى الرحلات البحرية الطويلة التي كانت وجهتها أستراليا في جولة كاملة حوال العالم. لقد ورثت إديث الكثير من فطنة أبيها، ولا شك أنه لو قدر لها أن تعتمد في حياتها على نفسها وعلى إمكانياتها فقط، لأصبحت سيدة أعمال ممتازة. وكانت تعرف بدقة نطاق استثمارات أبيها، وكانت كاتمة أسراره على نحو لا تجده سوى في نساء قليلات فيما يتعلق بأقاربهن الرجال. ولقد كان الرجل العجوز يثق بشدة في رأيها، على الرغم من أنه نادرا ما يعترف بذلك. ونظرا إلى أنهما سافرا معا كثيرا في رحلات طويلة، فمن الطبيعي أنهما أصبحا، على نحو ما، صديقين مقربين. وهكذا يتضح لنا أن تعليم إديث كان مختلفا تماما عن تعليم أي فتاة إنجليزية عادية، وتلك التنشئة الخاصة حولتها إلى نوع مختلف من النساء، عما كانت ستكون عليه لو كانت والدتها حية.
نمت ثقة تامة بين الأب والابنة، ومؤخرا فقط حدث ما عكر صفو علاقتهما معا، وهو الأمر الذي لم يتحدث بشأنه أي منهما مرة أخرى منذ فتح الحوار حوله.
قالت إديث، ربما بصراحة أكثر من المعتادة منها، إنها لا تفكر على الإطلاق في الزواج، ومن ثم، فهي لا ترغب في الزواج من الرجل الذي بدا أن أباها قد اختاره لها. وردا على ذلك، لم يقل أبوها شيئا، لكن إديث كانت تعرفه جيدا وتعتقد أنه لا يمكن أن يغير رأيه بشأن هذا الأمر. إن دعوة أبيها لابن أخيه كي ينضم إليهما في هذه الرحلة تحديدا، أثبتت لها أن أباها يرى أن كل ما يحتاج إليه الأمر هو أن يقرب أحدهما من الآخر أكثر من ذي قبل؛ وعلى الرغم من التزامها الصمت حيال ذلك، فقد كانت تعتقد أن أباها ليست لديه فطنة في هذه الأمور مثل التي يبديها عند شراء شركة نامية. وقد كانت إديث في تعاملها مع ابن عمها شديدة التهذيب - تماما كما هو حالها مع أي شخص - لكنه لاحظ أنها تفضل البقاء بمفردها على مرافقته، وهذا ما جعله، رغم غضب السيد لونجوورث، يقضي معظم وقته في لعب الورق في غرفة التدخين، بدلا، بحسب رأي الرجل العجوز، من أن يتنزه على سطح السفينة مع ابنة عمه.
كان ابن عم إديث ويليام لونجوورث يشعر بالضيق بعض الشيء؛ لأنه كان يرى أنه شخص مناسب جدا للزواج، شخص تتطلع أي فتاة عاقلة إلى الاقتران به. إنه لم يدع على الإطلاق بأنه واقع بشدة في غرام إديث، لكنه كان يعتقد أن الزواج سيكون شيئا رائعا من كافة الجوانب. لقد قال في نفسه إن إديث فتاة جميلة، وإن مال عمه أمر بالتأكيد يستحق التفكير فيه. وفي واقع الأمر، بدأ يتمنى أن يتم الزواج، لكن نظرا إلى أنه لم ير حوله من يمكن أن يعتبره منافسا له، فقد كان ينظر إلى الأمر باعتباره محسوما لصالحه. لذا، كان يظهر للآنسة إديث أن سعادته ليست معتمدة بأي نحو على مرافقتها له؛ وكان يفعل هذا بقضاء وقته في غرفة التدخين ولعب الورق مع غيره من الركاب. كان من الواضح جدا لأي شخص يرى إديث، أنه إن كان هذا يلائمه، فهو يلائمها بالتأكيد؛ لذا، كانا نادرا ما يتقابلان في السفينة إلا على طاولة الطعام، حيث يكون مكان إديث بين أبيها وابن عمها. وقد جرى حوار واحد قصير بين الآنسة لونجوورث وابن عمها حول موضوع الزواج. تحدث هو عن الأمر بنبرة واثقة جدا باعتباره ترتيبا جيدا، لكنها قالت باختصار شديد إنها ليست لديها أي رغبة في تغيير اسمها.
قال ابن العم ويليام: «أنت لا تحتاجين إلى ذلك، فاسمي لونجوورث، وهو اسمك في الوقت نفسه.»
ردت: «هذا ليس مجالا للمزاح.» «أنا لا أمزح، عزيزتي إديث. أنا فقط أخبرك بما يعرف الجميع أنه صحيح. أنت بالطبع لا تنكرين أن اسمي هو لونجوورث، أليس كذلك؟»
ردت الفتاة: «أنا لا أقصد أن أنكر أو أؤكد أي شيء فيما يتعلق بهذا الأمر، وسأكون ممتنة بشدة لو لم تعد إلى هذا الموضوع ثانية.»
ونتيجة لذلك، عاد الرجل الشاب مرة أخرى إلى غرفة التدخين.
في هذه الرحلة، عرفت إديث الكثير عن المجتمع الأمريكي. وقد حببها الأمريكيون بشدة في بلدهم، وعلى الرغم من أن الطقس كان صعبا بعض الشيء، فقد استمتعت بشدة بالجولات التي كانت تتم بالزلاجات والفعاليات المختلفة التي يتيحها الشتاء لسكان أمريكا الشمالية. لقد ذهب أبوها وابن عمها إلى أمريكا لتفقد عدة مصانع للجعة كانت توجد في أجزاء مختلفة من البلاد، التي كان من المفترض دمجها في شركة واحدة كبيرة. لقد اتخذوا من إحدى مدن الساحل الغربي هناك مقرا لهم، وبينما كانت إديث تستمتع بوقتها بصحبة أصدقائها الجدد، زار الرجلان مصانع الجعة الموجودة في أماكن مختلفة من البلاد، التي رغم ذلك كانت قريبة من المدينة التي كانت تمكث فيها إديث. بدا أن مصانع الجعة كانت في حالة جيدة جدا، على الرغم من أن ابن عم إديث قال إن الجعة التي يخمرونها كانت أسوأ جعة ذاقها، وقال إنه لا يرغب في أن تكون له أي صلة بإنتاجها، حتى لو أدى إنتاجها إلى أرباح كبيرة. كان عمه قد تذوق الجعة المنتجة هناك، لكنه قصر نفسه على تناول الجعة الإنجليزية الجيدة المعبأة والمعتقة، التي ارتفع ثمنها، إن لم يكن جودتها، بسبب مصاريف النقل. ولكن كان هناك شيء في مزيج الجعة الذي يصنع هناك لم يعجبه، ومن الكلمات القليلة التي قالها عن الموضوع، أدرك ابن أخيه أن لونجوورث لن يصبح عضوا في اتحاد شركات الجعة الكبير المزعوم. كانت هناك نية للقيام برحلة إلى كندا، وكانت إديث تأمل في مشاهدة مدينة مونتريال في نسختها الشتوية؛ لكن تم التغاضي عن فكرة هذه الزيارة؛ بسبب قضاء الكثير من الوقت في الولايات الأمريكية الغربية. لذا، بدءوا رحلتهم إلى أرض الوطن، وكان لونجوورث العجوز يجلس قدرا كبيرا من الوقت على كرسيه على سطح السفينة، بينما كانت إديث تتمشى هناك بمفردها، وكان ابن عمها يقضي معظم وقته في غرفة التدخين. كانت هذه هي الفتاة التي ألقى بها القدر بين ذراعي جون كينيون.
الفصل الخامس
تنضج صداقات الرحلات البحرية بسرعة. ومن الصحيح أيضا بوجه عام أنها تختفي بسرعة مساوية؛ ففي اللحظة التي يضع فيها المرء قدمه على أرض صلبة، يبدو أن بهاء البحر يذهب عنه، وينسى بسرعة على الشاطئ الصديق الذي أقسم على الإخلاص لصداقته طوال العمر بينما كان على سطح السفينة. لم تفكر إديث لونجوورث في موضوع الطبيعة البريئة لصداقات الرحلات البحرية عندما تذكرت مشيها المبهج على سطح السفينة مع كينيون. لقد قابلت العديد من الأشخاص الظرفاء في أسفارها المتعددة، لكنهم أثبتوا جميعا أنهم مجرد معارف سفر، وكانت تجد الآن صعوبة كبيرة في تذكر أسمائهم. ربما ما كانت ستتذكر السيد كينيون ثانية في تلك الليلة لولا بعض الملاحظات الغبية التي رأى ابن عمها أن من المناسب إبداءها على طاولة العشاء.
سأل لونجوورث الشاب: «من كان ذلك الرجل الذي كنت تسيرين معه اليوم؟»
ابتسمت له إديث بابتهاج، وردت قائلة: «أعتقد أنك تقصد السيد كينيون؟»
رد بغلظة: «أوه، أنت تعرفين اسمه، أليس كذلك؟»
أجابت: «بلى؛ فأنا بالتأكيد لن أمشي مع رجل دون أن أعرف اسمه.»
قال لها ابن عمها باستهزاء: «حقا؟! وهل جرى تقديمك له؟»
ردت إديث بهدوء: «أنا لا أعتقد أن أي شخص لديه الحق في طرح هذا السؤال علي سوى أبي. إنه لم يطرحه، وردا على سؤالك، فأنا فقط سأجيب بأنني قدمت للسيد كينيون.» «أنا لا أعرف أي شخص مشترك بينكما على سطح السفينة يمكنه تقديم كل منكما للآخر.» «حسنا، كانت المسألة غير رسمية بعض الشيء. لقد قدم أحدنا إلى الآخر صديقنا المشترك، إله البحر العجوز نيبتون. لقد جعلني نيبتون، الذي كان، كما تعرف، صاخبا قليلا هذا الصباح، أصطدم بالسيد كينيون. إن وزني أخف من الريشة، وكانت النتيجة - على الرغم من أن السيد كينيون كان مهذبا بما يكفي لأن يقول بأنه لم يصب بسوء - أن الكرسي الذي كان يجلس عليه لم يراع بنفس القدر مشاعري وتحطم. ظننت أن السيد كينيون سيأخذ كرسيا بدلا من كرسيه الذي حطمته رغما عني، لكن السيد كينيون لم يكن رأيه هكذا. لقد قال إنه يعمل مهندس تعدين وإنه لا يمكن أن يزعم أنه رجل بارع جدا في هذا المجال إذا وجد أي صعوبة في إصلاح كرسي على سطح سفينة. ويبدو أنه نجح في فعل هذا، وهذه كل قصة تقديمي إلى السيد كينيون، مهندس التعدين، وتواصلي معه.»
رد الرجل الشاب: «هذا ممتع ورومانسي جدا، وهل تعتقدين أن أباك سيوافق على تكوينك معارف عشوائية على هذا النحو؟»
قالت إديث، وقد توردت خجلا قليلا بسبب هذا: «لن أفعل بمحض اختياري أي شيء يرفضه أبي.» ثم أضافت بصوت منخفض: «فيما عدا، ربما، شيء واحد.»
مال الآن أبوها، الذي سمع مقتطفات من الحوار، باتجاه ابن أخيه، وقال محذرا: «أعتقد أن إديث قادرة على الحكم على الأمور بنفسها. تلك هي الرحلة البحرية السابعة لها معي، ودائما ما أجد أن هذا هو الوضع. إن تلك هي أول رحلة لك معنا، ولذلك، إذا كان لي أن أضع نفسي مكانك، فسأتوقف عن الحديث في هذا الموضوع.»
صمت الشاب، وأعطت إديث لأبيها نظرة شكر وامتنان. نتيجة لهذا، ورغم أنها ما كانت لتفكر ثانية في كينيون، فإن الملاحظات التي أبداها ابن عمها، جلبت إلى ذهنها، بينما كانت بمفردها، صورة الرجلين، ولم تكن المقارنة بينهما على الإطلاق في صالح ابن عمها.
أيقظت كينيون أصوات فرش التنظيف على سطح السفينة فوق غرفته مبكرا في صباح اليوم التالي. لبضع لحظات بعد أن صعد على سطح السفينة، ظن أن السفينة له وحده. كان أحد جانبي السطح نظيفا ومبتلا، وكان الرجال على الجانب الآخر يحركون ببطء فرش التنظيف للأمام والخلف، بصوت ممل. وبينما كان يمشي على السطح، رأى راكبا صعد هناك على نحو أبكر منه.
استدارت إديث لونجوورث عندما سمعت خطواته، وأشرق وجهها بابتسامة عندما عرفت أنه هو.
رفع كينيون بجدية قبعة البحر الخاصة به وقال لها: «صباح الخير.» «إنك من الذين يستيقظون مبكرا، يا سيد كينيون.» «ليس مثلك، كما أرى.»
ردت الفتاة: «أعتقد أنك راكب استثنائي في هذا الشأن. أنا أستمتع دائما بالصباح الباكر في البحر. أحب أن أذهب إلى أبعد مكان في الأمام في السفينة قدر الإمكان، بحيث لا يقف شيء بيني وبين اللانهائي. حينها، يبدو لي وكأن العالم كله ملكي، ولا يوجد به أحد سواي.»
قال كينيون: «ألا ترين أن هذه نظرة أنانية جدا؟» «أوه، أنا لا أرى هذا. لا يوجد بالتأكيد شيء أناني في استمتاعي بالأمر، لكن، كما تعرف، هناك أوقات يرغب فيها المرء أن يكون بمفرده وأن ينسى الجميع.» «أرجو ألا أكون قد قاطعتك في أحد هذه الأوقات.»
ردت رفيقته وهي تضحك: «أوه، لا، على الإطلاق، يا سيد كينيون. لا يوجد شيء شخصي في ملاحظتي. إذا أردت أن أكون بمفردي، ما كنت سأتردد في الانصراف. أنا لست معتادة على التلميح؛ فأنا أتحدث بصراحة؛ بعض أصدقائي يرون أن هذه صراحة زائدة قليلا عن اللزوم. هل سافرت من قبل عبر المحيط الهادئ؟» «مطلقا.» «آه، الصباح هناك ممتع. إنه رائع هنا الآن، لكن في الصيف في المحيط الهادئ يكون الصباح أحيانا هادئا ومسالما ونضرا لدرجة يبدو معها كما لو أن العالم قد خلق مؤخرا.» «لقد سافرت كثيرا، يا آنسة لونجوورث. أنا أحسدك.» «كثيرا ما أظن أنني شخص يجب أن أحسد، لكن ربما تتحطم سفينة أكون على متنها في أحد الأيام، وحينها، لن أكون موضع حسد.» «أتمنى عن صدق ألا تتعرضي قط لمثل هذه التجربة.» «هل تعرضت من قبل، يا سيد كينيون، لتجربة تحطم سفينة كنت على متنها؟» «أوه، لا؛ فتجارب سفري محدودة للغاية. لكن التعرف على الأمر عن طريق القراءة عنها يؤكد صعوبة الأمر بشدة.» «إن رحلتنا رائعة حتى الآن. تماما كما لو كانت قد حدثت في الصيف. يمكن للمرء بصعوبة تصديق أننا تركنا أمريكا في وسط الشتاء، والجليد في كل مكان ودرجة الحرارة أقل من الصفر بكثير. هل أصلحت كرسيك الذي على سطح السفينة، بالشكل الكافي الذي يجعلك تثق في الجلوس عليه مرة أخرى؟»
قال كينيون، وهو يضحك: «أوه! يجب حقا ألا تسخري من مهارتي كهاو في أعمال النجارة على هذا النحو. كما أخبرتك، أنا مهندس تعدين، وإذا لم أستطع إصلاح كرسي مثل هذا، فماذا ستتوقعين مني أن أفعل في منجم؟»
سألت الشابة: «هل لديك خبرة في التعامل مع المناجم؟»
رد كينيون: «لقد دخلت لتوي المجال، وهذه، في واقع الأمر، إحدى مهامي الأولى. لقد أرسلت مع صديقي ونتوورث لفحص مناجم معينة على نهر أوتاوا.»
قالت إديث متعجبة: «نهر أوتاوا! هل أنت أحد الاثنين اللذين أرسلتهما شركة لندن سينديكيت؟»
رد كينيون باندهاش: «نعم. ماذا تعرفين عن الأمر؟» «أوه، أنا أعرف كل شيء عنه. كل شيء، فيما عدا ما يجب أن يكون عليه تقرير خبير التعدين، والمعلومات، بحسب ظني، التي لديك؛ لذا، نحن الاثنان نعرف الكثير عن أعمال لندن سينديكيت.» «حقا! أنا مندهش لمقابلة شابة تعرف أي شيء عن الأمر. كنت أعتقد أن الأمر سري إلى حد كبير حتى اللحظة.» «آه! لكني، كما ترى، أحد ملاك الشركة.» «أنت!»
ردت إديث لونجوورث، وهي تضحك: «بالتأكيد. على الأقل، والدي أحد الملاك، وهو الأمر نفسه، أو قريبا من ذلك. لقد كنا ننوي السفر لكندا بأنفسنا، وشعرت بخيبة أمل كبيرة لعدم الذهاب إلى هناك. وأعتقد أن التزحلق هناك بالزلاجات وأحذية التزلج والمزالج شيء رائع.» «لقد رأيت القليل جدا من الجانب الاجتماعي للحياة في هذه المنطقة، حيث قضيت الغالبية العظمى من وقتي في المناجم، لكن حتى في القرية التي يوجد بها المنجم وسكنت فيها، كان هناك ناد لأحذية التزلج، ومكان رائع للتزحلق بالمزالج، وكان جيدا جدا في واقع الأمر، لدرجة أنني، بعد أن سقطت مرة واحدة، لم أغامر مطلقا بفقدان حياتي بفعل ذلك مجددا.» «إذا علم والدي بوجودك على متن السفينة، فسيتلهف للقائك. أنت تعرف بلا شك أن لندن سينديكيت ستكون شركة كبيرة للغاية.» «نعم، أنا أدرك ذلك.» «وهل تعلم أن الكثير من الأمور سيعتمد على تقريرك؟» «أعتقد أن الأمر كذلك، وأتمنى أن تجد الشركة تقريري على الأقل أمينا ووافيا.» «هل الزميل الذي كان معك موجود أيضا على متن السفينة؟» «نعم، إنه هنا.» «إنه إذن مراجع الحسابات الذي أرسل إلى هناك؟» «نعم، وهو رجل يقوم بعمله بإتقان شديد، وأعتقد أن الشركة ستسعد بما قام به من عمل.» «وهل تعتقد أنهم سيسعدون بما قمت به من عمل أيضا؟ أنا متأكدة من أنك قمت بعملك بإخلاص وضمير.»
كاد كينيون يتورد خجلا بينما كانت تبدي السيدة الشابة هذه الملاحظة، لكنها نظرت إليه باهتمام شديد، ورأى هو أن أفكارها لم تكن تتمحور حوله، لكن حول المصلحة المالية الكبيرة التي قد تنتج عن تقريره.
سألته: «هل ترى أن أوتاوا منطقة ملائمة للتعدين؟»
أجاب: «نعم، بشدة.» ثم أضاف، وهو يريد أن يحول دفة الحوار بعيدا عن تقريره: «لقد أعجبت بالمكان بشدة لدرجة أنني حصلت على عقد خيار شراء منجم لنفسي هناك.» «أوه! هل تنتوي شراء أحد المناجم هناك؟»
ضحك كينيون . «لا. أنا ليس لدي رأس مال ولا أسعى لإيجاد استثمار لأموالي، لكنني رأيت أن احتمالات تحقيق المنجم لأرباح كبيرة لمن يمتلكونه كبيرة. إن قيمته أعلى بكثير، في رأيي، مما يعتقد أصحابه أنفسهم؛ لذا، حصلت على عقد خيار شراء بشأنه لمدة ثلاثة أشهر، وأتمنى عندما أصل إنجلترا، أن أؤسس شركة للاستحواذ عليه.»
قالت السيدة الشابة: «حسنا، أنا متأكدة، إذا كنت واثقا بأن المنجم جيد، أنك لن تجد من سيساعدك في هذا الشأن أكثر من أبي. لقد كان يفحص بعض مصانع الجعة التي كان يريد الاستثمار فيها، لكنه خلص إلى عدم المضي قدما في هذا الأمر، ولذا، سيكون متلهفا لإيجاد استثمار أكثر ربحية مكانه. ما المبلغ المطلوب لشراء المنجم الذي ذكرته؟»
قال كينيون: «كنت أفكر في طلب خمسين ألف جنيه كمقابل له.» وتورد عندما فكر في اندفاعه وقيامه بزيادة سعر المنجم لأكثر من الضعف.
كان كينيون وونتوورث قد قدرا القيمة المحتملة للمنجم، وخلصا إلى أنهما حتى عندما يبيعانه بهذا الثمن - الذي سيجعلهما يحصلان على مبلغ قدره ثلاثون ألف جنيه ويقسمانه بينهما - فإنهم يبيعان منجما يستحق بحق أكثر من ذلك بكثير، وسرعان ما سيدر أرباحا كبيرة على الخمسين ألف جنيه. وتوقع أن تتعجب السيدة الشابة من المبلغ، ولذا، اندهش بشدة عندما قالت: «خمسون ألف جنيه! هل هذا هو المبلغ فقط؟ إذن، أخشى أن أبي لن يستثمر فيه. إنه يشارك فقط في المشاريع الكبيرة، وأنا واثقة أنه لن يهتم بالمشاركة في شركة باستثمار خمسين ألف جنيه.»
قال كينيون: «أنت تتحدثين عن الخمسين ألف جنيه كما لو أنه مبلغ تافه. بالنسبة إلي، إنه يبدو ثروة كبيرة. أتمنى فقط أن أحوزه، أو أحوز نصفه.»
قالت الفتاة، باهتمام واضح: «أنت لست ثريا، إذن؟»
رد الرجل الشاب: «نعم. أنا عكس ذلك جدا.»
في هذه اللحظة، ظهر السيد لونجوورث العجوز عند مدخل الدرج، وأخذ ينظر في أنحاء سطح السفينة.
وقال، بينما كانت ابنته تقفز ناهضة من كرسيها: «أوه، ها أنت هنا.»
صاحت: «أبي، أود أن أعرفك بالسيد كينيون ، خبير التعدين الذي أرسل من جانب شركتنا لإلقاء نظرة على مناجم أوتاوا.»
قال الرجل العجوز: «سررت بمقابلتك.»
جلس الرجل الرأسمالي بجوار مهندس التعدين، وبدأ الحديث عن شركة لندن سينديكيت، مما سبب الإحراج بعض الشيء لكينيون.
الفصل السادس
بعد عدة أيام، كان ونتوورث يسير في الصباح على سطح السفينة، محاولا بشدة الحفاظ على توازنه والإمساك بالدعامات؛ لأن السفينة كانت تتمايل بعنف، لكن الشخص الذي كان يبحث عنه لم يكن مرئيا في أي مكان. أراد أن يذهب إلى غرفة التدخين، لكنه غير رأيه عند الباب، ونزل الدرج متجها إلى القاعة الرئيسية. كانت الطاولات قد رفعت أغطية وبقايا الإفطار عنها، لكن كان هناك غطاء أبيض على واحدة من الطاولات الصغيرة، وفي تلك البقعة البيضاء من غابة المخمل الأحمر، كانت تجلس الآنسة بروستر، التي كانت تطلب بلا مبالاة ما كانت تريد تناوله من أحد الخدم، الذي كان يبدو أنه ليس سعيدا على الإطلاق بخدمة أحد تجاهل وقت الإفطار، ضاربا بكل قواعد الأكل في القاعة عرض الحائط. وقف كبير الخدم بجوار أحد الأبواب ونظر بسخط إلى الضيفة المتأخرة. لقد قارب وقت تجهيز الطاولات من أجل الغداء، والسيدة الشابة كانت تطلب إفطارها بهدوء كما لو كانت أول شخص يأتي لتناول الإفطار.
نظرت متهللة الوجه إلى ونتوورث، وابتسمت بينما كان يقترب منها.
بدأت حديثها قائلة: «أعتقد أنني تأخرت بشدة، والخادم ينظر إلي وكأنما يريد أن يوبخني. إن السفينة تتمايل بعنف. هل هناك عاصفة؟» «لا. يبدو أنها تقوم بذلك من أجل التسلية. أعتقد أنها تريد أن تجعل الأمر مسليا للركاب سيئي الحظ الذين يصابون بدوار البحر. إنها تفعل ذلك أيضا. لا يوجد تقريبا أي أحد على السطح.» «يا إلهي! ظننت أننا نتعرض لعاصفة رهيبة. هل السماء تمطر؟» «لا. إنه يوم مشمس جميل، لا توجد به ريح كثيرة، رغم كل هذا الصخب.» «أظن أنك تناولت إفطارك منذ وقت طويل؟» «منذ وقت طويل جدا لدرجة أنني بدأت أتطلع بشدة لتناول الغداء.» «يا إلهي! أنا لا أعرف أنني تأخرت كثيرا هكذا . ربما عليك أن توبخني. يجب أن يفعل أحد هذا، ويبدو أن الخادم يخشى فعل ذلك.» «أنت تبالغين في تقدير شجاعتي. أنا أخشى فعل ذلك أيضا.» «إذن، أنت تعتقد أنني أستحق ذلك؟» «أنا لم أقل ذلك، ولم أفكر فيه. لكني أعترف أنني الآن أشعر قليلا بالوحدة.» «فقط قليلا! حسنا، هذا إطراء. كم هي لطيفة طريقتكم أيها الإنجليز في صياغة المجاملة! فقط قليلا!» «أعتقد أننا، كشعب، لا نهتم كثيرا بعمل المجاملات. إننا نترك هذا للأجنبي المهذب. إنه سيقول بالطبع ما أحاول قوله على نحو أفضل كثيرا مما كنت سأفعل، لكنه ما كان سيقصد نصف ما أقصده.» «أوه، هذا لطيف للغاية، يا سيد ونتوورث. ما كان لأجنبي أن يصوغ الأمر على نحو رائع هكذا. والآن، ماذا عن الذهاب إلى سطح السفينة؟» «يمكنني الذهاب إلى أي مكان، إذا سمحت لي بمرافقتك إليه.» «سأكون سعيدة جدا لمرافقتك. ولن أقول سعيدة قليلا.» «آه! ألم تغفري لي بعد هذه الملاحظة؟» «لا يوجد ما يستحق أن يغفر، وهو أمر مسل جدا لدرجة أنه لا يجب أن يغفر. وأنا لن أغفره لك أبدا.» «أعتقد أنك قاسية القلب جدا، يا آنسة بروستر.»
نظرت إليه السيدة الشابة نظرة جانبية طريفة، لكن لم ترد. وجمعت الأغطية التي أخذتها معها من غرفتها، وأعطته إياها قبل أن يفكر في أن يعرض عليها أخذها، ثم سبقته إلى سطح السفينة. وجد أن كرسييهما موضوعان جنبا إلى جنب، وأعجب بذكاء المسئول عن السطح، الذي بدا أنه عرف الكرسيين اللذين يجب وضعهما بعضهما بجوار بعض. جلست الآنسة جيني برشاقة على كرسيها، وسمحت له بوضع الأغطية حولها بعناية.
وقالت: «انظر! لقد فعلت ذلك على خير ما يرام؛ تماما كما كان سيفعله المسئول عن السطح، وأنا متأكدة أنه من المستحيل أن تسدى لك مجاملة على نحو أفضل من ذلك. إن القليل من الأشخاص يعرفون كيفية جعل الراكب في وضع مريح في كرسي السفينة.» «أنت تتكلمين وكأن لديك خبرة واسعة في السفر على متن السفن، رغم أنك قلت لي إن هذه هي أول رحلة لك.» «إنها بالفعل أول رحلة لي، لكن لا تحتاج المرأة إلى أكثر من يوم لترى أن الرجل العادي يتعامل مع تلك التفاصيل البسيطة على نحو أخرق بشدة. والآن، اثن الطرف جيدا بعيدا عن الأنظار. هذا جيد! شكرا جزيلا. هلا تتكرم و...؟ نعم، هذا أفضل. وهذا الغطاء الآخر أيضا. أوه، هذا ممتاز. يا لك من إنسان صبور، يا سيد ونتوورث!» «نعم، آنسة بروستر. إنك أجنبية. أستطيع تبين ذلك الآن. إن مجاملتك المزعومة جوفاء. لقد قلت إن ما فعلته ممتاز، ثم على الفور أرشدتني إلى كيفية فعله.» «إن ما قلته بعيد عن الحقيقة. لقد قمت بالأمر جيدا، وأعتقد أنك لا يجب أن تحرمني متعة إضافة بعض التحسينات الصغيرة الخاصة بي.» «أوه، إذا كنت ترين الأمر هكذا، فلن أحرمك من هذه المتعة. والآن، قبل أن أجلس، أخبريني أي كتاب يمكن أن أحضره ويكون ممتعا لك. إن المكتبة تحتوي على باقة رائعة جدا من الكتب.» «لا أعتقد أنني أريد القراءة اليوم. اجلس وتحدث معي. أعتقد أنني أشعر بكسل شديد اليوم. ظننت، عندما صعدت على سطح السفينة، أنني سأقرأ كثيرا، لكنني أرى أن هواء البحر يجعل المرء كسلان. يجب أن أعترف أنني لا أشعر بالاهتمام مطلقا الآن بتنمية العقل.» «من الواضح أنك لا تعتقدين أن حديثي إليك سيستحق الاستماع إليه على الإطلاق.» «كم أنت سريع في تحريف ما أقصد من كلامي! ألا ترى أنني أعتقد أن حديثك إلي يستحق الاستماع إليه أكثر من أكثر كتاب إمتاعا أو تنمية للعقل يمكنك أن تختاره من المكتبة؟ في الحقيقة، يبدو أنني، في محاولتي عدم إعطائك فرصة لإبداء هذه الملاحظة، وقعت في خطأ أسوأ. كنت فقط على وشك أن أقول إنني أرى أن حديثك معي أفضل كثيرا من قراءة كتاب، عندما ظننت أنك ستأخذ هذا باعتباره قدحا في قراءتك. إذا تعاملت مع ما أقول بهذه الحدة، فسأجلس هنا ولن أقول شيئا. والآن، تحدث!» «ماذا أقول؟» «أوه، إذا قلت لك ماذا تقول، فسأكون أنا من يوجه الكلام . أخبرني عن نفسك. ماذا تعمل في لندن؟» «إنني أعمل بجد. أنا مراجع حسابات.» «ماذا تعني كلمة مراجع حسابات؟ ماذا يفعل؟ هل يسجل الحسابات؟» «بعضهم يفعل هذا؛ لكنني لا أفعل هذا. أنا، بدلا من ذلك، أتأكد أن الحسابات التي يسجلها الآخرون قد سجلت على نحو صحيح.» «ألا تسجل دائما على نحو صحيح؟ ظننت أن هذا هو العمل الأساسي للمحاسبين.» «إذا كان هؤلاء يفعلون عملهم دائما على نحو صحيح، فلن يكون أمامنا الكثير لنقوم به؛ لكن يحدث، لسوء حظ البعض، وحسن حظنا، أن هؤلاء من آن لآخر لا يسجلون حساباتهم بدقة.» «وهل بإمكانك دائما اكتشاف ذلك عند فحصك للحسابات؟» «دائما.» «ألا يمكن للمرء أن يضبط حساباته بحيث لا يمكن لأحد أن يرى أن بها أي شيء خطأ؟» «إن الاعتقاد بإمكانية حدوث هذا الشيء جعل العديد من البائسين التعسين يدخلون السجن. لقد جرت تجربة الأمر كثيرا بالقدر الكافي.» «أنا متأكدة أن بإمكانهم فعل هذا في أمريكا. لقد قرأت عن حدوث هذا واستمراره لسنوات. لقد اختلس الكثيرون مبالغ كبيرة من المال عن طريق تزوير الحسابات، ولم يكتشف أحد الأمر إلا بعد أن مات المجرم أو هرب.» «لكن إذا كان قد استدعي مراجع حسابات خبير، كان سيكتشف بسرعة كبيرة أن هناك خطأ ما، وسيحدد بالضبط مكان الخطأ ومقدار المبلغ المختلس.» «أنا لا أعتقد أن هذه البراعة موجودة. هل اكتشفت من قبل شيئا كهذا؟» «نعم، فعلت.» «ما الإجراء الذي يتخذ عند اكتشاف شيء كهذا؟» «هذا يعتمد على الظروف. عادة ما يجري استدعاء الشرطة.» «يا إلهي! يبدو عملك مثل عمل المحقق. أرجو أن تخبرني ببعض القضايا التي صادفتها. لا تجعلني أطرح عليك العديد من الأسئلة. تكلم.» «لا أعتقد أن تجاربي ستثير اهتمامك على الإطلاق. هناك قضية تعاملت معها في لندن، منذ عامين، والتي ...» «أوه، لندن! أنا لا أعتقد أن ماسكي الحسابات هناك في نصف ذكاء نظرائهم لدينا. إذا كان عليك أن تتعامل مع المحاسبين الأمريكيين، فلن تكتشف بسهولة ما فعلوه وما لم يفعلوه.» «حسنا، آنسة بروستر، دعيني أقل لك إنني مررت لتوي بتجربة من هذا النوع مع بعض المحاسبين الأمريكيين الأذكياء جدا. ووجدت أن الحسابات قد ضبطت بطريقة بارعة للغاية؛ بهدف الخداع والتزوير. ولقد كان الأمر مستمرا على مدى سنوات.» «يا له من أمر مثير! وهل استدعيت الشرطة؟» «لا. كانت تلك إحدى القضايا التي لم يكن من الضروري فيها استدعاء الشرطة. لقد ضبطت الحسابات بهدف إظهار أن أرباح الم... الشركة ... أكبر بكثير مما هي عليه في الواقع. كان أحد مراجعي الحسابات الأمريكيين لديكم قد فحص بالفعل الحسابات، وسواء بسبب الجهل أو الإهمال أو بدافع خبيث، أكد على صحتها جميعا. إنها لم تكن صحيحة، وهذه الحقيقة كانت ستعني فقدان بعض الأشخاص عندكم لمبلغ كبير من المال، وعدم ضياع مبلغ كبير على آخرين عندنا.» «إذن، أعتقد أن مهنتك مهمة للغاية.» «نحن نعتقد ذلك، يا آنسة بروستر. أود الحصول على نسبة مئوية من المبلغ الذي يجري توفيره بسبب التقرير الذي أقدمه.» «وهل تحصل على ذلك؟» «للأسف، لا.» «أعتقد أن هذا أمر سيئ جدا. لا بد أن الفرق، بحسب اعتقادي، كان قليلا، وإلا ما كان مراجع الحسابات الأمريكي سيتجاهله، أليس كذلك؟» «أنا لم أقل إنه تجاهله. ومع ذلك، حجم الفرق لا يشكل أي فارق. الخطأ الصغير يسهل إيجاده شأنه شأن الخطأ الكبير. لكن كان هذا خطأ كبيرا. أعتقد أنه لا ضرر في القول بأن الحسابات، عند النظر إليها معا، أوضحت أن هناك أرباحا تساوي أربعين ألف جنيه، بينما كان يجب أن تشير إلى أن هناك خسارة بنصف هذا المبلغ تقريبا. أتمنى ألا يكون قد سمعني أحد.» «لا؛ نحن تقريبا بمفردنا، ويجب أن تتأكد أنني لن أنطق ولو بكلمة عما كنت تتحدث معي بشأنه.» «لا تقولي شيئا بهذا الشأن لكينيون، على الأقل. إنه سيظن أنني مجنون لو عرف ما قلته.» «هل السيد كينيون مراجع حسابات أيضا؟» «أوه، لا. إنه خبير تعدين. إنه يمكنه الدخول إلى أي منجم، وتحديد بدرجة معقولة من التأكيد ما إذا كان يستحق العمل به أم لا. بالطبع، كما يقول هو نفسه، يمكن لأي أحد أن يرى لعمق قدره ست أقدام في جوف الأرض مثلما يمكنه أن يفعل. لكن لا يمكن للجميع الحكم على قيمة أي منجم عامل على نحو جيد مثلما يفعل جون كينيون.» «إذن، بينما تعيش أنت وسط الأرقام، يعيش رفيقك وسط المعادن؟» «بالضبط.» «وهل توصل هو إلى اكتشاف مدهش مثلما فعلت؟» «لا؛ بل على العكس تماما. إنه يرى أن المناجم تعد أماكن جيدة للتملك، ويعتقد أنها إذا أديرت على نحو ذكي، فستمثل استثمارات جيدة؛ أي، كما تعرفين، عندما تكون بسعر معقول، وليس بالسعر الذي يطلبه مالكوها في الوقت الحاضر. لكني أعتقد أنه لا يمكن أن يكون لديك أي اهتمام بهذه التفاصيل المملة.» «في الحقيقة، أنت مخطئ. أعتقد أن ما قلته لي مثير بشدة.»
قالت الآنسة جيني بروستر، للمرة الوحيدة في حياتها، الحقيقة بالضبط. وشعر الرجل السيئ الحظ الذي كان بجوارها بالإطراء.
قال: «من أجل ما قلته لك، عرض علينا ضعف ما يدفعه لنا اللندنيون من أجل المجيء إلى هنا. في حقيقة الأمر، حتى أكثر من ذلك؛ فقد طلب منا أن نحدد المقابل الذي نريده.» «حقا؟! من قبل ملاك المناجم، بحسب افتراضي، حتى لا تفضح أمرهم؟» «لا. من قبل أحد رجال صحافة نيويورك المشهورين لديكم. حتى إنه ذهب إلى أبعد من هذا وسرق الأوراق التي كانت بحوزة كينيون في أوتاوا. لكن قبض عليه ببراعة قبل أن يستفيد بأي نحو بما سرقه. في الواقع، ما لم تكن بحوزة إدارة صحيفته في نيويورك الأرقام التي وضعت في الأصل أمام مجلس الشركة اللندنية، أشك أن أرقامي ما كانت ستكون ذات نفع كبير للصحفي إذا كان قد سمح له بالاحتفاظ بها. إن الأهمية الكاملة لتقريري ما كانت ستتضح حتى تجري مقارنة الأرقام التي أعطيتها بتلك التي كانت بالفعل بحوزة اللندنيين، التي أشار بصحتها مراجع حساباتكم الأمريكي الذكي.» «لا تطعن في أي مراجع حسابات فقط لأنه أمريكي. ربما يأتي يوم، يا سيد ونتوورث، تعترف فيه أن هناك أمريكيين أكثر ذكاء وبراعة من مراجع الحسابات هذا أو هذا الصحفي. أنا لا أعتقد أن النماذج التي تعاملت معها يمكن القياس عليها.» «أنا لا «أطعن»، كما تسمين الأمر، في الرجلين لأنهما أمريكيان. أنا «أطعن» في مراجع الحسابات لأنه جاهل أو فاسد. كذلك، «أطعن» في رجل الصحافة لأنه كان لصا.»
سكتت الآنسة بروستر لبضع لحظات. كانت تطبع في ذاكرتها ما قاله لها، وكانت متلهفة لتركه حتى تستطيع تدوين ما قاله لها بدقة في غرفتها. أعطاها صوت جرس الغداء العذر الذي كانت تحتاج إليه، لذا، بعد أن ودعت ضحيتها على نحو مهذب وودود، غادرت سطح السفينة مسرعة إلى غرفتها.
الفصل السابع
في صباح أحد الأيام، عندما ذهب كينيون إلى غرفته عند سماعه جرس الإفطار، وجد شاغل السرير العلوي الكسول لا يزال في فراشه.
صرخ فيه قائلا: «استيقظ يا ونتوورث؛ هذا لن يجدي نفعا، كما تعلم. انهض! انهض! الإفطار، يا صاح! الإفطار! إنه أهم وجبة في اليوم بالنسبة إلى الرجل الذي يحافظ على صحته.»
تثاءب ونتوورث ومد ذراعيه فوق رأسه.
وسأله: «ما الأمر؟» «الأمر هو أنه قد حان وقت الاستيقاظ. لقد دق الجرس الثاني.» «يا إلهي! هل تأخر الوقت هكذا؟ أنا لم أسمعه.» جلس ونتوورث في فراشه ونظر بأسى إلى المسافة الكبيرة بينه وبين الأرض. ثم سأل: «هل استيقظت منذ وقت طويل؟»
رد كينيون: «طويل؟ لقد ظللت على سطح السفينة لمدة ساعة ونصف الساعة.» «إذن، لا بد أن الآنسة التي لا أعرف اسمها كانت هناك أيضا.»
رد كينيون، دون أن ينظر إلى رفيقه: «اسمها الآنسة لونجوورث.» «هذا اسمها، أليس كذلك؟ وهل كانت على سطح السفينة؟» «نعم.»
قال ونتوورث: «كان ظني في محله؛ ألاحظت التأثير المدهش للمرأة؟ تستيقظ الآنسة لونجوورث مبكرا، فيستيقظ جون كينيون مبكرا هو الآخر. وتستيقظ الآنسة بروستر متأخرا، فلا يرى جورج ونتوورث حتى مجيء وقت الإفطار. إذا انعكس الأمر، فأعتقد أن وقت استيقاظ الرجلين كان سيتغير تبعا لذلك.» «ليس هذا صحيحا على الإطلاق، يا جورج، هذا ليس صحيحا. كنت سأستيقظ مبكرا سواء أكان هناك أحد على السطح أم لا. في الحقيقة، عندما صعدت على السطح هذا الصباح، توقعت أن أكون هناك بمفردي.» «أعتقد، رغم ذلك، أنك لم تشعر بخيبة أمل كبيرة عندما وجدت أنك لم تكن وحدك على السطح؟» «في الواقع، وإحقاقا للحق، هذا صحيح؛ فالآنسة لونجوورث فتاة شديدة التعقل.»
قال ونتوورث بنبرة مرحة: «أوه، إنهن جميعا هكذا.» ثم أضاف: «أنت لم تبد أي تعاطف معي بشأن فتاتي في ذلك اليوم. والآن عرفت بنفسك ماهية الأمر.» «أنا لم أعرف ماهية الأمر. الحقيقة أننا نتكلم في شئون العمل.» «حقا؟ هل ذهبتما بعيدا إلى هذا الحد؟» «نعم، ذهبنا بعيدا إلى ذلك الحد؛ هذا إذا كان ذلك يمثل أي تقدم. لقد أخبرتها بشأن منجم الميكا.» «أوه، لقد فعلت! ماذا قالت؟ هل ستستثمر فيه؟» «في واقع الأمر، عندما قلت لها إننا نريد أن نؤسس شركة برأس مال خمسين ألف جنيه، قالت إنه مبلغ صغير للغاية، وشككت في قدرتنا على إيجاد شخص يهتم بالاستثمار فيها في لندن.»
أطلق ونتوورث، الذي قد وصل الآن إلى مرحلة متقدمة في ارتداء ملابسه، صافرة طويلة. «خمسون ألف جنيه مبلغ صغير؟ لا بد أنها يا جون ثرية للغاية! ربما أكثر من المليونيرة الأمريكية.» «حسنا، كما ترى يا جورج، الاختلاف بين الفتاتين هو الآتي: بينما تفخر الوريثات الأمريكيات بثرواتهن الهائلة، لا تقول الفتيات الإنجليزيات شيئا عنها.» «إذا كنت تقصد الآنسة بروستر بحديثك هذا، فأنت مخطئ تماما. إنها لم تلمح على الإطلاق إلى ثروتها، باستثناء قولها إن أباها مليونير. لذا، لو كانت الفتاة التي تتكلم عنها قد تحدثت بأي نحو عن ثروتها، فقد فعلت أكثر مما فعلته الفتاة الأمريكية.» «إنها لم تقل شيئا للإشارة إلى أنها ثرية. أنا فقط استنتجت الأمر عندما وجدت أنها تنظر إلى مبلغ الخمسين ألف جنيه على أنه مبلغ تافه.» «حسنا، الخطأ يمكن تصحيحه بسهولة. يمكننا رفع سعر المنجم إلى مائة ألف جنيه إن كان بإمكاننا إيجاد أشخاص يمكنهم الاستثمار فيه. ربما قد يهتم والد الفتاة بالاستثمار فيه إذا كان هذا سعره.»
قال كينيون : «أوه ، بالمناسبة، يا ونتوورث، نسيت أن أخبرك بأن والد الآنسة لونجوورث أحد ملاك شركة لندن سينديكيت.» «يا إلهي! هل أنت متأكد من هذا؟ كيف عرفت؟ أنتما لم تتحدثا عن مهمتنا هناك، أليس كذلك؟»
رد كينيون متوردا: «بالطبع لا.» ثم أضاف: «أنت بالطبع لا تعتقد أنني سأتحدث عن هذا مع شخص غريب، أليس كذلك؟ أو عن أي شيء متعلق بالتقريرين الخاصين بنا؟»
استمر ونتوورث في ارتداء ملابسه، وقد نما في داخله إحساس بالذنب. «أريد أن أسألك سؤالا في هذا الشأن.»
قال ونتوورث باقتضاب: «عن أي شأن تتحدث؟» «عن هذه المناجم. افترض أن والد الآنسة لونجوورث بصفته أحد ملاك شركة لندن سينديكيت سألني عن رأيي أنا وأنت في الأمر، هل يحق لنا أن نخبره بأي شيء حياله؟» «إنه لن يسألني لأنني لا أعرفه؛ إنه قد يسألك، وإن فعل، فسيكون عليك تحديد الإجابة عن هذا السؤال بنفسك.» «هل كنت ستقول أي شيء عن الأمر إن كنت مكاني؟» «أوه، لا أعرف. إذا كنا متأكدين أن كل شيء على ما يرام ... إذا كنت متأكدا بأنه أحد ملاك الشركة، وصادف أنه سألك عن الأمر، فأنا أرى أنه من الصعب أن تتجنب إخباره.» «سيكون الأمر محرجا؛ لذا أتمنى ألا يسألني. يجب ألا نتحدث عن الأمر حتى نسلم تقريرينا. لكنه يعرف أنك مراجع الحسابات المسئول عن الجانب المالي من المهمة.» «أوه، إذن، أنت تحدثت معه؟» «فقط لدقيقة أو اثنتين، بعد أن قدمتني ابنته له.» «ما اسمه؟» «جون لونجوورث، حسبما أعتقد. أنا متأكد من اسم لونجوورث، ولكني لست متأكدا من اسم جون.» «أوه، جون لونجوورث العجوز من حي السيتي اللندني! أنا أعرفه جيدا. صحيح أنني لم أره من قبل، لكنني أعتقد أنه لا ضرر على الإطلاق من إخباره بأي شيء يريد معرفته، إن طلب هو ذلك.»
قال الخادم، مقحما رأسه في باب الغرفة: «الإفطار، أيها السيدان.»
بعد الإفطار، كانت إديث لونجوورث تسير مع ابن عمها على سطح السفينة. كان لونجوورث الشاب، على الرغم من أنه كان في مزاج أفضل من الليلة السابقة، لا يزال بعض الشيء موجزا في ردوده، ومزعجا في أسئلته.
سأل ابنة عمه: «ألا تتعبين من هذا السير الدائم بأعلى وأسفل؟» ثم أضاف: «يبدو الأمر لي كعمل روتيني؛ كما لو أن على المرء أن يعمل من أجل الحصول على طعام وسكن.»
ردت: «دعنا نجلس إذن، على الرغم من أنني أعتقد أن السير قبل الغداء أو العشاء يزيد من جاذبية هاتين الوجبتين على نحو مدهش.»
قال على نحو مشاكس: «لم أشعر قط بالحاجة إلى فتح شهيتي للطعام.»
قالت: «حسنا، كما قلت من قبل، دعنا نجلس.» وعندما وصلت الفتاة إلى كرسيها، رفعت الغطاء الذي كان عليه، وجلست مكانه.
بعد أن وقف الشاب للحظات وهو ينظر إليها عبر نظارته أحادية العدسة اللامعة، جلس في النهاية بجوارها.
وقال: «إن أكثر شيء مزعج في العيش على متن سفينة هو أن المرء لا يستطيع لعب البلياردو.»
ردت: «أنا واثقة أنك لعبت ألعاب الورق بالقدر الكافي الذي يرضيك في الأيام القليلة التي ركبنا فيها هذه السفينة.» «أوه، ألعاب الورق! أنا سرعان ما مللت منها.» «إنك تمل بسرعة شديدة من كل شيء.» «أنا بالتأكيد أشعر بالملل من الوجود على سطح السفينة، سواء كنت ماشيا أو جالسا.» «إذن، من فضلك لا تبق معي.» «أنت تريدين مني أن أرحل حتى يمكنك المشي مع صديقك الجديد، رجل المناجم هذا؟» «إن رجل المناجم هذا يتحدث مع أبي الآن. ومع ذلك، إذا كنت تريد أن تعرف، فأنا لن أتردد في إخبارك بأنني أفضل كثيرا رفقته على رفقتك إذا كنت ستستمر في مزاجك الحالي.» «نعم، أو في أي مزاج آخر.» «أنا لم أقل هذا؛ لكن إذا كان سيريحك أن أقول هذا، فأنا سأكون سعيدة لفعل ما تريد.» «ربما، إذن، علي أن أذهب لأتحدث مع والدك وأجعل رجل المناجم يأتي إلى هنا ويتحدث إليك.» «رجاء لا تدعه برجل المناجم. إن اسمه هو السيد كينيون. وهو اسم ليس من الصعب تذكره.» «أعرف اسمه جيدا بالقدر الكافي. هل أرسله إليك؟» «لا. أنا أريد أن أتحدث إليك أنت على الرغم من سخافتك. والأكثر من ذلك، أنني أريد أن أتحدث معك عن السيد كينيون. لذا، أريد أن تتحلى بأكثر سلوك مهذب لديك. وقد يكون هذا لصالحك.»
أطلق الشاب ضحكة ساخرة.
قالت إديث بهدوء، وهي تقوم من كرسيها: «أوه، إذا كنت ستقوم بهذا، فلن أقول أي شيء.» «أنا لم أقصد أي إساءة. اجلسي واستمري في حديثك.» «استمع، إذن. إن السيد كينيون لديه عقد خيار شراء بشأن منجم في كندا، ويعتقد أنه سيكون استثمارا رائعا. وهو ينوي تأسيس شركة عندما يصل إلى لندن. والآن، لماذا لا تكون صداقة معه وإذا وجدت المنجم استثمارا جيدا كما يظن هو، تساعده في تأسيس الشركة وتربحان أنتما الاثنان معا بعض المال؟» «إنك تسعين من أجل صالح كينيون أكثر مما تسعين من أجل صالحي.» «لا، سيكون الأمر لصالحك تماما كما هو الحال بالنسبة إليه، ومن ثم سيفيدكما الأمر أنتما الاثنين.» «إنك مهتمة به بشدة.» «ابن عمي العزيز، أنا مهتمة بشدة بالمنجم، ومهتمة بشدة بك أنت أيضا. إن السيد كينيون لا يتحدث عن شيء سوى المنجم، وأنا متأكدة أن أبي سيسعد عندما يراك تهتم بشيء كهذا. أقصد أنك تعرف أنك إذا قمت بشيء من تلقاء نفسك - شيء لم يشر عليك به - فإنه سيسعد به.» «حسنا، إنك أشرت علي به، وهذا تقريبا الشيء نفسه.» «لا، هذا ليس الشيء نفسه على الإطلاق. أبي سيكون سعيدا بلا شك إذا قمت بأي عمل لحسابك وحققت نجاحا فيه. لماذا لا تقضي بعض وقتك في الحديث مع السيد كينيون ومناقشة الترتيبات، بحيث عندما تعود إلى لندن، تكون مستعدا لعرض المنجم للبيع وتأسيس الشركة؟» «لو كنت أظن أنك تتحدثين معي من أجل صالحي، لفعلت ما أشرت به علي؛ لكنني أعتقد أنك تتحدثين معي في هذا الشأن فقط لأنك مهتمة بأمر كينيون.» «هذا هراء! كيف يمكن أن تكون سخيفا لهذه الدرجة؟ أنا لم أعرف السيد كينيون إلا من عدة ساعات؛ يوم أو اثنين على الأكثر.»
عبث الشاب بشاربه للحظات، وعدل وضع نظارته ، ثم قال: «رائع جدا. أنا سأتحدث مع كينيون عن هذا الموضوع إذا أردت هذا، لكنني أقول لك إنني لن أساعده.» «أنا لا أطلب منك أن تساعده. أنا أطلب منك أن تساعد نفسك. ها هو السيد كينيون. دعني أقدمك إليه، وبعد ذلك يمكنك أن تتحدث معه حول المشروع وقتما يلائمك.»
قال الرجل الشاب متذمرا: «أنا لا أعتقد أن هناك حاجة إلى تقديمك إياي له»؛ ولكن حيث إن كينيون كان يقترب منهما، قالت إديث لونجوورث: «نحن، سيد كينيون، مجلس إدارة منجم الميكا الكبير. هلا تنضم إلى مجلس الإدارة الآن أو بعد تحديد الحصص؟» وقبل أن يجيب، قالت: «سيد كينيون، أقدم لك ابن عمي، السيد ويليام لونجوورث.»
لونجوورث، دون أن يقوم من كرسيه، سلم عليه بطريقة فظة بعض الشيء.
قالت الفتاة: «سأذهب للتحدث مع أبي وسأترككما لتتحدثا بشأن منجم الميكا.»
عندما ذهبت، سأل لونجوورث الشاب كينيون: «أين يوجد المنجم الذي تتحدث عنه ابنة عمي؟»
كان الرد: «إنه يوجد بالقرب من نهر أوتاوا بكندا.» «بكم تتوقع أن تبيعه؟» «خمسين ألف جنيه.» «خمسين ألف جنيه! هذا لن يترك شيئا ليتم اقتسامه بين ... بالمناسبة، كم عدد الأشخاص المشتركين في هذا الأمر؛ أنت وحدك؟» «لا؛ صديقي ونتوورث شريكي فيه.» «هل الشراكة بينكما متساوية؟» «نعم.» «بالطبع، أنت تعتقد أن هذا المنجم يستحق المقابل الذي تطلبه؛ ألا يوجد أي تلاعب بشأن ذلك؟»
اعتدل كينيون بشدة في وقفته عندما ذكرت هذه الملاحظة. وأجاب ببرود: «إن كان هناك أي تلاعب بشأنه، فما كان لي أن أشارك فيه.» «في الواقع، كما ترى، أنا لا أعرف؛ إن التلاعبات بشأن المناجم ليست أمورا نادرة كما قد تتخيل. إذا كان المنجم مهما بشدة، فلماذا يتلهف أصحابه على بيعه؟» «الملاك في أستراليا، والمنجم في كندا، لذا، فهم بعيدون عنه، إلى حد ما. إنهم يبحثون عن الميكا، لكن المنجم أهم في جوانب أخرى أكثر من كونه منجم ميكا. إنهم قد حددوا مبلغا لبيع المنجم أكثر من المبلغ الذي تكلفوه فيه حتى الآن.» «هل تعرف قيمته في تلك الجوانب الأخرى؟» «نعم، أعرف.» «هل يعرف ذلك أحد غيرك؟» «أعتقد أن لا أحد يعرف ذلك؛ فيما عدا صديقي ونتوورث.» «كيف أمكنك معرفة قيمته؟» «بزيارة المنجم. ذهبت أنا وونتوورث معا لرؤيته.» «أوه، هل ونتوورث أيضا خبير تعدين؟» «لا؛ إنه مراجع حسابات في لندن.» «لقد أرسلتما من قبل شركة لندن سينديكيت، كما أفهم، لإلقاء نظرة على مناجمها، أو المناجم التي تفكر في شرائها، أليس هذا صحيحا؟» «بلى، هذا صحيح.» «وقد قضيتما وقتكما في النظر في مناجم أخرى من أجل صالحكما الخاص، أليس كذلك؟»
احمر وجه كينيون عند طرح هذا السؤال.
وقال: «سيدي العزيز، إذا كنت ستتحدث بهذا الأسلوب، فأنا لن أسمح بالاستمرار فيه. لقد أرسلتنا شركة لندن سينديكيت للقيام بمهمة معينة. وقد قمنا بها، وبكل دقة. وبعد قيامنا بها، كان الوقت ملكنا، تماما كما هو الآن. لم تكن طريقة الاستعانة بخدماتنا باليوم، لكننا أخذنا مبلغا محددا من المال مقابل القيام بعمل معين. يمكنني الذهاب لما هو أبعد من ذلك وأقول إن الوقت كان ملكنا في أي وقت من زيارتنا، ما دمنا قد أوفينا بما طلبته منا شركة لندن سينديكيت.»
قال لونجوورث: «أوه، أنا لم أقصد أي إساءة.» ثم أضاف: «لقد بدوت فقط أنك تدعي أنك رجل فاضل عندما تحدثت عن التلاعبات التي تحدث في المناجم، لذا أردت فقط أن أباغتك. كم كان عليك أن تدفع من أجل المنجم؛ أقصد منجم الميكا؟»
تردد كينيون في الرد للحظة. «ليس لي الحق في ذكر المبلغ حتى أرجع إلى صديقي ونتوورث.» «حسنا، كما ترى، إذا كان لي أن أساعدك في هذا الأمر، فسأحتاج إلى معرفة كل التفاصيل.» «بالتأكيد. سوف أتشاور مع ونتوورث لأرى إن كنا سنحتاج إلى أي مساعدة أم لا.» «أوه، سرعان ما ستكتشف أنك تحتاج إلى كل المساعدة التي يمكنك الحصول عليها في لندن. ربما ستعلم أن هناك المئات من مثل هذه المناجم المعروضة الآن للبيع، ومن المحتمل أنك ستجد أن منجم الميكا هذا من ضمنها. كم تعتقد القيمة الحقيقية لهذا المنجم؟» «أعتقد أنها تتراوح ما بين مائة ومائتي ألف جنيه، وربما أكثر.» «هل هو حقا يستحق مائة ألف جنيه؟» «وفق تقديري، هو كذلك.» «هل يستحق مائة وخمسين ألف جنيه؟» «نعم، يستحق.» «هل يستحق مائتي ألف جنيه؟» «أعتقد ذلك.» «ما نسبة الربح التي سنجنيها من المائتي ألف جنيه؟» «ربما ستكون عشرة بالمائة، وربما أكثر.» «باسم كل ما هو رائع، لماذا لا تجعل ثمنه مائتي ألف جنيه؟ إذا كان سيعود علينا هذا المبلغ بربح عشرة بالمائة أو أكثر، إذن فهذا هو المبلغ الذي ينبغي أن تبيعه به. والآن، دعنا نناقش هذا الأمر، إذا أردت، وإذا أردت أن تجعلني شريكا لك في الأمر، وترفع الثمن حتى مائتي ألف جنيه، فسأرى ما يمكن فعله بشأنه عندما نصل إلى لندن. بالطبع، هذا سيعني إرسال شخص إلى كندا ثانية لإعداد تقرير عن المنجم. لن يؤخذ بتقريرك بطبيعة الحال في هذه الحالة، فأنت صاحب مصلحة بشدة.»
رد كينيون: «بالطبع، أنا لا أتوقع أن يكون لتقريري أي أهمية.» «حسنا، يجب إرسال شخص لإعداد تقرير عن المنجم. هل أنت متأكد من أنه سيثبت قيمته بعد الفحص الدقيق؟» «أنا واثق من ذلك.» «هل أنت على استعداد لتقديم هذا العرض للمستثمرين؛ إنك ستدفع تكاليف سفر الخبير إذا جاء تقريره بعكس ما قلت؟»
قال كينيون: «سأكون على استعداد لفعل هذا إذا كان لدي المال اللازم لذلك، لكنني ليس لدي هذا المال.» «إذن، كيف تتوقع أن تطرح المنجم للبيع في سوق لندن؟ إن هذا لا يمكن أن يتم دون مال.» «ظننت أنني قد يكون بإمكاني أن أثير اهتمام أحد أصحاب رءوس الأموال فيه.» «أخشى كثيرا، سيد كينيون، أن لديك أفكارا غير واضحة عن كيفية تأسيس الشركات. ربما يعرف صديقك ونتوورث الكثير عن الأمر، نظرا إلى كونه مراجع حسابات.» «نعم، أعترف أنني أعتمد على نحو أساسي على مساعدته.» «حسنا، هل توافق على جعل سعر المنجم مائتي ألف جنيه، ونتقاسم ما سنربحه نحن الثلاثة معا؟» «إنه سعر عال.» «إنه لن يكون كذلك إذا كان المنجم سيحقق أرباحا جيدة ؛ إذا كان سيحقق أرباحا بنسبة ثمانية بالمائة. إن هذا المبلغ هو السعر الحقيقي للمنجم، وأنت تقول إنك متأكد أنه سيحقق أرباحا بنسبة عشرة بالمائة.» «أقول إنني أعتقد أنه سيحقق أرباحا بهذه النسبة. لا يمكن للمرء قط أن يتحدث بتأكيد تام عندما يتعلق الأمر بمنجم.» «هل أنت على استعداد لجعل هذا المبلغ هو سعر المنجم؟ إذا لم تكن على استعداد لذلك، فلن تكون لي علاقة بالأمر.» «كما قلت، علي استشارة صديقي بشأن هذا الأمر، لكن هذا يمكن أن يتم في غضون وقت قصير جدا، وسأرد عليك في المساء.» «جيد؛ لا توجد مدعاة للعجلة. تناقش معه في الأمر، وبينما لا يمكنني أن أعد بشيء، أعتقد أن الأمر يبدو قابلا للتحقيق، إذا كان المنجم جيدا. تذكر أنني لا أعرف شيئا عن الأمر على الإطلاق، لكن إذا وافقت على إشراكي فيه، فسيكون علي معرفة التفاصيل الكاملة لما ستدفعه كمقابل للمنجم وكذلك قيمته الحقيقية.» «بالتأكيد. إذا وافقنا على أخذ شريك، فسنعرف هذا الشريك بكامل التفاصيل.» «حسنا، لا يوجد شيء آخر يمكن قوله حتى تتشاور مع صديقك. طاب صباحك، يا سيد كينيون.» وهنا قام لونجوورث، وذهب إلى غرفة التدخين.
بقي كينيون في مكانه لبعض الوقت، آملا في مجيء ونتوورث، لكن الشاب لم يظهر. في النهاية، ذهب ليبحث عنه. سار بطول سطح السفينة، ولكن لم يجد أي أثر له، وبحث عنه للحظات في غرفة التدخين، لكن ونتوورث لم يكن هناك. نزل إلى أسفل للقاعة الرئيسية، لكن بحثه لم يكن مجديا أيضا. صعد على السطح ثانية، فوجد الآنسة بروستر تجلس بمفردها تقرأ رواية غلافها ورقي.
سألها: «هل رأيت صديقي ونتوورث؟»
وضعت الكتاب مفتوحا على حجرها، ونظرت بسرعة لأعلى إلى كينيون قبل أن ترد. «لقد رأيته منذ مدة ليست بالطويلة، لكنني لا أعرف أين هو الآن. ربما ستجده في غرفته؛ في الواقع، أعتقد أنه من المحتمل بشدة أن تجده هناك.»
بعد أن قالت الآنسة بروستر هذا، عاودت القراءة في كتابها.
نزل كينيون إلى غرفته وفتح الباب ورأى رفيقه يجلس على الأريكة المغطاة بالمخمل، ورأسه بين يديه. وعند فتح الباب، جفل ونظر للحظة إلى صديقه، وبدا وكأنه لا يراه. كان وجهه شاحبا ومريعا للغاية، لدرجة أن كينيون استند على الباب حتى لا يقع عندما رآه.
صاح: «يا إلهي، جورج! ماذا بك؟ ما الذي حدث؟ أخبرني!»
حدق ونتوورث أمامه بعينين جامدتين للحظة، لكنه لم يرد. ثم أخفض رأسه ثانية ووضعها بين يديه، ثم تأوه بصوت عال.
الفصل الثامن
كان هناك رجل واحد على متن سفينة «كالوريك» يكن له ونتوورث بغضا شديدا. كان اسمه فليمنج، ويزعم أنه سياسي من نيويورك. وحيث إن أيا من أصدقائه أو أعدائه لم يثبت أي شيء سيئ بشأنه، فيمكن الزعم أنه أشار إلى مهنته على نحو صحيح. وإذا سئل ونتوورث عن أكثر شيء يكرهه في الرجل، فربما كان سيقول رفعه المزعج للكلفة. بدا أن فليمنج يعتقد أنه رجل ظريف ولطيف، وكان معروفا على نحو كبير وسط طبقة معينة في غرفة التدخين. لقد كان سخيا بشدة في دعواته الآخرين لتناول الشراب معه، ودائما في جيبه علبة مليئة بأنواع السيجار الفاخر، التي كان يعطي منها بكرم شديد لمن حوله. وكانت لديه عادة ضرب أي رجل برفق وصخب على ظهره، ثم كان يقول له: «حسنا، أيها الصديق العجوز، كيف حالك؟ كيف تسير الأمور معك؟» وكان كثيرا ما يقول لمستمعيه إنه رجل صنع نفسه بنفسه؛ فقد ذهب لنيويورك وليس في جيبه سنت واحد، وانظروا الآن إلى ما وصل إليه من مكانة!
أبدى ونتوورث برودا تجاه الرجل؛ لكن البرود لم يكن له أي تأثير على المزاج المرح للسياسي الأمريكي.
قال فليمنج عندما ذهب إلى ونتوورث وشبك ذراعه بذراعه على نحو ودود: «حسنا، أيها العجوز! يا له من طقس جميل ذلك الذي نحظى به في وقت الشتاء!»
قال ونتوورث: «إنه جيد.» «جيد؟ إنه بديع! من كان سيعتقد، عند ترك نيويورك في عاصفة ثلجية كما فعلنا، أننا سنسير إلى هذا الربيع؟ أرجو أن تكون مستمتعا برحلتك، أليس هذا هو الحال؟» «بلى.» «حري بك أن تكون هكذا. بالمناسبة، لماذا أنت متحفظ بشدة هكذا؟ هل هذا طبعك أم أنك تبدو هكذا «في هذه المناسبة فقط»؟» «أنا لا أعرف ما تقصده بكلمة «متحفظ»؟» «أنت تعرف جيدا ما أقصده. لماذا تتظاهر بأنك جامد ورسمي جدا في تعاملك مع الآخرين؟» «أنا لا أكون أبدا جامدا ورسميا في تعاملي مع أحد إلا إذا كنت غير راغب في رفقته.»
ضحك فليمنج بصوت عال. «أعتقد أن هذا تلميح شخصي. حسنا، يبدو لي، إن كانت تلك الرغبة في الانعزال أصيلة فيك، أنك ستكون أكثر خوفا من مشاهير الصحافة أكثر من أي أحد آخر.» «لماذا تقول هذا؟» «لأنني لا أستطيع، على الإطلاق، أن أفهم لماذا تقضي الكثير من الوقت مع دولي ديمبل. أنا لا أعرف بالتأكيد لماذا هي هنا؛ لكنني أعرف الآتي: إنك ستظهر، دون أدنى شك، في نحو عمودين أو ثلاثة أعمدة في صحيفة «صنداي آرجوس».» «أنا لا أفهم ما تقصد.» «لا تفهم؟! إن الأمر واضح وضوح الشمس. إنك تقضي كل وقتك معها.» «أنا حتى لا أعرف عمن تتحدث.» «أوه، كن معقولا فيما تقول؛ فهذا غير مقبول تماما! هل من الممكن أنك لا تعرف أن الآنسة جيني بروستر هي تلك الفتاة التي تكتب مقالات الأحد هذه وتمهرها باسم «دولي ديمبل»؟»
تملك خوف غريب من ونتوورث عندما ذكر رفيقه صحيفة «آرجوس». تذكر أنها صحيفة جيه كيه ريفرز؛ لكن عندما قال فليمنج إن الآنسة بروستر مراسلة للصحيفة، أصابته دهشة شديدة.
قال متلعثما: «أنا ... أنا ... أنا لا أعتقد أنني فهمت تماما ما تقصد.» «حسنا، قصدي واضح بالقدر الكافي بحيث يمكن لأي أحد معرفته. ألم تقل لك هذه المعلومة؟ إذن، يبين هذا أنها تريد الإيقاع بك. إنك لست سياسيا إنجليزيا، أليس كذلك؟ أنت ليست لديك أي أسرار سياسية تريد دولي الحصول عليها، أليس كذلك؟ إنها أمهر فتاة في كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية في اكتشاف ما لا يريد الرجل أن يعرفه أحد. هل تعرف أن وزير الخارجية ...» وأخذ فليمنج يسرد إحدى الخبطات الصحفية البارعة بشدة التي قامت بها دولي؛ لكن الشخص الذي كان يتحدث إليه لم يكن له عينان ولا أذنان. ولم يسمع شيئا ولم ير شيئا.
قال فليمنج، وقد اعتدل في وقفته وضرب برفق رفيقه على ظهره: «يا إلهي! يبدو أنك مذهول بشدة. أعتقد أنني ما كان يجب علي أن أكشف دولي على هذا النحو؛ لكنها تظاهرت طوال الرحلة بأنها لا تعرفني، لذا، قررت أن أنتقم منها. خذ بنصيحتي، وأي شيء لا تريده أن يظهر على صفحات الجرائد، لا تخبر الآنسة بروستر به، هذا كل ما في الأمر. هل تريد سيجارا؟»
رد الآخر على نحو آلي: «لا، شكرا لك.» «من الأفضل أن تدخل وتحصل على شراب.» «لا، شكرا لك.» «حسنا، إلى اللقاء. سأراك لاحقا.» «لا يمكن أن يكون هذا صحيحا ... لا يمكن أن يكون هذا صحيحا!» هذا ما كرره ونتوورث لنفسه في فزع شديد، لكن هاجسا داخليا حذره قائلا إن هذا في النهاية قد يكون صحيحا. أخذ يذرع المكان جيئة وذهابا مشبكا يديه خلف ظهره، وهو يحاول جمع شتات نفسه ... وتذكر ما قاله وما لم يقله. وبينما كان يسير هكذا، دون أن ينتبه لأحد، أثاره صوت رقيق آت من أحد الكراسي، وجعله يتوقف عن السير. «عجبا، سيد ونتوورث، ما خطبك هذا الصباح؟ تبدو كما لو أنك قد رأيت شبحا.»
نظر ونتوورث إلى الفتاة الجالسة على الكرسي، التي كانت تحملق فيه بابتهاج.
قال في النهاية: «حسنا، أنا لست متأكدا، لكنني رأيت بالفعل شبحا. هلا أجلس إلى جوارك؟» «هل تستأذن؟ بالطبع، يمكنك الجلوس. سأكون سعيدة إن فعلت. هل ثمة خطب أصابك؟» «أنا لا أعلم. نعم، أعتقد أن ثمة خطبا أصابني.» «حسنا، أخبرني به؛ فربما أستطيع مساعدتك. أنت تعرف مدى مكر المرأة. ما الأمر؟» «هل لي أن أطرح عليك بضعة أسئلة، يا آنسة بروستر؟» «بالتأكيد. ألف، إذا أردت، وسأرد عليها جميعا إن استطعت.» «شكرا لك. هل يمكن أن تخبريني، آنسة بروستر، إن كانت لك علاقة بأي صحيفة؟»
ضحكت الآنسة بروستر ضحكتها الرقيقة المرحة الصافية. «من أخبرك؟ آه! عرفت كيف سار الأمر. إنه ذلك الكائن الذي يدعى فليمنج. سوف أنتقم منه بسبب هذا يوما ما. أعرف المنصب الذي يسعى وراءه، وفي المرة التالية التي يريد فيها مقالا جيدا من صحيفتي عنه، سيعاقب على ما فعل؛ إن هذا سيحدث بطريقة ما. إنني أعرف بعض الأشياء عنه التي سرعان ما سيراها على صفحات الجرائد. أوه، يا له من رجل أحمق! أعتقد أنه قال لك هذا رغبة في الانتقام مني؛ لأنني لم أتحدث إليه في ذلك المساء. لا عليك؛ يمكنني الانتظار.» «إذن ... إذن، آنسة بروستر، هذا صحيح، أليس كذلك؟» «بالتأكيد، هذا صحيح؛ هل هناك أي مشكلة في هذا؟ أرجو ألا تعتقد أنه من المخزي العمل مع صحيفة جيدة؟» «مع صحيفة جيدة، لا؛ أما مع صحيفة سيئة، فنعم.» «أوه، أنا لا أعتقد أن صحيفة «آرجوس» صحيفة سيئة. إنها تدفع لي راتبا جيدا.» «إذن، أنت تعملين مع صحيفة «آرجوس»؟» «بالتأكيد.» «هل لي أن أسالك، آنسة بروستر، إن كان هناك أي شيء قلته لك تنوين نشره في صحيفتك؟»
ضحكت الآنسة بروستر ثانية. «سأكون صريحة بشدة معك. أنا لا أكذب أبدا؛ فلا جدوى من ذلك. نعم. إن سبب وجودي هنا هو وجودك هنا. أنا هنا لمعرفة خلاصة تقريرك وكذلك تقرير صديقك عن تلك المناجم. وقد عرفت ما أريد.» «وهل تنوين استخدام هذه المعلومات التي حصلت عليها - إن جاز لي القول - بالخداع؟» «سيدي العزيز، إنك تنسى نفسك. يجب أن تتذكر أنك تتحدث إلى سيدة.»
صرخ ونتوورث في أسى: «سيدة!» «نعم، سيدي، سيدة؛ ويجب أن تكون حذرا وأنت تتحدث إلى «هذه» السيدة. ليس هناك أي خداع في الأمر، إذا كنت تتذكر. ما قلته لي في كلامنا أنا لم أسألك عنه. أنا حتى لم أسع للتعرف عليك.» «لكن يجب أن تعترفي، آنسة بروستر، أنه ليس من العدل تماما أن تجعلي رجلا ينخرط في حديث يعتقد أنه خاص، ثم تنشري ما قاله.» «سيدي العزيز، إن كان هذه هي الحال، فكيف سيمكننا الحصول على أي شيء للنشر لا يريد الناس أن يعرفه الآخرون ؟ عجبا، أتذكر ذات مرة، عندما كان وزير الخارجية ...»
قاطعها ونتوورث بضجر: «نعم، لقد ذكر لي فليمنج تلك القصة.» «أوه، هل فعل؟ حسنا، أنا ممتنة له بشدة. إذن، أنا لن أحتاج إلى تكرارها.» «هل تقصدين القول بأنك تنوين إرسال ما قلته لك سرا إلى صحيفة «آرجوس» كي يجري نشره؟» «بالتأكيد. كما قلت قبل ذلك، هذا ما جئت إلى هنا من أجله. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد أي «سرية» في الأمر.» «وهل ما زلت تتظاهرين بأنك سيدة صادقة وأمينة وشريفة؟» «أنا لا أتظاهر بذلك؛ أنا كذلك بالفعل.» «إذن، ما مدى صحة قصتك التي تقول إنك ابنة مليونير على وشك زيارة أبيها في باريس، ثم مرافقته من هناك إلى منطقة الريفيرا؟»
ضحكت الآنسة بروستر بابتهاج. «أوه، أنا لا أعتبر الكذب الأبيض، الذي على المرء أن يختلقه من أجل العمل، كذبا.» «إذن، أنت ربما لا ترين أن زميلك المبجل، السيد جيه كيه ريفرز، قد تصرف على نحو مخز في أوتاوا؟» «أوه، لا على الإطلاق. أعتقد أن ريفرز لم يكن محقا فيما فعل لأنه لم ينجح في مهمته، هذا كل ما في الأمر. أراهن أنني لو كنت قد حصلت على الأوراق، لكانت سترسل إلى نيويورك؛ لكن جيه كيه ريفرز رجل غبي.» ثم أضافت وهي تنظر نظرة خبيثة إلى ونتوورث: «ومعظم الرجال أغبياء.» «أنا على استعداد للاعتراف بهذا، آنسة بروستر، إذا كنت تقصدينني. لا يوجد أبدا رجل أكثر غباء مني.» «سيدي العزيز ونتوورث، سيفيدك كثيرا لو أصبحت واعيا بهذه الحقيقة. في الواقع، أنت تقسو على نفسك بشدة. أنت لن يضرك قيد أنملة نشر ما سأرسله في صحيفة «آرجوس»، ولكنه سيساعدني بشدة. رجاء انتظرني هنا لبضع لحظات.»
وهنا، ألقت كتابها بقوة على حجره، وقامت، واختفت بسرعة عبر الدرج. وبعد وقت قصير جدا، ظهرت مرة أخرى ومعها بعض الأوراق في يدها. «سترى الآن مدى نزاهتي وأمانتي. سأقرأ عليك ما كتبت. إذا كان هناك أي شيء فيه غير صحيح، فلن أمانع في حذفه؛ وإذا كان هناك أي شيء آخر يجب إضافته، فلن أمانع في إضافته. أليس هذا عدلا؟»
كان ونتوورث مندهشا بشدة من وقاحة المرأة لدرجة أنه لم يستطع الرد.
بدأت القراءة: «في سبق صحفي غير مسبوق، استطاعت صحيفة «نيويورك آرجوس» هذا الصباح أن تقدم لقرائها عرضا وافيا وحصريا لما جاء في التقرير الذي كتبه الخبيران الإنجليزيان، السيد جورج ونتوورث والسيد جون كينيون، اللذان أرسلا من قبل شركة لندن سينديكيت للتعرف على القيمة الحقيقية لمناجم نهر أوتاوا وفحص حساباتها.»
رفعت بصرها من الورقة ثم قالت، بنبرة واثقة ودودة: «ما كنت سأرسل هذا لو ظننت أن الناس في الصحيفة في نيويورك ستكون لديهم الكفاءة الكافية بحيث يكتبونه بأنفسهم؛ لكن حيث إن الصحيفة يحررها رجال أغبياء وليس سيدة ذكية، فعلي أن أجعلهم يدفعون خمسة وعشرين سنتا عن كل كلمة مقابل الترويج لبراعتهم. حسنا، دعني أستمر في القراءة: «عندما نتذكر أن القرار الذي ستتخذه شركة لندن سينديكيت سيعتمد بالكامل على تقرير هذين الخبيرين ...»»
قاطعها ونتوورث في يأس: «ما كنت سأصوغ هذا على هذا النحو.» ثم أضاف: «كنت سأستخدم كلمة «إلى حد كبير» بدلا من «بالكامل».»
قالت الآنسة بروستر باحترام: «أوه، شكرا لك.» ووضعت الورقة على ركبتها وحذفت، بقلمها الرصاص، كلمة «بالكامل» واستبدلت بها عبارة «إلى حد كبير». ثم تابعت القراءة قائلة: «عندما نتذكر أن القرار الذي ستتخذه شركة لندن سينديكيت سيعتمد إلى حد كبير على تقرير هذين الخبيرين، فلكم أن تتخيلوا مدى براعة صحيفتنا في الحصول على هذه المعلومات الحصرية التي سترسل على الفور إلى لندن بالتلغراف.» هذه هي المقدمة، كما تلاحظ؛ وكما قلت، ما كان سيكون من الضروري إرسالها بالتلغراف إذا كانت هناك نساء على رأس الأمور في الصحيفة، وهو ما ليس الحال. ثم تابعت القراءة: «لقد زار السيد جون كينيون، خبير التعدين، كل المناجم الموجودة بطول نهر أوتاوا، ويرى أن المناجم تستحق كل ما قيل عنها؛ لكنه يعتقد أنها لا تعمل على نحو ملائم، وأنها، إذا أديرت على نحو حكيم وتم التعدين فيها على نحو أكثر دقة، فيمكن أن تدر أرباحا جيدة. أما السيد جورج ونتوورث، الذي يعد أحد أهم مراجعي الحسابات في لندن ...»
قال جورج ناخرا: «ما كنت سأقول هذا.» ثم أضاف: «فقط عليك حذف الكلمات الآتية «الذي يعد أحد أهم مراجعي الحسابات في لندن».»
قالت الآنسة بروستر: «حسنا، وماذا علي أن أضع مكانها؟» «ضعي مكانها «الذي يعد أغبى الأغبياء في لندن»!»
ضحكت الآنسة بروستر لقوله هذا. «لا؛ سأستخدم الصياغة الأولى: «إن السيد جورج ونتوورث، الذي يعد أحد أهم مراجعي الحسابات في لندن، قد فحص الحسابات الخاصة بالمناجم المختلفة. وقد توصل إلى بعض الاكتشافات المثيرة. لقد تم ضبط الحسابات بحيث تضلل المستثمرين تماما، وتلك الحقيقة سيكون لها تأثير كبير على رأي شركة لندن سينديكيت. كشفت حسابات المناجم المختلفة عن وجود أرباح بنحو مائتي ألف دولار، في حين أن الحقائق الفعلية للأمر هي أن هناك خسارة سنوية بنحو مائة ألف دولار ...»»
صاح ونتوورث بحدة: «ما هذا؟ ما هذا؟» «دولار، كما تعلم. لقد قلت عشرين ألف جنيه. لقد جعلناها بالدولار، أتصدق ذلك؟»
قال ونتوورث، راجعا لهدوئه ثانية: «أوه.» ««مائة ألف دولار» ... إلى أين وصلت؟ أوه، نعم. «زعم أن خبيرا أمريكيا قد فحص هذه الحسابات قبل السيد ونتوورث، وأنه أكد أنها صحيحة. ستكون هناك حاجة الآن إلى تفسير هذا من قبل هذا الخبير.»»
صاحت السيدة الشابة: «ها أنا قد انتهيت! هذا هو صلب المقال. بالطبع، قد أسهب أكثر قليلا قبل أن نبلغ كوينزتاون حتى أجعلهم يدفعون أكثر. إن الناس لا تقدر الشيء الذي لا يكلفهم الكثير. ما رأيك فيما كتبت؟ هل صغته على نحو صحيح؟»
رد الشاب البائس: «على نحو صحيح تماما.» «أوه، أنا سعيدة للغاية لأنه أعجبك! أحب أن أفعل الأشياء على نحو صحيح.» «أنا لم أقل إنني «أعجبت» به.» «لا، بالطبع، لا يمكن أن يتوقع منك أن تقول ذلك؛ لكنني سعيدة أنك رأيت أنه دقيق. سأضيف ملاحظة مفادها أنك تعتقد أن هذا ملخص جيد لما ورد في تقريرك.»
صاح ونتوورث: «بحق السماء، لا تشركيني في هذا الأمر!» «حسنا، لن أفعل ، إذا لم تكن تريد مني أن أفعل.»
ساد الصمت لبضع لحظات، بدا خلالها أن السيدة الشابة تضيف فاصلات ونقاطا ختامية للمسودة الموجودة على ركبتها. تنحنح ونتوورث مرتين أو ثلاث مرات، لكن شفتيه كانتا جافتين للغاية لدرجة أنه ما كان يستطيع الكلام. وفي النهاية قال: «آنسة بروستر، كيف يمكنني حثك على عدم إرسال هذا من كوينزتاون إلى صحيفتك؟»
نظرت إليه السيدة الشابة بابتسامة مشرقة وبهيجة. «تحثني؟ لا يمكنك فعل هذا؛ ولا يمكن أن يحدث هذا. ستكون هذه إحدى كبرى النجاحات التي حققتها في حياتي. فكر كيف أن ريفرز قد فشل في إنجازها، وأنجزتها أنا!»
رد الرجل الشاب بيأس: «نعم، فكرت في هذا.» ثم أضاف: «قد لا تعرفين أن التقرير الكامل أرسل بالبريد من أوتاوا لشركتنا في لندن، وأنني، عندما نصل إلى كوينزتاو، سأرسل برقية لشركائي لتسليم التقرير لمديري الشركة، هل تعلمين ذلك؟»
ردت الآنسة بروستر: «أوه، أعرف كل هذا. أخبرني ريفرز به. لقد قرأ الرسالة المتضمنة في المستندات التي أخذها من صديقك. والآن، هل قمت بأي حسابات بشأن رحلتك؟» «حسابات؟ أنا لا أفهم ما تقصدين.» «حسنا، أنا أقصد ما يلي: إننا ربما سنصل كوينزتاون مساء السبت. وهذا الخبر، مراعاة لفروق التوقيت، سيظهر في صحيفة «آرجوس» صباح الأحد. ستصل برقيتك إلى شركتك مساء السبت، حين لا يمكن فعل شيء بشأنه. وفي يوم الأحد أيضا لا يمكن فعل شيء بشأنه. في صباح الإثنين، قبل أن يصل تقريرك إلى المديرين، سيكون صلب ما ظهر في صحيفتنا قد ظهر في الصحف المالية، التي سترسل إلى لندن مساء الأحد. وأول شيء سيعرفه مديروك عن الأمر سيكون من خلال صحف لندن المالية في صباح الإثنين. هذا ما أقصده، يا سيد ونتوورث، بعمل حسابات الرحلة.»
لم يقل ونتوورث أي شيء آخر. وقام على قدميه وذهب بأفضل ما يمكنه إلى غرفته، وهو يتلمس طريقه كالأعمى. وهناك، جلس واضعا رأسه بين يديه، وهناك وجده صديقه كينيون.
الفصل التاسع
قال جون كينيون بإلحاح: «أخبرني ماذا حدث.»
رفع ونتوورث بصره إليه .
ورد : «لقد حدث كل شيء.» «ماذا تقصد، يا جورج؟ هل أنت مريض؟ ما بك؟» «أنا في حال أسوأ من المرض؛ أسوأ كثيرا من المرض. يا ليتني كنت مريضا فقط.» «هذا لن يجدي، أيا كانت المشكلة التي تعاني منها. هيا، انهض. وأخبرني بما حدث.» «جون، أنا غبي ... أحمق ... أبله ثرثار.» «إذا سلمنا بهذا، فماذا إذن؟» «لقد وثقت بامرأة ... أنا أحمق؛ والآن ... والآن ... أنا على الحال الذي تراه.»
سأل كينيون بارتياب: «هل ... هل الآنسة بروستر لها أي علاقة بهذا؟» «إنها السبب في كل هذا.» «هل ... هل رفضتك، يا جورج؟» «ماذا! «هذه» الفتاة؟ أوه، أنت الشخص الأحمق الآن. هل تعتقد أنني كنت سأسألها؟» «أنا لا يمكن أن ألام على الاستنتاج المتسرع. يجب أن تتذكر أن «هذه الفتاة»، كما تشير إليها، قد حظيت بمرافقتك أغلب الوقت أثناء هذه الرحلة؛ وبمعظم ثنائك بينما لم تكن معها. ما الأمر؟ وما علاقتها بما تعانيه؟»
ذرع ونتوورث جيئة وذهابا الحدود الضيقة للغرفة كما لو أنه محبوس في قفص. وضرب بيده على فخذه، بينما كان كينيون ينظر إليه متعجبا.
قال: «لا أعرف كيف يمكن أن أخبرك بالأمر، يا جون.» ثم أضاف: «يجب أن أخبرك، بالطبع؛ لكني لا أعرف كيف يمكنني ذلك.» «اصعد معي على سطح السفينة.» «أبدا.» «كل ما أطلبه منك هو أن تخرج إلى الهواء الطلق. إن الجو خانق هنا، كما أن احتمال أن يسمع ما نقول في الغرفة أكبر مما هو عليه على سطح السفينة. تعال معي، يا صديقي القديم.»
أمسك رفيقه من ذراعه، وجره جزئيا خارج الغرفة، وأغلق الباب وراءه.
وقال: «تماسك.» ثم أضاف: «القليل من الهواء الطلق سيحسن من حالتك.»
سارا باتجاه السطح، وأخذا يمشيان جيئة وذهابا عليه، مشبكين ذراعيهما معا. لوقت طويل، لم يقل ونتوورث شيئا، وكان لدى كينيون من الكياسة ما جعله يلزم الصمت. وفجأة، لاحظ ونتوورث أنهما كان يمشيان جيئة وذهابا أمام الآنسة بروستر، لذا سحب صديقه بعيدا إلى جزء آخر من السفينة. وبعد بضعة انعطافات هنا وهناك، قال: «أنت بالطبع تتذكر ريفرز .» «دون شك.» «إنه يعمل في تلك الصحيفة القذرة، «نيويورك آرجوس».» «أعتقد أنها صحيفة قذرة. أنا لا أتذكر أنني رأيتها يوما. نعم، أنا أعرف أن له صلة بهذه الصحيفة. ماذا إذن؟ ما علاقة الآنسة بروستر بريفرز؟» «إنها واحدة من فريق عمل تلك الصحيفة، أيضا.» «جورج ونتوورث، أنت لا تقصد أن تخبرني بما فهمت؟!» «بل، أنا أقصد.» «وهل هي هنا من أجل مسألة المناجم؟» «بالضبط. لقد تولت المهمة بعد فشل ريفرز.»
قال كينيون، مسقطا فجأة ذراع رفيقه ومواجها إياه: «جورج! ماذا قلت لها؟» «هنا تكمن المأساة. لقد أخبرتها بكل شيء.» «صديقي العزيز، كيف يمكن أن تكون ...» «أوه، أعرف ... أعرف! أنا أعرف كل شيء ستقوله. كل شيء يمكن أن تقوله قلته لنفسي، وأكثر وأسوأ منه عشر مرات. لا يوجد شيء يمكن أن تقوله لي أكثر مرارة مما أعتقده عن نفسي.» «هل قلت لها أي شيء عن «تقريري»؟» «قلت لها كل شيء ... «كل شيء»! هل فهمت؟ إنها سترسل برقية من كوينزتاون تتضمن خلاصة ما جاء بالتقريرين ... كلا التقريرين.» «يا إلهي! هذا أمر مخيف. ألا توجد طريقة لمنعها من إرسالها؟» «إذا كنت تعتقد أن بإمكانك منعها، فأرجو أن تحاول فعل ذلك.» «كيف اكتشفت هذا؟ هل قالت هي لك؟» «أوه، لا يهم كيف اكتشفت الأمر. لقد اكتشفته. لقد أخبرني رجل من تكون، ثم سألتها، وكانت صريحة جدا بشأن الأمر. لقد قرأت علي حتى نص المقال.» «قرأته عليك؟» «نعم، قرأته علي، ووضعت علامات ترقيمه في حضوري ... وأضافت بعض الكلمات التي رأيت أنها أفضل من تلك التي كانت تستخدمها. أوه، لقد كان أروع مقال يمكن أن يراه المرء!» «لكن لا بد أن تكون هناك طريقة ما لمنعها من إرسال هذا المقال إلى نيويورك في الوقت المناسب. كل ما علينا فعله هو أن ترسل برقية لرجالك تطلب فيها منهم تسليم تقريرنا للمديرين، وحينها سنكون قد سبقنا مقالها. إن عليها إرسال البرقية من مكتب بريد بريطاني، ويبدو لي أن بإمكاننا منعها من ذلك بطريقة ما.» «مثل ماذا؟» «أوه، أنا لا أعرف كيف الآن، لكن يجب علينا أن نستطيع فعل ذلك. لو كنت رجلا، لحبسناه باعتباره أحد المخربين أو شيئا من هذا القبيل؛ لكن نظرا إلى أنها امرأة، فهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة في التعامل معه. جورج، لو كنت مكانك، كنت سأخاطب الجانب الطيب فيها.»
ضحك ونتوورث بتهكم.
رد: «الجانب الطيب؟» ثم أضاف: «إنها ليس لديها جانب طيب، وهذا ليس أسوأ ما في الأمر. لقد «حسبت»، بحسب قولها، كل الاحتمالات المتضمنة في الأمر؛ لقد «حسبت» أننا سنصل كوينزتاون تقريبا يوم السبت ليلا. وإذا فعلنا ذلك، فسترسل مقالها في الوقت المناسب بحيث ينشر يوم الأحد في صحيفة «نيويورك آرجوس». إن كان هذا هو الوضع، فانظر كيف سيكون حال برقيتنا. سنرسل برقية إلى رجالنا نطلب فيها إرسال التقرير. ستصل البرقية إلى المكتب يوم السبت ليلا، ولن تقرأ. المكتب سيغلق في الساعة الثانية، وحتى إذا حصلوا عليها وأدركوا مدى إلحاح الأمر، فلن يستطيعوا عرض الأوراق على المديرين قبل صباح الإثنين، وبحلول صباح الإثنين، سيكون الموضوع معروضا في صحف لندن المالية.» «جورج، تلك المرأة شيطانة.» «لا، إنها ليست كذلك، يا جون. إنها مجرد صحفية أمريكية بارعة، تظن أنها قد قامت بعمل رائع جدا، وأنها، بسبب غباء أحد الرجال، قد نجحت، هذا كل ما في الأمر.» «هل حاولت أن تناشدها بأي نحو ألا تفعل ما تنوي فعله؟» «أوه، هل من الممكن ألا أفعل؟! بالطبع، فعلت هذا. لكن ما الفائدة؟ لقد سخرت مني. ألا تفهم؟ إنها هنا من أجل هذا. إن رحلتها بالكامل كان هذا هو هدفها الوحيد؛ ومن غير المحتمل أن تتخلى المرأة عن نجاحها بعد أن حققته؛ وخاصة بعد أن أخفق في تحقيقه شخص آخر من مكان العمل نفسه. تبدو حقيقة أن ريفرز فشل وأنها نجحت شيئا عظيما تفتخر به.»
قال كينيون: «إذن، أنا سأناشد الآنسة بروستر بنفسي.» «رائع جدا. أتمنى لك النجاح في مسعاك. لكن افعل ما يمكنك، يا جون، إذا كنت لا تمانع في ذلك. وفي تلك الأثناء، أريد أن أكون بمفردي في مكان ما.»
نزل ونتوورث على الدرج المؤدي إلى جزء السفينة الخاص بالمسافرين بتكلفة رخيصة، وجلس لبضع لحظات وسط هؤلاء الركاب. ثم صعد سلما آخر واقترب بشدة من مقدمة السفينة. وهناك جلس على لفة من الحبال، وأخذ يجيل الأمر في رأسه. لكن التفكير لم يفده كثيرا. وأدرك أنه، حتى لو حصل على الورقة التي كتبتها الآنسة بروستر، فبإمكانها بسهولة أن تكتب غيرها. إن لديها الحقائق في رأسها، وكل ما تحتاج إلى فعله هو الذهاب إلى مكتب تلغراف وإرسال رسالتها عبره.
في تلك الأثناء، قام كينيون ببعض الانعطافات هنا وهناك عبر السطح، وهو يفكر بعمق في نفس الموضوع. ووصل إلى الجانب الذي كانت تجلس فيه الآنسة بروستر، وعندما وقف أمامها، لم يمتلك الشجاعة الكافية لأن يجلس بجوارها. لقد كانت تقرأ بهدوء كتابها. جاء ثلاث مرات قبالتها، وتوقف للحظة، ثم استمر في سيره البائس. رأى أن شجاعته لن تكون كافية من أجل إتمام المهمة، ومع ذلك، كان يشعر أنه يجب تنفيذ المهمة بأي نحو. لم يكن يعرف كيف يبدأ. لم يكن يعرف ما الحافز الذي يمكن أن يقدمه للسيدة الشابة للتخلي عن ثمار براعتها. شعر أن هذه نقطة الضعف في دفاعه. في المرة الثالثة التي وقف فيها أمام الآنسة بروستر، رفعت بصرها باتجاهه وأشارت إليه بالجلوس على الكرسي المجاور لها، قائلة: «أنا لا أعرفك جيدا، سيد كينيون، لكنني أعرف من تكون. هلا تجلس هنا للحظة؟»
جلس الرجل المدهوش على الكرسي الذي أشارت إليه. «والآن، سيد كينيون، أنا أعرف ما الذي يشغل بالك. لقد مررت ثلاث أو أربع مرات آملا أن تجلس بجواري، ولكنك خشيت أن تغامر بفعل ذلك. أليس هذا صحيحا؟» «بلى، صحيح تماما.» «أعلم ذلك. والآن أنا أعلم أيضا ما أتيت من أجله. أخبرك السيد ونتوورث بالأمر. لقد أخبرك بأنه أعطاني كافة التفاصيل الخاصة بالمناجم، أليس كذلك؟» «لقد فعل.» «ولقد ذهب إلى غرفته ليفكر في الأمر، وترك الأمر في يديك، وأنت تتخيل أنك يمكنك أن تأتي هنا إلي، وربما تستطيع أن تثنيني عن إرسال مقالي إلى صحيفة «آرجوس». أليس هذا ما تريد؟»
قال كينيون، وهو يمسح العرق عن جبينه: «هذا ما آمل أن أكون قادرا على فعله.» «حسنا، ظننت أن علي أن أخلصك من حيرتك في الحال. إنك تأخذ الأمور بجدية شديدة، يا سيد كينيون؛ يمكنني ملاحظة ذلك. والآن، أليس هذا صحيحا؟» «أخشى أن هذا صحيح.» «بالطبع، هذا صحيح. إن نشر هذا، كما قلت للسيد ونتوورث، لن يكون شيئا مهما في واقع الأمر على الإطلاق. إنه لن يكون له أي تأثير على أي منكما؛ لأن أصدقاءكما سيكونون متأكدين من أنكما، إن كنتما تعرفان مع من تتحدثان، ما كنتما ستقولان قط شيئا عن المناجم.»
ابتسم كينيون بتجهم لهذا النوع من المواساة. «والآن، لقد كنت أفكر في شيء منذ أن تركني السيد ونتوورث. أنا حقا حزينة للغاية من أجله. أنا حزينة أكثر مما يمكن أن أخبر به.»
قال كينيون بحماس: «إذن، ألا ...» «لا، أنا لن أفعل هذا؛ لذا، لا يجب أن نعود إلى تلك المرحلة من الموضوع. إن هذا هو ما جئت هنا من أجله، وبغض النظر عما ستقول، سيجري إرسال برقيتي. من الأفضل أن تعي هذا من البداية، حتى لا يشكل هذا أي مشكلة فيما بعد. ألا ترى أن هذا هو الأفضل؟»
رد الرجل البائس: «ربما.» «حسنا، إذن، دعنا نبدأ من هناك. سأقول في البرقية إنني لم أحصل على معلوماتي لا من السيد كينيون ولا من السيد ونتوورث.» «لا بأس، لكن هذه لن تكون الحقيقة.» «بالطبع، لن تكون الحقيقة؛ لكن هذا لا يهم، أليس كذلك؟»
قال كينيون: «حسنا، في بلدنا، نحن نعتقد أن الحقيقة شيء مهم حقا.»
ضحكت الآنسة بروستر من كل قلبها.
وقالت: «يا إلهي! أنت لست عمليا بالقدر الكافي. ما الذي يعنيك إذا كانت هذه الحقيقة أو لا؟ إذا كان هناك أي كذب، فأنت لم تقله؛ لذا، أنت ليس عليك أي لوم. في واقع الأمر، أنت لا يقع عليك أي لوم بأي نحو، في هذه المسألة؛ إنه خطأ صديقك ونتوورث بالكامل ؛ ومع ذلك، لو لم يكن ونتوورث هو من أخبرني بما جاء في التقرير، لكنت أنت ستخبرني.»
نظر إليها كينيون بارتياب.
قالت، وهي تومئ له بثقة: «أوه، نعم، كنت ستفعل ذلك.» ثم أضافت: «يجب ألا تغتر بنفسك - لأن السيد ونتوورث أخبرني كل شيء بشأن هذا الأمر - وترى أنك ما كنت ستفعل الشيء نفسه، إذا أردت أن أكتشف حقيقة الأمر منك. إن كل الرجال متشابهون عندما يتعلق الأمر بالنساء.» «هل هناك شيء يمكن أن أقوله لك، يا آنسة بروستر، يجعلك تتراجعين عن إرسال الرسالة إلى أمريكا؟» «لا، يا سيد كينيون. أعتقد أننا حسمنا هذا الأمر من البداية. أرى أنه لا توجد فائدة من الحديث إليك. سأعود إلى كتابي المثير جدا. طاب صباحك، يا سيد كينيون.»
شعر كينيون بفشل محاولته تماما مثلما شعر ونتوورث، وأخذ يتجول بتعاسة بطول سطح السفينة، واضعا يديه بعمق في جيبيه.
وعندما وصل إلى الجانب الآخر من السطح، التقى الآنسة لونجوورث التي كانت تمشي بمفردها. ابتسمت ابتسامة ترحيب ودية له، فالتفت وبدل خطوته لتناسب خطوتها.
وقال: «هل تسمحين لي بالسير معك لبضع دقائق؟»
كان ردها: «بالطبع، تفضل، ما الأمر؟ تبدو في غاية التعاسة.» «أنا ورفيقي في مشكلة كبيرة، ورأيت أنني يجب أن أتحدث معك بشأنها.» «إن كان هناك أي شيء يمكنني فعله لمساعدتك، فيسعدني بشدة فعله.» «ربما تقدمين اقتراحا مفيدا. كما تعرفين، إن تعامل رجلين مع امرأة واحدة أمر لا جدوى منه تماما.» «آه، من هي هذه المرأة ... إنها ليست أنا، أليس كذلك؟» «لا، ليس أنت، يا آنسة لونجوورث. يا ليتها كانت أنت؛ إذ حينها لن تكون هناك أي مشكلة.» «أوه، شكرا!» «إن الأمر كالتالي: عندما كنا في كيبيك - أعتقد أنني أخبرتك بهذا الأمر - أرسلت صحيفة «نيويورك آرجوس» رجلا لمعرفة ما أوردناه في تقريرنا الذي أرسلناه، أو كنا سنرسله، لشركة لندن سينديكيت.» «نعم، لقد أخبرتني بذلك.» «كان اسمه ريفرز. في واقع الأمر، عندما علمت هذه الصحيفة نفسها بفشل ريفرز في مهمته رغم سرقته للمستندات، نفذت خطة أكثر مكرا ، وكانت مبشرة بالنجاح. لقد أرسلت على متن هذه السفينة امرأة شابة معروفا عنها أن لديها مهارة في معرفة الأسرار التي يحاول الناس إخفاءها عن الجميع. تلك المرأة الشابة هي الآنسة بروستر، التي تجلس بجوار ونتوورث على الطاولة. يبدو أن القدر قد وقف إلى جانبها وجعلها تجلس بجواره. اقترب الاثنان أحدهما من الآخر، ولسوء الحظ أخبرها صديقي بالكثير عن مسألة المناجم، التي أعلنت عن اهتمامها بها. أو، بالأحرى، تظاهرت باهتمامها بونتوورث، مما جعله يتحدث؛ نظرا بالطبع إلى أنه كان يجهل الحقيقة. لا يوجد شخص في العالم أكثر حذرا من جورج ونتوورث، لكن الرجل لا يتوقع أبدا أن يظهر يوما حوار خاص له مع سيدة في صحيفة.» «من الطبيعي ألا يحدث هذا.» «رائع جدا، هذا هو الوضع. بطريقة ما، عرف ونتوورث أن هذه السيدة الشابة هي المراسلة الخاصة لصحيفة «نيويورك آرجوس». وتحدث معها عن ذلك، وكانت صريحة بشدة وقالت إنها هنا فقط من أجل معرفة مضمون التقريرين الخاصين بنا، وإنها بمجرد أن تصل إلى كوينزتاون، سترسل برقية تتضمن كل ما اكتشفته إلى نيويورك.» «يا إلهي! هذا أمر محير جدا. وماذا فعلتم؟» «لم نفعل شيئا حتى الآن، أو بالأحرى، يجب أن أقول إننا جربنا كل شيء يمكننا التفكير فيه، ولم نصل إلى شيء. ناشدها ونتوورث أن تتراجع عن مسعاها، وقد قمت بمحاولة بليدة لاستجدائها أيضا، لكنها لم تكن مجدية. أشعر بقلة حيلتي في هذا الأمر، وونتوورث محطم تماما بسببه.» «يا له من مسكين! أنا متأكدة من ذلك. دعني أفكر لبرهة.»
أخذا يسيران جيئة وذهابا بطول السطح في صمت لبضع دقائق. ثم نظرت لونجوورث إلى كينيون وقالت: «هلا تترك هذا الأمر لي؟» «بالتأكيد، إذا كنت من اللطف بحيث تظهرين أي اهتمام به.» «أنا مهتمة به بشدة. بالطبع، أنت تعرف أن أبي مهتم بشدة به أيضا؛ لذا، أنا على نحو ما أنوب عنه.» «هل لديك أي خطة؟» «نعم؛ خطتي ببساطة هي الآتي: السيدة الشابة تعمل من أجل المال؛ لذا، إذا استطعنا أن نعرض عليها أكثر مما تعطيه لها صحيفتها، فسرعان ما ستقبل، وإلا فسأكون مخطئة بشدة في نوعية النساء التي تنتمي إليها.»
قال كينيون: «آه، نعم، لكننا ليس لدينا المال اللازم، كما تعرفين.» «لا عليك؛ المال سرعان ما سيأتي. لا تشغل بالك كثيرا بشأنه. أنا متأكدة من إمكانية تنفيذ ذلك.»
شكرها كينيون، وعبر عن امتنانه بعينيه لا بلسانه؛ لأنه لم يكن سريع البديهة، وتركته حتى يمكنها التفكير في كيفية تنفيذ خطتها.
في ذلك المساء، كان هناك نقر على باب غرفة الآنسة جيني بروستر.
صاحت شاغلة الغرفة: «ادخل.»
دخلت الآنسة لونجوورث، ورفعت شاغلة الغرفة بصرها باتجاهها، بعبوس، مما كانت تكتب.
سألتها الزائرة بجدية: «هل لي أن أتحدث إليك لبضع لحظات؟»
الفصل العاشر
انزعجت الآنسة جيني بروستر بشدة من المقاطعة، ولم تبذل أي جهد لإخفاء مشاعرها. كانت تكتب مقالا بعنوان «كيف يقتل الناس الوقت على متن سفينة؟» ولم تكن ترغب في أن يزعجها أحد، كما أنها، كما كانت تقول كثيرا، لم تكن ترتاح للتعامل مع النساء، ولم تكن تحب بنات جنسها ولا هن يحببنها.
قالت إديث لونجوورث، بينما كانت تغلق الباب وراءها: «أود أن أتحدث إليك لبضع لحظات، إذا تكرمت.»
ردت: «بالتأكيد.» ثم أضافت: «هلا تتفضل بالجلوس؟»
ردت الأخرى، بينما كانت تجلس على الأريكة: «شكرا.» ثم أضافت: «أنا لا أعرف كيف أبدأ ما أريد قوله. ربما سيكون من الأفضل أن أبدأ بإخبارك بأنني أعرف سبب وجودك على متن هذه السفينة.» «نعم؛ وهل لي أن أسأل لماذا أنا على متن السفينة؟» «أنت هنا، كما أفهم، للحصول على معلومات معينة من السيد ونتوورث. ولقد حصلت عليها، ولقد جئت لأراك بهذا الشأن.» «فعلا! وهل أنت على علاقة وثيقة بالسيد ونتوورث بحيث يخبرك ...» «أنا بالكاد أعرف السيد ونتوورث.» «إذن، لماذا تأتين في مهمة من أجله؟» «أنا لست في مهمة من أجله. أنا لست في مهمة من أجل أي أحد. أنا كنت أتحدث مع السيد كينيون، أو بالأحرى، كان السيد كينيون يتحدث معي، عن موضوع كان يشغله على نحو كبير. إنه موضوع مهتم به أبي. إن أبي أحد ملاك شركة لندن سينديكيت، وهو بطبيعة الحال لن يرغب في أن ترسل برقيتك المنتظرة إلى نيويورك.» «حقا؛ وهل أنت متأكدة تماما أنك لا تتحدثين بالنيابة عن صديقك كينيون أكثر من أبيك؟»
احمر وجه الآنسة بروستر غضبا، وتطاير الشرر من عينيها بينما كانت تقول: «يجب ألا تتحدثي معي بهذه الطريقة.» «عفوا، سأتحدث إليك بالطريقة التي تعجبني. أنا لم أسع لهذا اللقاء؛ بل أنت التي فعلت ذلك، وحيث إنك سمحت لنفسك بالمجيء إلى هذه الغرفة دون أن تدعي، فعليك أن تتقبلي ما ستسمعين. إن الذين يتدخلون في شئون الآخرين، كقاعدة عامة، يواجهون أوقاتا صعبة.» «عندما أتيت إلى هنا، كنت أقدر تماما كل الانزعاج المحتمل الذي قد ينتج عن مجيئي.» «أنا سعيدة لقولك هذا؛ لأنك إذا سمعت مني أي شيء لا يعجبك، فلن تنزعجي وسيكون عليك فقط أن تلومي نفسك عليه.» «أود أن أتحدث إليك في هذا الأمر بروح ودية إن استطعت. أعتقد أننا لن نصل إلى أي شيء إذا تحدثنا بأي طريقة أخرى.» «رائع جدا، إذن. أي مبرر ستقدمينه لي لمجيئك إلى غرفتي لتتحدثي عن أمر لا يهمك؟» «آنسة بروستر، إنه «بالفعل» يهمني؛ إنه يهم أبي وهذا يهمني. أنا، إلى حد كبير، السكرتيرة الخاصة بأبي، وعلى علم كبير بكل الأعمال التي يديرها. هذا الأمر يهمه، ومن ثم يهمني. هذا هو السبب وراء وجودي هنا.» «هل أنت متأكدة؟» «هل أنا متأكدة من ماذا؟» «هل أنت متأكدة من أن ما تقولينه صحيح؟» «أنا ليس من عادتي أن أقول غير الحقيقة.» «ربما تثنين على نفسك وترين أن هذا هو الحال، لكن هذا لن يخدعني. لقد جئت إلى هنا فقط لأن السيد كينيون متحير بشدة بشأن ما سأفعل. أليس هذا هو السبب؟»
رأت الآنسة لونجوورث أن مهمتها ستكون حتى أكثر صعوبة مما كانت تتوقع. «ما رأيك إن توقفنا عن الحديث عن مسألة الدافع؟ لقد جئت إلى هنا ... لقد طلبت منك الإذن بالحديث عن هذا الموضوع، وقد أعطيتني الإذن. ومن ثم ، يبدو لي أنك يجب أن تستمعي لما أود قوله. لقد قلت إنني يجب ألا أنزعج ...» «أنا لم أقل هذا. لا أهتم على الإطلاق إن كنت ستشعرين بالانزعاج أم لا.» «لقد قلت على الأقل إنني قد أسمع شيئا سيكون غير مريح. ما أريد قوله هو الآتي: لقد أخذت على عاتقي القيام بهذا، وكما أشرت، ما إذا كنت سأشعر بالانزعاج أو لا أمر لا يهم. والآن، نأتي للنقطة الأساسية ...» «قبل أن نأتي للنقطة الأساسية، دعيني أعرف ما إذا كان السيد كينيون قد أخبرك أنه قد تحدث معي بالفعل في هذا الموضوع.» «نعم، لقد أخبرني بهذا.» «وهل أخبرك أن صديقه ونتوورث أجرى معي حوارا بنفس الشأن؟» «نعم، لقد أخبرني بذلك أيضا.» «رائع جدا، إذن، إذا كان هذان الرجلان لم يستطيعا فعل شيء يجعلني أتراجع عما أريد فعله، فكيف تتوقعين أن تفعلي أنت ذلك؟» «هذا ما أنا على وشك أن أقوله لك. هذا عالم مادي، وأنا ابنة رجل أعمال. أنا أدرك حقيقة أنك سترسلين هذه المعلومات من أجل المال الذي سيجلبه ذلك لك. أليس هذا هو الحال؟» «إنه كذلك جزئيا.» «لأي اعتبار آخر تعملين، إذن؟» «من أجل أن أصبح معروفة باعتباري أفضل صحفية في مدينة نيويورك. هذا هو الاعتبار الآخر.» «فهمت أنك معروفة بالفعل باعتبارك أبرز صحفية في نيويورك.»
كانت هذه الملاحظة أكثر دبلوماسية بكثير مما توقعت الآنسة لونجوورث نفسها.
بدت جيني بروستر مسرورة بشدة، ثم قالت: «أوه، أنا لا أعرف هذا؛ لكن أسعى لأن أكون كذلك في خلال عام.» «رائع جدا، أمامك الكثير من الوقت لتحقيق هدفك دون استخدام المعلومات التي حصلت عليها على متن هذه السفينة. والآن، وكما كنت أقول، تدفع لك صحيفة «نيويورك آرجوس» مبلغا معينا من أجل القيام بهذا العمل. إذا وعدتني بعدم إرسال المعلومات إلى تلك الصحيفة، فسأعطيك شيكا بضعف المبلغ الذي ستدفعه لك الصحيفة، هذا إلى جانب إعادة ضعف قيمة كل النفقات التي تكلفتها إليك.» «بعبارة أخرى، أنت تطلبين مني أن أحصل على رشوة وأرفض القيام بواجبي تجاه الصحيفة .» «هذه ليست محاولة للرشوة. أنا فقط أدفع لك، أو سأدفع لك، ضعف ما ستحصلين عليه من هذه الصحيفة. أنا أفترض أن علاقتك بها مادية بحتة. إنك تعملين من أجلها لأنك تحصلين على مبلغ معين من المال؛ إذا وجد مدير التحرير أحدا سيفعل المهمة نفسها بمقابل أرخص، فسيعين على الفور بها، وسيستغني عن خدماتك. أليس هذا صحيحا؟» «بلى، هذا صحيح.» «رائع جدا، إذن، مسألة الواجب لا محل لها في هذا الإطار. لقد أرسلوك في مهمة ستكون لمعظم الناس صعبة جدا. وقد نجحت فيها. أنت، بالتالي، لديك في حوزتك شيء يمكن بيعه. ستدفع الصحيفة الأمريكية مبلغا نقديا معينا من أجل ذلك. وأنا سأعرض، لنفس هذا الشيء، ضعف المبلغ الذي ستدفعه لك صحيفة «نيويورك آرجوس». أليس هذا عرضا رائعا؟»
قامت جيني بروستر من مكانها. وأخذت تشبك يديها ثم تفك تشبيكها بعصبية. ولمدة قصيرة من الوقت، ساد الصمت، وتصورت إديث لونجوورث أنها قد حققت هدفها. نظرت السيدة الواقفة إلى الأخرى الجالسة.
سألت الآنسة بروستر: «هل تعرفين كل التفاصيل الخاصة بمحاولة الحصول على هذه المعلومات؟» «أنا أعرف بعضها. ما التفاصيل التي تقصدينها؟» «هل تعرفين أن رجلا من صحيفة «آرجوس» حاول الحصول على هذه المعلومات من السيد كينيون والسيد ونتوورث في كندا؟» «نعم؛ أعلم هذا.» «هل تعلمين أنه سرق التقريرين، وأنهما أخذا منه قبل أن يستغلهما؟» «نعم.» «هل تعلمين أنه عرض على السيد كينيون والسيد ونتوورث ضعف المبلغ الذي كانت شركة لندن سينديكيت ستدفعه لهما، بشرط أن يطلعاه على خلاصة التقريرين؟» «نعم، أعلم هذا أيضا.» «هل تعلمين أنهما، بفعلهما ما طلبه منهما، ما كانا سيؤخران ولو ليوم واحد تقديم التقرير الحقيقي للناس الذين استعانوا بخدماتهما؟ أنت تعرفين كل هذا، أليس كذلك؟» «بلى؛ أنا أعلم كل هذا.» «رائع جدا، إذن. أنت الآن تطلبين مني أن أفعل أكثر مما طلبه ريفرز منهما؛ لأنك تريدين مني أن أخفي تماما تقريري عن المعلومات التي حصلت عليها. أليس الأمر كذلك؟» «نعم، يمكنك إخفاء هذه المعلومات حتى يقدم التقرير للمديرين؛ وحينها ، بالطبع ، يمكنك فعل ما تريدين بها.» «آه، لكن بحلول ذلك الوقت، ستكون بلا أي فائدة. وبحلول ذلك الوقت، سيجري نشرها في صحف لندن المالية. وفي ذلك الوقت، سيكون بإمكان أي أحد الحصول عليها. أليس هذا هو الوضع؟» «أظن هذا.» «والآن، أريد أن أسألك سؤالا آخر، يا آنسة ... آنسة ... أنا لا أعتقد أنك قد أخبرتني باسمك.» «اسمي إديث لونجوورث.» «حسنا جدا، آنسة لونجوورث. أريد أن أسألك سؤالا آخر. ما رأيك فيما فعله السيد كينيون والسيد ونتوورث عندما رفضا الحصول على ضعف مقابل ما كانوا سيتقاضونه من أجل إتمام التقرير؟»
كررت الفتاة قولها: «ما رأيي فيهما؟» «نعم؛ ما رأيك فيهما؟ أنت ترددت في الرد. أنت لا تعرفين ماذا تقولين. أنت تعتقدين أن السيد ونتوورث والسيد كينيون تصرفا على نحو نبيل برفضهما عرض ريفرز، أليس كذلك؟» «بالطبع، بلى.» «وأنا كذلك. أعتقد أنهما تصرفا على نحو صحيح، وفعلا مثلما يفعل الرجال الشرفاء. والآن، بما أنك، آنسة لونجوورث، تعتقدين هكذا، فكيف تجرئين على المجيء إلي وعرض ضعف أو ثلاثة أضعاف أو أربعة أضعاف المبلغ الذي تدفعه لي صحيفتي للحصول على هذه المعلومات؟ هل تعتقدين أنني أقل نزاهة من كينيون أو ونتوورث؟ إن عرضك إهانة لي؛ لا أحد سوى امرأة، وامرأة من طبقتك، كان سيمكنه تقديمه. ما كان كينيون سيستطيع تقديمه. ولا حتى ونتوورث كان سيمكنه ذلك. أنت أتيت إلى هنا لرشوتي. أنت جئت إلى هنا لتفعلي نفس الشيء الذي حاول جيه كيه ريفرز فعله لصالح صحيفة «آرجوس» في كندا. أنت تعتقدين أن المال سيشتري أي شيء؛ هذا ما يعتقده أفراد طبقتك. والآن، أريد أن تعرفي أنني امرأة من عامة الشعب. لقد ولدت ونشأت في فقر في نيويورك. أما أنت، فقد ولدت ونشأت في ترف في لندن. لقد عانيت الحرمان والمصاعب التي لا تعرفين شيئا عنها، وحتى لو قرأت عنها، فلن تعيها. أنت، بوقاحة طبقتك، تعتقدين أن بإمكانك أن تأتي إلي وترشيني لأخون رب عملي. أنا هنا من أجل أن أفعل شيئا معينا، وسأفعل هذا الشيء بغض النظر عن كل الأموال التي يمتلكها كل آل لونجوورث، أو سيمتلكونها يوما. هل أوضحت موقفي بالقدر الكافي؟» «نعم، يا آنسة بروستر. أنا لا أعتقد أن أحدا يمكنه إساءة فهم ما قلت.» «حسنا، يسرني ذلك لأن المرء لا يمكنه أبدا تحديد مدى حمق بعض الأشخاص.» «هل تعتقدين أن هناك أي تشابه بين حالتك وحالة السيد ونتوورث؟» «بالطبع، هناك تشابه. كلانا أرسل للقيام بمهمة عمل محددة. وكلانا قام بواجبه. وكلانا عرضت عليه رشوة ليغش رب عمله فيما يتعلق بنتائج مهمته؛ فقط في حالتي الأمر أسوأ كثيرا مما هو عليه في حالة ونتوورث؛ لأن أرباب عمله ما كانوا سيعانون، أما أرباب عملي، فسيعانون.» «هذا كله معقول جدا، آنسة بروستر، لكن دعيني الآن أخبرك أن ما فعلت كان شيئا مخزيا للغاية، وأنك وصمة عار على نساء عالمنا. لقد استطعت، أثناء مدة تعارف قصيرة جدا، أن تكسبي ثقة رجل؛ هناك نوع من النساء يعرف كيف يفعل ذلك، أشكر الرب أنني لست من هذا النوع؛ فأنا أفضل الانتماء إلى الفئة التي كنت تذمينها للتو. بعض الرجال لديهم احترام أصيل لكل النساء؛ يبدو أن السيد ونتوورث واحد من هؤلاء، وبينما هو يأخذ حذره مع أي رجل، فإنه لا يكون كذلك مع أي امرأة. وقد استغللت ذلك، واستطعت الحصول منه على معلومات معينة تعرفين أنه ما كان سيقولها لك لو كان يعلم أنه سيجري نشرها. لقد سرقت تلك المعلومات بالطريقة الشائنة نفسها التي سرق بها هذا الرجل المستندات من جيب السيد كينيون. أنت تتحدثين عن شرفك وعن أمانتك رغم قيامك بهذا الشيء البغيض! أنت تتشدقين بالحديث عن غير قابليتك للرشوة رغم أنها الطريقة الوحيدة الممكنة لجعلك تفعلين ما هو صحيح وعادل ونزيه! إن سلوكك يجعلني أشعر بالخزي من كوني امرأة. أستطيع أن أفهم أن امرأة سيئة تماما يمكنها فعل هذا، أما امرأة مثلك، فلا؛ لقد استغللت كونك امرأة وكونك جميلة وأن لديك أسلوبا جذابا في التعامل. لقد استخدمت هذه الميزات كما يستخدم اللص أو المزور القدرات الخاصة التي وهبها الله له. كيف تجرئين على التظاهر ولو للحظة بأن حالتك مماثلة لحالة السيد ونتوورث؟ إن السيد ونتوورث رجل محترم، قام بمهمة محترمة؛ أما أنت ومهمتك، فليس لدي كلمات يمكنها التعبير عن احتقاري لكل منهما. إن النشل أمر أكثر احتراما عند مقارنته بما فعلته.»
قامت إديث لونجوورث من مكانها، ووجهها محمر ويداها مشبكتان. لقد تحدثت بحدة ندمت عليها بشدة عندما فكرت في الأمر بعد ذلك؛ لكن شعورها بالمرارة وخيبة الأمل لفشلها في مهمتها، التي كانت قبل لحظات تثق من النجاح فيها، تغلب عليها. وقفت خصمتها أمامها، غاضبة وشاحبة. في البداية، ظنت إديث لونجوورث أن الصحفية ستضربها، لكن حتى إذا كانت هذه الفكرة قد أتت على بالها، فلم تنفذها. ولبضع لحظات، لم تتحدث أي منهما، ثم قالت جيني بروستر، بنبرة هادئة على نحو غير طبيعي: «أنت حرة في رأيك في، يا آنسة لونجوورث، وأعتقد أنني حرة في رأيي في كينيون وونتوورث. إنهما أحمقان، وأنت حمقاء في اعتقادك أن بإمكانك التحكم في أفعال امرأة عندما فشل في ذلك رجلان. هل تعتقدين للحظة بأنني سأمنحك أنت، المرأة التي تنتمي إلى طبقة أكرهها، ما لم أمنحه لرجل مثل ونتوورث؟ إنهم يقولون إنه لا حماقة تعدل حماقة الرجل العجوز، لكن يجب أن يقولوا إنه لا حماقة تعدل حماقة السيدة الشابة التي تعتقد أن بإمكانها أن تسير كل شيء كما تريد في هذا العالم. أنت ...» «لن أبقى كي أستمع لشتيمتي. أرجو ألا يجمعني بك أي شيء أكثر من ذلك.»
قالت الفتاة الأخرى، واضعة ظهرها أمام الباب: «أوه، كلا! ستبقين.» ثم أضافت: «لقد أتيت إلى هنا برغبتك، وستغادرين برغبتي أنا. سأخبرك بحقائق في خمس دقائق أكثر مما سمعت من قبل في حياتك. سأخبرك، في المقام الأول، بأن عملي محترم تماما مثل عمل كينيون أو ونتوورث. ما الذي يفعله كينيون سوى محاولة الحصول على معلومات عن المناجم التي يسعى بشدة أناس آخرون لإخفائها عنه؟ وما الذي يفعله ونتوورث سوى البحث وسط الحسابات مثل المحققين محاولا التوصل لما يحاول أناس آخرون إخفاءه؟ وما أمر المناجم بأكمله سوى عملية تلاعب كبيرة، عدوها الأكبر هو الصحافة؟ لا عجب أن كل من له علاقة بمجال التعدين يخاف النشر. إذا كان أبوك قد كون ثروته من المناجم، فقد قام بذلك ببساطة بالتلاعب بالضحايا سيئي الحظ. أنا أقوم بعملي بطريقتي، وصديقاك يقومان بعملهما بطريقتهما. ومن بين العملين، أرى أن مهنتي هي الأكثر نزاهة. والآن، وبعد أن استمعت إلى ما كان علي قوله، فيمكنك المغادرة، ودعيني أقل لك إنني لا أتمنى رؤيتك أو الحديث إليك مرة أخرى.» «أشكرك على السماح لي بالمغادرة. وأتمنى أيضا من كل قلبي ألا أقابلك ثانية. لكن يجب أن أقول إنني آسفة على الحديث إليك بالطريقة التي تحدثت بها. من المستحيل، بالطبع، لك أن تنظري للأمر من وجهة نظري، كما أنه من المستحيل لي أن أنظر له من وجهة نظرك. ومع ذلك، أرجو أن تنسي ما قلته، وأن تفكري في الأمر مرة أخرى، وإذا رأيت أن من صالحك قبول عرضي، فسيكون متاحا لك دائما. إذا تغاضيت عن إرسال تلك البرقية، فأنا على استعداد لأن أدفع لك ثلاثة أضعاف ما كانت صحيفة «نيويورك آرجوس» ستدفعه لك مقابل هذا الأمر. أنا لا أعرض عليك هذا العرض باعتباره رشوة؛ أنا أعرضه عليك فقط حتى لا تعاني من فعل ما أرى أنه تصرف عادل. يبدو لي أنه من المؤسف أن يتعرض الشابان لهزة عنيفة تعوق مسيرتهما في العمل لأن أحدهما كان غبيا بما يكفي بحيث يفضي بسر إلى امرأة كان يثق بها.»
كانت إديث لونجوورث صغيرة السن، ومن ثم لم تكن لديها البراعة الكافية للتعامل بدبلوماسية شديدة، لكن كان يمكنها أن تعرف أن الجملة الأخيرة التي قالتها قد أفسدت تأثير كل ما قالته قبلها. «في الحقيقة، آنسة لونجوورث، كنت أكن لك بعض الاحترام عندما انفجرت في بالطريقة التي قمت بها؛ ولكن، الآن، عندما كررت بهدوء عرضك الخاص بالرشوة، مضيفة ضعفا ثالثا إليه، تبدد كل احترامي لك. يمكنك الذهاب وإخبار من أرسلك أن لا شيء في هذا العالم يمكنه منعي من إرسال تلك البرقية.»
لكن الآنسة بروستر، بقولها هذا، تكون قد تجاوزت بعض الشيء بشأن علمها. لا يمكن سوى للقليل منا توقع ما يحدث وما لا يحدث في هذا العالم.
الفصل الحادي عشر
ذهبت إديث لونجوورث إلى غرفتها، وهناك بكت بسبب فشلها، لكن هذا البكاء أراحها كثيرا. واستمرت جيني بروستر في كتابتها، لكن أخذت تتوقف بين الفينة والأخرى لتفكر، بندم، في شيء حاد ربما كان عليها أن تقوله، ولم يخطر ببالها في وقت اللقاء. وقضى كينيون وقته في ذرع سطح السفينة جيئة وذهابا، آملا في ظهور الآنسة لونجوورث؛ وهو توقع كان، لبعض الوقت على الأقل، يعد الرجاء المماطل الذي يمرض القلب. جعل فليمنج، السياسي الأمريكي، المرح يهيمن على أرجاء غرفة التدخين، وذلك من خلال استماع الموجودين فيها للقصص التي يسردها. وغير الأجواء من آن لآخر بأن كان يطلب من الجميع تناول الشراب معه، وهي دعوة لم تكن تقابل بأي رفض عام. وكان السيد لونجوورث العجوز ينعس معظم وقته وهو جالس على كرسيه على سطح السفينة. ولم يكن ونتوورث، الذي كان لا يزال يتهم نفسه بمرارة بأنه أحمق، يتحدث مع أحد، حتى صديقه كينيون. وطوال الوقت، كانت السفينة البخارية الكبيرة مستمرة في سيرها وسط مياه هادئة نسبيا كما لو أن شيئا لم يحدث أو سيحدث. كان هناك مطر في أحد الأيام، وعاصفة في ليلة وجزء من يوم. وأشرق صباح السبت، وكان من المتوقع الوصول إلى كوينزتاون في وقت ما من الليل. وقد بدت السحب في وقت مبكر من صباح السبت، منخفضة، كما لو أن لها الحق في النظر بالقرب من أيرلندا.
ونتوورث، الذي سبب المشكلة بالكامل، لم يساعد كينيون كثيرا في المسألة التي كانت تشغل باله. وكان من عادته، عندما يشار إلى الأمر، أن يمسد شعره بيديه أو يدسهما بسرعة في جيبيه، ثم يتحدث بكلمات بائسة ومعبرة في الوقت ذاته. وكلما كان كينيون ينصحه بأن يهدأ، قل احتمال أن يتبع ونتوورث نصيحته. وبوجه عام، كان يقضي معظم وقته بمفرده في حالة مزاجية حزينة جدا. وفي إحدى المرات، عندما ضربه فليمنج المرح برفق على كتفه، التفت، لدهشة فليمنج الشديدة، بعنف وصرخ فيه قائلا: «إذا قمت بذلك ثانية، يا سيدي، فسأطرحك أرضا.»
قال فليمنج فيما بعد إنه «اندهش بشدة» من هذا القول - بغض النظر عما قد يعنيه هذا - وأضاف أن الإنجليز بوجه عام شعب غريب. والحقيقة أنه قد تمالك نفسه في تلك الحادثة وبعد أن ضحك ضحكة صغيرة على الملاحظة، قال لونتوورث: «تعال وتناول كأسا معي؛ وستشعر حينها بأنك أفضل.»
ولم يكلف ونتوورث نفسه حتى عناء رفض تلك الدعوة، لكنه دس بسرعة يديه في جيبيه مرة أخرى، وأدار ظهره للسياسي الأمريكي الشهير.
لخص ونتوورث الموقف لجون كينيون عندما قال له: «لا جدوى من حديثنا عن الأمر أو تفكيرنا فيه أكثر من ذلك. إننا ببساطة لا يمكننا فعل شيء. سوف أتحمل وزر الأمر بالكامل. وأنا مصر على عدم تعرضك لأي مشكلة بسبب سوء تقديري. والآن، لا تتحدث معي بشأن هذا الأمر مرة أخرى. أريد أن أنسى ذلك الأمر البائس، إذا كان هذا ممكنا.»
وهكذا، أصبح من الطبيعي جدا أن يتخذ جون كينيون، الذي كان منشغلا بشدة بالأمر، من إديث لونجوورث، التي أبدت أيضا اهتماما شديدا بالمسألة، صديقة حميمة له. كانت الآنسة لونجوورث تبقى بمفردها حتى أكثر من ذي قبل؛ لأن ابن عمها أدمن الذهاب إلى غرفة التدخين. وقد عرفه أحد الأشخاص بلعبة البوكر المثيرة، وفي ممارسة هذا النوع من التسلية، كان السيد ويليام لونجوورث ينفق الآن جانبا كبيرا من فائض ماله، وكذلك وقته.
كانت جيني بروستر نادرا ما تظهر على سطح السفينة. وقد انكبت بكد على كتابة تلك المقالات الرائعة التي ظهرت فيما بعد في طبعة الأحد من صحيفة «نيويورك آرجوس» تحت العنوان العام «الحياة في البحر»، التي ظهرت بعد ذلك في شكل كتاب. وكما أصبح واضحا بالفعل للجميع، فإن تناولها لشخصية السياسي الأمريكي المرح، وكذلك لشخصية الرجل الإنجليزي المتجهم والمتحفظ، كان يعد من أطرف الأمور الواردة في هذا الكتاب الصغير. وقد اقتبس بكثرة باعتباره مثالا نموذجيا لروح الدعابة الأمريكية.
عندما كانت جيني بروستر تظهر على سطح السفينة، كانت تمشي بمفردها جيئة وذهابا بطول السطح، وكانت تظهر في عينيها نظرة شبه متحدية بينما كانت تمر على كينيون وإديث لونجوورث، اللذين كانت تراهما أغلب الوقت معا.
في صباح يوم السبت هذا الحافل على نحو خاص، كان كينيون وإديث بمفردهما على سطح السفينة. تمركز الحوار بينهما على نحو طبيعي حول الموضوع الذي كان يشغل بال الاثنين في الأيام القليلة الماضية.
قالت الفتاة: «هل تعرف أنني كنت أعتقد طوال الوقت أنها ستأتي إلي في النهاية وتقبل المال؟»
رد عليها كينيون: «أنا لست متأكدا على الإطلاق من هذا.» «ظننت أنها ربما ستبقينا في حالة من التوتر الشديد لأطول مدة ممكنة، ثم ستأتي في اللحظة الأخيرة وتقول إنها ستقبل العرض.»
قال كينيون: «إن فعلت، فلن أثق بها. سأعلمها أننا لن نعطيها الشيك إلا عندما نكون متأكدين من عدم استخدامها لما بين يديها من معلومات.» «هل تعتقد أن هذه ستكون طريقة آمنة للتصرف إن جاءت وقالت إنها ستأخذ المال مقابل عدم إرسال البرقية؟ ألا تعتقد أنه سيكون من الأفضل أن ندفع لها ونثق في كلمتها؟»
ضحك كينيون. «أنا لا أعتقد أنني سأثق كثيرا في كلمتها.» «هل تعلم أن لدي رأيا مختلفا فيها؟ أنا متأكدة أنها إذا قالت إنها ستفعل شيئا، فإنها ستفعله.»
رد كينيون: «أنا لا أعتقد هذا.» وأضاف: «أرى، على العكس، أنها يمكنها أن تطلب المال ومع ذلك ترسل البرقية.» «حسنا، أنا أشك أنها ستفعل ذلك. أعتقد أن الفتاة ترى بالفعل أنها تقوم بالشيء الصحيح، وتتصور أنها قد قامت بفعل لافت بطريقة ذكية جدا. إن لم تكن تتصف بما تطلق عليه «الأمانة»، فما كانت ستبدي انفعالا شديدا كما فعلت. أعتقد أنني أبديت انفعالا مؤسفا، لا مبرر له في واقع الأمر.»
رد كينيون بحرارة: «أنا متأكد من أنك لم تفعلي شيئا من هذا. في كل الأحوال، أنا متأكد من أن كل ما فعلته كان صحيحا على نحو تام؛ وأعلم أنك كنت محقة في أي شيء قلته.» «ليتني أستطيع الاعتقاد بصحة هذا.»
قال كينيون: «أريد أن أسألك سؤالا.»
لكن لم يعرف قط ماذا كان هذا السؤال. إنه لم يطرح على الإطلاق؛ وعندما سألت إديث لونجوورث عنه بعد مدة، كان قد ذهب كلية من ذهن كينيون. اهتزت السفينة البخارية، التي كانت تتقدم بثبات عبر الماء، فجأة، كما لو أنه قد ضربها زلزال؛ وكان هناك ثلاث خبطات هائلة، كالتي تتعرض لها زلاجة عندما تصادف فجأة قطع أشجار مخبأة في الجليد. قام كل من كينيون والآنسة لونجوورث على قدميهما على الفور. وكان هناك صخب لم يكن عاليا لانطلاق البخار، وقد رأيا سحابة تصعد من وسط السفينة، التي تتدفق على ما يبدو من كل فتحة يمكنها الخروج عبرها. ثم ساد الصمت. لقد توقفت المحركات، ومالت السفينة على نحو واضح إلى جانبها الأيسر. وعندما بدأت إديث لونجوورث في إدراك الموقف، وجدت نفسها قريبة للغاية من كينيون، ورأت أنها كانت تمسك ذراعه بكلتا يديها.
صاحت بانزعاج: «ما ... ما هذا؟»
قال كينيون: «هناك مشكلة ما.» ثم أضاف: «آمل ألا تكون كبيرة. هل لك أن تنتظري هنا للحظات حتى أذهب وأرى ما الأمر؟»
ردت، محررة ذراعه: «إن هذا غباء مني، لكنني خائفة بشدة.» «ربما من الأفضل ألا تتركي بمفردك.» «أوه، لا، لقد انتهى الأمر الآن؛ لكن عندما وقعت أولى تلك الصدمات الرهيبة، بدا لي أننا قد اصطدمنا بصخرة.»
قال كينيون: «لا توجد صخور هنا.» ثم أضاف: «اليوم صاف على نحو مثالي، ومن الواضح أننا لم نخرج عن مسارنا. هناك مشكلة ما في الآلات، على ما أعتقد. فقط انتظريني للحظات، وسأكتشف الأمر.»
بينما كان يسرع كينيون باتجاه الدرج، قابل بحارا يسرع في الاتجاه الآخر.
سأل كينيون: «ما الأمر؟»
لم يرد البحار.
ولدى دخول كينيون من الباب الخاص بالدرج المؤدي لأسفل السفينة، وجد المكان مليئا بالبخار، وقابل هناك ضابطا.
سأله: «ما الأمر؟ هل هناك خطب ما؟»
كان الرد، الذي كان مقتضبا بشدة: «كيف لي أن أعرف ؟ رجاء لا تطرح أي أسئلة. كل شيء سيكون على ما يرام.»
لم يكن هذا مشجعا. وبدأ الناس يحتشدون على الدرج، وهم يسعلون ويتنفسون بصعوبة وسط البخار، وسرعان ما امتلأ السطح - الذي كان منذ لحظات خاليا تقريبا من أي شخص - بأناس منزعجين بعضهم بملابس كاملة، وأما البعض الآخر فلا. «ما الخطب؟» كان هو السؤال الذي كان يجري على كل لسان، والذي لم تكن له، بعد، إجابة. كان الضباط الذين كانوا يجرون هنا وهناك صامتين، أو كانوا يعطون ردودا قصيرة وغير مرضية على الاستفسارات التي كانت تنهال عليهم من كل حدب وصوب. لم يتوقف الناس للحظة ليفكروا أنه حتى الضابط البحري ليس منتظرا منه أن يعرف مقدما ماذا قد يكون السبب وراء التوقف المفاجئ للمحرك. وبعد مدة قصيرة، ظهر القبطان، وهو يبتسم ويتسم بالهدوء. وأخبرهم بأنه ليس هناك خطر. قال إنه قد حدثت مشكلة ما في الآلات، لم يكن بإمكانه حينها تحديدها على وجه الدقة؛ لكن لم يكن هناك أي داع للفزع، وأضاف أن كل شيء سيصبح على ما يرام في خلال وقت قصير فقط إن احتفظ الجميع بهدوئه. أسهمت هذه الكلمات، والعديد من الأكاذيب الأخرى، التي دائما ما تقال في مثل هذه المناسبات، في تهدئة مخاوف الركاب؛ وتدريجيا، غادر الواحد تلو الآخر إلى غرفته عندما عرف أن السفينة لن تغرق في الحال. كلهم ظهروا بعد بعض الوقت مرتدين الملابس المناسبة. وسرعان ما اختفى البخار الذي كان قد ملأ القاعة الرئيسية، تاركا الأثاث تعلوه الرطوبة الدافئة. وفي النهاية، دق جرس الإفطار ذو الصوت العالي كما لو أن شيئا لم يحدث، وربما أدى هذا، أكثر من أي شيء آخر، لتبديد مخاوف الركاب. إذا كان الإفطار على وشك أن يقدم، إذن، فالأمور، بالطبع، لم تكن خطيرة. ومع ذلك، فالعديد من الركاب في ذلك الصباح لم تكن لديهم شهية كبيرة لتناول الإفطار المقدم لهم. الشيء السار الوحيد، كما قال الجميع، كان أن الطقس ظل رائعا بشدة والبحر هادئا جدا. بالنسبة إلى القليلين الذين يعرفون شيئا عن كوارث البحر، فإن ميل السفينة للجانب الأيسر كان علامة شديدة الخطورة. لكن غالبية الركاب لم يلاحظوا الأمر. بعد الإفطار، صعد الركاب على السطح. وكان هناك تجنب رائع للعجلة، من جانب الضباط البحريين والبحارة على حد سواء. كانت الأوامر تعطى بهدوء وبرزانة، وتطاع بنفس الهدوء والرزانة. وكان الضباط البحريون لا يزالون موجودين على منصة القيادة، على الرغم من عدم وجود أوامر ليعطوها للرجل المسئول عن الدفة أو تدوير للمراوح الدافعة. كل هذا الغياب للعجلة كان له تأثير مهدئ جدا على الركاب، الذين كان الكثير منهم يحتاجون فقط إلى مبرر صغير للدخول في حالة خوف هيستيري. لكن مع تقدم اليوم، بدا أن شعورا عاما بالأمن كان يسيطر على كل من كان على متن السفينة. كلهم هنئوا أنفسهم على حقيقة تصرفهم على نحو مثالي في ظل الظروف المفزعة بعض الشيء التي مروا بها. ومع ذلك، أولئك الذين كانوا يراقبون تحركات القبطان رأوا أنه كان يفحص خط الأفق الطويل عبر نظارته المكبرة من آن لآخر بقلق كبير، ولاحظوا عند النظر إلى خط المستوى الطويل حيث يلتقي البحر والسماء عدم وجود أي شراع حول الدائرة الكاملة. وكان يأتي من غرفة المحرك صوت صلصلة المطارق، وكان الاعتقاد السائد هو أنه يمكن تصليح المحرك، بغض النظر عن المشكلة الموجودة فيه. كان هناك شيء واحد أكيد وهو عدم وجود أي مشكلة في أعمدة الإدارة. كانت المشكلة، أيا كانت ماهيتها، موجودة في المحرك وحده. وجد كل الركاب أنفسهم متأثرين بنحو أو بآخر بالإحساس الغريب الناتج عن توقف السفينة - الإدراك العجيب والمحير للصمت التام - بعد الصخب المستمر الذي اعتادوا عليه بشدة طوال رحلتهم. في تلك الليلة وفي وقت العشاء، أخذ القبطان مكانه على رأس الطاولة، وهو في شدة اللطف والتهذيب، وكأنه لم يحدث شيء غير عادي؛ ولاحظ الركاب، الذين كانوا في حالة من التوتر والقلق، بغض النظر عن الهدوء الخارجي البادي عليهم، ذلك مبدين مشاعر تقدير وإعجاب.
سأل أحد الركاب القبطان: «ما المشكلة؟ وما مدى الحادث؟»
نظر القبطان عبر أنحاء الطاولة الطويلة.
وقال: «لو دخلت في تفاصيل فنية، أخشى أنكم لن تفهموها. كان هناك خلل في أحد أذرع التوصيل المرتبطة بالمحرك. لقد انكسر هذا الذراع، وبانكساره، أتلف أجزاء أخرى من المحرك. أنتم بلا شك سمعتم الخبطات الثلاث الناتجة عن ذلك قبل أن يتوقف المحرك. في الوقت الراهن، من المستحيل تحديد الوقت الذي سيستغرقه إصلاح هذا الخلل. ولكن، حتى إذا كان الحادث خطيرا، فنحن في مسار السفن، ولا يوجد أي خطر.»
كان هذا مطمئنا؛ لكن هؤلاء الذين ظلوا مستيقظين تلك الليلة سمعوا الصوت المخيف للمضخات، وحفيف الأمواج في المحيط.
الفصل الثاني عشر
استيقظ معظم الركاب في صباح اليوم التالي ولديهم توجس غامض. كان لغياب أي حركة للسفينة، والصمت الشديد وغير المعتاد، تأثير محبط. لم تكن المحركات قد بدأت في العمل بعد؛ كان هذا على الأقل واضحا. كان كينيون أول من صعد على سطح السفينة. ولاحظ أن المضخات كانت لا تزال تعمل بأقصى سرعة وأن السفينة كانت لا تزال تميل على نحو غير مفهوم للجانب الأيسر. لحسن الحظ، استمر الطقس جيدا كما هو؛ فقد ظل البحر هادئا. بدأ مطر خفيف في الهطول، ولم يكن الأفق بعيدا بعدة أميال عن السفينة. وما كانت هناك من فرصة كبيرة لرؤية سفينة ركاب أخرى في حال استمرار هذا الطقس.
بعد عدة دقائق من صعود كينيون على سطح السفينة، صعدت إديث لونجوورث الدرج المؤدي للسطح. وسارت باتجاه كينيون وهي مبتسمة.
قال: «حسنا، أنت، على الأقل، لا يبدو عليك أنك تعانين من أي قلق بشأن وضعنا.»
ردت: «هذا صحيح؛ أنا لم أكن أفكر في هذا على الإطلاق، بل كنت أفكر في شيء آخر. هل تستطيع تخمين ما هو؟»
رد بتردد: «لا.» ثم أردف: «ما هو هذا الشيء؟» «هل نسيت أن هذا هو صباح يوم الأحد؟» «هل هو كذلك؟ بالطبع، إنه كذلك. بدا، لي، أن الوقت توقف عندما توقفت المحركات. لكنني لا أفهم ما أهمية صباح الأحد على وجه التحديد.» «هل صحيح أنك لا تفهم ذلك؟ حسنا، بالنسبة إلى شخص كان يفكر على مدى اليومين أو الأيام الثلاثة الماضية بشدة في موضوع واحد معين، أنا مندهشة منك. صباح الأحد ولا توجد أرض على مرمى البصر! فكر للحظة.»
تهلل وجه كينيون.
وصاح: «آه، فهمت ما تقصدين الآن! لن تظهر الرسالة الموجودة ببرقية الآنسة بروستر في طبعة هذا الصباح من صحيفة «نيويورك آرجوس».» «بالطبع، لن تظهر؛ أولا ترى، أيضا، أننا عندما نصل، ستكون لديك فرصة متساوية في السباق؟ إذا وصلنا قبل الأحد المقبل، فستصل برقيتك إلى الناس في لندن بنفس سرعة وصول رسالتها التلغرافية إلى نيويورك؛ ومن ثم لن تتعرض لخزي عرض خلاصة تقريرك في صحف لندن قبل رؤية المديرين للتقرير نفسه. إن احتمال حدوث ذلك ليس كبيرا بالتأكيد؛ لكن مع ذلك، يضعك هذا على قدم المساواة معها؛ بينما لو كنا قد وصلنا إلى كوينزتاون الليلة الماضية، لكان هذا مستحيلا.»
ضحك كينيون.
وقال: «حسنا، من أجل الوصول إلى مثل هذه النتيجة، كان علينا أن نواجه هذا الأمر المريع للغاية، أليس كذلك؟ إن هذا يشبه إلى حد ما حرق المنزل من أجل شوي الخنزير!»
بعد الساعة العاشرة بقليل، صفا الأفق وبدت من بعيد سفينة بخارية، متجهة ناحية الغرب. كان من الواضح أن السفينة تنتمي لأحد أكبر خطوط الملاحة في المحيط. وفي اللحظة التي لوحظت فيها، علق عدد من أعلام الإشارة بأعلى الصاري، واحتشد الناس على جانب السفينة لمشاهدة تأثير ذلك على السفينة القادمة. مرت دقيقة تلو الأخرى، لكن لم تكن هناك أي استجابة من السفينة الأخرى. أخذ الناس يراقبونها بقلق لاهث، كما لو أن مصيرهم كان يعتمد على ملاحظتها لأعلامهم. بالطبع، ظن الجميع أنها يجب أن تراها، لكنها ظلت تتجه ناحية الغرب. وخرجت سحابة من الدخان الأسود من مدخنتها، ثم خلفت وراءها خطا أسود طويلا، مثل ذيل مذنب، لكنها لم تلاحظ الأعلام المرفرفة الموجودة بأعلى الصاري. ولأكثر من ساعة، كانت السفينة مرئية. وبعد ذلك، أخذت تدريجيا تتلاشى في الغرب، وفي النهاية اختفت.
كان لهذه الواقعة تأثير محبط على ركاب السفينة المعطلة . وعلى الرغم من أن كل الضباط البحريين كانوا يقولون إنه لا يوجد خطر، فقد بدا أن رحيل هذه السفينة قد تركهم على نحو ما بمفردهم؛ وقد رجع الناس، بعد أن أخذوا ينظرون تجاه الغرب حتى لم يبق أي أثر للسفينة في الأفق، إلى كراسيهم على سطح السفينة، وهم يشعرون بجزع أكبر من ذي قبل.
لكن فليمنج رأى أنه إذا كان لا بد للناس أن يغرقوا، فمن الأفضل أن يغرقوا وهم فرحون بدلا من أن يكونوا حزانى، ولذا، دعا الجميع لتناول كأس من الشراب على حسابه؛ وهو عرض سخي قبله على الفور كل معتادي التردد على غرفة التدخين.
قال فليمنج، بينما كان يحتسي الكوكتيل الذي أحضر له: «فكرتي هي التالية: إذا كان لشيء أن يحدث، فدعه يحدث؛ وإذا لم يحدث شيء، فلا بأس. لا فائدة من القلق بشأن أي شيء، خاصة إذا كان شيئا لا حيلة لنا معه. نحن هنا في المحيط في سفينة معطلة! رائع جدا؛ لا يمكننا فعل أي شيء حيال ذلك، وما دامت الحانة مفتوحة، ففي صحتكم، أيها الرفاق!»
وبهذه الفلسفة المبهجة، ابتلع السياسي الأمريكي الشراب الذي دفع ثمنه.
كان لا يزال بالإمكان سماع صوت حفيف الماء المتدفق من المضخات، لكن لم تعد صلصلة الصلب على الصلب تسمع من غرفة المحرك. كان هذا في حد ذاته أمرا منذرا بالسوء لهؤلاء الذين لديهم علم بهذه الأمور. لقد كان هذا يشير إلى أن المهندس قد يئس تماما من إصلاح العطل، أيا كانت ماهيته، وأن السبب الحقيقي للكارثة لا يزال غير معلوم كما كان من البداية. وقبل الغداء بقليل، أصبح من الواضح لمن هم على متن السفينة أن شيئا على وشك الحدوث. لقد فك البحارة وثاق أحد القوارب الكبيرة، ودفعوه على المرافع حتى تدلى فوق البحر.
وتدريجيا، بدأت الشائعة تتحقق على أرض الواقع، وأصبح معلوما أن أحد الضباط البحريين وبعض البحارة على وشك عمل محاولة للوصول إلى شاطئ أيرلندا وإرسال برقية لكوينزتاون لطلب إرسال قوارب سحب لجر السفينة إلى هناك. كان القبطان لا يزال يؤكد على عدم وجود أي خطر من أي نوع، وأن السبب وراء المحاولة التي كانت على وشك البدء هو فقط الحيلولة دون حدوث تأخير كبير في ميعاد الوصول.
في حالة من الإثارة الشديدة، قالت إديث لونجوورث لجون كينيون: «هل تعرف ماذا سيفعلون؟»
كان كينيون يمشي على سطح السفينة مع ونتوورث، الذي نزل الآن لأسفل.
قال كينيون: «لقد سمعت أنهم ينوون محاولة الوصول إلى الشاطئ.» «بالضبط. والآن، لماذا لا ترسل برقية لرجالك في لندن وتجعلهم يرسلون التقريرين على الفور للمديرين؟ من المحتمل جدا أن الآنسة بروستر لن تفكر أبدا في إرسال برقيتها مع الضابط البحري الذي سيقوم بالرحلة؛ إذن، ستكون قد سبقتها بيوم كامل أو يومين كاملين، وسيكون كل شيء على ما يرام. في واقع الأمر، عندما تفهم ما حدث، لن ترسل على الأرجح رسالتها على الإطلاق.»
قال كينيون: «يا إلهي!» ثم أردف: «هذه فكرة جيدة. سأذهب للرجل على الفور، وأرى أيأخذ البرقية أم لا.»
بناء على ذلك، ذهب كينيون وتحدث إلى الرجل عن إرسال رسالة معه. قال الضابط إن أي راكب يرغب في إرسال برقية له مطلق الحرية في ذلك. وقال إنه يسره بشدة أن يكون مسئولا عن البرقيات. ذهب كينيون إلى غرفته وأخبر ونتوورث بما سيحدث. وللمرة الأولى في غضون عدة أيام، بدت بعض الحيوية على جورج ونتوورث. وذهب إلى المسئول عن سطح السفينة وأحضر الطوابع التي ستوضع على البرقية، بينما قام جورج كينيون بكتابتها.
لقد أعطيت الرسالة للضابط، الذي وضعها في جيبه الداخلي، ثم ظن كينيون أن الأمر مر بسلام. لكن إديث لونجوورث لم تكن متأكدة من هذا. كانت جيني بروستر جالسة في كرسيها على سطح السفينة تقرأ بهدوء روايتها المعتادة ذات الغلاف الورقي. كانت فيما يبدو لا تعرف شيئا عما كان يجري، وقد جلست إديث لونجوورث بجوارها، تملؤها إثارة مكبوتة، وأخذت تراقبها عن كثب، بينما كان يجري الانتهاء من الاستعدادات الخاصة بإطلاق القارب. وفجأة، ولفزع إديث، ظهر المسئول عن سطح السفينة وصاح بصوت عال : «السيدات والسادة، أي شخص يرغب في إرسال برقيات لأصدقائه لديه بضع دقائق الآن لكتابتها. الضابط سيأخذها للشاطئ معه، وسيرسلها من أول مكتب بريد يصل إليه. لا يمكن أخذ أي خطابات؛ برقيات فقط.»
نظرت الآنسة بروستر ببطء من كتابها في أثناء الجزء الأول من الخطاب. ثم وقفت فجأة على قدميها، وألقت الكتاب على سطح السفينة.
سألت الرجل: «من الذي سيأخذ البرقيات؟» «الضابط، يا آنسة. إنه يقف هناك، يا آنسة.»
سارت بسرعة إلى هذا المسئول. «هل ستأخذ برقية عاجلة من المفترض إرسالها إلى نيويورك؟»
سأل: «نعم، يا آنسة. هل هي طويلة جدا؟» «نعم، إنها طويلة جدا.»
كان الرد: «حسنا، يا آنسة، ليس لديك الكثير من الوقت لكتابتها. إننا سنغادر الآن في غضون دقائق قليلة جدا.» «إنها مكتوبة بالفعل؛ فقط علي أن أضيف إليها بضع كلمات.»
جرت الآنسة بروستر على الفور بسرعة إلى غرفتها. وسرعان ما كانت البرقية الخاصة بالمناجم أمامها وقد احتسب عدد كلماتها، وقد كانت على الطاولة العملات الفضية والذهبية التي ستكون مقابل إرسالها. وعزمت ألا تتعرض لاحتمال تأخر وصول الرسالة بجعلها ترسل إلى وكالة خاصة بتوزيع الرسائل التلغرافية. ثم كتبت بأقصى سرعة لها سردا موجزا ومعبرا بشدة للكارثة التي حلت بسفينة «كالوريك». إذا كان هذا السرد مبالغا فيه قليلا، فما كان لدى الآنسة بروستر من الوقت لتعديله. إن الوصف التصويري والدرامي هو ما كانت تطمح لتقديمه. كان قلمها يسير فوق الورق بسرعة شديدة، وكانت تنظر من حين لآخر، عبر نافذة غرفتها، لترى القارب الذي سيستخدم في محاولة الوصول إلى الشاطئ الأيرلندي وهو يتدلى من الحبال. وحيث إنها كانت تستطيع رؤية كيف كانت تتقدم الاستعدادات للرحيل، فقد تباطأت أكثر مما كانت ستفعل لو كان الأمر غير ذلك، وأخذت تضيف السطر تلو السطر إلى الرسالة التي تسرد قصة الكارثة. وفي النهاية، رأت الرجال يأخذون مواقعهم في القارب الطويل. عدت بسرعة الكلمات في الرسالة الجديدة التي كتبتها، وأخرجت بسرعة من حقيبتها العملات الذهبية المطلوبة لإتمام إرسالها. ثم وضعت الرسالتين في ظرف وأغلقته، وجمعت كومتي العملات الذهبية في كومة واحدة بعد أن عدتهما ثانية بسرعة، ثم ألقت نظرة سريعة على القارب الذي كان لا يزال بلا حراك، وأمسكت بالعملات الذهبية في يد، والظرف باليد الأخرى، ووقفت على قدميها، ولكن ما إن قامت بهذا، حتى أطلقت صرخة قوية وتراجعت خطوة للوراء.
كانت إديث لونجوورث تقف وظهرها للباب. عندما دخلت الغرفة، لم تكن الآنسة بروستر تعرف أنها فعلت، لكن قلب الأخيرة دق بسرعة عندما رأى الفتاة واقفة في صمت هناك، كما لو أنها قد طلعت من تحت الأرض.
سألتها: «ما الذي تفعلينه هنا؟»
قالت الآنسة لونجوورث: «أنا هنا لأنني أرغب في الحديث معك.» «أفسحي الطريق؛ ليس لدي الوقت الكافي الآن للحديث معك. لقد أخبرتك أنني لا أريد أن أراك ثانية. لقد قلت لك أفسحي الطريق.» «أنا لن أفسح الطريق.» «ماذا تقصدين؟» «أقصد أنني لن أفسح الطريق.» «إذن سأدق الجرس وأجعلهم يطردونك من هنا لوقاحتك.»
قالت إديث بهدوء، واضعة يدها على اللوحة الخزفية البيضاء التي يوجد في وسطها زر الكهرباء الأسود: «أنت لن تدقي الجرس.» «هل تريدين أن تقولي لي إنك تنوين منعي من مغادرة غرفتي؟» «أريد أن أقول لك هذا بالضبط.» «هل تعرفين أنك يمكن أن تحبسي لمحاولتك القيام بمثل هذا الشيء؟» «أنا لا يهمني هذا.» «أفسحي الطريق، أيتها الوضيعة، وإلا سأضربك!» «أريني ماذا ستفعلين.»
للحظات، وقفت الفتاتان هناك، الأولى غاضبة ومهتاجة، والثانية تبدو هادئة وظهرها قبالة الباب ويدها موضوعة على الزر الكهربي. أوضحت نظرة عبر النافذة للآنسة بروستر أن الضابط قد صعد على متن القارب وأنهم قد بدءوا ينزلون القارب بثبات. «دعيني أمر، أيتها ... أيتها الحقيرة!»
ردت إديث لونجوورث، التي كانت تنظر أيضا إلى القارب وهو يتأرجح في الهواء: «حين يحين الوقت المناسب.»
رأت جيني بروستر على الفور أنها إذا تشابكت بالأيدي مع الفتاة الإنجليزية، فلن تكون لديها أي فرصة للتغلب عليها، حيث إنها من كل الوجوه أقوى منها بدنيا. كان في إحدى يديها الظرف وفي الأخرى العملات الذهبية. وضعت الاثنين في جيبها الذي وجدته بعد بعض التحسس. ثم رفعت صوتها مطلقة واحدة من أقوى الصرخات التي سمعتها إديث لونجوورث في حياتها. وكما لو كان ردا لهذا الصوت الذي يصم الآذان، جاء من السفينة صوت هتاف عال ومدو. نظرت الفتاتان لرؤية مكان القارب، لكنه لم يكن مرئيا. كان العديد من الحبال متدليا أمام النافذة. صعدت الآنسة بروستر على الأريكة، وبيديها الصغيرتين أدارت المسمار الذي كان يبقي النافذة مغلقة.
نظرت إديث لونجوورث إليها دون القيام بأي محاولة لمنعها من فتح النافذة.
فتحت جيني بروستر الدائرة النحاسية الثقيلة التي كانت تبقي الزجاج الأخضر الثقيل في مكانه، ومرة أخرى، أخذت تصرخ بأعلى صوت لديها، وتصيح: «النجدة!» و«محاولة قتل!»
لم تتحرك الأخرى من مكانها. وفي مدة الصمت التالية، كان يمكن سماع طرطشة المياه المنتظمة الناتجة عن حركة المجاديف، ومرة أخرى صدر هتاف عال من هؤلاء الذين تركوا على متن السفينة المتوقفة. رفعت إديث لونجوورث نفسها بالوقوف على أطراف أصابعها ونظرت عبر النافذة المفتوحة. وعند قمة موجة، على بعد خمسمائة ياردة من السفينة، رأت القارب وقد ظهر للحظات، وبان منه البريق الأبيض لمجاديفه الستة الغائصة في الماء؛ ثم اختفى القارب في الجانب الآخر للموجة في عمق الماء.
قالت: «والآن، آنسة بروستر، يمكنك الذهاب.»
الفصل الثالث عشر
دخلت جيني بروستر، بعد أن تركتها إديث لونجوورث، في نوبة هيستيرية قصيرة. لكن تعقلها سرعان ما أنقذها؛ وعندما أصبحت أكثر هدوءا، بدأت تسأل نفسها لماذا لم تهاجم الفتاة التي جرؤت على حبسها. لقد تذكرت بالكاد أنها قد فكرت في القيام بهجوم شديد في ذلك الوقت، وتذكرت أيضا أن خوفها من مغادرة القارب أثناء المشاجرة قد منعها من القيام بها. ولكنها الآن، وبعد أن غادر القارب، ندمت بشدة على سلبيتها، وحزنت دون جدوى على حقيقة أنها توقفت لكتابة القصة الخاصة بالكارثة التي حاقت بسفينة «كالوريك». ولو لم تكن قد فعلت هذا، لسار كل شيء على ما يرام، لكن طموحها الكبير كي تعد أفضل صحفية في نيويورك وكي تثبت لمدير التحرير أن بإمكانها مواجهة أي طارئ قد يظهر، دمرها. وبينما كان بإمكانها إرسال البرقية الأولى، فقد أدت رغبتها في كتابة البرقية الثانية إلى عدم إرسال أي شيء على الإطلاق. وعلى الرغم من أنها انتقدت سلوكها بلغة ما كان لأحد أن يتوقع سماعها من ابنة مليونير، فإن غضبها تجاه إديث لونجوورث أصبح أكبر، وتملكت من المراسلة الشقراء رغبة عنيفة في الانتقام. وعزمت على الصعود إلى سطح السفينة وفضح تلك الفتاة أمام الجميع. كانت ستجذب انتباه الركاب للأمر بدفع إديث لونجوورث من كرسيها على السطح، وفي حالتها المزاجية الحالية، لم يكن لديها أدنى شك في قدرتها على فعل ذلك. وضعت الصحفية القبعة على رأسها وغادرت إلى السطح، وهي تتطلع لانتقام عنيف وقوي. ومرت بأعلى أحد الجانبين ثم نزلت للآخر، لكن ضحيتها المنتظرة لم تكن موجودة. زاد غضب الآنسة بروستر عندما لم تجد ضحيتها حيث توقعت وجودها. وكانت تخشى أن يسيطر عليها توجه مختلف، عندما تهدأ، ويذهب انتقامها أدراج الرياح. وأثناء سيرها جيئة وذهابا بطول السطح، قابلت كينيون وفليمنج وهما يسيران معا. كان فليمنج قد لحق لتوه بكينيون، الذي كان يذرع بهدوء السطح بمفرده، وضربه برفق على كتفه طالبا منه أن يشرب كأسا معه.
وقال: «يبدو لي أنني لم أحظ قط بمتعة عرض كأس من الشراب عليك منذ أن صعدنا على متن هذه السفينة. أريد أن أشرب مع الجميع هنا، وخاصة الآن، عندما حدث شيء جعل ذلك أمرا جديرا بالاهتمام.»
قال جون كينيون ببرود: «أنا ممتن لك بشدة، لكنني لا أشرب الخمر أبدا.» «عجبا، لا تمسها على الإطلاق؟ ولا حتى الجعة؟» «ولا حتى الجعة.» «حسنا، أنا مندهش لسماع ذلك. ظننت أن أي رجل إنجليزي يشرب الجعة.» «هناك على الأقل رجل إنجليزي واحد لا يفعل هذا.» «لا بأس، إذن؛ أرجو ألا أكون قد تسببت في أي إساءة أو ضرر. لكن يحق لي أن أقول لك إنك يفوتك الكثير من المرح في هذا العالم.» «أعتقد أنني يفوتني القليل من حالات الشعور بالصداع أيضا.» «أوه، ليس بالضرورة. لدي وصفة رائعة لعدم الإصابة بالصداع. كما ترى، هذه هي فلسفة تجنب الصداع.» وهنا، ولخيبة أمل جون، شبك الرجل ذراعه بذراع جون وغير من سرعة خطوته لتتناسب مع تلك الخاصة بجون، وأخذ يتحدث طوال الوقت كما لو كانا أكثر صديقين حميمين في العالم. وأردف قائلا: «لدي خطة فعالة لتجنب الصداع. كما ترى، عندما تفكر في الأمر، فستجده كالتالي: يأتي الصداع فقط عندما تكون غير ثمل. رائع جدا، إذن. إن هذا بسيط للغاية. لا تفق أبدا؛ هذه هي خطتي. إنني ببساطة أستمر في تناول الشراب، ولا أفيق أبدا، ومن ثم لا أصاب بالصداع أبدا. إذا كان هؤلاء الذين يسكرون يتجنبون الضرورة غير السارة المتمثلة في ألا يفيقوا، فسيصبح حالهم على ما يرام. ألا تفهم ما أقصد؟» «وماذا عن عقولهم في تلك الأثناء؟» «أوه، عقولهم تكون في خير حال. الشراب الجيد يشحذ عقل المرء على نحو رائع. والآن، فلتجرب هذا الأمر لبعض الوقت. أتسمح لي أن أدعهم يمزجوا لك كوكتيلا؟ دعني أخبرك، يا جون، أن الكوكتيل يعد واحدا من أفضل المشروبات التي صنعت على الإطلاق، وهذا الرجل القائم على الحانة - عندما جئت على متن هذه السفينة، كان يظن أنه يمكنه عمل كوكتيل، لكنه حتى كان لا يعرف الأساسيات - لقد علمته كيف يصنعه؛ ودعني أخبرك أن هذا السر سيكون بمنزلة كنز له؛ لأنه إذا كان الأمريكيون يحبون شيئا، فإنه أن تمزج مشروبات الكوكتيل الخاصة بهم على نحو صحيح. لا يوجد رجل في إنجلترا بأسرها يمكنه فعل ذلك، ويوجد عدد قليل جدا من الرجال على متن الخطوط البحرية الأطلنطية الذين يمكنهم ذلك. لكنني أعلمهم بالتدريج. لقد شرحت هذا ست مرات. إنهم يدعون أنهم يعطونكم في إنجلترا مشروبات أمريكية، لكن لا بد أنك تعرف كيف أنها لا ترقى إلى المستوى المطلوب.» «أنا متأكد أنني لن أعرف هذا؛ لأنني لم أتذوق أيا منها.» «آه، صحيح؛ لقد نسيت هذا. حسنا، لقد دربت رجل الحانة هذا، وهو يعرف الآن كيف يصنع كوكتيلا جيدا على نحو معقول؛ وكما قلت، فإن هذا السر سيجلب له الكثير من المال من الركاب الأمريكيين.»
كان جون كينيون يفكر في حل لمشكلة التخلص من هذا الشخص الثرثار والكريم، عندما رأى الآنسة جيني بروستر الأنيقة تقترب منهما؛ وتساءل في نفسه عن سبب نظرة الحنق المرير التي كانت بادية في عينيها. ظن أنها كانت تنوي الحديث مع السياسي الأمريكي، لكنه كان مخطئا. لقد أتت إليه مباشرة، وقالت في نبرة ثائرة، تنم عن غضب شديد: «حسنا، يا جون كينيون، ما رأيك في صنيعك؟»
سأل الرجل المتحير: «أي صنيع؟» «أنت تعرف جيدا أي صنيع أقصد. يا لك من رجل بارع! إنك لم تكن لديك الشجاعة الكافية لمنعي من إرسال تلك البرقية، لذا فقد حرضت صديقتك على الذهاب لغرفتي ومنعي بوقاحة من إرسالها.»
إن النظرة الخالية من التعبير التي تنم عن اندهاش تام والتي كانت بادية على وجه جون كينيون الصادق كانت ستقنع أي امرأة حكيمة بأنه لا يعرف أي شيء على الإطلاق عما تتحدث عنه. تولد بالفعل انطباع مضجر بهذا في عقل تلك الفتاة الغاضب. لكن قبل أن تستطيع التحدث، قال فليمنج: «لا، لا، يا فتاتي العزيزة! إنك تتحدثين بصوت عال للغاية. هل تريدين جذب انتباه كل من على سطح السفينة؟ يجب ألا تصنعي فضيحة بهذه الطريقة على متن السفينة.»
صرخت قائلة: «فضيحة! سرعان ما سترى أتكون هناك فضيحة أم لا. جذب انتباه كل من على سطح السفينة! هذا على وجه التحديد ما سأفعله، حتى أكشف عن دناءة هذا الرجل الذي تتحدث إليه. إنه كان مدبر الأمر، وهو يعرف ذلك. إنها ليس لديها قط من الذكاء ما يمكنها من التفكير فيه. لقد كان شديد الجبن بحيث لا يمكنه أن يفعلها بنفسه؛ ولذا، حرضها على تنفيذ تدبيره الخسيس.»
قال فليمنج: «حسنا، حسنا، حتى لو فعل كل هذا، أيا ما كان، فلا فائدة من جذب الانتباه إليه هنا على سطح السفينة. انظري كيف أن الجميع يستمعون لما تقولين. فتاتي العزيزة، أنت غاضبة بشدة ولا تستطيعين أن تتحدثي الآن؛ لذا، فإن أفضل شيء يمكنك فعله هو أن تذهبي إلى غرفتك.»
ردت، مهاجمة إياه بغضب: «من طلب منك أن تتدخل؟ أرجو أن تهتم بشأنك، وتدعني أهتم بشأني. كنت أعتقد أنك لا بد اكتشفت قبل ذلك أن بإمكاني تدبر شئوني.»
رد السياسي محاولا تهدئتها: «بالتأكيد، بالتأكيد، يا عزيزتي، أنا آسف أنني لا أستطيع دعوتكما لتناول كأس معي والتحدث بشأن هذا الأمر بهدوء. هذه هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع الأمور، وليس الوقوف هنا للتعنيف على سطح السفينة، والكل يستمع إليكما. والآن، إذا كنت ستتناقشين بهدوء حول هذا الأمر مع جون هنا، فأنا متأكد أن كل شيء سيكون على ما يرام.»
ردت الفتاة: «أنت لا تعرف ما تتحدث بشأنه. هل تعرف أنه كانت لدي رسالة مهمة كان علي إرسالها لصحيفة «آرجوس» وقد جاءت صديقة هذا الرجل، بالطبع بتحريض منه، إلى غرفتي ومنعتني فعليا من الخروج منها حتى غادر القارب؛ وذلك حتى لا يمكنني إرسال الرسالة؟ فكر في دناءة ذلك الفعل وخسته، ثم تحدث معي عن التحدث على نحو عاصف!»
أقنع تعبير الاندهاش البادي على وجه كينيون الصحفية، أكثر مما كانت ستفعل تأكيداته بأنه لا يعرف أي شيء على الإطلاق عن هذا الفعل الطائش.
سألها فليمنج: «ومن منعك من الخروج من غرفتك؟»
ردت بحدة: «هذا ليس من شأنك.»
قال كينيون في النهاية: «أرجو أن تصدقي أنني ليس لدي أي علم على الإطلاق بكل هذا؛ لذا، كما ترين، ليس هناك فائدة من الحديث معي بشأنه. أنا لن أتظاهر بأنني آسف؛ لأنني لست كذلك.»
أدى هذا إلى اشتعال الموقف أكثر، وكانت على وشك الحديث بحدة مرة أخرى، عندما تركها هي وفليمنج في مواجهة بعضهما بعضا، مبتعدا عنهما بطريقة سريعة ومفاجئة. ثم استدارت الفتاة ورحلت بسرعة، تاركة السياسي المندهش بمفرده، بحيث لم يكن أمامه ما يمكنه فعله سوى أن يذهب إلى غرفة التدخين وأن يطلب من شخص آخر أن يشرب كأسا معه، وهو ما فعله على الفور.
ذهبت الآنسة بروستر إلى غرفة القبطان وطرقت الباب. وعندما سمح لها بالدخول، وجدت الرجل جالسا على طاولته وأمامه بعض الخرائط وعلى وجهه نظرة منهكة قد تنذر بأن هذا لم يكن الوقت المناسب للحديث بشأن أي شكاوى شخصية.
قال باختصار عندما دخلت: «ما الأمر؟»
قالت: «لقد جئت إليك، يا قبطان، لأن شيئا فظيعا قد حدث على متن هذه السفينة، وأنا أرغب في الإنصاف. والأكثر من ذلك، أنني سأحصل عليه!»
سألها القبطان: «ما هو «الشيء الفظيع»؟» «كانت هناك رسالتان كان علي إرسالهما إلى نيويورك إلى صحيفة «نيويورك آرجوس» التي أنا من ضمن طاقمها.»
قال القبطان باهتمام: «نعم، وهل كانت هاتان الرسالتان متعلقتين بما حدث على السفينة؟» «إحداهما متعلقة بما حدث، أما الأخرى، فلا.»
قال القبطان: «حسنا، آمل ألا تكوني قد قدمت عرضا مبالغا فيه للوضع الذي نحن فيه.» «أنا لم أقدم أي عرض على الإطلاق، ببساطة لأنني منعت من إرسال الرسالتين.»
قال القبطان، وقد بدت على وجهه نظرة ارتياح، رغم محاولاته إخفاءها: «آه، حقا، ولكن ما الذي منعك من إرسال رسالتيك؟ كان الضابط سيأخذ معه أي رسائل تعطى له.»
قالت السيدة الشابة: «أعرف هذا، لكن عندما كنت في غرفتي أكتب آخر الرسالتين، جاء شخص من ركاب هذه السفينة - الآنسة لونجوورث - إلى غرفتي وحبسني هناك حتى غادر القارب السفينة.»
انعقد حاجبا القبطان من الدهشة.
وقال: «سيدتي العزيزة، هذا اتهام خطير جدا من جانبك. لقد سافرت الآنسة لونجوورث عدة مرات معي، ويمكنني القول إنني لم أصادف قط على متن سفينتي سيدة شابة أكثر أدبا منها.»
قالت الصحفية بغضب: «يا لها من سيدة مؤدبة بشدة! لقد وقفت أمام بابي ومنعتني من الخروج. لقد صرخت طلبا للعون، لكن صرخاتي لم يسمعها أحد وسط هتاف الركاب عندما غادر القارب.» «لماذا لم ترني الجرس؟» «لم أستطع رن جرسي لأنها منعتني من فعل ذلك. بالإضافة إلى ذلك، إن كنت قد استطعت الوصول إليه، فمن غير المحتمل أن أحدا كان سيسمعه؛ إذ بدا أن الجميع كان يصرخ بصوت عال بينما كان القارب يغادر.» «لا يمكنك أن تلوميهم على ذلك. تعتمد الكثير من الأمور على سلامة هذا القارب . في الحقيقة، إذا فكرت في الأمر، فستجدين أن أيا كانت الشكوى التي قد تكون لديك، فإنها، في النهاية، شيء تافه جدا مقارنة بالحمل الذي يقع على كتفي الآن، وأنا أفضل ألا يكون لي أي علاقة بالخلافات التي بين الركاب حتى نخرج من مأزقنا الحالي.» «المأزق ليس له أي علاقة على الإطلاق بهذا الأمر. أنا أخبرك بحقيقة. أنا أخبرك بأن أحد ركابك جاء وحبسني في غرفتي. وأنا آتية إليك من أجل أن تنصفني. والآن، يجب أن يكون هناك قانون ما على متن السفينة يحل محل القانون العادي على الأرض. أنا أقدم هذا الطلب رسميا لك. إذا لم تستمع لي ورفضت أن تنصفني في شكواي، إذن، فيمكنني أن ألجأ إلى الرأي العام عبر صحيفتي، وربما ستكون هناك أيضا فرصة للحصول على العدالة عبر قانون الأرض التي أنا ذاهبة إليها.»
قال القبطان بهدوء: «سيدتي العزيزة، يجب ألا تهدديني. أنا لست معتادا على أن يتحدث معي أحد بتلك النبرة التي أخذت على نفسك استخدامها. والآن، أخبريني ما الذي تريدين مني أن أفعل.» «أنت من سيقول ماذا سيفعل. أنا راكبة على متن هذه السفينة، ومن المفترض أن أكون تحت حماية قبطانها. أنا أخبرك بأنني قد حبست قسرا في غرفتي، وأطلب أن يعاقب الشخص الذي قام بهذا.» «تقولين إن الآنسة لونجوورث هي الشخص الذي قام بهذا؟» «نعم، هذا ما أقوله.» «والآن، هل تدركين أنك توجهين اتهاما خطيرا لتلك السيدة الشابة؛ وهو اتهام أجده صعب التصديق على نحو ملحوظ؟ هل لي أن أسألك عن السبب وراء اضطرارها إلى فعل ما تقولين إنها قد فعلته؟» «إنها قصة طويلة. وأنا على أتم الاستعداد كي أوضح لك أنها حاولت رشوتي حتى لا أرسل إحدى الرسالتين، وعندما لم تنجح في ذلك، حبستني قسرا في غرفتي؛ حتى لا أتمكن من إرسال تلك الرسالة.»
فكر القبطان فيما قيل له. «ألديك أي دليل على هذه التهمة؟» «إثبات! ماذا تقصد؟ أتشك في كلامي؟» «أنا أقصد تماما ما أقول. هل لديك أي شخص يمكنه إثبات الاتهام الشديد الخطورة الذي توجهينه لها؟» «بالتأكيد لا. ليس لدي دليل. إذا كان هناك شاهد، ما كان الأمر سيحدث. إن كان بإمكاني طلب المساعدة، ما كان هذا سيقع. كيف لي أن أمتلك أي دليل على مثل هذا الانتهاك؟» «إذن، ألا ترين أنه من المستحيل بالنسبة إلي أن أتخذ إجراء فيما يتعلق بكلامك الذي ليس عليه دليل؟ ألا ترين أن الآنسة لونجوورث ستطلب منك تقديم دليل على ما قلته، إذا ما اتخذت خطوات أخرى في هذه المسألة الغريبة؟ وإذا أنكرت قيامها بما قلت إنها قد قامت به، وفشلت في إثبات ادعائك، فيبدو لي أنك ستكونين في موقف صعب للغاية. إنك ستكونين معرضة للمقاضاة بتهمة التشهير. فكري في الأمر بهدوء لبقية اليوم قبل أن تتخذي أي إجراء آخر بشأنه، وأنصحك بشدة بألا تذكري هذا الأمر لأي شخص على متن السفينة. ثم غدا، إذا كنت لا تزالين على رأيك، فتعالي إلي.»
على إثر هذا، تركت السيدة الشابة غرفة القبطان وقابلت فليمنج بالخارج الذي قال لها: «آنسة بروستر، أريد أن أتحدث إليك. لقد كنت فظة جدا معي قبل قليل.» «سيد فليمنج، أنا لا أريد أن أتحدث معك.» «أوه، لا بأس ... لا بأس؛ لكن دعيني أخبرك بالآتي: إنك شابة ذكية للغاية، وقد تسببت في أذيتي بشدة مرة أو مرتين في حياتك. وقد عرفت كل شيء عن هذا الأمر، وهو يعد من أطرف الأشياء التي سمعت بها.»
قالت السيدة الشابة بحدة: «طريف للغاية، أليس كذلك؟» «بالطبع، إنه طريف للغاية؛ لكن عندما يظهر بالتفصيل في الصحف المنافسة لصحيفة «آرجوس»، ربما لن تلاحظي مدى طرافته؛ رغم أن الجميع غيرك في نيويورك سيفعل، وهذه إحدى سبل العزاء.» «ماذا تقصد؟» «أقصد أن أقول يا جيني بروستر إن عليك أن تنسي هذا الأمر إلا إذا أردت أن تبدي حمقاء. لا تدعي أحدا، بحق السماء، يعرف أنك عوملت بالطريقة التي عوملت بها على يد فتاة إنجليزية. خذي بنصيحتي ولا تتحدثي عن هذا الأمر مرة أخرى.» «وما شأنك بهذا الأمر؟» «لا شأن لي به على الإطلاق؛ وهذا هو سبب تدخلي فيه. ألا تعرفيني بالقدر الكافي بحيث تدركين أن لا شيء يسعدني في هذه الدنيا أكثر من تدخلي في شئون الآخرين؟ لقد عرفت كل شيء عن الفتاة التي حبستك، ويا له من فعل شديد الشجاعة ذلك الذي قامت به. لقد رأيت تلك الفتاة على سطح السفينة، وأعجبت بسمتها العام. لقد أعجبت بطريقة مشيها. واستقلاليتها تروق لي. إنها فتاة لن تسبب لأي رجل أي مشكلة إن كان سعيد الحظ بالقدر الكافي واستطاع اكتساب ثقتها. وأنا لست على استعداد لأن أرى هذه الفتاة تتعرض لأي مشكلة على يديك، أتدركين هذا؟!» «وهل لي أن أسأل كيف ستمنع ذلك؟» «هل لك أن تسألي؟ بالطبع، لك هذا. سأخبرك كيف سأمنع هذا. ببساطة بمنعك عن فعل أي شيء آخر في هذا الأمر.» «إذا كنت تعتقد أن بإمكانك فعل هذا، فأنت مخطئ بشدة. أنا سأجعل تلك الفتاة توضع في السجن، إذا كان هناك قانون على الأرض.» «حسنا، أولا: نحن لسنا على الأرض؛ وثانيا: أنت لن تفعلي شيئا من هذا القبيل لأنك إن فعلت، فسوف أذهب إلى مراسلي لندن التابعين لصحف نيويورك الأخرى وأفصح لهم عن قصتك اللعينة كاملة. سأخبرهم كيف أن الآنسة دولي ديمبل الذكية والجميلة، التي خدعت العديد من الأشخاص في حياتها، قد حبست في غرفتها؛ وسأحكي لهم كيف حدث هذا. وسيكونون سعداء للحصول على هذه القصة، كوني واثقة من هذا! سيكون هذا موضوعا مثيرا جدا للقراءة في الصحف المنافسة لصحيفتك في نيويورك في صباح أحد أيام الأحد الرائعة؛ وسيظهر في عمود ونصف، على ما أعتقد. ألن يكون هناك بعض الجدال في صحيفة «آرجوس» عندما يظهر هذا؟! إنه لن يكون بسبب عدم إرسالك للرسالة التي كان من المفترض أن ترسليها، ولكن بسبب غبائك الشديد في نشر هذه القصة وجعل الصحف الأخرى تستغلها. إن أفضل شيء يمكنك فعله - وهو الشيء الوحيد الذي عليك فعله - هو أن تتكتمي قدر الاستطاعة على الأمر. أنا مندهش من أن فتاة ذكية مثلك، يا دولي، تحدث جدلا كبيرا كهذا، عندما يجب أن تكون أول من تحاول إبقاءه سرا.»
فكرت المراسلة الصحفية في هذه الكلمات. «وإذا تكتمت على الأمر، فهل ستفعل أنت الشيء نفسه؟» «بالتأكيد؛ لكن يجب أن تتذكري أنك إن حاولت يوما القيام بإحدى حيلك للحصول على معلومات مني ثانية، فستخرج تلك القصة بالكامل للنور. لا تنسي ذلك.»
قالت الآنسة جيني بروستر: «لن أفعل.»
وفي صباح اليوم التالي، بينما كان القبطان ينتظر بقلق مجيئها إلى غرفته، لم تأت.
الفصل الرابع عشر
في النهاية، يجب الاعتراف بأن جورج ونتوورث كان رجلا ذا شخصية متقلبة بعض الشيء. على مدى آخر يومين أو ثلاثة أيام، كان مكتئبا بشدة مثل رجل يفكر في الانتحار؛ أما الآن، فبينما الجميع حوله كانوا يتساءلون بقلق عما سيحدث للسفينة، صار هو فجأة أكثر الأشخاص تهللا على متن السفينة. أن يكون المرء متقلب المزاج ومضطربا في حالة الخطر الوشيك، فهذا أمر ليس مفاجئا على الإطلاق؛ لكن أن يتهلل المرء فجأة ويدخل في حالة عامة من الابتهاج بعد أن كان يعيش في حالة من الحزن والاكتئاب، فهذا شيء غير معتاد. ظن الناس أنها لا بد أن تكون حالة من الاضطراب العقلي. لقد راقبوا الشاب باهتمام بينما كان يمشي بخطى نشيطة هنا وهناك على سطح السفينة. بين الحين والآخر، كانت ابتسامة مضيئة تنير وجهه، ثم كان يبدو أنه يشعر بالخجل من ملاحظة الناس لشعوره بالفرح الشديد. وعندما يكون بمفرده، كان لديه عادة ضرب فخذه بقوة والانفجار في ضحك طويل ومنخفض النبرة، وليس عالي النبرة وصاخبا. لم يكن أحد أكثر اندهاشا من هذا التغيير من السياسي فليمنج. لقد قابله جورج على سطح السفينة، ولدهشة هذا الرجل الكريم، ضربه برفق على ظهره وقال: «سيدي العزيز، عندما تحدثت إلي قبل بضعة أيام، أخشى أنني رددت عليك ببعض الغلظة. أرجو منك المعذرة. تعال وتناول معي كأسا.»
قال فليمنج بمرح: «أوه، لا عليك، كلنا نمر بحالات حزن قليلة بين الحين والآخر. أنا نفسي أمر بها، عندما يكون الشراب سيئا أو قليلا! قد لا تصدق هذا، لكنني أشعر في بعض الأيام بعدم السعادة. صحيح أن لدي وصفة لرفع المعنويات ثانية، دائما ما أستخدمها. وهذا يذكرني بما قاله حاكم نورث كارولينا لحاكم ساوث كارولينا، هل تتذكره؟»
قال ونتوورث: «أنا بالطبع لا أعرف؛ فكما ترى، أنا لست على دراية كبيرة بعالم السياسة في الولايات المتحدة.» «حسنا، ليس للسياسة علاقة كبيرة بهذه الملاحظة. لقد قال فقط: «إنه لوقت طويل بين كل كأس والأخرى.» فتعال وتناول شيئا معي. يبدو لي أنك لم تشرب شيئا في صحبتي منذ بداية الرحلة.»
قال ونتوورث: «أعتقد أن هذه مقولة صحيحة. دعنا نعدلها في أسرع وقت ممكن، فقط في هذه الحالة، دعني أدفع ثمن الكئوس. أنا أدعوك للشرب معي.»
قال فليمنج: «أبدا، أبدا! ليس بينما أنا هنا. سيكون هذا على حسابي، ومن الغريب أن يقضي شخص أسبوعا مع شخص آخر دون أن يعرفه. في الواقع، كما ترى، أنا لم أعرفك حتى الآن.»
وهكذا، ذهب الرجلان الكريمان إلى غرفة التدخين ورنا الجرس الإلكتروني.
لكن سعادة جورج ونتوورث كانت تبدو في أبهى صورها في غرفته. كان يمسك بجون كينيون من كتفه ويهز هذا الرجل الرزين، الذي كانت تبدو على وجهه بوجه عام ابتسامة جادة جدا عندما كان يلاحظ السعادة الشديدة لرفيقه.
صاح ونتوورث: «جون، لماذا لا تضحك؟»
رد رفيقه: «حسنا، يبدو لي أنك تضحك بالقدر الكافي لنا نحن الاثنين. من الضروري أن يكون أحد عضوي الشركة رزينا وجادا. أنا أحاول الحفاظ على التوسط على نحو صحيح. عندما كنت تمر بحالة اكتئاب شديد، كان علي أن أبدو مبتهجا لنا نحن الاثنين. والآن حيث إنك مبتهج بشدة، فأنا ألتزم حالة الكآبة، لأحصل على بعض الراحة بعد محاولاتي الحثيثة لأن أبدو مبتهجا.» «حسنا، يا جون، يبدو لي أن ما حدث كان رائعا لدرجة أنه لا يكاد يصدق. يا لها من فتاة شجاعة بحيث تقوم بهذا الأمر! من أدراها أن الوضيعة الشابة لم يكن معها مسدس وقد تطلق الرصاص عليها منه؟» «أعتقد أنها لم تفكر في هذا على الإطلاق .» «هل رأيتها منذ هذا الحدث المثير؟» «رأيت من؟ الآنسة بروستر؟» «لا، لا؛ أقصد الآنسة لونجوورث.» «لا، إنها لم تظهر بعد. أعتقد أنها تخاف أن تتعرض لموقف محرج، وهي تسعى لتجنبه.»
قال ونتوورث: «هذا هو الوضع على الأرجح.» ثم أضاف: «حسنا، إذا رأيتها، يمكن أن تخبرها أنه لا يوجد أي خطر. تحدث صديقي المرح، فليمنج، مع تلك الصحفية، هكذا قال لي، والطريقة التي وصف بها كيف سار الأمر رائعة على نحو كبير. لقد هددها بأن يفصح عن قصة حبسها من قبل فتاة إنجليزية لصحف نيويورك الأخرى، ويبدو أن الشيء الوحيد في هذا العالم الذي تخشاه الآنسة بروستر هو الصحف المنافسة. لذا، وعدت بألا تتحدث على الإطلاق مرة أخرى عن تلك الحادثة.» «إذن، أنت تتحدث مع فليمنج؟» «بالتأكيد؛ كما أنه شخص طيب ومرح. أنا أفعل ما هو أكثر من الحديث معه؛ أنا أشرب معه.» «ومع ذلك، منذ يوم أو يومين، على ما أعتقد، كنت تهدد بأنك ستضربه.» «منذ يوم أو يومين، يا جون! كان هذا منذ دهور. ولم يكن منذ يوم أو يومين. لقد كان منذ عدة سنين أو قرون، كما يبدو لي. لقد كنت حينها رجلا عجوزا؛ أما الآن، فقد عدت شابا مرة أخرى، وكل هذا بفضل الفعل الشجاع الذي قامت به فتاتك التي تشبه الملائكة.»
قال كينيون بجدية: «إنها ليست فتاتي؛ أتمنى أن تكون كذلك.» «حسنا، ابتهج. كل شيء سيصبح على ما يرام؛ كما ترى، إن هذا يحدث دائما. لا يوجد أسوأ من هذا الأمر المتعلق بالرسالة منذ بضعة أيام، وانظر كيف اختلف الأمر الآن على نحو رائع.»
لم يقل كينيون شيئا. لم يرد مناقشة الأمر حتى مع أفضل أصدقائه. صعد الاثنان معا على السطح، وقاما ببعض الانعطافات بطوله، وكانت عينا كينيون أثناء مشيه موجهتين تجاه الجالسين على كراسي السطح، لكنه لم ير الشخص الذي كان يبحث عنه. ترك كينيون صديقه ليستمر في مشيه بمفرده، بعد أن أخبره بأنه سيذهب لأسفل للحظات، وعندما وصل إلى القاعة الرئيسية، تحدث إلى إحدى الخادمات. «هل تعرفين إن كانت الآنسة لونجوورث في غرفتها أم لا؟»
كان الرد: «نعم، يا سيدي، أعتقد أنها هناك.» «هل لك أن تعطي لها هذه الرسالة؟»
جلس جون منتظرا الرد. لم يأت الرد في يد الخادمة. بل جاءت إديث نفسها وراحت تنظر بوجل عبر القاعة، وعندما رأت كينيون بمفرده، دخلتها. وهب هو واقفا ليقابلها.
قال: «خشيت أن تكوني مريضة.»
ردت: «لا، أنا لست مريضة، ولكني كنت على وشك ذلك.» وأضافت: «أوه، يا سيد كينيون، لقد قمت بأفظع شيء في العالم! أنت لا تستطيع تخيل كم كنت جريئة وشريرة!» وهنا بدأت الدموع تتجمع في عينيها.
مد كينيون يده إليها، وأخذتها.
قالت: «أخشى المكوث معك هنا، خوفا من ...»
قال كينيون: «أوه، لقد عرفت كل شيء عن الأمر.» «أنت لا يمكن أن تكون قد عرفت بالأمر؛ أنت بالطبع لا تعرف ما فعلت، أليس كذلك؟» «بلى، أنا أعرف تماما ما فعلت؛ وكلنا معجبون بشدة بشجاعتك.» «لم يصبح الأمر بالتأكيد مثار حديث كل من على متن السفينة، أليس كذلك؟» «بلى، لم يصبح كذلك؛ لكن الآنسة بروستر اتهمتني بكوني شريكا في الأمر.» «وأنت بالطبع أخبرتها بأنك لم تكن كذلك؟» «لم أستطع إخبارها بأي شيء، لسبب بسيط وهو أنني لم تكن لدي أدنى فكرة عما كانت تقوله؛ لكن تلك هي الطريقة التي عرفت بها ما حدث، وأنا هنا لأشكرك، آنسة لونجوورث، على الفعل الذي قمت به. أنا أعتقد بحق أنك أنقذت عقل صديقي ونتوورث. لقد أصبح رجلا مختلفا منذ وقوع الحادثة التي نتحدث بشأنها.» «وهل رأيت الآنسة بروستر منذ ذلك الحين؟» «أوه، نعم؛ كما كنت أقول لك، لقد قابلتها على سطح السفينة. يا إلهي! يا لغفلتي! لقد نسيت أنك تقفين. هلا تجلسين؟» «لا، لا؛ لقد مكثت في غرفتي لمدة طويلة لدرجة أنني سعيدة لوقوفي في أي مكان.» «إذن، هلا تصعد معي على سطح السفينة؟»
قالت: «أوه، أخشى ... أخشى حدوث مواجهة علنية؛ وأنا متأكدة، من خلال النظرة الأخيرة التي رأيتها في عيني الفتاة، أنها لن تتوانى عن عمل أي فضيحة لتنتقم. أنا آسفة أن أقول إنني أخشى بشدة لقاءها. بالطبع، من وجهة نظرها، لقد ارتكبت خطأ شنيعا في حقها. وربما الأمر كذلك من وجهة نظر الجميع.»
قال جون كينيون بود: «آنسة لونجوورث، يجب ألا تخافي على الإطلاق لقاءها. إنها لن تقول شيئا.» «كيف عرفت ذلك؟» «أوه، إنها قصة طويلة. لقد ذهبت إلى القبطان بشكواها، ولم تحصل على دعم كبير هناك. سأخبرك بالأمر كله على سطح السفينة. احصلي على غطاء وتعالي معي.»
عندما أعطى كينيون هذا الأمر الحاسم، أدرك أنه كان يسمح لنفسه بحق لم يتح له بعد، واحمر وجهه عندما تساءل في داخله عما إذا كانت إديث سترفض رفعه للكلفة في حديثه؛ لكن اكتفت بالنظر إليه بابتسامة مشرقة وقالت: «سأفعل، يا سيدي، كما أمرت.»
قال كينيون: «لا، لا، إنه لم يكن أمرا، رغم أنه بدا كذلك. إنه كان أمرا متواضعا؛ على الأقل، أردت أن يكون هكذا.» «حسنا، سأحصل على الغطاء.»
عندما تركته لتذهب إلى غرفتها، سمع هتاف كبير على سطح السفينة. توقفت، ونظرت إلى كينيون.
سألته: «ماذا يعني هذا؟»
كان الرد: «لا أعرف.» وأضاف: «رجاء ضعي الغطاء عليك ودعينا نصعد إلى السطح ونر ماذا حدث.»
عندما وصلا إلى السطح، رأيا الجميع في الجزء الأمامي من السفينة. وكان مرئيا في الأفق الشرقي ثلاثة آثار من الدخان الأسود، التي كانت على ما يبدو تقترب منهم.
كان الجميع يتهامسون ويقولون: «إنها قوارب السحب. إنها آتية لمساعدتنا.»
القليل جدا ممن هم على متن السفينة كان يعرف أن بقاءهم على قيد الحياة كان يرجع كلية إلى الطقس الجيد. لقد أثبت العمل المستمر للمضخات للجميع، الذين فكروا في الأمر، أن التسريب كان خطيرا؛ لكن نظرا إلى أن تدهور حال السفينة كان أمرا غير معروف بالنسبة إلى الجميع ما عدا الخبراء منهم بالأمر، فلم يكن أحد ما عدا الضباط البحريين يعرف حقا الخطر الحقيقي الذي كانوا فيه. ورغم السعادة التي كان يشعر بها الركاب عندما رأوا تلك القوارب الثلاثة تقترب، فإن أكثر من سعد بالأمر كان هو الشخص الذي يعرف كل شيء بشأن الكارثة وآثارها، ألا وهو: القبطان.
اجتازت إديث لونجوورث وجون كينيون السطح معا، ولم يتزاحما مع الآخرين على الوجود في الجزء الأمامي في السفينة، لمشاهدة قوارب السحب التي كانت تقترب تدريجيا. وعن قصد، جعل جون كينيون الفتاة التي كانت معه تقف أمام الآنسة جيني بروستر، وعلى الرغم من أن تلك الفتاة كانت تحملق بغضب شديد في إديث، التي احمرت وجنتاها من الخوف والاضطراب، فلم تقل أي شيء؛ وعرف كينيون أن رفيقته بعد ذلك لن تشعر بقلق شديد من لقاء المرأة التي دخلت معها في مواجهة لمدة خمس دقائق عاصفة. وسرعان ما بدأت قوارب السحب تسحب السفينة الكبيرة، وأخذت الأربع المركبات تتقدم ببطء باتجاه كوينزتاون، وقد تقرر إنزال كل الركاب هناك، وسحب السفينة المعطلة إلى ليفربول، إن أثبت فحص هيكل السفينة أن هذا الخيار سيكون آمنا. ودع الركاب كل منهم الآخر بعد أن غادروا السفينة، والعديد ممن كانوا على متنها لم ير كل منهم الآخر مرة أخرى. واحدة على الأقل منهم لم تكن حزينة على ترك السفينة أو لديها من تودعه عليها، لكن كانت هناك مفاجأة بانتظارها. لقد وجدت جيني بروستر برقية بانتظارها من نيويورك. وقد جاء فيها: «لا ترسلي شيئا بشأن المناجم. سترسل رسالة بالتفاصيل.»
الفصل الخامس عشر
لندن الموحلة والممطرة التي يغلفها الضباب؛ لندن بحافلات النقل العام السريعة الممتلئة بالركاب التي تنطلق في الشوارع، وتعد أخطر من عربات روما ذات العجلتين؛ لندن مرة أخرى! التي تجرها الخيول؛ لندن، بطرقها المزدحمة، ومرورها المتوقف في الأركان بسبب إيقاف السير من قبل رجل شرطة برفعه ليده المغطاة بقفاز أبيض؛ لندن، بعرباتها ذات الأربع العجلات التي تجرها الخيول والممتلئة عن آخرها بالمتاع، وعرباتها ذات العجلتين التي تسير بسرعة، متفادية عجلات المركبات الأخرى بشق الأنفس، بينما راكبها يجلس وهو يدخن بهدوء أو يوجه سائقه للطريق بمظلته؛ لندن، الممتلئة طرقها دائما بكل أنواع العربات ذات العجلات؛ من العربات ذات الأربعة الأحصنة وحتى العربات ذات العجلتين التي تدفع باليد . لندن، لندن، لندن، لندن! بدا أن الاسم كان يرن في أذني جون كينيون بينما كان يسير بخفة بطول الرصيف المزدحم المؤدي إليها. إن صخب شوارع لندن المزدحمة كان أعذب موسيقى في العالم بالنسبة إليه، كما كان بالنسبة إلى أي شخص أعجب يوما بلندن. اشرب من نافورة تريفي، وستعود ثانية إلى روما. اشرب من صخب وضجيج لندن، ولن تشعر أبدا بحنين داخلك لأي مدينة في العالم سواها. لندن هي لندن، وجون كينيون كان يعشق حتى عيوبها بينما كان يسير في طرقاتها.
انطلق كينيون إلى مكتب جورج ونتوورث، واصطحب معه هذا الرجل الشاب، وذهبا معا إلى مكان انعقاد الاجتماع المؤجل لمجلس إدارة شركة لندن سينديكيت. كانت هناك أسئلة ستطرح على الرجلين، ولم يفهم المديرون سبب عرض التقريرين عليهم فجأة، قبل وصول الخبيرين اللذين أرسلوهما. لذا، فقد اكتفوا بقراءة المستندات في الاجتماع السابق وأرجئوا قرارهم حتى يحين الوقت الذي يمكن أن يحضر فيه الخبيران شخصيا. معظم المديرين كانوا هناك، لكن كينيون، رغم أنه نظر بتلهف إليهم، لم ير وسطهم السيد لونجوورث العجوز. طرحت على كينيون أسئلة عن مكان المناجم ونتاجها وغيرهما من التفاصيل التي أراد المديرون معرفتها. ثم خضع ونتوورث لاستجواب مماثل. وأشار إلى التناقضات التي وجدها في الحسابات. وأوضح أن هناك رغبة واضحة من جانب ملاك المناجم المختلفة لأن يبدو أن المناجم تحقق أرباحا أكبر من الأرباح الحقيقية، وأجاب على نحو واضح ومقنع عن كل الأسئلة التي طرحت عليه. شكر رئيس الشركة الشابين على العناية الواضحة التي أبدياها في القيام بعملهما، وتحول الاجتماع بعد ذلك إلى جلسة خاصة لتدارس القرار الذي يجب اتخاذه بشأن المناجم. وعندما خرج الصديقان من المبنى، قال كينيون: «شكرا للرب أن هذا الأمر انتهى وانتهينا منه. والآن، يا جورج، ما رأيك بخصوص منجم الميكا؟»
قال ونتوورث: «أعتقد أنه من الأفضل أن نذهب إلى مكتبي ونتشاور هناك بهدوء في الأمر. دعنا نعقد جلسة خاصة كما فعل هؤلاء المديرون. أشعر الآن بأنني غني بعد حصولي على شيكي، وبعد كم الشكر الذي وجهه لي رئيس الشركة؛ لذا، سأدفع شلنا لأستقل عربة بخيول كي أصل إلى مكتبي على نحو سريع ومريح. في واقع الأمر، منذ مجيئي إلى لندن، وأنا أنفق كل فائض نقديتي على عربات الأجرة هذه. إنها بالتأكيد أفضل وأرخص مركبات في العالم. تذكر كم أخذ منا ذلك اللص ليوصلنا من الفندق إلى السفينة في نيويورك.»
قال كينيون: «أنا لا أحب تذكر هذا الأمر؛ فإنه يصيبني بقشعريرة!» «هل تعرف، يا جون، أنني يجب ألا أحزن إن لم أر ثانية مدينة نيويورك العظيمة. إن لندن تلائمني بشدة.» «أوه، أنا لا أعرف! إن نيويورك رائعة. أقر بأن هناك واحدا أو اثنين من مواطنيها لا أهتم كثيرا بأمرهما.»
قال ونتوورث: «إممم.» ثم بعد بضع دقائق من التفكير، قال فجأة، دون أي مقدمات: «هل تعرف، يا جون، أنني كدت أقع في غرام تلك الفتاة؟» «ظننت أنك كنت منجرفا في هذا الاتجاه.» «منجرف! إنه لم يكن انجرافا. لقد كان سقوطا سريعا ومجنونا عبر الشلال، وقد بدأت مؤخرا فقط أرى كيف أنني نجوت منه بأعجوبة. إن الرعب الذي كنت أشعر به في تلك الأيام، عندما كنت أظن أن الرسالة كانت سترسل إلى نيويورك، منع تماما تكون أي شعور آخر تجاهها. لو كنت قد وجدت أنها فتاة عابثة لا أمل منها - أو شيئا من هذا القبيل - كانت تعبث معي، لشعرت بصدمة كبيرة بالطبع، لكني كنت سأفكر في مشاعري. والآن، الشيء الغريب هو أنني لم أبدأ في التفكير في مشاعري حتى قدمت إلى لندن.» «رائع جدا، يا ونتوورث؛ لو كنت مكانك، ما كنت سأفكر فيها الآن.» «لا، أنا لا أنوي ذلك، تحديدا. إن حقيقة أنني أتحدث معك بشأنها توضح أن تأثيرها لم يكن عميقا جدا.»
أخذ ونتوورث نفسا طويلا يمكن أن يعتقد خطأ أنه تنهيدة، إن لم يكن قد أوضح منذ لحظات كيف أنه تحرر تماما من الشرك الذي أوقعته فيه لبعض الوقت الآنسة بروستر. «رغم ذلك، إنها فتاة جميلة جدا، يا جون. لا يمكنك إنكار هذا.» «ليست لدي الرغبة في إنكار ذلك. أنا ببساطة لا أريد التفكير فيها على الإطلاق.» «لا، ونحن لسنا في حاجة إلى ذلك، حمدا للرب. لكنها كانت مبهرة وذكية جدا. بالطبع، أنت لم تكن تعرفها مثلما فعلت. أنا لم أقابل قط من قبل شخصا ... حسنا، كل هذا أصبح من الماضي وانتهينا منه. لقد أخبرتها بكل شيء عن أمر منجم الميكا الخاص بنا، وقد أعطتني نصيحة حكيمة للغاية بشأنه.»
ابتسم كينيون، لكنه احتفظ بهدوئه. «أوه نعم، أنا أعرف ما تفكر فيه. لقد تحدثت عن مناجم أخرى أيضا؛ لكن كان هذا خطئي، وليس خطأها على وجه التحديد. إنها كانت تتصور أنها تفعل الشيء الصحيح، وفي النهاية، كما تعلم، أعتقد أننا أحيانا لا ننظر بعين الاعتبار بالقدر الكافي إلى وجهة نظر الآخرين.»
ضحك كينيون ملء شدقيه. «يبدو لي أنك تدافع عنها بالفعل. أتذكر أنك لم تأبه كثيرا بوجهة نظرها عندما كنت تجلس على مجموعة من الحبال في مقدمة السفينة؛ تلك الأيام التي لم تكن تتكلم فيها حتى معي.» «أعترف بذلك، يا جون. لا، أنا لا أدافع عنها. لقد نجحت في إبعادها تماما عن فكري؛ بعد بعض الجهد. ماذا عن حالتك، يا جون؟» «حالتي! ماذا تقصد؟» «أنت تعرف جيدا ما أقصد.» «أعتقد أنني أتغاضى عن القليل من التصنع، فهل ستفعل أنت ذلك؟ لكن الرجل يصبح عصبيا بعض الشيء عندما يطرح عليه مثل هذا السؤال. إن حالتي على الوضع الذي تركناها عليه في كوينزتاون.» «ألم ترها منذ ذلك الحين؟» «لا.» «ألن تفعل؟» «أنا حقا لا أعرف ماذا سأفعل.» «جون، إن هذه السيدة الشابة لديها اهتمام شخصي واضح بك.» «يا ليتني كنت متأكدا من هذا، أو بالأحرى، يا ليتني كنت متأكدا من الأمر وفي وضع يسمح لي ... لكن ما الفائدة من الكلام؟ أنا فقير جدا.» «لا، لكن إن نجح مشروع المنجم الخاص بنا، فسرعان ما ستصبح غنيا.» «نعم، لكن كم سأربح؟ أنا لن أستطيع أبدا نسيان نبرة الاستخفاف المتكبرة التي كان يتحدث بها شخص معين عن الخمسين ألف جنيه . إن الأمر يصيبني بالقشعريرة كلما فكرت فيه. إن الخمسين ألف جنيه بالنسبة إليها كانت تبدو قليلة جدا؛ أما بالنسبة إلي فشيء قد أحصل عليه بعد صراع مدى حياتي.» «لو كنت مكانك، ما كنت لأدع هذا يحبطني كثيرا؛ بالإضافة إلى ذلك، عليك ... أوه! ها نحن قد وصلنا. سنتحدث عن هذا في وقت آخر.»
بعد دفع أجرة سائق عربة الأجرة، صعد الشابان لأعلى إلى غرفة ونتوورث، وأغلقا الباب وراءهما، وسحب جون كرسيا ليجلس عليه بجانب صديقه.
قال ونتوورث: «والآن، ماذا فعلت بخصوص المنجم؟» «لم أفعل شيئا على الإطلاق. لقد كنت بانتظار هذا الاجتماع معك.» «يا صاح، إن الوقت عامل مهم في أي شيء من هذا النوع.» «نعم، أعتقد ذلك.» «كما ترى، إننا نخسر خيارنا؛ فكل يوم نضيعه يقلل كثيرا من فرصنا في النجاح. ألديك أي اقتراح؟» «سأخبرك بما فكرت في فعله. لقد قلت لك إن ابن أخي السيد لونجوورث تحدث إلي كثيرا عن المنجم في وقت سابق. لقد قدمتني إليه ابنة عمه، وبدا أنها كانت تعتقد أنه قد يكون لديه بعض الاهتمام بتأسيس الشركة. كان علي أن أتشاور معك؛ لأن لونجوورث كان يرى أننا لا بد أن نجعل سعر المنجم مائتي ألف جنيه بدلا من خمسين ألف جنيه.»
أطلق ونتوورث صافرة طويلة. «نعم، إنه يبدو مبلغا كبيرا للغاية؛ لكنه يرى أنه ينبغي أن يكون كذلك إذا كان سيعود بربح عشرة بالمائة. يمكننا جعله مائتي ألف إذا كان بإمكاننا إثبات أن هناك فرصة جيدة لتحقيق أرباح كبيرة.» «في الواقع، هذا يبدو معقولا. ما الذي قاله بخلاف ذلك؟» «إنه لم يقل أكثر من ذلك بشأنه؛ لأنني أخبرته بأن علي أن أشاورك في الأمر.» «ولماذا لم تفعل؟ إن وجودنا معه على متن السفينة يعد واحدة من أفضل الفرص التي كان يمكننا الحصول عليها للحديث معه. في حقيقة الأمر، ربما كان بالإمكان إنهاء الاتفاق معه برمته هناك.» «أوه، في واقع الأمر، كما تعرف، لم يكن بإمكاني التحدث إليك عن الموضوع؛ لأن هناك مشكلة ما قد حدثت ، وقد كنت تقضي أغلب وقتك في الجزء الأمامي من السفينة، جالسا على مجموعة من الحبال تلعن العالم بوجه عام ونفسك بوجه خاص.» «آه، نعم، أتذكر ذلك، بالطبع ... نعم. رائع جدا، إذن، أنت لم تر لونجوورث هذا منذ ذلك الحين، أليس كذلك؟» «نعم، لم أفعل.» «ألن يدخل الثري العجوز في هذه الصفقة؟» «بدا أن ابنته كانت تعتقد أنه لن يفعل؛ لأن المبلغ صغير جدا.» «لماذا لا يقوم هو بالأمر كله بنفسه؟ إذا جعلنا السعر مائة ألف جنيه أو مائتي ألف جنيه، فمن المفترض أن هذا سيكون مبلغا كبيرا بالقدر الكافي بالنسبة إليه، إذا كان سيقوم بالأمر بمفرده.» «في واقع الأمر، كما ترى، أنا لا أعتقد أنهم يفكرون في الدخول في هذه الصفقة بهذا السعر، إلا كنوع من المضاربة. بالطبع، إذا كانت لديهم النية لشراء بعض الأسهم، فمن غير المحتمل أنهم سيقترحون رفع السعر من خمسين ألف جنيه إلى مائتي ألف جنيه. إن لونجوورث الشاب تحدث عن تقسيم الربح. وزعم أنه مهما بلغ حجم الربح الذي سنحققه عندما يكون السعر خمسين ألف، فسيكون صغيرا جدا بحيث لا يمكن تقسيمه على ثلاثة أشخاص. لقد أخبرته بالطبع أنك شريكي في هذا الأمر، ولهذا، اقترح أن يكون السعر مائتي ألف جنيه.» «أعتقد أنه بدا أنه لم يكن يبالي بمسألة تحقيق المنجم لربح على هذا المبلغ من عدمه، أليس كذلك؟» «إنه لم يذكر ذلك على وجه التحديد؛ على الأقل، إنه لم يناقش ذلك. لقد سأل ما إذا كان سيحقق ربحا على مبلغ مائتي ألف، وأخبرته بأنني أظن أنه سيحقق ربحا قدره عشرة بالمائة. هذا إن أدير على نحو صحيح؛ ثم قال بالطبع إن هذا هو سعره، وإننا سنكون حمقى للغاية لطرحه للبيع بسعر خمسين ألف جنيه عندما تكون قيمته الحقيقية في واقع الأمر مائتي ألف جنيه.»
فكر ونتوورث في هذا لبضع دقائق، وهو يطرق بقلمه الرصاص على المكتب ويقطب جبينه. «إنها تبدو قفزة هائلة، من خمسين ألف جنيه إلى مائتي ألف جنيه، أليس كذلك، يا جون ؟» «بلى ، إنها كذلك؛ إن الأمر يبدو كنوع من الاحتيال. لكن كم سيكون أمرا رائعا إن أمكن تحقيقه على أرض الواقع، وإن أدر الربح المناسب عندما نستطيع تنفيذ الخطة بنجاح!» «بالطبع، أنا لن أكون طرفا، ولا أنت أيضا، في أي تزوير.» «بالطبع لا. أنا لن أفكر ولو للحظة في رفع السعر إذا لم أكن متأكدا من أن المنجم يستحق ذلك. لقد كنت أعمل على مجموعة كبيرة من الأرقام التي ستثبت على وجه التقريب كم سيدر المنجم، وهي لدي هنا في جيبي، وأنا مقتنع تماما بأنه سيحقق ربحا يصل على الأقل إلى 10 بالمائة، وربما 12 أو 15.» «في واقع الأمر، لن يريد أي أحد نسبة ربح أفضل من هذه على أموالهم. ألديك الأرقام؟» «نعم، ها هي.» «رائع للغاية، من الأفضل أن تتركها لي، وسأفحصها بدقة شديدة كما لو أنها أرقام شخص أشك فيه بشدة، وآمل أن تكون صحيحة؛ أما إذا لم تكن كذلك، فسأوضح لك مواضع الخلل فيها.» «لكن، يا جورج، إنها مسألة متعلقة بالحقائق أكثر من كونها متعلقة بالأرقام. أنا أعتقد أن الجبل بأكمله مصنوع من المعدن الذي يعد ثمينا للغاية، لكنني أرى أنه يمكن استخراج ثمن المادة الموجودة فيه فقط، وهو الأمر الذي يبدو لي تقديرا معقولا جدا.» «نعم، لكن ما مدى الطلب عليها؟ ذلك هو السؤال المهم. قد تكون المادة مهمة بالقدر الكافي، لكن لو كان يوجد عليها طلب محدود؛ أقصد، أننا لو لدينا عشرة أضعاف ما يحتاج إليه العالم، فإن الأجزاء التسعة الأخرى تكون نسبيا لا قيمة لها.» «هذا صحيح.» «هل تعرف عدد المنشآت الموجودة في العالم التي تستخدم هذه المادة؟» «هناك العديد منها في إنجلترا، وأيضا في الولايات المتحدة.» «وماذا عن الضريبة المفروضة عليها في الولايات المتحدة؟» «آه، هذا ما لا أعرفه.» «حسنا، يجب أن نعرف هذا. ما عليك إلا أن تكتب هنا استخداماتها؛ وسأحاول أنا الحصول على بعض المعلومات عن المصانع التي تحتاج إليها، وأيضا عن الكميات التي تحتاج إليها في العام الواحد. سيكون علينا الحصول على كل تلك الحقائق والأرقام كي نضعها أمام الأشخاص الذين سيقومون بالاستثمار؛ لأن النقطة المهمة، حسبما أفهم، التي سنبرزها ليست مادة الميكا، وإنما المادة الأخرى.» «هذا صحيح.» «رائع جدا، إذن، اترك لي ما تعرفه بالفعل عن الأمر، وسأحاول استكمال معلوماتك. في الحقيقة، علينا أن نستكملها، قبل أن يكون بإمكاننا الذهاب بها إلى أي شخص. والآن، أنصحك بزيارة آل لونجوورث - كل من لونجوورث العجوز والشاب - وقد تجد أن الحديث معهما في لندن مختلف تماما عن الحديث معهما على متن سفينة «كالوريك». بالمناسبة، أتساءل عن سبب عدم وجود لونجوورث في اجتماع المديرين اليوم.» «لا أعرف. لقد لاحظت غيابه.» «من المحتمل جدا أنه قرر عدم الاستثمار في المناجم الأخرى، ومن ثم قد تكون هناك إمكانية لاستثماره في منجمنا. هل تعرف عنوانه؟» «نعم، إنه معي.» «إذن، لو كنت مكانك، لركبت عربة أجرة وذهبت إلى هناك على الفور. وفي تلك الأثناء، سأحاول ترتيب أرقامك على نحو جيد، واستكمالها قدر الإمكان. وهذا لن يكون أمرا سهلا، يا جون. يوجد الآن عدد كبير للغاية من المنشآت المعروضة على الناس للاستثمار فيها - الصحف زاخرة بها - وكل منها يبدو أنه أفضل وسيلة لتحقيق الأرباح في العالم؛ لذا، إذا كنا سنطرح هذا المنجم للبيع دون أن يكون معنا مستثمر معين، فستكون مهمتنا صعبة للغاية.» «إذن، أنت على استعداد لرفع السعر حتى مائتي ألف جنيه؟» «نعم، إذا كنت ترى أنه يستحق ذلك. هذا ما يمكننا تحديده على نحو أفضل بعد فحصنا للأرقام معا. حري بنا أن نكون متأكدين من حقائقنا أولا.» «رائع جدا. وداعا؛ سأذهب لمقابلة السيد لونجوورث.»
الفصل السادس عشر
لم يستقل جون كينيون عربة أجرة. لقد مشى حتى يتوفر له بعض الوقت للتفكير. أراد أن يرتب في ذهنه ما سيقوله للسيد لونجوورث؛ لذا، فقد تفكر في اللقاء الذي هو مقبل عليه بينما كان يمشي عبر الشوارع المزدحمة للندن.
لم يكن قد انتهى بعد من ترتيب الأمور في ذهنه على نحو مرض عندما وصل إلى الباب المؤدي لمقر شركة السيد لونجوورث.
قال في نفسه، بينما وقف هناك: «في النهاية، السيد لونجوورث لم يتحدث قط معي بشأن منجم الميكا؛ ومن خلال ما تعتقده ابنته، من غير المحتمل أنه سيهتم بالأمر. إن لونجوورث الشاب هو من تحدث معي بشأنه.»
لقد شعر بأن لونجوورث الشاب هو الشخص الذي يجب أن يزوره، لكنه كان خائفا بعض الشيء من لقائه. إن الجانب القليل الذي رآه من شخصية ويليام لونجوورث على متن سفينة «كالوريك» لم يجعله يكون عنه انطباعا جيدا، وقال في نفسه: يا ليتني لم أخبر ونتوورث بأنه من المتوقع أن يكون هناك استثمار من جانب آل لونجوورث. لكنه قرر ألا يتهرب من اللقاء؛ لذا، صعد الدرج حتى وصل إلى منطقة الاستقبال. ووجد المبنى أكبر بكثير مما كان يتوقع. وكان هناك على المكاتب العديدة موظفون كثر منهمكون بشدة في عملهم. اقترب من مكان الاستعلامات، وقام رجل ليستمع لما عليه قوله. «هل السيد لونجوورث موجود؟» «نعم، يا سيدي. أيا منهما تريد؛ السيد الشاب أم السيد جون لونجوورث؟» «أرغب في مقابلة رئيس الشركة.» «آه! هل لديك ميعاد معه؟» «لا، ليس لدي؛ لكن ربما إذا أخذت هذه البطاقة إليه، وإن لم يكن مشغولا، فقد يقابلني.» «إنه مشغول جدا دائما، يا سيدي.» «حسنا، خذ البطاقة إليه؛ وإن تصادف ولم يتذكر الاسم، فأخبره أنني قابلته على متن سفينة «كالوريك».» «حسنا، يا سيدي.» ومع اختفاء الموظف، تاركا كينيون يفكر في الأمر الذي لا يزال لم يحسم والمتعلق بما يجب عليه أن يقوله للسيد لونجوورث إن سمح له بمقابلته. وبينما كان يقف هناك منتظرا، وحوله مجموعة الرجال الذين كانوا يعملون بانشغال وصمت، وفي ظل جو الأهمية العام الذي يسود المكان، رأى أن السيد لونجوورث لن يراه؛ ولذا، اندهش بشدة عندما عاد الموظف دون البطاقة وقال: «هلا اتبعتني يا سيدي؟»
بعد أن مر هو والموظف عبر زوجين من الأبواب المتأرجحة، طرق الأخير برفق على باب مغلق، ثم فتحه.
وقال باحترام: «السيد كينيون، يا سيدي.» ثم أغلق الباب وراءه، تاركا جون كينيون واقفا في غرفة كبيرة مفروشة على نحو أنيق بعض الشيء، مع وجود مكتبين بالقرب من النافذة. وكان يأتي من غرفة داخلية النقر المستمر والمكتوم للكتابة على آلة كاتبة. كان يجلس على أحد المكتبين لونجوورث الشاب، الذي لم ينظر عندما أعلن عن وجود كينيون. أما عمه العجوز، فقام ومد يده بترحيب وود.
قال: «كيف حالك، يا سيد كينيون؟» ثم أضاف: «أنا سعيد للغاية للقائك ثانية. إن الرعب الذي سببه الوضع على متن تلك السفينة يبدو أنه لم يترك أثرا كبيرا عليك. إنك تبدو في أحسن حال.»
قال جون: «نعم؛ أنا مسرور للغاية للعودة ثانية إلى لندن.» «آه، أعتقد أننا جميعا كنا نود العودة. بالمناسبة، لقد كان الأمر أخطر بكثير مما ظننا حينها على متن سفينة «كالوريك».» «هكذا علمت من الصحف.» «كيف حال صديقك؟ بدا أنه انزعج بشدة من الأمر.»
سأل جون في اندهاش: «انزعج من أي أمر؟» «في الواقع، بدا لي، في وقت وقوع الأحداث، أنه كان يشعر بجزع شديد بشأن وضعنا.» «أوه، نعم، تذكرت الآن. نعم، إنه كان يشعر ببعض الحزن في وقتها، لكن لم يكن هذا بسبب الحادث. لقد كان أمرا مختلفا تماما، ولحسن الحظ، انتهى على خير.» «أنا سعيد لسماع هذا. بالمناسبة، هل قدمت تقريرك للمديرين؟» «نعم؛ لقد كنا في اجتماع معهم اليوم.» «آه، لم أستطع الذهاب إلى هناك. في الحقيقة، لقد قررت ألا تكون لي أي علاقة بمناجم أوتاوا تلك. هل تعرف القرار الذي اتخذه مجلس الإدارة في هذا الأمر؟» «لا؛ لقد تسلموا تقريرنا فقط؛ في الحقيقة، لقد تسلموه قبل ذلك، لكن كان لديهم بعض الأسئلة التي كانوا يودون طرحها، والتي أجبنا عنها على ما يبدو على نحو أثار إعجابهم.» «من كان هناك؟ أعتقد أن السير روبس ماكينا قد شغل كرسي الرئاسة، أليس كذلك؟» «بلى، سيدي، كان كذلك.» «آه، صدق ظني. في واقع الأمر، رأيي فيه أنه بمنزلة فأر تجارب؛ هل تعرف معنى هذا؟ لقد توصلت إلى قرار بعدم المشاركة في هذا المشروع، على أي حال. المهم، هل كانوا راضين عن تقريركما ؟» «بدا أنهم كانوا كذلك. لقد وجهوا الشكر لنا، وتحدث واحد أو اثنان منهم مثنيين بشدة على ما قمنا به من جهد.» «أنا سعيد لسماع هذا. بالمناسبة، ويليام، أنت تعرف السيد كينيون، أليس كذلك؟»
جال الرجل الشاب بعينيه فيما حوله بطريقة منشغلة، متجاوزا السيد كينيون.
وقال في نفسه: «كينيون، كينيون.» كما لو كان يحاول تذكر اسم قد سمعه في مكان ما من قبل. ثم أضاف: «أنا في الحقيقة لا ...»
قال الرجل العجوز: «لا، لا! ألا تتذكر السيد كينيون الذي كان معنا على متن سفينة «كالوريك»؟» «أوه، بلى، بالتأكيد ... أوه، بالتأكيد. كيف حالك، سيد كينيون؟ لقد نسيتك للحظة. ظننت أنني قد قابلتك في حي السيتي في مكان ما. أرجو أن تكون في أحسن حال بعد رحلتك.» وثبت السيد لونجوورث الشاب نظارته الأحادية العدسة في مكانها ونظر باتجاه كينيون. «أنا في خير حال، شكرا لك.» «أرى ذلك. أرى أن عملك مع شركة لندن سينديكيت قد انتهى الآن، أليس كذلك؟» «بلى، لقد انتهينا منه.» «آه، وماذا تفعل الآن؟ هل لديك أي عمل آخر؟» «في واقع الأمر، هذا ما أردت مقابلتك بشأنه.» «حقا؟» «نعم؛ أنا ... ربما تتذكر أننا تحدثنا قليلا عن أحد مناجم الميكا بالقرب من نهر أوتاوا، أليس كذلك؟» «يا ألله، نعم. كما ترى، كانت الرحلة ... كان هذا على متن السفينة، على ما أعتقد، أليس كذلك؟»
قال جون: «بلى.» وذهب إلى مكتب الرجل الشاب وجلس على كرسي بجواره. حول الرجل العجوز نظره إلى الأوراق الخاصة به، وترك الشابين يتحدثان معا. «هل تقصد أن تقول إنك لا تتذكر الحديث الذي أجريناه ذات يوم على سطح السفينة بشأن منجم للميكا؟»
نظر إليه لونجوورث الشاب بنظرة متحيرة، كما لو أنه لم يكن بإمكانه على وجه التحديد معرفة ما كان يتحدث بشأنه.
ثم قال: «أتذكر أنك أخبرتني بأنك قد أرسلت من قبل شركة لندن سينديكيت لفحص بعض المناجم؛ لكنني لا أتذكر أن شيئا قد قيل بشأنها.» «إنه لم يكن بشأنها على الإطلاق؛ لقد كان بشأن منجم آخر ، لدي عقد خيار شراء فيه. ربما تتذكر أن ابنة عمك قد قدمتني إليك. بدا أنك كنت تعتقد في ذلك الوقت أن السعر الذي سنطرح به المنجم قليل للغاية.» «يا إلهي، نعم! لقد تذكرت الآن شيئا عن هذا، عندما ذكرت هذا. دعني أتذكر، كم كان سعره؟ مليون، ألم يكن كذلك؟»
قال كينيون، مقطبا جبينه: «لا، لا.» ولم يكن يعجبه على الإطلاق المنحى الذي أخذه الحوار. وأضاف: «لا، ليس مليونا، أو أي شيء قريب من هذا المبلغ.» «آه، أنا آسف لهذا. كما ترى، عمي وأنا نادرا ما نعمل في شيء لا يستحق؛ ألا ترى أن أي شيء يقل سعره عن مليون لن يستحق عناء الاهتمام به؟» «أنا لا أرى هذا؛ يبدو لي أن الأشياء التي يقل سعرها عن مليون تستحق قضاء القليل من الوقت فيها؛ على الأقل، أرى أنها تستحق ذلك.» «هذا قد يكون صحيحا جدا؛ لكن، كما ترى، عمي لا يهتم كثيرا إلا بالأعمال الضخمة.» «إذا كنت تتذكر، يا سيد لونجوورث، عمك لم يأت ذكره في هذا الأمر على الإطلاق. بدا أن ابنة عمك كانت تعتقد أنك قد يكون لديك بعض الاهتمام به. لقد أخبرتني، عندما قلت إن السعر الذي سنطرح المنجم للبيع به هو خمسون ألف جنيه، بأن المبلغ صغير للغاية؛ على الأقل، سيترك هامش ربح قليلا للغاية بحيث يصعب تقسيمه على ثلاثة أشخاص.» «في الواقع، أعتقد أنني كنت على حق تماما في هذا الشأن.» «وقلت أيضا إنك ستشارك في الأمر معنا إن رفعنا المبلغ إلى مائتي ألف جنيه.» «هل قلت هذا؟» «نعم. توقف الأمر حينها على رأي شريكي. لقد قلت إنني سوف أتحدث إليه عن الأمر، وإن وافق، سأوافق أنا كذلك. لكن وقعت بعض الأحداث التي جعلت من المستحيل بالنسبة إلي أن أخوض في تفاصيل الأمر معه على متن السفينة؛ لكنني تحدثت إليه اليوم في مكتبه، وهو على أتم الاستعداد لعرض المنجم للبيع بمائتي ألف جنيه، بشرط أن تثبت الأرقام التي أعطيتها إياه أن المنجم سيدر ربحا معقولا على هذا المبلغ.» «حسنا، يبدو لي أنه من المحزن عرض المنجم للبيع بسعر خمسين ألف جنيه إذا كان يستحق حقا مائتي ألف جنيه. ألا تعتقد ذلك؟» «بلى، أعتقد ذلك؛ لذا، جئت لرؤيتك بهذا الشأن. أود أن أقول إن ونتوورث سيفحص بعناية الأرقام التي أعطيتها له، ويرى إن كان بها أي خطأ. وإن لم يكن هناك خطأ بها، وإن وجدنا أن سعر المنجم يمكن رفعه إلى مائتي ألف جنيه، فسأكون ممتنا للغاية للحصول على مساعدتك في هذا الأمر، وسنتقاسم كل شيء بالتساوي معك. يعني هذا أن كلا منا سيأخذ الثلث.» «إن كنت أتذكر جيدا، سألتك سؤالا لم تجب عنه. سألتك كم ستدفع ثمنا للمنجم.»
اندهش كينيون من هذا النوع الغريب من الذاكرة التي يمكنها نسيان محادثة بأكملها ومع ذلك تتذكر على نحو دقيق تفصيلة صغيرة منها.
ومع ذلك، رد قائلا: «بالطبع، أنت في ذلك الوقت لم تقل إنك ستنضم إلينا. أدرك أن من حقك أن تعرف على وجه التحديد المبلغ الذي سندفعه ثمنا للمنجم إذا كنت ستصبح شريكنا. ويجوز لي أن أقول إننا لم ندفعه بعد، لكن لدينا فقط عقد خيار شراء عليه بسعر معين، وبالطبع، إذا أمكننا بيعه بمائتي ألف جنيه، فسنحصل على مبلغ كبير نستطيع اقتسامه بيننا. والآن، إذا كنت تعتقد أنك ستنضم إلينا وتفعل كل ما في وسعك لإنجاح هذا المشروع، فسأخبرك بالتفاصيل المالية لعقدنا الخاص بمنجم الميكا.» «في الواقع، كما ترى، أنا لم أقل بعد إنني سأنضم إليكما. إنها في الحقيقة مسألة بسيطة جدا. من المفترض ألا توجد أي صعوبة في عرض هذا المنجم للبيع في سوق لندن، فيما عدا إذا لم يكن الأمر يستحق. ومع ذلك، يجب أن أعرف على وجه الدقة المبلغ الذي ستدفعانه ثمنا للمنجم قبل أن أمضي قدما في الأمر.» «رائع جدا، إذن، دعني أخبرك - على أن تجعل هذا سرا بيننا، وفقط لأنني أتوقع أنك ستصبح شريكا معنا - بأن المبلغ المعروض علينا لشراء المنجم هو عشرون ألف جنيه.»
رفع لونجوورث نظارته لأعلى. «لا يمكن أن يستحق المنجم كثيرا إذا كان هذا هو كل ما طلبوه ثمنا له.» «السعر الذي يطلبونه ثمنا للمنجم ليس له في واقع الأمر أي علاقة بقيمته. إنهم لا يدركون قيمته. إنهم لا يستغلونه على النحو الأمثل، حتى الآن، بحيث يستخرجون منه كل ما هو موجود فيه. إنهم يستخرجون الميكا، وكما أخبرتك، فإن المادة التي يلقونها أهم بكثير من كل الميكا التي يمكنهم استخراجها من المنجم. إذا استغل هذا المنجم على نحو صحيح، فإن الميكا ستدفع كل التكاليف، هذا إلى جانب ربح جيد على الخمسين ألف جنيه، في حين أن المادة الأخرى ستدر ربحا كبيرا على المائة والخمسين ألف جنيه، أو حتى المائتي ألف جنيه.» «فهمت. وهل أنت متأكد أن هناك ما يكفي من تلك المادة بحيث تبقى لبعض الوقت؟» «أوه، أنا متأكد من هذا. هناك جبل بالكامل منها.» «وهل حصلتما على هذا الجبل إلى جانب المنجم؟» «حصلنا على ثلاثمائة فدان منه، وأعتقد أنه لن تكون هناك أي صعوبة في شراء الباقي.» «حسنا، يبدو أن هذه ستكون مضاربة جيدة، وأتمنى لك أن تنجح في تأسيس شركتك. كم من المال أنت على استعداد لإنفاقه من أجل طرح المنجم للبيع؟» «ليس معي فعليا أي مال على الإطلاق. ما معي هو عقد خيار الشراء الذي حصلت عليه على المنجم.» «إذن، كيف ستدفع كل الرسوم المبدئية ومقابل الإعلان في الصحف وتكلفة الاستشارات وكل هذا؟ إن تلك النفقات ستمثل جانبا كبيرا جدا من تكلفة تأسيس أي شركة. أنت بالطبع تعرف هذا.» «في الواقع، أعتقد أننا ربما يمكننا جعل شخصين أو ثلاثة يقومون بهذا وتأسيس شركتنا بهدوء، دون أن يكون علينا دفع أي من تلك النفقات الكبيرة التي تعد ضرورية لتأسيس بعض الشركات.» «سيدي العزيز، عندما تعمل في هذا المجال لمدة أطول قليلا، ستصبح أكثر وعيا بكثير. لا يمكن أن يحدث هذا؛ على الأقل، أنا لا أعتقد أن هذا يمكن أن يحدث. أنا لا أعرف أن هذا بالإمكان حدوثه، وإن استطعت القيام به، فأنت أمهر مني بكثير . الشركات لا تؤسس بدون مقابل في حي السيتي بلندن. يبدو أنك ليس لديك أي فكرة عن كيف يسير هذا النوع من الأمور. دعني أخبرك بصراحة أنا لا أعتقد أنني يمكنني المشاركة في هذا الأمر معك؛ فلدي مشاغل أخرى كثيرة علي إنجازها.»
على الرغم من أن كينيون توقع هذا، فقد تملكه شعور حزين بالهزيمة بينما كان يقول الرجل الشاب بهدوء هذه الكلمات. ثم قال بدون تفكير: «إذا لم تكن لديك النية في الانضمام إلينا، فلماذا سألتني أسئلة دقيقة عن المنجم لم أكن لأجيب عنها إذا اعتقدت أنك لن تكون مهتما بالأمر؟»
رد الآخر ببرود: «سيدي العزيز، كان لديك كامل الحرية للرد على تلك الأسئلة من عدمه، بحسب اختيارك. ولقد اخترت أن ترد عليها، ولا يجب تلوم أحدا إلا نفسك إذا كنت تشعر بالأسف أنك رددت عليها. إن الأمر حقيقة لا يعنيني على الإطلاق، وسأنسى كل ما قلته في غضون يوم أو اثنين على الأكثر.» «رائع للغاية؛ ليس لدي المزيد لأقوله سوى أنني طلبت منك في البداية أن تحتفظ بسرية ما سأقوله لك.» «أوه، بالطبع. أنا لن أخبر أحدا به.» «إذن، أتمنى لك يوما طيبا.»
والتفت للرجل العجوز، ثم قال: «طاب يومك، يا سيد لونجوورث.»
رفع الرجل العجوز عينيه على نحو شارد من الورقة التي كان يقرؤها، ثم صافح كينيون بحرارة.
وقال: «إن كان بإمكاني فعل أي شيء لمساعدتك في أي أمر تعمل عليه، فسيسعدني بشدة أن أقوم به. أتمنى أن أراك ناجحا. طاب يومك، يا سيد كينيون.» «طاب يومك، يا سيد لونجوورث.»
خرج الرجل الشاب ووجد نفسه ثانية في منطقة الاستقبال وبعد هذا بقليل في الشارع المزدحم، وكان يسيطر عليه شعور شديد بالإحباط. لقد باءت أولى خطواته نحو تأسيس شركته بفشل ذريع؛ وبينما كان يفكر في هذا، سار متجاوزا مانشن هاوس، مقر عمدة لندن، ودخل في شارع تشيبسايد.
الفصل السابع عشر
سار جون كينيون بطول شارع تشيبسايد وهو يشعر بإحباط شديد بسبب رفض لونجوورث لعرضه. كان يدرك بالطبع أن الرجل الشاب كان يتصنع النسيان. لكنه مع ذلك شعر بأسف شديد لأن اللقاء لم يسفر عن شيء، وبدلا من الذهاب إلى ونتوورث وإخباره بما حدث معه، ظن أنه من الأفضل أن يسير قليلا ليتخلص من الشعور بخيبة الأمل الذي كان يسيطر عليه. وقد فزع بعض الشيء عندما دنا منه فجأة رجل؛ وعندما رفع ناظريه إليه، رأى خادما طويلا واقفا أمامه، يرتدي معطفا طويلا يصل إلى عقبيه مصنوعا من قماش رمادي داكن.
قال الخادم: «أستميحك عذرا، يا سيدي، لكن الآنسة لونجوورث تود الحديث معك.»
رد كينيون باندهاش: «الآنسة لونجوورث! أين هي؟» «إنها هناك في عربتها، يا سيدي.»
كانت العربة واقفة بجانب الرصيف، ونظر جون كينيون حوله في حيرة ليرى أن الآنسة لونجوورث كانت تنظر إليه وإلى الخادم بابتهاج. وكانت تجلس قبالتها في العربة سيدة عجوز، بينما كان هناك سائق عربة رزين ووقور، يرتدي على نحو مماثل بعض الشيء للخادم، يجلس في مكانه، وكأنه تمثال جالس في المقدمة. خلع جون كينيون قبعته عندما اقترب من السيدة الشابة، التي لم يرها منذ آخر يوم له على متن السفينة.
قالت إديث لونجوورث بابتهاج، وهي تمد يدها للرجل الشاب الواقف بجوار العربة: «كيف حالك، يا سيد كينيون؟ هلا دخلت إلى العربة؟ أريد أن أتحدث إليك، وأخشى أن الشرطة لن تسمح لنا بسد شارع مزدحم مثل تشيبسايد.»
عندما قالت هذا، فتح الخادم النشيط باب العربة بينما لم يعرف جون ماذا يقول ودخل إلى العربة وأخذ مقعده هناك.
قالت السيدة الشابة للسائق: «انطلق بنا إلى هولبرن.» ثم أردفت، ملتفتة إلى كينيون: «هلا تخبرني بالمكان الذي تقصده، حتى يمكنني أن أعرف أين أنزلك؟»
قال جون: «في الحقيقة، أنا لا أعتقد أنني ذاهب إلى مكان محدد. أخشى أنني لم أشبع بعد من متعة العودة ثانية إلى لندن؛ لذا، أهيم على وجهي في بعض الأحيان في شوارعها.» «حسنا، لم تبد عليك السعادة عندما وقع ناظراي عليك لأول مرة. اعتقدت أنك كنت تبدو مكتئبا بشدة، وهذا ما شجعني بالقدر الكافي على أن أطلب منك أن تركب معي وتتحدث إلي. لقد قلت لنفسي: «هناك خطب ما بشأن منجم الميكا»، وبدافع الفضول النسائي، أردت أن أعرف كل شيء عنه. والآن، هيا أخبرني.» «هناك حقا القليل جدا لأخبرك به. إننا بالكاد بدأنا. إن ونتوورث يفحص اليوم الأرقام التي أعطيتها إياه، وقد كنت أحاول اتخاذ أولى الخطوات عن طريق لقاء بعض الأشخاص الذين أعتقد أنهم قد يكونون مهتمين بأمر المنجم.» «وهل كانوا كذلك؟» «لا، لم يكونوا كذلك.» «إذن، كان هذا هو السبب في أنك كنت تبدو مغتما بشدة.» «أعتقد أن الأمر كذلك.» «حسنا، يا سيد كينيون، إذا كنت قد أصبت بالإحباط بعد لقاء مع أول شخص تظن أنه سيكون مهتما بالمنجم، فماذا ستفعل عندما ترفض دزينة أو أكثر من الأشخاص العمل معك؟» «أنا بالتأكيد لا أعرف. أخشى أنني لست الشخص المناسب لطرح هذا المنجم للبيع في سوق لندن. أنا في الواقع تلميذ، كما ترين، وأظن نفسي أستاذا. أعرف كيف أتصرف عندما أكون في أحد المناجم، على بعد أميال من الحضارة، لكن عندما أكون وسط الناس، أشعر إلى حد ما بحيرة شديدة. أنا لا أفهمهم. وعندما يخبرني شخص بشيء اليوم، وينسى ببرود في اليوم التالي كل شيء بشأنه، أعترف أن هذا ... في واقع الأمر يربكني.» «إذن، الرجل الذي قابلته اليوم نسي ما قاله لك بالأمس. هل هذا هو الوضع؟» «نعم؛ هذا جزئيا هو الوضع.» «لكن، يا سيد كينيون، نجاح مشروعك لن يعتمد على ما يقوله شخص أو اثنان أو ثلاثة، أليس كذلك؟» «بلى؛ أنا لا أعتقد أنه يعتمد عليهم.» «إذن، لو كنت مكانك، فلن أشعر بالإحباط لأن أحد الأشخاص قد نسي ما قاله. ليتني كنت أعرف هذا الرجل، وأعتقد أنني كنت حينها سأجعله يشعر بالخجل من نفسه.»
تورد كينيون خجلا عندما قالت هذا، لكنه لم يرد.
نظر سائق العربة حوله عندما وصل إلى هولبرن، وأومأت له الآنسة لونجوورث؛ لذا، انطلق دون أن يتوقف في شارع أكسفورد. «والآن، يا سيد كينيون، أنا مهتمة بشدة بمنجمك، وأتمنى رؤيتك وأنت تنجح فيه . ليت بإمكاني مساعدتك، أو بالأحرى، ليتك تكون صريحا معي وتخبرني كيف يمكنني مساعدتك. أعرف الكثير عن رجال حي السيتي وطرقهم في التعامل، وأعتقد أنني قد أكون قادرة على تقديم بعض النصائح المفيدة لك؛ على الأقل، إن تواضعت وطلبت مني المشورة.»
ابتسم كينيون. «إنك تسخرين مني الآن، يا آنسة لونجوورث. بالطبع، كما قلت على متن السفينة، إنها مجرد مسألة بسيطة جدا.» «أنا لم أقل أبدا مثل هذا الشيء. متى قلت ذلك؟» «لقد قلت إن خمسين ألف جنيه مسألة بسيطة.» «هل قلت هذا؟ حسنا، أنا مثل رجلك الذي نسي ما قاله لك؛ لقد نسيت هذا. أتذكر قولي شيئا عن كون المبلغ صغيرا جدا بحيث لا يمكن أن يكون مناسبا لأبي. ألم يكن هذا هو ما قلته؟» «بلى، أعتقد أنه كان هذا. لقد جعلني هذا أعتقد أنك تظنين أن خمسين ألف جنيه في واقع الأمر مبلغ تافه.»
ضحكت إديث لونجوورث. «يا لها من ذاكرة فظيعة تلك التي تتمتع بها! أنا لا أتعجب من نسيان رجلك الذي من حي السيتي. هل أنت متأكد أنك قلت ما قلته له في وقت سابق وليس أمس؟» «نعم؛ لقد حدث هذا في وقت سابق.» «آه، ظننت ذلك؛ لذا، أخشى أنك يجب أن تلقي باللائمة على ذاكرتك الفظيعة، وليس نسيانه.» «أوه، أنا لا ألقي عليه باللائمة على الإطلاق. كل إنسان له كامل الحق في تغيير رأيه، إن أراد أن يفعل هذا.» «ظننت أن المرأة فقط هي التي لديها هذا الامتياز.» «لا؛ أنا أمنحه بلا قيد للجميع، لكنه في بعض الأحيان قد يكون محبطا قليلا.» «يمكنني فهم ذلك؛ في الواقع، أعتقد أن لا أحد يمكن أن يكون مكروها أكثر من رجل ينسى اليوم ما وعد به بالأمس، وخاصة إن كان هناك شيء بالتحديد يعتمد على هذا. والآن، لماذا لا تأتي إلى منزلنا في مساء أحد الأيام وتتحدث عن المنجم مع ابن عمي أو أبي؟ يستطيع أبي أن يعطيك نصائح قيمة جدا في هذا الشأن، وأعتقد أن ابن عمي يستطيع مساعدتك في إنجاح هذا المشروع. ومن الأفضل أن تتحدث إليهما هناك وليس في مكتبهما؛ لأن كليهما يكونان مشغولين بشدة أثناء النهار بحيث أخشى أنهما قد لا يستطيعان إعطاءك الوقت الكافي لمناقشة الأمر.»
هز جون كينيون رأسه تعبيرا عن الرفض.
ثم قال: «أخشى أن هذا لن يجدي نفعا. أنا لا أعتقد أن ابن عمك يهتم بأن تكون له أي علاقة بالمنجم.» «ما الذي يجعلك تقول هذا؟ ألم يناقش معك الأمر على متن السفينة؟» «بلى؛ لقد تحدثنا قليلا عن الأمر هناك، لكنني أظن أن ... أنا لا أعتقد في واقع الأمر أنه سيهتم بالمضي قدما فيه.»
قالت إديث لونجوورث: «آه، فهمت.» ثم أردفت: «ابن عمي هو الرجل الذي «نسي اليوم ما قاله بالأمس».» «ماذا يجب علي أن أقول، يا آنسة لونجوورث؟ أنا لا أريد أن أقول «نعم»، ولا يمكنني أن أكذب وأقول «لا».» «أنت لا يجب أن تقول شيئا. أنا أعرف على وجه التحديد كيف كان الأمر. لذا، هو لا يريد أن ينضم إليك في المشروع. ما السبب الذي أعطاه لذلك؟» «أنت لن تقولي أي شيء له عن الأمر، أليس كذلك؟ سأشعر بأسف شديد إن عرف أنني تحدثت مع أي شخص عن لقائي معه.» «أوه، بالتأكيد لا؛ أنا لن أقول له أي شيء على الإطلاق.» «إنه لم يعط سببا محددا؛ لقد بدا ببساطة أنه قد غير رأيه. لكنني يجب أن أقول الآتي: إنه لم يبد عليه أنه كان متحمسا بشدة عندما ناقشت الأمر معه على متن السفينة.» «حسنا، يا سيد كينيون، يقع على عاتقي الآن الحفاظ على سمعة آل لونجوورث. هل تريد الحصول على كل الربح الذي سيعود من منجم الميكا؛ أقصد، أنت وصديقك السيد ونتوورث؟» «ماذا تقصدين ب «كل الربح»؟» «حسنا، أقصد ... أتريد مشاركة الربح مع أي شخص؟» «بالتأكيد، إذا كان هذا الشخص بإمكانه مساعدتنا في تأسيس الشركة.» «رائع للغاية؛ أعلى هذا الأساس كنت ستتخذ من ابن عمي شريكا؟» «نعم.» «إذن، أود أن أشارككما في الربح الذي سيعود من المنجم إن كان هو لا يهتم بالأمر. إن جعلتني أدفع التكاليف المبدئية الخاصة بتأسيس تلك الشركة، وإن أعطيتني نصيبا مما ستربحه، فسأكون سعيدة لتقديم المال الذي ستحتاج إليه في البداية.»
نظر جون كينيون إلى الآنسة لونجوورث والابتسامة تعلو وجهه. «أنت ذكية جدا، يا آنسة لونجوورث، لكنني أستطيع تبين، رغم صياغتك للأمر، أن ما تعرضينه مجرد شكل من أشكال الإحسان. وبافتراض أننا لم ننجح في تأسيس شركتنا، كيف لنا أن نرد لك المال؟» «لن تحتاجا إلى رد المال. سآخذ على عاتقي القيام بهذه المخاطرة. إنها نوع من المضاربة. إذا أسستما الشركة، فسأتوقع الحصول على مبلغ كبير جدا لقيامي بالتمويل. إنني أقوم بهذا بدافع حب الذات فقط. أعتقد أن لدي عقلية تجارية. النساء في هذا البلد لا يحظين بمثل هذه الفرص لتطوير قدراتهن التجارية كما يبدو أنهن يحظين بها في أمريكا. في ذلك البلد، هناك نساء كون ثروات بأنفسهن. أنا أومن بمنجمك، وأنا على يقين أنك ستنجح في تأسيس شركتك. إن كنت أنت أو السيد ونتوورث من أصحاب رءوس الأموال، فبالطبع لن تكون هناك حاجة إلى مساعدتي. وإن كنت بمفردي، ما كنت سأستطيع تأسيس شركة. ويمكنك أنت والسيد ونتوورث فعل ما لا يمكنني فعله. يمكنكما الظهور أمام الجميع والقيام بكل المسائل التمهيدية. على الجانب الآخر، أعتقد أنني يمكنني فعل ما لا يمكنكما فعله؛ أي يمكنني توفير مبلغ معين من المال من آن لآخر لدفع تكاليف تأسيس الشركة؛ لأنني أؤكد لك أنه لا يمكن تأسيس أي شركة في لندن بدون مقابل. ربما تعتقد أن عليك ببساطة الذهاب ولقاء عدد كاف من الناس، وبهذا ستتمكن من تأسيس شركتك. أظن أنك لن تجد الأمر بالسهولة التي قد تتوقعها. وإلى جانب هذا الاهتمام المادي بالأمر، لدي اهتمام شخصي شديد بالسيد ونتوورث.»
بعد أن قالت هذا، مالت باتجاه جون كينيون، وقالت بنبرة صوت منخفضة: «رجاء لا تخبره بذلك؛ لأنني أعتقد أنه شاب يمكنه أن يغتر بنفسه.»
قال كينيون باغتمام: «أنا لن أخبره بأي شيء عن الأمر.» «رجاء لا تفعل. بالمناسبة ، أود أن تعطيني عنوان السيد ونتوورث، حتى يمكنني أن أتواصل معه إن خطرت لي فكرة جيدة، أو عرفت شيئا مهما فيما يتعلق بتأسيس شركتنا.»
أخرج كينيون بطاقة، وكتب عنوان ونتوورث عليها، وأعطاها لها.
قالت: «شكرا. كما ترى، أشعر بتعاطف شديد مع السيد ونتوورث؛ لما كان يمر به على متن السفينة.»
رد كينيون: «إنه ممتن جدا لكل ما فعلته من أجله في هذا الشأن.» «أنا ممتنة لهذا. الناس، بوجه عام، لا يكونون ممتنين لما يفعله أصدقاؤهم من أجلهم. لذا، أنا ممتنة لأن السيد ونتوورث استثناء. والآن، أنا أفترض أنك ستتحدث معه بشأن ما قلته لك، قبل أن تتخذا قراركما. وأنا سأكون راضية تماما بأي حصة من الأرباح ستعطونها لي.» «آه، ما تقولينه ليس له علاقة بعالم التجارة والمال، يا آنسة لونجوورث.» «نعم، إنه ليس كذلك؛ لكنني أتعامل معك - أقصد، مع السيد ونتوورث - وأنا متأكدة أنكما ستفعلان ما هو صحيح. ربما سيكون من الأفضل ألا تخبره بمن سيمول الشركة. قل له فقط إنك قابلت صديقا اليوم وعرض عليك، مقابل الحصول على حصة معقولة من الأرباح، تقديم كل الأموال اللازمة لدفع مقابل التكاليف التمهيدية لتأسيس الشركة. إنك ستتشاور معه في الأمر، أليس كذلك؟» «بلى، إن كانت هذه هي رغبتك.» «بالتأكيد، إنها رغبتي؛ وأرغب أيضا في أن تقوم بذلك بطريقة دبلوماسية بحيث تخفي اسمي عنه على نحو أفضل مما فعلت عندما أخفيت اسم ابن عمي عني عصر اليوم.»
قال جون، متوردا: «أخشى أنني أخرق جدا.» «لا؛ إنك صادق جدا، هذا كل ما في الأمر. إنك لست بارعا في فن إخبار ما ليس صحيحا. والآن، هذا هو بيتنا؛ هلا تتفضل بالدخول؟» «شكرا لك، لا؛ أخشى أنني لن أستطيع الدخول. أنا حقا يجب أن أغادر الآن.» «دع سائق العربة يأخذك إلى محطتك.»
قال جون: «لا، لا، الأمر لا يستحق العناء؛ إن المكان على مقربة من هنا.» «لا يوجد أي عناء. ما محطتك ... ساوث كينزينجتن؟» «نعم.»
قالت لسائق العربة: «رائع للغاية. أوصله إلى محطة ساوث كينزينجتن، يا باركر .» ثم لوحت له بيدها مودعة وهي تصعد الدرج، بينما كانت العربة تنعطف.
وهكذا، تم توصيل جون كينيون، الذي كان يشعر بالخجل من فقره، في تلك العربة الفخمة لمحطة مترو لندن المذكورة، حيث استقل القطار المتجه إلى حي السيتي.
وبينما كان ينزل من العربة في ساوث كينزينجتن، خرج السيد لونجوورث الشاب من المحطة في طريقه إلى المنزل، واندهش بشدة ببساطة لرؤية كينيون في عربة آل لونجوورث.
مر جون بجواره دون أن يلاحظ من هو، وفي الوقت الذي كان سائق العربة على وشك التحرك، قال لونجوورث له: «باركر، أتستخدم العربة كعربة أجرة؟»
رد باركر المحترم: «أوه، لا، يا سيدي، الرجل الشاب الذي تركنا لتوه أتى من حي السيتي مع الآنسة لونجوورث.» «هل فعل، حقا؟ هل ذهبتم لاصطحابه، يا باركر؟» «لقد ركب معنا في تشيبسايد، يا سيدي.» «آه، فهمت.» وبعد أن صب بعض اللعنات على كينيون، دخل إلى العربة وذهب إلى المنزل.
الفصل الثامن عشر
كان جورج ونتوورث رجلا مناسبا أكثر بكثير من جون كينيون فيما يتعلق بالمهمة التجارية التي كانا يرغبان في القيام بها. كان ونتوورث مختلطا بالناس، ولم يكن خائفا منهم. وعلى الرغم من أنه عانى بشدة من الواقعة البسيطة التي حدثت على متن السفينة، وعلى الرغم من أنه في هذا الوقت العصيب بدا أنه كان يفتقد الشجاعة المطلوبة، فإن السبب كان إلى حد كبير أن الضربة جاءت له من امرأة، وليس من رجل. وونتوورث، حتى الآن، إن تجاوز أحد معارفه في حقه ووجه إليه ملاحظة مسيئة أو جارحة، يهز كتفيه تعبيرا عن عدم الاكتراث، ولا يفكر مرة أخرى في الأمر. على الجانب الآخر، وبغض النظر عن مظهره الخارجي الذي يدل على البرود والهدوء، فإن جون كينيون حساس مثل الأطفال، وصد كالذي تعرض له من جانب آل لونجوورث كان كافيا لجعله يكتئب لمدة أسبوع. لقد كان تلميذا طوال حياته، ولم يتعلم بعد الدرس المهم المتمثل في معرفة كيفية النظر إلى أفعال الآخرين بتوازن. كان ونتوورث يقول لنفسه إن آراء الآخرين لا تهمه كثيرا، لكن كينيون كان لا يعرف الكثير عن رفاقه بحيث يصل إلى تلك النتيجة المريحة.
أغلق جورج ونتوورث باب مكتبه عندما أصبح بمفرده، وقرب إليه على مكتبه مجموعة الأوراق، التي تركها له كينيون، وأخذ يفحصها بمنهجية ليجد ما إذا كان هناك أي خطأ فيها. وقال لنفسه: «يجب أن أتعامل مع هذا الشيء دون أي تهاون، وأعامل كينيون كما لو أنه لص. يجب أن أجد أي خطأ في الحجة أو أي شيء غير دقيق فيما يتعلق بالحقائق.» وأخذ يدرس الأوراق بجدية، واضعا علامات بالقلم الرصاص في الهامش هنا وهناك. في البداية، قال لنفسه: «من الواضح جدا أن استخراج الميكا سيغطي تكاليف العمل بالمنجم. ويمكننا النظر إلى الطلب على الميكا باعتباره شيئا على نحو ما محسوما. إنه غطى تكاليف العمل بالمنجم حتى الآن، وأدر أيضا ربحا بسيطا، ولا يوجد سبب يدعونا إلى الاعتقاد بأن هذا لن يستمر. والآن، الكمية غير المؤكدة هي المادة الأخرى هذه، والشيء غير المؤكد بشأن تلك الكمية غير المؤكدة هو الطلب عليها في أسواق العالم، وأيضا تكلفة نقلها.» كان لدى ونتوورث نظرية مفادها أن أي شيء ممكن فقط إذا كنت تعرف شخصا يعرف شخصا عالما ببواطن الأمور. هناك دائما شخص كهذا في كل مجال؛ شخص يعد هو المرجعية فيما يتعلق بالحديد، أو المناجم، أو العملات، شخص يعرف كل شيء عن مجال الطباعة. وإذا أردت أي معلومات عن موضوع معين، فليس من الضروري أن تعرف مثل هذا الرجل الخبير، لكن من المهم جدا أن تعرف رجلا يمكن أن يوصلك إلى هذا الرجل. ما عليك إلا أن تحصل على خطاب تقديمي من رجل يعرف هذا الرجل الخبير، وهذا كل ما في الأمر!
ضغط ونتوورث على جرسه، وجاء ساع ليعرف ماذا يريد. «هلا تطلب من فضلك من السيد كلوز أن يأتي هنا للحظات!»
خرج الساعي، وبعد فترة قصيرة، دخل رجل عجوز بعض الشيء ويظهر عليه وقار شديد، وكانت لديه عادة حك يديه معا، أغلق الباب بهدوء وراءه بطريقة خجولة .
قال ونتوورث: «كلوز، من الذي يعد المرجعية في مجال الخزف؟» «الخزف، يا سيدي؟» «نعم، مجال الخزف.» «جملة أم تجزئة، يا سيدي؟» «أريد أن أتواصل مع شخص يعرف كل شيء عن صناعة الخزف.»
قال كلوز، بنبرة دلت على أن هذا أمر مختلف تماما: «آه، صناعة، يا سيدي ... صناعة، يا سيدي؛ نعم، سيدي، أنا في واقع الأمر لا أعرف شخصا بإمكانه معرفة كل شيء عن صناعة الخزف، لكنني أعرف شخصا يمكنه وضعك على الطريق الصحيح.» «رائع جدا؛ هذا شيء جيد بالقدر نفسه.» «لو كنت مكانك، يا سيدي، لقابلت السيد ميلفيل؛ السيد ميلفيل، من شركة سكرانتن الشهيرة للخزف.» «وما عنوانه؟» «عنوانه ...» وهنا، انحنى الرجل العجوز وكتب العنوان على بطاقة. ثم أردف: «هذا سيجعلك تصل إليه، يا سيدي. إن أمكنك، يا سيدي، إرسال رسالة إلى السيد ميلفيل، وإخباره أنك تريد شخصا يعرف كل شيء عن إنتاج الخزف، فسيمكنه إخبارك بالرجل الذي تريده. إنه يعمل في مجال تجارة الخزف بالجملة، يا سيدي.» «أتعتقد أنه سيكون في مكتبه في هذه الساعة؟» «أوه، نعم، يا سيدي، من المؤكد أنه سيكون في مكتبه الآن.» «رائع جدا، إذن؛ أعتقد أن علي الذهاب الآن للقائه.» «جيد جدا؛ أتريد شيئا آخر، يا سيدي؟» «لا، يا كلوز، شكرا لك.»
عندما غادر كلوز، الرجل الذي يستحق التقدير، بهدوء وخجل كما دخل، التقط ونتوورث إحدى عينات السبار التي كان كينيون قد حصل عليها من المنجم، ووضعها في جيبه. وفي غضون دقيقتين، كان في عربة أجرة، أخذت تجري عبر الشوارع المزدحمة متجهة إلى مكتب ميلفيل. وبالقرب من باب مخزن شركة الخزف، وداخل القاعة الرئيسية، كان هناك صفان متوازيان من الأسماء؛ الأول تحت العنوان العام «بالخارج»، والثاني تحت عنوان «بالداخل». بدا أن السيد سميث كان بالخارج، وأن السيد جونز كان بالداخل، لكن المهم أن اسم ريتشارد ميلفيل تصادف أنه كان في عمود هؤلاء الذين كانوا بالداخل. وبعد تأخير لبضع لحظات، أدخل ونتوورث إلى مكتب هذا الرجل.
قال: «سيد ميلفيل، لقد نصحت بالمجيء إليك للحصول على بعض المعلومات المتعلقة بصناعة الخزف. المعلومات التي أريدها قد لا تكون باستطاعتك أن توفرها لي، لكنني أعتقد أن بإمكانك أن تخبرني إلى من يجب أن أرجع حتى أحصل عليها.» وبعد أن قال هذا، أخرج من جيبه عينة المادة المعدنية التي أحضرها معه. ثم أردف: «ما أريد معرفته هو مقدار ما تستخدمه من هذه المادة كل عام في صناعة الخزف؛ والمقابل الذي تدفعه لقاء ذلك؛ وأود الحصول على تقدير، إن كان هذا ممكنا، للكمية المستخدمة منها في إنجلترا كل عام.»
أمسك ميلفيل بالعينة وقلبها في يده، ناظرا إليها باهتمام.
ثم قال في النهاية: «حسنا، أستطيع إخبارك بأي شيء تريده عن تجارة الخزف بالجملة، لكنني لست على دراية كبيرة فيما يتعلق بصناعتها. من أين حصلت على هذه؟»
قال ونتوورث: «إنها من منجم أنا مهتم به.» «آه، هل لي أن أسأل عن مكان وجوده؟»
رد ونتوورث على نحو مبهم: «إنه في أمريكا.» «فهمت. هل فكرت في مسألة النقل قبل محاولتك طرحه للبيع في السوق الإنجليزية؟ إن هذه، كما تعرف، مسألة مهمة. إن تكلفة نقل مادة ثقيلة لمسافة طويلة تعد عاملا مهما فيما يتعلق بقيمته التجارية.»
قال ونتوورث: «أدرك ذلك، وإن سؤالي عن تفاصيل سعر تلك المادة هنا هدفه أن أستطيع وضع تقدير تقريبي لقيمتها.» «أفهم ذلك، لكنني لن أستطيع الإجابة عن أسئلتك. إن كان لديك من الوقت ما يتيح لك الانتظار لرؤية السيد براند، مدير الإنتاج لدينا، الذي يعد أيضا أحد الملاك، فيمكنه بسهولة إخبارك بكل شيء عن هذه المادة؛ إنه سيقول لك ما إذا كانت تستخدم على الإطلاق من عدمه. إنه يأتي إلى لندن مرة كل أسبوعين، واليوم هو يومه. أنا في انتظار وصوله إلى هنا في أي وقت. يمكنك الانتظار، إن أردت، ورؤيته.» «أنا لا أعتقد أن هذا سيكون ضروريا. سأكتب، إذا سمحت لي، ما أريد معرفته على وجه التحديد، وفي غضون دقيقتين أو ثلاث، يمكنه كتابة المعلومات التي أريدها منه. ثم، سأزورك ثانية غدا، إذا كنت لا تمانع.» «على الإطلاق. سأوضح الأمر له. ويمكنك أن تترك لي هذه القطعة، أليس كذلك؟»
قال ونتوورث: «بالتأكيد.» وراح يكتب على قطعة ورق الأسئلة: «أولا: ما الكمية التي تستخدمها من هذه المادة في أعمالك كل عام؟ ثانيا: ما المقابل الذي تدفعه لكل طن منها؟ ثالثا: هلا تعطيني، إن كان هذا ممكنا، تقديرا للكمية المستخدمة منها في إنجلترا؟»
قال: «لقد انتهيت، إن أعطيته قطعة الورق هذه، وأريته عينة المادة، فسوف أكون ممتنا لك بشدة.»
قال ميلفيل: «بالمناسبة، هل هذا المنجم يعمل؟» «نعم، إنه كذلك.» «هل هناك شخص آخر غيرك مهتم بشأنه في هذا البلد؟»
قال ونتوورث، ببعض التردد: «نعم، جون كينيون، خبير التعدين، مهتم به والسيد لونجوورث؛ السيد لونجوورث الشاب الذي من حي السيتي.» «هل تجمعه صلة قرابة بجون لونجوورث؟» «إنه ابن أخيه.» «آه، حسنا، إن أي شيء يهتم به لونجوورث يكون إلى حد كبير مشروعا ناجحا.» «أنا ربما أكون قد بالغت كثيرا بقولي إنه مهتم بالمنجم، لكنه بدا أثناء عودته من أمريكا أن لديه الرغبة في الانضمام إلينا. إن شريكي، جون كينيون، الذي ذكرته لك لتوي، معه الآن، على ما أعتقد.» «رائع للغاية. سأعرض تلك العينة على السيد براند كما أردت، وسأجعلك تعلم غدا ماذا قال.»
وهنا، غادر ونتوورث، ولدى خروجه عبر القاعة الرئيسية، قابل مدير الإنتاج، على الرغم من أنه لم يكن يعرفه في ذلك الوقت. لقد كان رجلا تبدو على وجهه أمارات البراعة الشديدة، وكان يمشي بخطى سريعة تبين أنه كان يعتقد أن الوقت من ذهب.
قال عندما دخل: «حسنا، ميلفيل، لقد تأخرت قليلا اليوم، أليس كذلك؟» «لقد تأخرت قليلا عن موعدك المعتاد، ولكن ليس كثيرا.»
قال المدير: «بالمناسبة ...» ثم وقعت عينه على العينة الموجودة على المكتب أمام ميلفيل. وصاح قائلا: «ما هذا؟ من أين جئت بها؟» «لقد تركها لي هنا منذ لحظات رجل كريم أردته أن ينتظرك حتى تأتي، لكن بدا أنه كان في عجلة من أمره. إنه سيأتي إلى هنا ثانية غدا.» «ما اسمه؟» «ونتوورث. وها هي بطاقته.» «آه، من شركة لمراجعي الحسابات، أليس كذلك؟ كيف أمكنه الحصول على هذه القطعة؟» «لقد أراد الحصول على بعض المعلومات عنها، وأخبرته بأنني سأريك إياها. وها هي الرسالة التي تركها لك.»
أدار المدير الكريستالة مرة بعد أخرى في يده، وارتدى نظارته، وفحص الكريستالة بعناية، ثم التقط قطعة الورق وقرأ ما كتبه ونتوورث. «هل قال من أين حصل عليها؟» «نعم؛ إنه يقول إن هناك منجما منها في أمريكا.» «في أمريكا، ها؟ هل قال كم يوجد من هذه المادة؟» «لا؛ لم يخبرني بذلك. لكن المنجم قيد التشغيل.» «هذا غريب جدا! أنا لم أسمع به قط.»
قال ميلفيل: «لقد فهمت منه أنه يرغب في بيع المنجم هنا. إنه لم يقل الكثير، لكنه أخبرني أن شريكه - لقد نسيت اسمه - كان يتحدث في الوقت الحالي مع لونجوورث الشاب بشأنه.» «لونجوورث ... من يكون؟» «إنه رجل مولع بالعمل في مجال المناجم أو غيرها من الاستثمارات؛ أقصد، عمه هو الذي يفعل هذا؛ إنه أيضا رجل عجوز بارع وداهية جدا. إنه دائما في الجانب الصحيح من السوق، بغض النظر عما تئول إليه الأمور.» «إذن، إنه شخص من المؤكد أنه سيعرف قيمة المنجم إن اشتراه، أليس كذلك؟» «أنا لا أعرف شخصا يعرف قيمة ما يمتلكه على نحو أفضل من لونجوورث.»
قال متأملا: «آه، يا للحسرة!» «لماذا؟ هل تلك مادة ذات قيمة؟» «ذات قيمة! محجر من تلك المادة سيكون أفضل بالنسبة إلينا من منجم ذهب!» «حسنا، بدا لي، أثناء الحديث مع السيد ونتوورث، أنه ليست لديه أي فكرة محددة عن فائدتها. وبدا لي أنه لا يعرف شيئا عنها، ولهذا جاء إلى هنا للحصول على معلومات عنها.»
نظر المدير ثانية إلى الورقة التي معه.
ثم قال: «لست متأكدا من ذلك.» وأضاف: «إنه يريد معرفة الكمية التي نستخدمها منها كل عام، والكمية المستخدمة منها في إنجلترا، والسعر الذي ندفعه في الطن منها. أستطيع أن أحكم، من هذا، أن لديه فكرة عن قيمتها، ويريد فقط أن يتحقق منها. نعم، أنا متأكد من أن هذا هو مسعاه. أخشى أنه لا يمكن فعل الكثير مع السيد ونتوورث.» «ما الذي تفكر في فعله؟» «عزيزي ميلفيل، إن استطعنا الحصول على مثل هذا المنجم، مع افتراض أن به كمية لا محدودة من تلك المادة، فيمكننا السيطرة على أسواق الخزف في العالم.» «أنت بالطبع لا تقصد ما تقوله!» «إن هذه حقيقة، بسبب نقاء المادة. المادة التي نستخدمها مشربة بشدة بالحديد؛ علينا إخراج الحديد منها، وهذا يكلفنا بعض المال. هذا لا يعني أن المادة في حد ذاتها غير مألوفة على الإطلاق؛ فهي واحدة من أكثر المواد شيوعا في الطبيعة؛ لكنني لم أر شيئا من قبل بهذا النقاء. إنني أتساءل إن كانت هذه عينة فعلية مما بإمكانهم استخراجه من المنجم. وإذا كان الأمر كذلك، فأنا أفضل امتلاك هذا المكان على امتلاك منجم ذهب أنا أعلم بتفاصيله.» «حسنا، سأتحدث إلى السيد ونتوورث، إن أردت. إنه سيأتي إلى هنا في نحو ذلك الوقت غدا، وسأجد إن كان بالإمكان عقد اتفاق معه.»
رد المدير، الذي كان لا يفضل أبدا فعل الأشياء بطريقة مباشرة: «لا، أنا ما كنت سأفعل هذا.» ثم أردف: «أعتقد أن أفضل طريقة هي أن ترى لونجوورث. الاحتمال الأكبر أن رجل اقتصاد مثله لا يعرف قيمة هذا المكان؛ وإن لم تكن تمانع، فسأكتب رسالة إلى السيد ونتوورث وأعطيه رأيي في هذه المادة.» «ماذا سأقول للونجوورث؟» «قل له ما تشاء؛ أنت تفهم في هذا النوع من الأمور أفضل مني. ها هي حقائق المسألة. إن استطعنا الحصول على حصة غالبة في هذا المنجم، مع افتراض أن المادة الموجودة به متوافقة مع العينة - أعتقد أن هذه عينة مختارة بعناية؛ بالطبع، سيكون علينا أن نرسل أحدا إلى أمريكا لنتأكد - إن استطعنا الاستحواذ على هذا المكان، فستكون هذه هي أهم صفقة قمنا بها في مجال الأعمال، بشرط، بالطبع، أن نحصل عليه بسعر رخيص بالقدر الكافي.» «ماذا تقصد بسعر رخيص بالقدر الكافي؟» «ستعرف المبلغ الذي سيبيع به لونجوورث المنجم.» «لكن ماذا لو كان ونتوورث يمتلك المنجم أو يمتلكه مناصفة مع لونجوورث؟» «أعتقد، على نحو ما، أنك إذا كنت تعرف لونجوورث، فيمكنك على الأرجح التوصل إلى اتفاق جيد معه. وفي غضون ذلك، سأرسل أنا رسالة إلى ونتوورث. هل معك هنا عنوانه؟» «نعم.» «رائع جدا.»
أخذ قلمه وكتب على عجل الرسالة التالية:
سيدي العزيز
يؤسفني القول إن المادة التي تركتها في مكتبنا أمس غير ذات قيمة بالنسبة إلينا. إننا لا نستخدم مادة من هذا النوع، وبقدر علمي، إنها غير مستخدمة في أي مكان في إنجلترا.
المخلص
آدم براند
الفصل التاسع عشر
الاحتمال الأكبر، بغض النظر عن الظروف التي التقى فيها لونجوورث الشاب وكينيون لأول مرة، هو أن الأول سيكره الثاني. وعلى الرغم من أن صداقات قوية قد تكونت بين أشخاص مختلفين في الطبائع، فلا يجب أن ينسى أن عداوات قوية مماثلة قد نشأت بين أناس فقط لأنهم ذوو طبائع متباينة. لا يمكن أن يكون هناك شابان مختلفان كل منهما عن الآخر مثل هذين الشابين؛ وعندما تذكر لونجوورث اللقاءات المختلفة التي جرت بينه وبين كينيون، اعترف بينه وبين نفسه بأنه يكن بغضا شديدا لهذا المهندس. وقد أضافت الصداقة الواضحة التي كانت تجمع بين كينيون وابنة عمه مرارة لهذا البغض الذي كان يتحول بسرعة إلى كراهية. لكنه هدأ كثيرا، في أثناء الرجوع للمنزل بالعربة، وأصبح مقتنعا بأنه من الأفضل ألا يقول شيئا عن لقائها بكينيون ما لم تذكر هي الموضوع. ففي النهاية، العربة ملكها وليست ملكه، وقد كان يدرك هذه الحقيقة. وقد تساءل عن مقدار ما قاله كينيون عن اللقاء الذي جرى بينهما في مكتب عمه. ولكنه أثنى على نفسه بأنه كان يعرف الكثير عن النساء بحيث يتأكد من أنها سرعان ما تذكر الأمر، ثم تمنى معرفة مقدار ما قد قيل على وجه التحديد. ولدهشته، لم تقل ابنة عمه شيئا على الإطلاق عن الأمر، لا في ذلك المساء ولا في صباح اليوم التالي، ومن ثم ذهب إلى مكتبه في حالة مزاجية متحيرة بعض الشيء.
عند وصوله إلى غرفته في حي السيتي، وجد ميلفيل بانتظاره.
صافح ميلفيل لونجوورث الشاب ، وأخرج عينة معدنية من جيبه ووضعها على مكتب الرجل الشاب وقال: «أعتقد أنك تعرف من أين أتت هذه؟»
نظر لونجوورث إليها في حيرة جعلت ميلفيل يعتقد أنه يعرف القليل جدا عن الأمر. «أنا ليست لدي أدنى فكرة، في واقع الأمر.» «كيف؟ لقد قيل لي إنك مهتم بالمنجم التي أخذت هذه منه. لقد زارني السيد ونتوورث أمس، وأعطاني اسمك باعتبارك أحد المهتمين بأمر المنجم.» «آه، نعم، فهمت؛ نعم، نعم، أنا لدي ... بعض الاهتمام بالمنجم.» «حسنا، هذا ما جئت لأتحدث معك بشأنه. أين يقع المنجم؟» «إنه بالقرب من نهر أوتاوا، على ما أعتقد، فوق مونتريال بمسافة كبيرة. أنا لست متأكدا من مكانه بالضبط، لكنه في مكان ما في تلك المنطقة.» «ظننت من خلال ما قاله ونتوورث أنه في الولايات المتحدة الأمريكية. لقد ذكر شخصا آخر باعتباره شريكه في هذا الأمر؛ لقد نسيت اسمه.» «جون كينيون، على الأرجح.» «كينيون! نعم، أعتقد أن هذا هو الاسم. نعم، أنا متأكد أنه كذلك. والآن، هل لي أن أسألك عن علاقتك بهذا المنجم؟ هل أنت شريك ونتوورث وكينيون فيه؟ هل أنت المالك الأساسي للمنجم، أو أن المنجم مملوك لهما؟» «بادئ بدء، سيد ميلفيل، أود أن أعرف لماذا تسألني هذه الأسئلة؟»
ضحك ميلفيل. «حسنا، سأخبرك. نحن نود معرفة فرصة حصولنا على حصة غالبة في هذا المنجم. لقد أوضحت لك ما أريد بصراحة شديدة، أليس كذلك؟» «بلى، لقد فعلت. لكن من تقصد بكلمة «نحن»؟ من مهتم بالأمر غيرك؟» «بكلمة «نحن» أقصد شركة الخزف التي أنتمي إليها. تلك المادة مفيدة في صناعة الخزف. أعتقد أنك تعرف هذا.»
رد لونجوورث: «نعم، أنا على علم بهذا.» رغم أنه قد سمع بالأمر في ذلك الوقت للمرة الأولى. «رائع جدا، إذن؛ أود أن أعرف مالك المنجم.» «مالك المنجم في الوقت الراهن شخص أجنبي لا أعرف اسمه أو عنوانه. الشابان اللذان تتحدث عنهما لديهما عقد حق شراء على هذا المنجم لمدة محددة؛ لكنني لا أعرف ما هي. لقد كانا يحثاني على الانضمام إليهما لتأسيس شركة لطرح هذا المنجم للبيع بمبلغ مائتي ألف جنيه في سوق لندن.»
قال ميلفيل: «مائتا ألف جنيه!» ثم أردف: «يبدو هذا لي مبلغا ضخما للغاية.» «هل تعتقد ذلك؟ في واقع الأمر، الاعتراض الذي أبديته على الأمر كان أنه كان صغيرا جدا.» «لا بد أن هذين الرجلين لديهما فكرة مبالغ فيها فيما يتعلق بقيمة هذه المادة عندما ظنا أنه سيدر أرباحا على المائتي ألف جنيه.» «إن تلك المادة هي ليست المادة الوحيدة الموجودة في المنجم. في الواقع، إنه يدر أرباحا بالفعل على خمسين ألف جنيه أو نحو ذلك، بسبب الميكا الموجودة به. إنه يجري التنقيب فيه عن الميكا فقط. وفي الحقيقة، أنا لا أعرف الكثير عن المادة الأخرى.» «وهل تعتقد أن المنجم يستحق مائتي ألف جنيه؟» «بصراحة، لا.» «إذن، لماذا لك علاقة به؟» «أنا ليست لي علاقة به؛ على الأقل، ليست لي علاقة محددة به. إني أضع الأمر قيد الدراسة. بالطبع، إن كان هناك أي شيء يقترب من كونه احتيالا فيه، فأنا لن تكون لي أي علاقة به. ستعتمد علاقتي به من عدمها على نحو كبير على الأرقام التي سيريني إياها الرجلان.» «فهمت؛ لقد فهمت موقفك.» ثم مال باتجاه لونجوورث وقال بصوت منخفض: «أنت رجل أعمال. والآن، أريد أن أسألك عن فرصة حصولنا على المنجم بمبلغ يقترب من قيمة عقد الخيار الأصلية، التي، بالطبع، تقل كثيرا عن المائتي ألف جنيه. نحن لا نريد أن يكون هناك الكثير من الأطراف في الأمر. في واقع الأمر، إن استطعت أن تحصل عليه لنا بسعر معقول، ولا تريد أن تزعج نفسك بشأن المنجم نفسه، فسنحصل عليه بأكمله لنا.»
فكر لونجوورث الشاب للحظات، ثم قال لميلفيل: «هل تقصد استبعاد الرجلين الآخرين، كما يقولون في أمريكا؟» «أنا أعرف شيئا عن مسألة الاستبعاد هذه؛ لكن، بالطبع، مع وجود هذين الشخصين، لن يكون هناك ربح كبير يمكن اقتسامه. نود التعامل مع أقل عدد ممكن من الأشخاص.» «تماما. أفهم ما تقصد. وأعتقد أن هذا يمكن تنفيذه. هل أنتم في عجلة شديدة من أمركم فيما يتعلق بتملك المنجم؟» «ليس تماما. لماذا؟» «حسنا، إذا سارت الأمور على ما يرام، فأعتقد أن بإمكاننا الحصول عليه بنفس مقابل عقد خيار الشراء الأصلي. وسيعني هذا، بالتأكيد، الانتظار حتى انتهاء مدة هذا العقد.» «ألن تكون هناك بعض المخاطرة في هذا؟ إنهما ربما يؤسسان شركتهما في غضون ذلك، وحينها، سنفقد كل شيء. إننا كما نسعى للحصول على المنجم لأنفسنا نسعى بالقدر نفسه لمنع أي أحد غيرنا من فعل ذلك.» «أفهم ذلك. لقد فكرت مليا في الأمر. وأعتقد أن هذا يمكن تحقيقه دون مخاطرة كبيرة؛ لكن، بالطبع، سيكون علينا أن نتكتم بعض الشيء على الأمر.» «أقدر ضرورة ذلك.» «رائع للغاية. سأراك ثانية بعد أن أكون قد فكرت في المسألة، ويمكننا التوصل إلى اتفاق ما.» «يجب أن أقول إن مديرنا قد كتب رسالة إلى ونتوورث، يقول له فيها إن تلك المادة ليست ذات فائدة بالنسبة إلينا.»
قال لونجوورث الشاب، بنظرة تنم عن الذكاء: «رائع.» «لذا، بالطبع، عند الحديث مع ونتوورث عن المنجم، من الأفضل أيضا ألا تذكرنا بأي نحو.» «أنا لن أفعل هذا.» «رائع جدا. سأترك الأمر في يديك في الوقت الراهن.» «نعم، افعل هذا. سأمعن التفكير في الأمر في عصر اليوم، وربما أرى ونتوورث وكينيون غدا. لا داعي للعجلة الشديدة؛ لأنني عرفت مصادفة أنهما لم يفعلا أي شيء حيال الأمر حتى الآن.»
وهنا، غادر السيد ميلفيل، وأخذ لونجوورث الشاب يذرع الغرفة ذهابا وإيابا، وهو يفكر في خطة ستجلب له مالا وفي نفس الوقت ستجعله يشعر بالرضا لإضاعة فرصة مهمة على جون كينيون.
وعندما وصل لونجوورث البيت، انتظر أن تقول له ابنة عمه شيئا عن كينيون؛ لكنه سرعان ما رأى أنها لم تكن تنوي الحديث عنه على الإطلاق. لذا، قال لها: «إديث، هل تتذكرين كينيون وونتوورث؛ اللذين كانا على متن السفينة؟» «أتذكرهما جيدا.» «أتعرفين أن لديهما منجما للبيع؟» «نعم.» «لقد كنت أفكر فيه؛ في الحقيقة، زارني كينيون في مكتبي منذ يوم أو اثنين، وفي ذلك الوقت، ودون أن أخضع الموضوع لمزيد من التفكير، لم أتحدث إليه على نحو إيجابي؛ لكنني أخذت أفكر في الأمر منذ ذلك الحين، ووصلت إلى شبه قرار بمساعدتهما. ما رأيك؟» «أوه، أعتقد أن هذه ستكون خطة رائعة. أنا متأكدة أن المنجم جيد، وإلا ما كان كينيون ستكون له أي علاقة به. سأكتب رسالة لهما، إن رأيت أن هذا مناسب، أدعوهما فيها للمجيء إلى هنا للحديث معك عن الأمر.» «لن يكون هذا ضروريا على الإطلاق. أنا لا أريد أن يأتي الناس إلى هنا للحديث بشأن أمور العمل. مكتبي هو المكان الملائم.» «لكننا قابلناهما على نحو ودي على متن السفينة، وأعتقد أنه سيكون من اللطف إن جاءا إلى هنا في مساء أحد الأيام وتحدثا في الأمر معك.» «أنا لا أحبذ مناقشة أمور العمل في البيت. سيكون هذا حديث عمل فقط، ويجب أن يتم في مكتبي أو في مكتب ونتوورث، إن كان لديه واحد، وأعتقد أن هذا هو الحال.» «أوه، بالتأكيد؛ إن عنوانه هو ...» «أوه، إنك تعرفينه، أليس كذلك؟»
توردت إديث عندما أدركت ما قالته؛ ثم قالت: «هل هناك أي مشكلة في معرفة عنوان العمل الخاص بالسيد ونتوورث؟» «أوه، لا على الإطلاق ... لا على الإطلاق. أنا فقط أتساءل كيف تأتى لك معرفة عنوانه، في حين أنني لا أعرفه.» «حسنا، لا يهم كيف عرفته. أنا مسرورة أنك ستنضم إليه، وأنا متأكدة أنك ستنجح. هل ستراهما غدا؟» «أعتقد ذلك. سأزور ونتوورث وأتحدث إليه عن الأمر. بالطبع، قد لا يكون بإمكاننا الوصول إلى اتفاق مناسب. وإن حدث ذلك، فإن هذا في واقع الأمر لا يهم كثيرا. أما إن استطعت الوصول معهما إلى اتفاق مرض، فسأساعدهما في تأسيس شركتهما.»
عندما ذهبت إديث إلى غرفتها، كتبت رسالة. وكانت الرسالة موجهة لجورج ونتوورث في حي السيتي، ولكن فوق هذا العنوان كتبت اسم جون كينيون. وقالت فيها:
عزيزي السيد كينيون
كنت متأكدة أثناء حديثك معي أن ابن عمي ليس ملوما كثيرا في مسألة نسيانه حديثه معك كما كنت تظن. لقد تحدثنا الليلة عن المنجم، وعندما يزورك غدا، كما ينوي أن يفعل، أريدك أن تعرف أنني لم أقل شيئا على الإطلاق له عما ذكرته لي. لقد ذكر الموضوع أولا. وأريدك أن تعرف هذا لأنك قد تشعر بالإحراج عندما تقابله عندما تظن أنني قد أرسلته إليك. ليس الأمر هكذا إطلاقا. إنه سيأتي إليك بمحض إرادته، وأنا متأكدة أنك ستجد مساعدته في تأسيس الشركة قيمة جدا. وأنا مسرورة لفكرة أنكما ستصبحان شريكين.
مع خالص تحياتي
إديث لونجوورث
أعطت الرسالة لخادمها كي يرسلها، وقابل لونجوورث الشاب الخادم في البهو والرسالة في يده. وقد كان لديه شك على نحو ما، بعد الحوار السابق، بشأن الشخص المرسلة إليه الرسالة. «إلى أين أنت ذاهب بهذا؟» «إلى صندوق البريد، يا سيدي.» «إنني خارج؛ ولأوفر عليك العناء، سآخذه معي.»
بعد أن تجاوز المنعطف، نظر إلى العنوان الموجود على الظرف؛ ثم أخذ يطلق اللعنات في نفسه لبعض الوقت. ولو كان شخصية شريرة في مسرحية، لفتح الرسالة؛ لكنه لم يفعل. لقد أسقطها فقط في أول صندوق بريد عمومي صادفه، وقد وصلت الرسالة في النهاية إلى جون كينيون.
الفصل العشرون
على الرغم من أن جيني بروستر وصلت لندن وهي غاضبة من العالم بوجه عام، ومن العديد من سكانه بوجه خاص، فسرعان ما بدأت تستمتع بالمباهج الموجودة في تلك المدينة العظيمة. لقد كانت المدينة عتيقة للغاية؛ لذا كانت جديدة عليها، وقد زارت كنيسة وستمنستر وغيرها من المعالم القديمة على نحو متتابع. وقد أعجبها رخص أجرة العربات التي تجرها الخيول، وقضت معظم وقتها في التنقل في أنحاء المدينة باستخدام تلك العربات. ولقد أقامت في أحد الفنادق الكبرى، وطلبت العديد من الفساتين الجديدة من أحد الأماكن في شارع ريجنت. ولقد اشترت معظم الصحف، الصباحية والمسائية منها، وقالت إنها لم تستطع إيجاد مقال ممتع في أي منها. ورأت، من وجهة نظرها، أنها كانت غبية وتنقصها الجرأة، وقررت أن تنقد محرر إحدى الصحف اليومية الكبيرة عندما يكون لديها وقت، وتجري معه حوارا، وتعرف كيف سمح له ضميره بنشر صحيفة غبية بشدة كصحيفته كل يوم.
كتبت لمدير تحريرها في نيويورك بأن لندن، رغم أنها مدينة بطيئة الإيقاع، كانت مليئة بالمواد الجيدة الصالحة للنشر، وأن أحدا لم يقترب منها بالكتابة منذ عصر ديكنز؛ لذا، عرضت أن تكتب سلسلة من المقالات عن المدينة الكبيرة التي ستجعل هؤلاء المحررين ينشطون قليلا. وقد أرسل مدير التحرير برقية لها يطلب منها المضي قدما في مشروعها، وقد فعلت.
لقد استعانت جيني بخدمات مرافقة، وكانت سعيدة للغاية بتلك الرفاهية غير المعتادة. وقد أوعز إليها بأن الليدي ويلو كانت بمنزلة القديس بيتر لكن من الناحية الاجتماعية؛ فقد كانت تحمل المفاتيح التي ستفتح بوابات جنة الحياة الاجتماعية الإنجليزية، إن حصلت على مقابل مجز بالقدر الكافي. ومن بين كل المعالم القديمة في إنجلترا، لم يجذب انتباه جيني شيء أكثر من الطبقة الأرستقراطية، وعلى الرغم من أنها كتبت إلى نيويورك تطلب خطابات تقديمية لتساعدها في عملها في لندن، فلم يكن لديها من الصبر ما يجعلها تنتظر وصولها. ولذلك، استعانت بخدمات الليدي ويلو، أرملة السير دبنهام ويلو، الذي مات بالخارج، مفلسا، قبل بضع سنوات، وقد حزن عليه الدائنون الذين تركهم خلفه.
كانت جيني تشك في اللقب الذي تحمله الليدي ويلو، وطلبت منها أدلة أكيدة على صحته قبل أن تستعين بخدماتها. واندهشت كيف يمكن أن تبيع أي سيدة نبيلة حقا، كما كان الحال، تأثيرها الاجتماعي مقابل مبلغ ما في الأسبوع؛ لكن، نظرا إلى أن الليدي ويلو تعجبت هي الأخرى من كسب الفتاة الأمريكية لعيشها بكتابة مقالات للصحف، وجد اندهاش الأولى نظيره في تعجب الأخرى.
كانت الليدي ويلو تظن أن كل الفتيات الأمريكيات قد ولدن بنات لميلونيرات؛ وذلك بناء على قانون طبيعي غربي ما غير مفهوم، وتخيلت أن هدفهن الوحيد من رغبتهن في دخول المجتمع اللندني هو أن يشترين لأنفسهن سليل أسرة أرستقراطية بأي ثمن؛ لذا، كانت ميالة لرفض لقاء شابة حريصة عازمة على ما يبدو على الحصول على مقابل لما تدفعه من مال.
قالت الليدي ويلو بتكبر شديد: «ليس من عادتي الحديث عن شروط العمل.»
ردت جيني بلا مبالاة: «إنه من عادتي؛ فأنا أحب دائما معرفة ما أشتريه، والثمن الذي سأدفعه مقابلا له.»
قالت السيدة، وهي تقوم من مكانها بسخط: «إنك تتعاملين معي، كما لو كنت تستأجرين طباخا. أنا متأكدة أننا لن نتوافق معا على الإطلاق.» «رجاء اجلسي، يا ليدي ويلو، ولا تغضبي. دعينا نتحدث عن الأمر بصورة ودية، حتى لو لم نصل إلى اتفاق. أعتقد أن الطباخ شخص مهم للغاية، وأؤكد لك أنني كنت سأعامله بأكثر الطرق احتراما؛ بينما معك، على الجانب الآخر، فأنا أتحدث بطريقة صريحة وودية، كما هو الحال بين الأصدقاء. أعتقد أنني وأنت وضعنا مماثل بعض الشيء. لا أحد منا غني؛ لذا، على كل منا أن يكسب المال الذي يحتاج إليه بطريقته الخاصة. ولن يكون من الأمانة أن أدعي أمامك بأنني غنية، ثم لا أستطيع أن أدفع لك ما تتوقعين الحصول عليه بعد أن فعلت كل ما يمكنك من أجلي، أليس كذلك؟ رائع جدا، إن كان لديك شخص آخر يمكن أن تعملي كمرافقة له ويستطيع أن يدفع لك أكثر مما سأفعل، فلا يجب أن تهتمي بشأني على الإطلاق، وعليك الحصول على العميل الأكثر ثراء.»
تذكرت الليدي ويلو أن هذا ليس الموسم الذي يكثر فيه العملاء الأثرياء؛ لذا كبحت جماح سخطها، وجلست ثانية.
قالت جيني: «هذا جيد، ودعينا نخض حديثا هادئا ولطيفا، بغض النظر عما سيسفر عنه. والآن، إن أردت، يمكنني كتابة مقال لطيف عنك في صحيفة «صنداي آرجوس»، وهو ما سيجعل كل الفتيات الثريات اللائي يقدمن إلى هنا يأتين إليك مباشرة.»
صرخت الليدي ويلو، وقد صعقت على ما يبدو على نحو لا يوصف من الفكرة: «يا إلهي! يا إلهي! أنت بالطبع لن تفعلي شيئا فظيعا كهذا. إن عرفت صديقاتي أنني أصاحب الفتيات الصغيرات وآخذ مالا منهن، فلن يسمحن لي بدخول بيوتهن ثانية.» «آه، أنا لم أفكر في ذلك. بالطبع، لن يكون ذلك مقبولا. يا له من شيء غريب أن أولئك الذين يريدون أن يظهروا في الصحف بوجه عام لا يرون أبدا أسماءهم هناك ؛ في حين أن أولئك الذين لا يريدون أن يذكر أي شيء عنهم هم الذين يسعى الصحفيون دائما لنشر أخبارهم!» «إذن، هل تكتبين مقالات في الصحف؟» «في إحداها.»
قالت الليدي ويلو، وقد قامت ثانية، ويبدو عليها أنها كانت عازمة على الرحيل: «يا له من أمر مريع!» وكان من الواضح أن أي تعامل مع تلك الفتاة الأمريكية كان مستحيلا. «اجلسي ثانية، ليدي ويلو. سنفترض أنني غير جديرة على الإطلاق بمرافقتك؛ لذا، دعينا لا نقل المزيد عن هذا الأمر؛ لكنني أريد التحدث إليك.» «لكنك ستكتبين شيئا ...» «أنا لن أكتب كلمة عنك ولا عن أي شيء تقولينه لي. كما ترين، إن مهنتك غريبة بالنسبة إلي كما تبدو مهنتي بالنسبة إليك.» «مهنتي؟ أنا ليس لدي مهنة.» «حسنا، أيا كان ما تسمين الأمر. أقصد الطريقة التي تكسبين بها المال.»
تنهدت الليدي ويلو، وترقرقت الدموع في عينيها. «أنت لا تعرفين، يا صغيرتي، المصاعب التي قد يصادفها الشخص الذي أصبح فجأة بلا عائل، وعليه أن يفعل كل ما في وسعه للحفاظ على المظاهر.»
قامت جيني على الفور، وأمسكت بيد السيدة العجوز التي لم تبد أي مقاومة، وأخذت تمسدها بيدها بلطف.
ردت، بارتعاش قليل في صوتها: «كيف هذا؟ أنا بالطبع أعرف هذا، ولا يوجد شيء أفظع في هذه الدنيا من الفقر. إن كان هناك بلد متحضر بحق في هذا الوجود، لكان سيوفر كل ما تحتاج إليه نساؤه. يجب أن تضمن كل امرأة ما يكفل لها مواصلة العيش؛ فقط لأنها امرأة. إن خصصت إنجلترا لنسائها الأموال التي أنفقتها في الأعوام المائة الأخيرة على الحروب البغيضة، أو إن أنشأت أمريكا صندوقا لدعم النساء من الأموال التي سمح لسياسييها بسرقتها، فربما كانت ستحصل نساء هذين البلدين الهمجيين على دخل لن يجعلهن، على الأقل، يخشين الحاجة والعوز.»
بدا أن حماس الآنسة بروستر لم يهدئ من روع الليدي ويلو، بل زادها انزعاجا. وقالت في تردد: «أخشى، يا عزيزتي، أنك تعتنقين بعض الأفكار الغريبة للغاية.» «ربما؛ لكنني لدي فكرة واحدة ليست غريبة؛ وهي أنك ستكونين مسئولة عن فتاة وحيدة لا صديق لها لبضعة أسابيع على الأقل ... حتى تأتي ابنة صاحب شركة تعبئة لحم خنزير غني من شيكاجو، التي لن تصل إلى هنا قبل شهر أو اثنين. إننا لن نتحدث عن شروط العمل؛ سأدفع لك كل ما سيتبقى معي بعد دفع مقابل تنقلاتي بعربات الأجرة ذات الخيول.» «سأكون مسرورة للغاية لفعل ما يمكنني فعله من أجلك، يا عزيزتي.»
خففت الليدي ويلو من حدة نبرتها تجاه عميلتها الشقراء، وتبنت الآن نبرة عطوفة بعض الشيء معها، وهو ما أعجب جيني على ما يبدو. «سأحاول ألا أكون مصدر إزعاج كبير لك، على الرغم من أنني على الأرجح سأسألك العديد من الأسئلة. كل ما أريده في واقع الأمر هو فقط رؤية حديقة الحيوان، وسماع الحيوانات وهي تصيح، ورؤيتها وهي تأكل. وأنا لا أطمح لسرقة أي منها.»
قالت الليدي ويلو باندهاش: «أوه، هذا سيكون من السهل القيام به. يمكننا الحصول على تذكرتين من أحد العاملين في جمعية علم الحيوان، وهو ما سيدخلنا إلى هناك يوم الأحد، حيث لا يوجد سوى عدد قليل من الأشخاص.»
ضحكت جيني بابتهاج. «أقصد حديقة الحيوان الاجتماعية، يا ليدي ويلو؛ لقد زرت الأخرى بالفعل. رجاء لا تنظري إلي باندهاش شديد، ولا تخافي؛ فأنا في واقع الأمر أتحدث على نحو لطيف للغاية عندما أكون في أحد التجمعات، وأنا واثقة أنك لن تخجلي من وجودي على الإطلاق. كما ترين، أنا لم أتحدث إلى أي شخص منذ أن جئت إلى لندن؛ لذا، أعتقد أنني يجب أن يسمح لي بنطاق محدود من المعارف في البداية.»
قللت الليدي ويلو من حدة تكبرها حتى إنها ابتسمت، وإن كان ببعض الارتياب؛ وقالت جيني بابتهاج إنهما هكذا يكونان قد أنهيا اتفاقهما، وإنها متأكدة من أن أواصر الصداقة ستتوطد بينهما بشدة.
وأردفت: «يجب أن تخبريني ماذا علي فعله. أعتقد أن الملابس أهم الأمور المبدئية عندما يفكر المرء في الدخول لأي مجتمع. حسنا، لقد طلبت الكثير منها؛ لذا، هذا الأمر لا مشكلة فيه. ما الأمر التالي ؟» «نعم ، الملابس مهمة؛ لكنني أعتقد أن أول شيء عليك فعله هو الإقامة في منزل جيد في مكان ما. أعتقد أنك لا يمكنك البقاء في هذا الفندق؛ هذا إلى جانب أن المنزل الذي ستختارينه يجب أن يكون فخما للغاية.» «نعم، من الأفضل أن يكون كذلك؛ لكن هذا متاح وفي المتناول بشدة.» «إنه ليس في المتناول بالنسبة إلى كل أفراد المجتمع.» «أوه، هل هو كذلك؟ كنت أفكر في كنيسة وستمنستر وميدان ترافالجار، ومثل هذه الأماكن. بالإضافة إلى ذلك، هناك «دائما» عربة بخيول أنيقة متاحة بالقرب من الباب عندما يريد أي شخص الخروج.» «أوه، اعلمي أنه لا يجب عليك أن تركبي عربات الأجرة هذه!» «لماذا؟ أظن أن أفراد الطبقة الأرستقراطية - الراقية جدا - تركب هذه العربات.» «البعض لديهم عربات خاصة بخيول؛ لكن هذا أمر مختلف للغاية.» «وقد سمعت في مكان ما أن أغلب العربات التي تجرها الخيول في لندن تمتلكها الطبقة الأرستقراطية. أنا متأكدة أنني ركبت واحدة تنتمي لماركيز مكان؛ أنا لا أتذكر اسمه. أنا لا أفترض أن الماركيز نفسه هو الذي كان يقودها. ربما كان يقودها سائقه؛ لكن السائق كان شابا لطيفا للغاية، وأعطاني الكثير من المعلومات. لقد أخبرني بأن الماركيز يمتلك العربة؛ لأنني سألته عن صاحبها. ظننت أن السائق ربما يكون مالكها. سأترك الفندق عن طيب خاطر، لكنني لست متأكدة بشأن العربات. أخشى أن أعدك بشيء في هذا الأمر؛ لأنني متأكدة أنني سأستأجر عربة بخيول تلقائيا عندما أخرج بمفردي. لذا، سنؤجل مسألة العربات حتى وقت لاحق. والآن، أين تقترحين أن أقيم بينما أكون في لندن؟» «يمكنك الإقامة معي إن أردت. أنا لا أملك منزلا كبيرا؛ لكن هناك مكان لصديق أو اثنين، والمنزل في موقع جيد للغاية.» «أوه، سيكون هذا رائعا. أظن أن العنوان المناسب على ورق رسائل المرء هو كل شيء، ويكاد يكون مهما مثل شعار النبالة - إن استخدم شعار النبالة كرأسية؛ وهناك فرق بين دروري وبارك عندما يأتيان بعد كلمة «شارع».»
توصلت السيدتان بسرعة إلى تفاهم كان مرضيا للطرفين، ووجدت الليدي ويلو ، على نحو أرضى بشدة كبرياءها، أن التلهف المندفع للسيدة الشابة قد غير الوضع بحيث غادرت الآن السيدة العجوز، رغم أنها قد جاءت إلى الفندق بتوجه شخص كان، إن جاز التعبير، يسعى من أجل الحصول على إحسان، بإحساس بهيج بالرضا عن الذات الذي يشعر به شخص كريم من على شخص آخر. ولم يكن تنازلها دون طائل، سواء على الجانب المادي أو المعنوي؛ فقد دفعت لها جيني بقليل من البذخ، كما أن النجاح الاجتماعي الفوري لجيني كان مثيرا لفخر الليدي ويلو باعتبارها من قدمت الأمريكية البارعة والمليئة بالحيوية جدا.
لقد كان الانطباع الذي تركته جيني لدى الرجال الشباب السريعي التأثر عاطفيا الذين قابلتهم تحت رعاية الليدي ويلو كبيرا، حتى إن الشائعة التي انتشرت بأنها ليس لديها مال لم تقلل من إعجابهم كلهم بها. لم يفتر اللورد فريدريك في تودده لها، وعاملها كما لو أنها أغنى وريثة عبرت المحيط لتتخلى عن ذهب تم الحصول عليه بطريقة مريبة في مقابل لقب حصل عليه أحد اللصوص في العصور الوسطى، كما لو كان يصنع مقارنة بين الشر القديم والحديث.
نظرت الليدي ويلو لتفضيل اللورد فريدريك لجيني باندهاش بهيج. وعلى الرغم من أنها لم تكن راضية تماما عن الفتاة التي في رعايتها، فقد كانت معجبة بها بشدة؛ لكنها لم تستطع معرفة لماذا يسعى الرجال وراء جيني بشدة، في الوقت الذي يجري فيه تجاهل فتيات أخريات، جميلات مثلها وأكثر جدارة منها بالاهتمام بكثير. لقد ألمحت بلطف إلى الفتاة في أحد الأيام أن زيارتها لإنجلترا ربما لن تكون، في النهاية، عديمة الجدوى.
قالت جيني: «لا أعتقد أنني أفهمك.» «حسنا، يا عزيزتي، بقليل من الكياسة من جانبك، أظن أن اللورد فريدريك بنجهام قد يعرض عليك الزواج.»
توقفت جيني، التي كانت ترتدي قفازها، ونظرت إلى الليدي ويلو، وفي عينيها تألق بهيج وحول أطراف ثغرها ابتسامة خجولة. «هل تتصورين أنني قد جئت إلى هنا من أجل أن أوقع بأحد النبلاء المساكين ... بإبداء بعض الكياسة؟ يا إلهي! كما لو أن الكياسة لها أي علاقة بهذا! أبدا، أبدا، أبدا، يا ليدي ويلو! أنا لن أتزوج إنجليزيا حتى إن كان آخر رجل على وجه الأرض.» «العديد من الرجال الإنجليز لطفاء جدا، يا عزيزتي.» هكذا قالت الليدي ويلو معترضة بلطف، ثم تنهدت بعمق؛ إذ تذكرت زوجها الذي، رغم كونه شخصا مستهترا على نحو يصعب إصلاحه، قد استحوذ على كامل حبها طوال حياته، وكان موضع أسفها الشديد الآن نظرا إلى أنه قد غادر عالما لم يقدر قط مواهبه؛ رغم أن ذلك، في تقدير السيدة الأرملة، كان يرجع بالكامل للعيوب التي لم يستطع السير دبنهام إخفاءها.
أضافت جيني على نحو مناقض لما سبق، بينما كانت تزرر قفازها: «ومع ذلك، أنا أعشق الحصول على لقب؛ أنا لا أعرف السبب في هذا. أعتقد أنه لا توجد أبدا امرأة في صميم قلبها تفضل النظام الجمهوري، وإذا كان للولايات المتحدة أن تنهار، فإن النساء هن من سيقمن بذلك، وسيقمن مكانه نظاما ملكيا. أنا ليس لدي شك في أن الرجال لن يدعونا نقيم إمبراطورية الآن إذا ظنوا أن هذا سيسعدنا.»
قالت الليدي ويلو: «ظننت أن جميعكن بالفعل ملكات هناك.» «أوه، نحن كذلك، لكن تلك هي المشكلة. هناك منافسة شديدة للغاية في مسألة الملكة؛ هناك الكثيرات منا للغاية، لذا، نتخلى عن لقبنا الملكي المشترك في مقابل الألقاب الأقل أهمية المتمثلة في الدوقات والكونتيسات وكل هذا.
إنه ليس بالأمر الهين، باعتقادي،
أن تصبحي ملكة متوجة ومطلقة.
أنا لا أقصد أن يكون هناك من ينازعك في ذلك.
ولكن أن تصبحي ملكة مطلقة، مطلقة، مطلقة، مطلقة وكاملة الصلاحيات.
أنا لا أعرف إن كانت الكلمات صحيحة أم لا، لكن الفكرة العامة موجودة. أوه، يا إلهي! أخشى أنني سأصبح إنجليزية تماما.»
قالت الليدي ويلو، وهي تبتسم رغما عنها، بينما كانت رفيقتها الطليقة اللسان تغني وترقص في أنحاء الغرفة: «أنا لا أرى أمارات كثيرة على هذا.»
قالت جيني: «هيا، يا ليدي ويلو، ارتدي ملابسك؛ أنا ذاهبة إلى مصرف حي السيتي لصرف شيك، وأنا أعلمك مسبقا بأنني سأستقل عربة أجرة بخيول . اللورد فريدي يتفق معي في أن هذه العربات هي أبهج أنواع المركبات؛ رجاء لا تتضايقي مني، يا ليدي ويلو؛ إن «أبهج» هي كلمة اللورد فريدي وليست كلمتي.»
قالت الليدي ويلو، بأكثر أسلوب حاد كان يمكن للسيدة الطيبة أن تستخدمه: «ما لا يعجبني هو مناداتك له باللورد فريدي.» «أوه، هذه هي عبارته، أيضا! إنه يقول إن الجميع يدعونه اللورد فريدي. تعالي معي، وسأناديه باللورد ... فريدريك ... بنجهام.» هكذا ردت بنبرة تعلوها الاحترام مع وجود سكتات ملائمة بين الكلمات. ثم أردفت: «إنه يبدو دائما تافها مقارنة باسمه؛ إنه يشبه رجل مبيعات يقف أمام طاولة بيع قديمة، وأنا لا أتعجب من أن الجميع يدعونه اللورد فريدي. أخشى أنني قد أصبت بخيبة أمل، يا ليدي ويلو. أعتقد أن الرجال قد تدهور حالهم منذ أن أصبحت البذلات الدرعية عتيقة الطراز؛ فقد كان عليهم أن يكونوا ضخام الجثة وأقوياء حينها؛ كي يحملوا هذا الكم من الأشياء المعدنية. بالطبع، يتأثر الرجل بما إذا كان خياطه يفصل له بذلة من قماش الجوخ أو من صفائح الحديد. نعم، بدأت أعتقد أنني قد جئت إلى إنجلترا متأخرة عدة قرون.»
صدمت الليدي ويلو بشدة من تلك الملاحظات السخيفة بحيث لم تستطع الرد؛ لذا، ودون أن تحاول الرد، ذهبت إلى غرفتها لتجهز نفسها لرحلتها إلى حي السيتي.
تركت جيني الليدي ويلو في عربة الأجرة، ودخلت إلى المصرف وخرجت ومعها الأوراق النقدية البيضاء، التي يشار إليها عامة في عالم الأدب بأوراق البنكنوت، وأخذت تحشرها بلا مبالاة أكبر مما تقتضيه قيمتها في حقيبة اليد الخاصة بها. وأخرجت من الحقيبة قطعة ورق مكتوبا عليها عنوان، وأخذت تنظر فيها لبضع لحظات قبل أن تغادر المصرف. ولدى وصولها إلى عربة الأجرة، أعطت قطعة الورق للسائق.
وسألته: «هل تعلم أين يقع هذا العنوان؟» «نعم، يا آنستي؛ إنه على مقربة من هنا.» «حسنا، اذهب إلى الجانب الآخر من الشارع، واستمر حتى تصل إلى الباب رقم 23.» «حسنا، يا آنستي.»
عندما وصل السائق تقريبا قبالة الباب رقم 23، أوقف العربة. ونظرت جيني إلى المدخل حيث كان العديد من الرجال المسرعين يدخلون ويخرجون. كان مبنى كبيرا ممتلئا على ما يبدو بالمكاتب؛ وأخذت الفتاة نفسا عميقا، لكن لم تتحرك لمغادرة العربة.
سألتها الليدي ويلو، التي كان حي السيتي بالنسبة إليها مكانا مجهولا، وكانت العجلة والجلبة الموجودتان فيه مربكتين لها على نحو بغيض: «هل لديك مهمة عمل تودين القيام بها هنا، أيضا؟»
قالت جيني، بنبرة حزينة: «لا، هذه ليست مهمة عمل؛ إنها متعة. أريد الجلوس هنا لبضع دقائق والتفكير.»
قالت الليدي ويلو محتجة: «لكن يا صغيرتي لا يمكنك التفكير في ظل هذه الجلبة؛ هذا بالإضافة إلى أن الشرطة لن تسمح للعربة بالوقوف هنا إلا إذا كان أحدنا يتسوق أو لديك مهمة عمل تودين القيام بها في أحد المكاتب.» «إذن، عزيزتي الليدي ويلو، اذهبي للتسوق لمدة عشر دقائق؛ رأيت بعض المتاجر الرائعة على مقربة من هنا في نفس الشارع. ها هي خمسة جنيهات، وإن رأيت أي شيء علي أن أشتريه، فاشتريه من أجلي. يجب أن يفكر المرء من آن لآخر، كما تعرفين. إن أفكارنا تشبه الخطابات التي نستقبلها؛ نحتاج إلى فرزها دوريا والتخلص من تلك التي لا نرغب في الاحتفاظ بها. أريد أن أفحص بدقة أفكاري وأرى إن كان يجب التخلص من بعضها أو لا.»
عندما تركت الليدي ويلو جيني، جلست الأخيرة وذقنها على يديها ومرفقاها على ركبتيها وأخذت تحدق في رقم 23. لم تكن وجوه أي ممن كانوا يدخلون أو يخرجون مألوفة لها. وكثيرا ما كان المارون ينظرون إليها، لكنها لم تكن تأبه بالناس، ولا بالإعجاب العابر الذي كان يتشكل نتيجة لوجهها الجميل في صدور العديد من الأشخاص القساة العاملين في المجال المالي، إن كانت، بحق، على وعي بالاهتمام الذي تلقته. واستيقظت من حلم اليقظة الخاص بها عندما دخلت الليدي ويلو إلى العربة.
صاحت: «كيف هذا، أعدت بهذه السرعة؟»
ردت السيدة العجوز موبخة إياها: «لقد كنت بالخارج لمدة ربع الساعة.» وأردفت: «لقد أنفقت كل المال، وها هي المشتريات.»
ردت جيني: «المال لا يدوم طويلا في حي السيتي ، أليس ذلك؟»
سألتها السيدة العجوز: «عجبا، ماذا بك، يا عزيزتي؟ يبدو صوتك وكأنك كنت تبكين.» «هراء! غباء! هذا الشارع يذكرني كثيرا ببرودواي مما جعلني أشعر بالحنين بشدة إلى الوطن، هذا كل ما في الأمر. أعتقد أنني سأعود إلى نيويورك.» «هل قابلت شخصا من هناك؟» «لا، لا. أنا لم أر أحدا أعرفه.» «هل تتوقعين ذلك؟» «ربما.» «لم أكن أعلم أن لديك أي أصدقاء في حي السيتي.» «ليس لدي أي أصدقاء هنا. إن ما أتوقع رؤيته هو عدو لي.» «حقا؟ هل هو عدو كان قبل ذلك صديقا؟» «نعم. لماذا تسألينني العديد من الأسئلة؟»
أمسكت الليدي ويلو بيد الفتاة وقالت محاولة تهدئتها: «أنا آسفة من حدوث سوء فهم.»
قالت جيني: «وأنا كذلك آسفة.»
الفصل الحادي والعشرون
عندما دخل جون كينيون مكتب صديقه في صباح اليوم التالي، قال له ونتوورث: «حسنا، كيف سارت الأمور مع آل لونجوورث؟»
كان الرد: «لم تكن جيدة على الإطلاق؛ فقد بدا أن الرجل الشاب قد نسي كل ما جرى بيننا من حديث على متن السفينة، والرجل العجوز لا يهتم مطلقا بالأمر.»
تنحنح ونتوورث وأخذ يطرق على المكتب بطرف قلمه الرصاص.
وقال في النهاية: «أنا لم أعول كثيرا على هذا الشاب قط.» ثم أضاف: «ما السبب الذي أعطاه لرفضه؟» «أنا لا أعرف على وجه التحديد. إنه لم يعط أي سبب. لقد قال فقط إنه لن يشترك في هذا الأمر، بعد أن جعلني أخبره بالمبلغ الذي سندفعه ثمنا للمنجم.» «لماذا أخبرته بذلك؟» «في الواقع، بدا، بعد أن تحدثت إليه قليلا، أن هناك بعض الأمل في انضمامه إلينا. لقد قلت له بوضوح إنني لن أخبره بالمبلغ إلا إذا كان يرغب في الانضمام إلينا. ورد بالطبع أنه لا يمكنه النظر في الأمر على الإطلاق ما لم يعرف ما هو مقبل عليه؛ ولذا، أخبرته به.» «وما المبرر الذي أعطاه لعدم الانضمام إلينا؟» «أوه، لقد قال فقط إنه يرى أنه لن يشترك في الأمر.» «والآن، ماذا تظن أنه كان يهدف من الضغط عليك إن لم تكن لديه النية للانضمام إلى المشروع الخاص بالمنجم؟» «أنا بالتأكيد لا أعرف. أنا لا أفهم هذا النوع من البشر على الإطلاق. في الحقيقة، أشعر براحة كبيرة لأنه لن ينضم إلينا. أنا لا أثق به.» «من الواضح، يا جون، أنك متحامل عليه؛ لكنك تعرف أن اسم لونجوورث سيكون له تأثير كبير للغاية على عقول رجال حي السيتي الآخرين. إن استطعنا أن نشرك آل لونجوورث في هذا الأمر، حتى ولو بقدر قليل، فأنا متأكد أننا لن نجد صعوبة كبيرة في بيع المنجم.» «في الواقع، كل ما يمكنني قوله هو أن مهمتي مع آل لونجوورث فشلت. هل فحصت الأوراق؟» «أوه، نعم، وهذا ذكرني بالأمر. النقطة التي تقوم عليها المسألة بأكملها هي توفر تلك المادة واستخدامها في صناعة الخزف، أليس كذلك؟» «بلى، إنها كذلك.» «حسنا، انظر لتلك الرسالة؛ فقد جاءت هذا الصباح.»
ألقى بالرسالة لكينيون، الذي قرأها ثم سأله: «من يكون آدم براند؟ إنه لا يعرف عما يتحدث.» «إممم، لكن المشكلة أنه يعرف تماما عما يتحدث. أعتقد أنه لا أحد في إنجلترا يعرف أكثر منه. إنه مدير وشريك في شركة سكرانتن للخزف الشهيرة. ذهبت لمقابلة ميلفيل الذي يعمل في تلك الشركة أمس. ولم يستطع إخباري بأي شيء عن المادة، لكنه احتفظ بالعينة التي أعطيتني إياها، وقال لي إنه سيري إياها المدير عندما يأتي. إن براند هو مدير الإنتاج، وإن كان هناك شخص يعرف قيمة تلك المادة، فمن الأحرى أن يكون هو.»
قال كينيون: «لكنه مخطئ.» «هذه هي أهم نقطة في المسألة بأكملها؛ هل هو كذلك؟ إما أن المادة لا قيمة لها، كما يقول، وإما أنه يتعمد الكذب علينا لغرض محدد؛ وأنا لا أستطيع أن أفهم، على أي نحو على الإطلاق، السبب الذي يدفع أحد الغرباء ليس فقط للكذب، وإنما أيضا لكتابة تلك الكذبة على الورق. والآن، يا جون، ماذا تعرف عن صناعة الخزف؟» «أعرف القليل جدا في واقع الأمر عنها.» «رائع جدا، إذن، كيف يمكنك مقارنة معرفتك بها بمعرفة هذا الرجل، الذي لديه خبرة عملية في مجال التصنيع؟»
نظر كينيون إلى ونتوورث، الذي كان من الواضح أنه لم يكن في أفضل حالاته المزاجية. «هل تقصد أن تقول، يا جورج، إنني لست على علم جيد بالموضوع عندما أخبرتك أن تلك المادة مهمة في مجال ما؟» «حسنا، لقد اعترفت لتوك أنك لا تعرف أي شيء عن صناعة الخزف.» «ليس «أي شيء»، يا جورج ... أنا أعرف القليل عنها؛ لكن ما أدركه جيدا هو قيمة المواد. إن السبب وراء معرفتي بصناعة الخزف هو ببساطة أنني أعلم أن تلك المادة تعد واحدة من أهم المكونات التي يصنع منها الخزف.» «إذن لماذا كتب هذا الرجل تلك الرسالة؟» «أنا لا أعرف بالتأكيد. بما أنك قد رأيت الرجل، فيمكنك أن تحكم أفضل مني ما إذا كان سيتعمد الكذب، أم أنه مجرد شخص جاهل بالأمر.» «أنا لم أر براند على الإطلاق؛ لقد رأيت ميلفيل. اتفقنا أن يعرض ميلفيل تلك العينة على براند، ويطلعني على رأيه فيها. بالطبع، كل شيء يعتمد على قيمة تلك المادة في صناعة الخزف.» «بالطبع.» «رائع جدا، إذن، لقد سلكت السبيل الوحيد الذي كان متاحا أمامي لأعرف رأي الخبراء في المجال في تلك المادة. إن قالوا إن تلك المادة لا قيمة لها في عملهم، فمن الأحرى نحن أيضا أن نتخلى عن مشروعنا الخاص بالمنجم، ونخطر السيد فون برينت برغبتنا في عدم الاستمرار في تعاقدنا.»
قرأ كينيون الرسالة مرة أخرى، وأخذ يفكر فيها بعمق.
قال جورج مرة أخرى: «أنت ترى، بالطبع، أن كل شيء يعتمد على ذلك، أليس كذلك؟» «بالتأكيد أرى ذلك.» «إذن، ما رأيك؟» «رأيي هو التالي: علي أن أقوم بجولة في مصانع الخزف في بريطانيا العظمى. وأعتقد أنها ستكون فكرة جيدة لو كتبت إلى المصنعين المختلفين في الولايات المتحدة تطلب منهم معرفة مقدار استخدامهم لتلك المادة. ليست هناك ضرورة لإرسال المادة. لا بد لهم أن يستخدموا تلك المادة، ولا بديل لها بالنسبة إليهم. اعرف منهم، إن استطعت، المقدار الذي يحتاجون إليه منها، والسعر الذي سيدفعونه في مقابل الحصول على الخام النقي منها، والسعر الذي يدفعونه في مقابل الحصول على المادة غير النقية التي يستخدمونها الآن.» «كيف تعرف، يا جون، أنه ليست هناك عشرات المناجم التي توجد بها تلك المادة؟» «كيف لي أن أعرف؟ حسنا، إن أردت أن تطعن في معرفتي بعلم المعادن، فأرجو أن تفعل ذلك على نحو مباشر. أنا إما أن أكون عالما بمجالي وإما لا. إن كنت تعتقد أنني لست كذلك، فاخرج من هذا الأمر تماما. أنا أؤكد لك أن ما أقوله عن تلك المادة صحيح. وما أقوله عن ندرتها صحيح. لا توجد مناجم أخرى بها مادة نقية كهذه.» «لقد اقتنعت تماما عندما قلت هذا، لكن يجب أن تتذكر أن هؤلاء الذين سيضعون أموالهم في هذه الشركة لن يكونوا مقتنعين. يجب أن توضع أمامهم الحقائق والأرقام، وهم لن يثقوا في كلامك أو كلامي فيما يتعلق بقيمة المادة. إن اقتراحك بزيارة المصانع المختلفة جيد. وكنت سأبدأ في تنفيذه على الفور، لو كنت مكانك. نحن يجب أن نعرف بوضوح آراء الخبراء العاملين في المجال قبل أن يكون بإمكاننا التحرك في الأمر. والآن، كم معك من هذه المادة؟» «فقط القطع القليلة التي حملتها معي في حقيبة السفر. البرميل المليء بها الذي حصلنا عليه في بيرنتباين لم يصل بعد. أعتقد أنه مرسل عبر إحدى السفن البخارية البطيئة، وهو على الأرجح لا يزال في المحيط.» «رائع جدا. خذ العينات التي معك، واذهب إلى الشمال، وقابل هؤلاء المصنعين. اعرف، بطريقة أو بأخرى، سواء من المديرين أو من مرءوسيهم، السعر الذي يدفعونه للحصول على تلك المادة، وتكلفة إزالة الشوائب من المادة التي يستخدمونها حاليا؛ لأن تلك هي في الواقع المادة التي تنافس مادتنا حاليا. ليس علينا أن نتعامل مع مادتهم الخام، بل مع مادتهم بعد تنقيتها من المواد الغريبة المزعجة. اعرف على وجه التحديد تكلفة عملية التنقية هذه، ثم عندما تعرف الحقائق والأرقام، سأرتبهما لك على أفضل نحو. وفي غضون ذلك، كما اقترحت، سأعلم المصنعين الموجودين في الولايات المتحدة. لا يمكن فعل شيء إلا عندما تعود، ولو كنت مكانك، لكان علي بدء العمل على الفور.» «أنا جاهز تماما. أنا لا أريد إضاعة أي وقت آخر.»
وهكذا، غادر جون كينيون، وسرعان ما كان في طريقه إلى الشمال، ومعه في دفتر ملاحظاته قائمة بمصنعي الخزف.
في عصر هذا اليوم، أرسل ونتوورث الرسائل بالبريد الأمريكي، وشعر بأنها كانت تؤدي الغرض منها بسرعة كما كان يتوقع. وفي صباح اليوم التالي، استقبل رسالة باسم جون كينيون موجهة لعناية ونتوورث، وعن طريق بريد لاحق، وصلت رسالة إلى ونتوورث نفسه من جون، الذي كان قد وصل إلى أول مكان له وعقد مقابلة بالفعل مع مدير مصنع للخزف هناك. لقد وجد المادة تماما كما كان يتوقع، وكانوا هناك على استعداد للحصول على كمية معينة كل عام من المادة بسعر معين. وقد رسمت تلك الرسالة على وجه ونتوورث ابتسامة رضا، وبدأ ثانية يتساءل عن السبب الذي دفع آدم براند، الذي يمثل إحدى الشركات المعروفة، إلى الكذب المتعمد. وقبل أن يتاح له الوقت لحل هذا اللغز، أعلن الساعي عن رغبة أحد الأشخاص في رؤيته، وأعطى له بطاقة تحمل اسم ويليام لونجوورث. عقد ونتوورث حاجبيه بينما كان ينظر إليها.
وقال: «من فضلك، اطلب من هذا السيد النبيل أن يدخل.» ودخل الرجل. «كيف حالك، يا سيد ونتوورث؟ أعتقد أنك تتذكرني، على الرغم من أنني لم ألتق بك كثيرا على متن السفينة.»
رد ونتوورث: «أنا أتذكرك جيدا.» ثم أردف: «هلا تتفضل بالجلوس؟» «شكرا. أنا لم أكن أعرف أين أجد السيد كينيون؛ لذا، ونظرا إلى أنني على علم بأن كليكما مهتمان بأمر منجم الميكا هذا، جئت لمقابلتك بشأنه.» «فعلا! لقد فهمت من السيد كينيون أنه قد زارك وأنك قد قررت ألا تكون لك أي علاقة بالأمر.» «أعتقد أنه لم يكن محقا في قول أي شيء خاص جدا كهذا. لقد حصلت منه على التفاصيل التي سمح هو بإعطائها. إنه ليس شخصا جيدا في التواصل في أحسن الأحوال، لكنه قال لي شيئا عن الأمر، وكنت أفكر في عرضه. وقد قررت الآن أن أساعدكما في هذه المسألة، هذا إن أردتما الحصول على مساعدتي. لكن ربما وصلت الأمور إلى مرحلة لا ترغبان فيها في أي مساعدة؟» «على العكس، لم نفعل سوى القليل جدا. السيد كينيون الآن لدى مصنعي الخزف في الشمال، ليعرف مدى الطلب الذي سيكون في إنجلترا على هذه المادة.» «آه، فهمت. هل وصلتك بعد أي أخبار منه؟» «لا شيء سوى رسالة هذا الصباح، وكانت مرضية جدا.» «إذن، لا يوجد أي شك في كون تلك المادة مفيدة في صناعة الخزف؟» «لا شك على الإطلاق.» «في الواقع، أنا سعيد لهذا. والآن، تحدث معي السيد كينيون على متن السفينة عن إمكانية وجود شراكة متساوية بيننا؛ أي: تأخذ أنت الثلث ويأخذ هو الثلث الثاني وآخذ أنا الثلث الأخير. إننا لم ندخل بعمق في التفاصيل، لكنني أعتقد أننا يجب أن نتشارك التكلفة بالقدر نفسه؛ أقصد التكاليف المبدئية، أليس كذلك؟»
قال ونتوورث: «بلى، هذا سيكون أساس الاتفاق، كما أتصور.» «حسنا، هل لديك الصلاحية لمناقشة الأمر معي أم سيكون من الأفضل بالنسبة إلي أن أنتظر حتى يعود كينيون؟» «يمكننا الاتفاق على كل شيء هنا والآن.» «رائع للغاية. هل سيكون لديك أي اعتراض على رؤية الأوراق الخاصة بالمنجم؟ وأود الحصول على الأرقام الخاصة بالمردود بأسرع ما يمكن، وأي تفاصيل أخرى قد تكون لديك مما يتيح لي تقدير قيمة المنجم. وأيضا، أود رؤية نسخة من عقد خيار الشراء، أو الوثيقة الأصلية التي امتلكتما بها المنجم.» «بالتأكيد؛ أنا على أتم الاستعداد لإعطائك كل المعلومات التي في حوزتي.» التفت ونتوورث إلى مكتبه وكتب لبضع دقائق ثم جفف الورقة التي كان يكتب عليها من الحبر وأعطاها للونجوورث. ثم أضاف: «أنت ليس لديك اعتراض، قبل فعل هذا، على التوقيع على هذه الوثيقة، أليس كذلك؟»
ضبط لونجوورث نظارته الأحادية على عينه، ونظر إلى الورقة، التي كان محتواها كالتالي: «اتفقت بموجب هذا على أن أفعل ما في وسعي لتأسيس شركة ذات مسئولية محدودة بغرض الاستحواذ على منجم أوتاوا للميكا. واتفقت على دفع حصتي من التكاليف وحصولي على ثلث الأرباح.» «لا، أنا لا أعترض على التوقيع على هذا، رغم أنني أعتقد أنه يجب أن يكون أكثر تحديدا قليلا. أعتقد أنه يجب أن يذكر أن الالتزام الذي علي هو ثلث التكاليف المبدئية برمتها، وأن الثلثين الآخرين يجب دفعهما من قبلك أنت وكينيون؛ وأنني، في المقابل، يجب أن أحصل على ثلث الأرباح، في حين تحصلان أنت وكينيون على الثلثين الآخرين. أعتقد أنه يجب أن يتضمن أيضا قيمة رأس مال الشركة الجديدة؛ لقد اقترح مائتا ألف جنيه، إن كنت أتذكر جيدا.»
رد ونتوورث: «رائع للغاية، سأعيد كتابة هذا وفق ما تريد.»
فعل ونتوورث هذا، وقرأه لونجوورث، بعد أن عدل من وضع نظارته ثانية.
ثم قال: «والآن، وبما أننا التزمنا الرسمية الشديدة حيال الأمر، فربما يكون حريا بك أن تعطيني وثيقة يمكنني الاحتفاظ بها، تنص على هذه التفاصيل نفسها.»
رد ونتوورث: «دون شك، سأفعل هذا. ربما سيكون من الأفضل أن تكتب أنت الوثيقة بحيث تناسب ما تريد، وأنا سأوقع عليها.» «أوه، لا، مطلقا. اكتب كل ما هو مذكور هنا، بحيث تكون لديك نسخة وتكون لدي النسخة الأخرى.»
لقد تم القيام بهذا.
قال لونجوورث: «والآن، متى سينتهي عقد الخيار الخاص بك؟»
ذكر له ونتوورث التاريخ. «من مالك المنجم؟» «إنه يتبع شركة المناجم النمساوية، التي مقرها الرئيسي فيينا، وعقد الخيار وقعه السيد فون برينت، من أوتاوا، الذي يعد مدير المنجم وأحد ملاكه.» «هل أنت متأكد تماما من أنه يحق له بيع المنجم؟» «نعم؛ تأكد محامي السيد كينيون من هذا عندما كان في أوتاوا.» «وهل أنت متأكد، أيضا، من أن عقدك قانوني تماما؟» «نحن متأكدان من هذا.» «هل فحص من قبل محام من لندن؟» «لقد عرض على محام كندي. لقد عقدت الصفقة في كندا، وسيجري تنفيذها في كندا، بمقتضى القوانين الكندية.» «لكن، ألا تظن أنه من الأفضل أيضا أن نحصل على رأي محام إنجليزي فيه؟» «أعتقد أن هذه ستكون تكلفة غير ضرورية. لكن، إن أردت هذا، فسنفعله.» «نعم، أعتقد أننا سنحتاج إلى رأي محام جيد في العقد قبل أن نقدمه للمساهمين.» «رائع للغاية، سأقوم بهذا. هل هناك أحد ترغب في الحصول على رأيه بشأنه؟» «أوه، هذا الأمر لا يهمني؛ محاميك سيفي بالغرض كما سيفعل أي محام آخر. لكن ربما سيكون من الأفضل أن يكون هناك مستشار قانوني ل «الشركة المحدودة لمنجم الميكا» - سيكون علينا تعيين واحد أثناء عملنا - وقد يكون من الأفضل أيضا أن نعرض هذا العقد على الشخص الذي سنختاره لشغل هذه الوظيفة. إن هذا لن يزيد من النفقات القانونية على الإطلاق، أو على الأقل سيزيدها بمقدار ضئيل للغاية. هل لديك أي شخص تقترحه لشغل هذا المنصب؟»
قال ونتوورث: «أنا لم أفكر في هذا الأمر.» «أعتقد أنك ستجعلني أبحث عن شركة تفي بغرضنا، أليس كذلك؟ عمي بالتأكيد يعرف الأشخاص المناسبين في هذا الشأن، وهذا سيندرج ضمن حصتي في تأسيس الشركة.»
قال ونتوورث: «رائع للغاية، سيكون هذا مناسبا لي.» «والآن، هناك الكثير مما يجب فعله لتأسيس الشركة، وسيستغرق ذلك من ثلاثة أشخاص الكثير من الوقت، إلى جانب بعض التكلفة. ما رأيك في أن تجعلني أبحث لنا عن مقر للشركة؟» «هل ترى أن من الضروري أن يكون لنا مقر؟» «أوه، بالتأكيد. الكثير جدا يعتمد، في هذا النوع من الأمور، على المظاهر. سنحتاج إلى مقر في موقع جيد.» «في الحقيقة، يا سيد لونجوورث، كينيون وأنا ليس لدينا الكثير جدا من المال، ولا نريد أن نتحمل أي تكلفة غير ضرورية.» «سيدي العزيز، إنها ليست غير ضرورية. إن هذا العمل واحد من الأمور التي ستنجح فيها إن دخلت فيها بجرأة؛ أما إذا دخلت فيها بحرص شديد، فيما يتعلق بالجانب المالي، فستفقد كل شيء. بالطبع، إن كانت هناك ندرة في المال، فلن تكون لي أي علاقة بالأمر؛ لأنني أعرف ما تئول إليه تلك الأعمال الفقيرة ماليا. لقد رأيت الكثير جدا منها. إننا نسعى لتفعيل عقد خيار من أجل الحصول على ربح قدره ستون ألف جنيه لكل منا. وهذا مبلغ يستحق المخاطرة من أجله، وصدقني إن قلت إنك لن تحصل عليه إلا إذا ضحيت بشيء من أجله.» «أعتقد أن هذا صحيح.» «نعم، هذا صحيح تماما. بالطبع، أنا لدي خبرة أكبر في الأمور التي من هذا النوع مقارنة بكما أنتما الاثنان، وأعلم أنه سيكون علينا أن نحصل على مقر جيد، ذي مظهر ملائم. الناس يتأثرون بشدة بالمظاهر. والآن، إن أردت، سأتولى أمر إيجاد مقر للشركة واختيار محام. إن كل خطوة يجب اتخاذها تحت إشراف قانوني، وإلا قد ندخل في مشكلة كبيرة جدا، وننفق قدرا أكبر من المال في النهاية.»
قال ونتوورث: «رائع للغاية.» ثم أردف: «هل هناك أي شيء آخر يمكن أن تقترحه؟» «ليس الآن؛ لا شيء يجب فعله حتى يعود كينيون، وحينها يمكننا عقد اجتماع لتحديد أفضل طريقة للمضي قدما في الأمر.»
ألقى لونجوورث نظرة على الأوراق، وكتب ملاحظات عن بعض الأمور الواردة في عقد الخيار، وقال في النهاية: «أرجو أن تنسخ لي هذه الأوراق، أعتقد أن لديك شخصا في المكتب يمكنه فعل ذلك؟» «نعم.» «إذن، اصنع لي نسخة من كل منها. طاب صباحك، يا سيد ونتوورث.»
تأمل ونتوورث لبضع لحظات التحول غير المتوقع الذي حدث في الأمور. وكان مسرورا للغاية للحصول على مساعدة لونجوورث؛ فالاسم في حد ذاته كان مصدر قوة في حي السيتي. بالإضافة إلى ذلك، كانت رسالة كينيون من الشمال مشجعة. وعندما تذكر الرسالة، تذكر كاتبها؛ لذا أخذ نموذج برقية من مكتبه، وكتب برقية إلى العنوان الموجود على الرسالة. «كل شيء على ما يرام. لقد انضم لونجوورث إلينا، ووقع على أوراق بغرض مساعدتنا في تأسيس الشركة.»
ثم قال، عندما أرسل الساعي بالبرقية: «رائع، ستسعد هذه البرقية العزيز جون عندما تصل إليه.»
الفصل الثاني والعشرون
عندما عاد جون كينيون من الشمال ودخل مكتب صديقه ونتوورث، وجد صديقه ولونجوورث الشاب يتحدثان في الغرفة الخارجية.
قال ونتوورث، بعد أن صافحه: «هناك رسالة من أجلك على مكتبي.» ثم أردف: «سأكون هناك في غضون دقيقة.»
دخل كينيون الغرفة ووجد الرسالة. ثم فعل شيئا لا علاقة له بعالم الأعمال على الإطلاق . لقد قبل الكتابة ووضع الرسالة في دفتر ملاحظته. وهذا الفعل يستحق الذكر لأنه شيء غير معتاد في حي السيتي. بوجه عام، العاملون في حي السيتي لا يقبلون المراسلات الخاصة بالعمل، والرسالة التي تلقاها جون كانت بكل تأكيد إحدى مراسلات العمل، التي تتعلق فقط بالمنجم، وبعلاقته المنتظرة بويليام لونجوورث. لقد تساءل ما إذا كان يجب عليه أن يكتب ردا عليها أم لا.
لقد جلس على مكتب ونتوورث، وصادفته مشكلة في أول خطوة في الكتابة. لم يكن يعرف كيف يخاطب الفتاة. كان لا يعرف هل يخاطبها ب «عزيزتي الآنسة لونجوورث» أو «سيدتي العزيزة» أو ما إذا كان سيستخدم صفة «عزيزة» من الأساس أم لا؛ وكان يفكر في هذا عندما دخل ونتوورث وهو مليء بالحيوية.
قال الأخير، بينما كان جون يمزق إحدى أوراق دفتر ملاحظات إلى قطع صغيرة، ويلقي بها في سلة المهملات: «حسنا، كيف سارت الأمور معك؟ رسائلك كانت قصيرة للغاية في واقع الأمر، لكنها كانت في الصميم إلى حد كبير. يبدو أنك قد نجحت في مهمتك.» «نعم، لقد نجحت بشدة. لقد حصلت على كل الأرقام والأسعار وكل شيء آخر من الضروري الحصول عليه. لقد نجحت في التعامل مع الجميع فيما عدا براند، الذي كتب تلك الرسالة إليك. أنا لا يمكنني فهمه على الإطلاق. لم يعطني أي معلومات، واستطاع منع أي شخص آخر في شركته من فعل ذلك. لقد سخر من خطتنا؛ في واقع الأمر، هو لم يستمع إليها. وقال إنه ليس من المعتاد بالنسبة إلى أصحاب الأعمال أن يعطوا معلومات عن أعمالهم؛ وهو في ذلك، بالطبع، على حق تماما؛ ولكن عندما حاولت مناقشته حول ما إذا كانت تلك المادة تستخدم في مصنعه أم لا، لم يستمع إلي. وسألته ما الذي يستخدمه مكانها، لكنه لم يخبرني. في المجمل، هو رجل غريب للغاية، وأعترف أنني لم أفهمه.» «أوه، إن أمره لا يهمنا على الإطلاق. لقد كنت أتحدث مع لونجوورث لتوي عن خطابه العجيب هذا، واتفق معي على أنه غير مهم. وقال، وقوله صحيح تماما ، إن المرء في كل مجال يجد بعض الأشخاص الذين من الصعب التعامل معهم.» «نعم، إن الأمر هكذا؛ لكنه مع ذلك إما أنه يستخدم تلك المادة وإما لا. يمكنني فهم شخص يقول: «نحن لسنا بحاجة إلى تلك المادة، لأننا نستخدم مادة أخرى.» لكن هذا أحد الأشياء التي لم يقلها براند.» «حسنا، ليس من المجدي الحديث عنه. بالمناسبة، أعتقد أن لديك كل الأرقام والملاحظات معك؟» «نعم، لدي كل شيء.» «رائع جدا. اتركها معي، وسأرتبها على نحو ما. يقول لونجوورث إن علينا طباعة كل شيء متعلق بهذا الأمر؛ بياناتك وكل شيء.» «هذا سيتكلف الكثير من المال، أليس كذلك؟» «لا، ليس كثيرا. يبدو أن هذا ضروري. لا بد أن تكون لدينا مادة مطبوعة كي نعطيها لمن يطلبون الحصول على معلومات. سيكون من المستحيل شرح الأمر على نحو شخصي لكل شخص يستعلم عن الأمر، وعرض هذه الوثائق عليه.» «نعم، أعتقد ذلك.» «كان لونجوورث يتحدث إلي لتوه عن المقر الذي رآه للشركة، وهو يتطلع للحصول عليه على الفور. إنه مهتم بهذا الأمر.» «هل تعتقد أننا بحاجة إلى مقر؟ لماذا لا يمكن القيام بالعمل هنا؛ أو ربما سيفي بالغرض إن أمكننا الحصول على غرفة هنا في هذا الطابق؛ حينها، سنصبح قريبين بعضنا من بعض، وسنستطيع التواصل عند الضرورة؟» «يبدو أن لونجوورث يفكر بطريقة مختلفة. إنه يقول إننا يجب أن نبهر الناس، ولذا هو متحمس للحصول على مقر فخم.» «نعم، لكن من سيدفع ثمنه؟» «عجبا، نحن بالطبع؛ أنت ولونجوورث وأنا.» «هل لديك المال المطلوب؟» «لدي بعض المال. أعتقد أننا سيكون لدينا ما يكفي لإتمام الأمر، وإن لم يكن الوضع كذلك، فيمكننا بسهولة الحصول على المال اللازم، وتسوية الأمور في نهاية المشروع.» «حسنا، أنت تعرف أنني ليس لدي مال لأنفقه.» «أوه، أنا أعرف ذلك بالقدر الكافي. ربما سيساعدنا لونجوورث؛ لأن هذا النوع من الأمور، بحسب قوله، يمكن أن يفسده التقتير. لقد رأى، ورأيت أنا كذلك، العديد من الأعمال وهي تنهار بسبب الاقتصاد الزائف.» «لكن يبدو لي أن كل هذا يعد تكلفة لا داعي لها. إننا نريد فقط جذب بعض المستثمرين المهتمين بمشروعنا، وإن كان هؤلاء حكماء، فإنهم سينظرون إلى احتمالية الحصول على ربح جيد وليس إلى المقر الفخم.» «رائع للغاية، يا جون؛ احصل أنت على هؤلاء الرجال، وسأكون ممتنا. أنا أتطلع بالتأكيد لإتمام هذا الأمر بطريقة رخيصة كما تفعل. وإن كنت تعتقد أن بإمكانك الذهاب وإثارة اهتمام دزينة أو اثنتين من المستثمرين في حي السيتي، وإقناعهم بشراء منجمنا، فسأدافع عن طريقتك في التعامل حتى تتم الأمر. هل يمكنك فعل ذلك؟»
فكر كينيون لبضع دقائق، ثم قال: «أعتقد أن هذا سيكون شيئا من الصعب القيام به بعض الشيء.» «نعم، هذه هي الطريقة التي أرى بها الأمر. أنا لا أعرف لمن يمكنني الذهاب. إن لونجوورث رجل رائع، وقد ذهبنا إليه. والآن، يبدو لي، بعد أن حصلنا على مساعدته، أن أقل ما يمكننا فعله، ما لم نكن مستعدين لجذب المستثمرين بأنفسنا على الفور، هو أن نتصرف وفق ما يريد.» «نعم، أنا أقدر ذلك بشدة، وأعي أيضا حقيقة أن التقتير الشديد ليس أفضل أسلوب؛ لكن على الجانب الآخر، يا جورج، كيف لنا أن نقوم بأدوارنا مع لونجوورث؟ إن أفكاره وأفكارك عن الاقتصاد قد تكونان مختلفتين تماما. فما يكون مبلغا تافها بالنسبة إليه قد يؤدي بنا إلى الإفلاس إن دفعناه!» «أعي ذلك. حسنا، إنه سيأتي إلى هنا عصر هذا اليوم في الساعة الثالثة. إن استطعت أن تكون هنا في هذا الوقت، فتحدث إليه. وفي غضون ذلك، سأفحص الأوراق وأرتبها على نحو مجدول.» «رائع جدا؛ سوف أكون هنا في الساعة الثالثة.»
سيكون من الصعب تصديق أن رجل أعمال مثل جون كينيون قد قضى معظم الوقت بين تلك الساعة والساعة الثالثة في محاولة كتابة رسالة عمل ردا على رسالة العمل التي تلقاها في صباح ذلك اليوم. لكن تلك كانت هي الحقيقة المدهشة، وقد أوضح هذا، ربما أكثر من أي شيء آخر، كيف أن السيد جون كينيون لم يكن الشخص الملائم على الإطلاق للانضمام إلى مشروع تجاري في مدينة تضم رجال أعمال عمليين صعبي المراس. لكن، في النهاية، أرسلت الرسالة، وأسرع كينيون ليصل في الوقت المناسب لميعاده الذي في الساعة الثالثة. ووجد ونتوورث والسيد لونجوورث الشاب معا، وكان الأخير يبدو كشاب من منطقة وست إند أكثر منه رجل أعمال تقليديا من حي السيتي. كانت نظارته الأحادية مثبتة في عينه، ولمعت باتجاه كينيون عندما دخل. وكان من الواضح أن شيئا كان يقلق ونتوورث، وكان من الواضح على نحو مماثل، أن هذا الشيء، أيا ما كان، كان لا يقلق لونجوورث الشاب.
كانت تحية ونتوورث له: «لقد تأخرت، يا جون.»
رد: «قليلا.» وأردف: «لقد أخرني الازدحام المروري.»
ساد الصمت لبضع لحظات، وبدا أن ونتوورث ينتظر أن يتحدث لونجوورث. وفي النهاية، قال لونجوورث: «لقد نجحت بالفعل في الحصول على مقر فخم للشركة، وكنت أخبر السيد ونتوورث بشأنه. كما تعرف، ليس من السهل جدا استئجار مقر في منطقة جيدة من حي السيتي بالأسبوع. إنهم لا يسعون لتأجيره بهذه الطريقة لأنه بينما يستأجره المستأجر الأسبوعي، قد يكون عليهم صرف شخص آخر، يريده لمدة أطول.»
قال كينيون بطريقة متحفظة: «نعم.» «حسنا، لقد حصلت على المقر الذي نحتاج إليه تماما، وتركت الرجال الآن ينقشون على النوافذ اسم الشركة بأحرف ذهبية. لقد استأجرت المقر تحت اسم «الشركة الكندية المحدودة لمنجم الميكا» الذي سيظهر على النوافذ ذات الزجاج المسطح في غضون وقت قصير جدا. والآن، يبدو أن السيد ونتوورث يعتقد أن المقر غال بعض الشيء. وقد أخبرته من قبل عن رأيي في مسألة التكلفة. وربما، قبل أن يقال أي شيء آخر في هذا الموضوع، من الأفضل أن نذهب ونلقي نظرة على المقر.»
سأل كينيون: «ما تكلفة استئجاره في الأسبوع؟»
لم يجب السيد لونجوورث الشاب؛ لأن نظارته الأحادية في تلك اللحظة سقطت من مكانها، وكان عليه تعديل وضعها مرة ثانية؛ لكن ونتوورث انفجر قائلا الكلمتين: «ثلاثون جنيها.»
صرخ جون: «في «الأسبوع»؟»
قال لونجوورث، بعد أن نجح في تثبيت العدسة الزجاجية على عينه: «نعم ... نعم؛ يبدو أن السيد ونتوورث يظن أن هذا مبلغ كبير، لكنني أراهنه أن يحصل على مقر فخم كهذا بسعر أقل من هذا. إنه سيكلف كلا منا عشرة جنيهات فقط في الأسبوع. لكن، قبل أن تحكما على مدى غلو أو رخص ثمنه، يجب أن ترياه. إن سألتماني، سأقول لكما إنها صفقة رابحة.»
قال كينيون: «رائع للغاية.» وأردف: «أيسمح وقتك يا جورج؟»
دفع ونتوورث، دون أن يرد، الأوراق داخل المكتب وأغلقه. وخرج الشباب الثلاثة معا، وبعد مشي قصير، وصلوا إلى النوافذ الكبيرة ذات الزجاج المسطح، حيث كان يوجد رجل على سلم وكان يكتب بالطباشير الكلمات «الشركة الكندية المحدودة لمنجم الميكا» في نصف دائرة.
قال لونجوورث: «كما ترون، يعد هذا واحدا من أفضل المواقع في حي السيتي. وكما قلت من قبل، أشك أن بإمكانكما الحصول على أي مكان مثل هذا وبهذا السعر.»
لم يكن بإمكانهما إنكار روعة الموقع، أو أن الزجاج المسطح بدا فخما بشدة وأن الحروف الذهبية رائعة جدا؛ لكن بدت تكلفة استئجار هذا المقر ربما لشهرين أو ثلاثة أشهر صادمة بالنسبة إليهما.
قال لونجوورث الشاب على نحو لطيف: «ادخلا، وأنا على يقين أنكما ستعجبان بالمقر الذي حصلنا عليه.» ثم أضاف، وهو يدخل ويومئ للنجارين الذين كانوا يعملون هناك: «كما ترون، هذا سيكون مكتب الاستقبال، حيث سيجري استقبال الناس. وهنا لدينا غرفة لمراجع حسابات أو اثنين، وسكرتيركما. والغرفة الخلفية، التي ترون أنها أيضا مضاءة جيدا، ستكون هي المكان الذي سيجتمع فيه رجالنا. ستكون هنا طاولة طويلة وكبيرة، وعدد من الكراسي، وهذه ستكون غرفة الشركاء.»
سأل كينيون: «هل الثلاثون جنيها في الأسبوع تشمل تأثيث المكان؟» «أوه، باركك الله، لا! أنت بالتأكيد لا تستطيع توقع هذا؟ سيكون علينا إحضار الأثاث، بالطبع.» «وهل تنوي أن تحضر إلى هنا مكاتب وطاولة استقبال وما يماثلهما من أشياء؟» «بالطبع. وإلى جانب هذا، سنحضر خزينة كبيرة. لا يوجد شيء يمكن أن يبهر الناس مثل خزينة كبيرة، منقوش عليها بأحرف ذهبية اسم الشركة.» «وكم ستكون تكلفة تأثيث هذا المكان؟» «في واقع الأمر، أنا لا أعرف . سيقوم الناس الذين استأجرتهم بالأمر بسعر معقول جدا. لقد قاموا بخدمات لي من قبل. إن المساومة حول التكلفة قبل إتمام الأمر لن تؤدي للحصول على سعر أقل؛ هذا ما اكتشفته.»
قال كينيون: «أنا لا أعرف كيف سندفع نصيبنا من كل هذا.» «لا يوجد شيء أسهل من ذلك، يا صغيري؛ لقد رتبت كل هذا. سأدفع لهم نصيبي وهو الثلث نقدا عندما ينهون العمل، واتفقت معهم على أن ينتظروا ثلاثة أشهر كي يحصلوا على الباقي. وبحلول ذلك الوقت، سيكون لدى كل منكما ستون ألف جنيه، ولن تكون تكلفة صغيرة كهذه شيئا بالنسبة إليكما.»
بدا كينيون متجهما.
وقال: «يبدو الأمر قليلا مثل عد الفراخ قبل أن يفقس البيض.»
ضحك لونجوورث وقال: «آه، وكلها ستفقس على ما يرام.» ثم سقطت عدسة نظارته.
الفصل الثالث والعشرون
ليس من الحكمة أبدا أن تقلل من شأن عدوك، مهما بلغ مقدار ضعفه. لقد حرر الفأر الأسد الواقع في الشباك. كان يجب أن تكون جيني بروستر ممتنة أن الظروف، التي كانت تعمل لصالحها، قد جعلت إرسالها للمعلومات التي توصلت إليها عن المناجم غير ضروري. لقد أنقذت من مرارة الاعتراف بالهزيمة من خلال برقية كانت بانتظارها في كوينزتاون، أخبرتها ألا تبعث المعلومات التي توصلت إليها. والرسالة التي استقبلتها من مدير تحرير صحيفة «آرجوس» لاحقا أوضحت معنى البرقية. لقد حصلت الصحيفة من مصدر آخر على ما زعم أنه ملخص لما ورد في التقريرين الخاصين بالمناجم، الذي نشر. إن أكدت المعلومات التي لدى جيني ما جاء في هذا المقال، فإنها ستكون غير مهمة؛ أما إذا عارضت ما نشر بالفعل، فإنها، بالطبع، ستكون غير مهمة على نحو مماثل؛ إذ إن الصحيفة كانت من نوعية الصحف التي لا تقلل أبدا من قدر نفسها بالاعتراف بوقوعها في خطأ. لذا، أرسل مدير التحرير لمراسلته رسالة تلغرافية قصيرة ليوفر تكلفة إرسال رسالة تلغرافية طويلة ومكلفة كانت ستكون غير مجدية عندما تصل إلى مقر الصحيفة.
لكن، بدلا من أن تكون جيني ممتنة للأقدار التي حاربت بشدة من أجلها ، كانت غاضبة بشدة من فليمنج، وكانت غاضبة بالقدر نفسه تقريبا من الآنسة لونجوورث. فلولا تدخل السياسي المتطفل، ما كان ونتوورث سيكتشف أبدا هويتها، وما كانت سلسلة الأحداث المهينة التي تلت ذلك ستحدث. وحينها كانت ستفترق عن ونتوورث على نحو ودي، على الأقل. كانت مضطرة، رغما عنها، إلى الاعتراف في قرارة نفسها بأنها كانت تحب ونتوورث أكثر من أي شاب آخر قد قابلته من قبل؛ والآن وفي ظل تضاؤل فرصة رؤيته ثانية، كان أسفها يزيد أكثر وأكثر مع مرور الوقت. لقد أخبرها بكل آماله بشأن منجم الميكا قبل حدوث تلك الحادثة المؤسفة، وائتمنها على سره على نحو هي متأكدة أنه لم يفعله قط مع أي امرأة أخرى. لقد كانت ترى النظرة المخلصة في عينيه الصادقتين كلما أغمضت عينيها، وتلك النظرة كانت تطاردها طوال اليوم، على نحو تبادلي مع تذكر نظرة العتاب غير المصدقة التي نظر بها إليها عندما اكتشف مهمتها، الذي كان حتى أصعب في تحمله من تذكر ثقته في نفسه وتقديره لذاته.
وما جعل الأمر أكثر مرارة حقيقة أن هذا كله كان بلا طائل أو فائدة. لقد جرحت صديقها وأذلت نفسها، وكل هذا من أجل لا شيء! إن التغييرات السريعة التي حدثت في مقر الصحيفة منذ أن سافرت قد جعلت تضحياتها بلا جدوى، ورغم أنها كانت تشد من أزر نفسها على متن السفينة بقول إنها كانت فقط تقوم بواجبها تجاه رؤسائها، فإن تلك التعزية حتى قد أصبحت بلا معنى بسبب رسالة مدير التحرير.
هكذا الحال دائما في عالم اليانصيب الدائم التغير والهائل والمدهش هذا، عالم الصحافة الحديثة. إن الشيء الذي سيبيع مدير التحرير نفسه من أجله اليوم يكون لا قيمة له غدا. إن أغبى شخص في الصحيفة قد يقع تحت يديه أحيانا أهم خبر في اليوم، في حين أن أبرع صحفي قد ينهزم في صراعه المستمر مع الوقت؛ لأن الصحيفة تظهر في وقت معين، وبعد ذلك، يكون الجهد بلا فائدة. إن القائم على إدارة أي صحيفة كبيرة يشبه سائق عربة رومانية؛ إنه يحتاج إلى رباطة جأش وذراعين قويتين، وعين بصيرة تنظر للمستقبل ولا تأبه كثيرا لضحايا الشفرات المنجلية الدائرة في المنتصف. إنه قد يطيح بإحدى الحكومات، أو قد يلقى هو نفسه، بحركة غير متوقعة، تحت العجلات. إن الجياد المندفعة لا تقف أبدا، وعندما يترك أحد اللجام، يلتقطه آخر، ليضيع هو الآخر وينسى في السباق المجنون، الذي لا ينظر فيه أبدا إلى الخلف. إن أفضل العقول في البلاد يستولى عليها وتعصر وتنحى جانبا. وبيد سخية ولكن عشوائية يتم توزيع السمعة الطيبة والسمعة السيئة، والغنى والفقر. إن الصحافة، على نحو غير قابل للرشوة بالمعنى العادي للأمر، من أجل حفنة نقود، تبالغ في التخويف من الكوليرا وتصيب حال أمة ما بالشلل، ثم تهاجم حكومة فاسدة وتسقطها، على الرغم من أنه يمكن جني الملايين باتخاذ مسار آخر. إنها مصدر رعب الأوغاد وسبب يأس الشرفاء.
كانت جيني بروستر، في وسط أسفها الذي بلا جدوى، تحكم قبضتها الصغيرة غيظا عندما تتذكر فليمنج. من المعتاد ومن المعزي أيضا أن يلقي الفرد باللائمة على الآخرين وليس على نفسه. إن الطبيعة البشرية فاسدة بحيث عادة ما يكون باستطاعتنا إيجاد كبش فداء من رفاقنا البشر، يمكن اعتباره مسئولا عن أي أخطاء أو حالات فشل هي جزء منا بشدة لدرجة يصعب الإقرار بمسئوليتنا عنها. إن اهتم فليمنج فقط بشئونه، كما هو مفترض من أي شخص، فما كان ونتوورث سيعرف أن جيني تعمل لصالح صحيفة «آرجوس»، ولأصبح لجيني صديق في لندن، الأمر الذي كان سيضفي طابع الإثارة على زيارتها، الذي عادة ما يرتبط بالصداقة بين شاب لطيف وفتاة جميلة وساحرة للغاية.
أقام فليمنج في الفندق الذي أقامت فيه جيني في البداية، وكانت من آن لآخر تقابله في القاعات الكبيرة لمبنى الفندق الضخم؛ لكنها كانت دائما ما تمر عليه بأنفة ملكة مستاءة، على الرغم من أن هذا الرجل المسكين كان دائما ما يخلع لها قبعته احتراما لها؛ ومرة أو مرتين، توقف وبدا كما لو كان على وشك أن يتحدث إليها.
وفي آخر أيام بقائها في الفندق، رأت فليمنج على نحو أكبر من ذي قبل؛ لكن لم يخطر ببالها أن السياسي الحزين كان يترصدها، دون أن يمتلك أبدا الشجاعة الكافية للحديث إليها عندما كانت تحين له الفرصة. وفي النهاية، وصلت رسالة إلى الغرفة التي تقيم فيها، من فليمنج، قال لها فيها إنه يود الحديث إليها لبضع لحظات، وإنه ينتظر الرد.
قالت الفتاة للشخص الذي حمل الرسالة: «أخبره أنه لا يوجد رد.»
قد يكون من الجيد أحيانا أن تعرف وجهة نظر حتى العدو، لكن كانت جيني غاضبة منه بشدة بحيث لم تفكر في هذا. لكن السياسي، حتى يكون ناجحا، يجب ألا يهزم بسهولة، وهذا بوجه عام ما يحدث.
عندما حصل فليمنج على الرد الفظ على رسالته، ألقى بسيجاره وارتدى قبعته وركب المصعد وسار عبر الممر الطويل وطرق باب غرفة جيني.
إن دهشة الفتاة لدى رؤية عدوها هناك كانت كبيرة للغاية لدرجة أن رد الفعل المتوقع المتمثل في غلق الباب في وجهه لم يخطر ببالها حتى فات أوان تنفيذه، وقد وضع فليمنج قدمه الكبيرة بلا مبالاة ليمنع إغلاقه.
صرخت، والشرر يتطاير من عينيها: «كيف تجرؤ على المجيء إلى هنا، بعد أن رفضت رؤيتك؟»
رد السياسي الكاذب: «أوه، فهمت من الشخص الذي حمل الرسالة إليك أن بإمكاني المجيء إلى هنا.» ثم أضاف: «كما تعرفين، إنه ليس أمرا شخصيا، بل أكبر شعور يمكن أن يتكون في عرض المحيط، وظننت ... حسنا، كما تعلمين، شعرت أنني - دون قصد تماما - قد أسأت إليك على متن سفينة «كالوريك»، وكانت هذه محاولة مني للاعتذار لك عن ذلك.» «لن يمكنك أبدا إصلاح ما فعلته.» «لا، بل يمكنني ذلك، يا جيني.» «أرجو أن تتذكر أن اسمي هو الآنسة بروستر.» هكذا قالت الفتاة، وقد اعتدلت في وقفتها؛ لكن فليمنج لاحظ، بنوع من الارتياح، أنه منذ أن ذكر مسألة الشعور، لم تصدر عنها أي محاولة لإغلاق الباب، وكان تحفز الصحفية يحل تدريجيا محل الغضب الذي قابلته به في البداية. «حسنا، آنسة بروستر. أنا لا أقصد أي إساءة ، كما تعرفين؛ وبصدق، فضلت إعطاءك معلومة مهمة على إعطائها لأي شخص آخر.» «أوه، إنك صادق للغاية ... أعلم هذا.» «في الواقع، أنا كذلك، كما تعلمين، يا جين ... أقصد يا آنسة بروستر؛ على الرغم من أنني أرى أن هذه ليست ميزة في السياسة تماما كما هو الحال في مجال الصحافة.» «إن كنت قد جئت فقط لتتحدث على هذا النحو عن الصحافة، فأنا لا أهتم بالاستماع لما تقوله.» «انتظري دقيقة. أنا لا ألومك على شعورك بالغضب ...» «شكرا لك.» «لكن، مع ذلك، إن تركت تلك المعلومة تضيع منك، فستندمين. إنني أعطيك معلومة موثوقا فيها. يمكنني الحصول على أموال أكثر من كل الأموال التي رأيتها في حياتك من الكشف عن هذه المعلومة، ومع ذلك، أنت تعاملينني كما لو كنت ...» «سياسيا من نيويورك. لماذا جئت إلي بتلك المعلومة القيمة؟ فقط لأنك تكن تقديرا كبيرا لي، على ما أعتقد؟» «هذا صحيح. هذا هو الوضع بالضبط.» «ظننت ذلك. رائع للغاية. هناك غرفة استقبال في هذا الطابق حيث يمكننا أن نتحدث دون مقاطعة. تعال معي.»
أغلقت جيني الباب وسارت عبر الممر، وتبعها فليمنج، الذي ابتسم تعبيرا عن رضاه عن لباقته وبراعته، حيث كان، بالفعل، له كل الحق في ذلك.
في غرفة الجلوس التي لا يوجد بها أحد، كانت توجد طاولة للكتابة، وجلست جيني بجانبها، وأشارت لفليمنج بالجلوس على كرسي قبالتها.
قالت، مقربة بعض الورق إليها، وملتقطة قلما: «والآن، ما تلك المعلومة المهمة؟»
رد فليمنج: «حسنا، قبل أن نبدأ، أود إخبارك بسبب تدخلي على متن السفينة وجعل الرجل الإنجليزي يعرف من أنت.» «لا عليك من هذا. من الأفضل ألا نثيره.» وظهرت لمحة من الغضب في عيني الفتاة، لكن، وبالرغم منها، استمر فليمنج في حديثه. لقد كان رجلا مثابرا. «لكن هذا له علاقة بما سأخبرك به. عندما رأيتك على متن سفينة «كالوريك»، خفق قلبي بشدة. ظننت أن سري قد انكشف وأنك كنت تلاحقينني. وكان علي أن أعرف ما إذا كانت صحيفة «آرجوس» قد علمت أي شيء عن رحلتي أم لا ، وما إذا كانت قد أرسلتك لتعقبي. فقط خمسة أشخاص في نيويورك كانوا على علم بأمر رحلتي، وحيث إن الكثير كان يعتمد على عامل السرية، فقد كان علي أن أعرف على نحو ما إن كنت هناك من أجل ... حسنا، أنت تعرفين بالطبع. لذا، تحدثت إلى الرجل الإنجليزي، وأخذت أنصت جيدا لما كان يدور حولي؛ لكن سرعان ما اتضح لي أنك ليس لديك أي علم بما كنت أنا طرفا فيه، وإلا لكنت أرسلت حينها برقية لبعض الأشخاص في لندن، وأمرتهم بإنهاء الأمر.» «يا إلهي! وما الفعل الشرير الذي كنت تدبره؟ تزوير؟» «لا؛ أمر متعلق بالسياسة. إنه شيء بنفس السوء، أعتقد أنك ستظنين هذا. والآن، هل تعرفين أين كرابر؟» «حاكم نيويورك؟ لقد سمعت قبل أن أغادر أنه كان في كارلزباد للاستشفاء.»
قال فليمنج على نحو غامض: «لقد كان هناك، لكنه الآن ...»
أشار السياسي بجدية لأسفل بسبابته. «ماذا! مات؟» هكذا قالت جيني؛ إذ كانت الحركة المشئومة لإصبع فليمنج تشير على نحو طبيعي إلى ما يعتقده كل الناس الشرفاء بأنها النهاية الحتمية لكل زعيم عصابة.
قال فليمنج، وهو يضحك: «لا؛ إنه في هذا الفندق.» «أوه!» «نعم، والسيناتور سموليت، رئيس حزب الصلاح، هنا أيضا، على الرغم من أنك لن تقابليهما كثيرا في قاعات الفندق كما تفعلين معي. إن هذين الرجلين المحترمين اللذين من المفترض أنهما خصمان سياسيان، لا يحاولان لفت الأنظار إليهما ولا يدليان بأي تصريحات.» «فهمت. وقد عقدا اجتماعا معا.» «بالضبط. والآن، الأمر يشبه هذا.» سحب فليمنج ورقة تجاهه، ورسم عليها شكلا بيضاويا. ثم أردف: «هذه هي نيويورك. سنسميها فطيرة اليقطين، إن أردت، التي تشبه المادة المصنوعة منها رءوس مواطنيها أصحاب الضمير الحي. أو ربما، فطيرة الحمام؛ لأن المواطن النيويوركي يستغل بسهولة. والآن، انظري هنا.» رسم فليمنج من نقطة في المنتصف عدة خطوط متشعبة. ثم أردف: «هذا ما يفعله كرابر وسموليت في لندن. إنهما يقسمان الفطيرة بين الحزبين.» «هذا مثير جدا للاهتمام، لكن كيف ستوزع الأجزاء؟» «الأمر بسيط للغاية. كما تعرفين، إن رهاننا الكبير على المواطن الصالح؛ الناخب الذي يريد أن ينتخب على نحو صحيح وينتخب رجلا شريفا. ولو لم يكن المرشحون شرفاء والناخبون أيضا شرفاء، لكان عالم السياسة في نيويورك لعبة غير مضمونة إلى حد كبير. كما تعرفين، ما يسمى بالعنصر المحترم في كل الحزبين هو أملنا الوحيد. إن كلا منهما يثق في حزبه، ويرى أن أتباعه أفضل من أتباع الآخر؛ لذا، كل ما يجب فعله هو ترشيح شخص أمين لتمثيل كل حزب، ثم سيقسم هذا ما يسمونه بالانتخاب النزيه، ونحن السياسيين الحقيقيين نحصل على رجلنا من بين الاثنين. هذا هو ما يحدث في عالم السياسة في نيويورك. والآن، السيناتور سموليت هدد بألا يضع رجلا شريفا في قائمة مرشحي حزبه، وكان هذا سيقلب علينا بالكامل الانتخاب النزيه للحزبين؛ لذا كان علينا أن نعقد صفقة معه، ونضيف إليها مسألة انتخابات الرئاسة القادمة. إن كرابر ليس طماعا؛ إنه يعرف متى يكون لديه الكثير، ونيويورك كافية بالنسبة إليه. وهو لا يهتم بمن سيحصل على مقعد الرئاسة.» «وهذا الاجتماع قد عقد؟» «هذا صحيح. لقد تم في هذا الفندق.» «لقد عقدت الصفقة، على ما أظن؟» «نعم. وقسمت الغنيمة.» «ألم تحصل على قطعة منها؟» «أوه، معذرة، لقد فعلت!» «إذن، لماذا جئت إلي وأخبرتني بكل هذا؛ إن كان هذا صحيحا؟»
ظهر استياء مستحق على وجه فليمنج. ««إن» كان هذا صحيحا؟ بالطبع، إنه صحيح. لماذا جئت إليك؟ لأنني أريد أن أصبح صديقا لك؛ هذا هو السبب.»
نظرت جيني إليه بتأمل لبضع لحظات، وهي تقضم طرف قلمها، ثم هزت رأسها ببطء. «إن استطعت أن تجعلني أصدق هذا، يا سيد فليمنج، فلن أنشر كلمة. لا، لا بد أن يكون لدي دافع مناسب؛ لأنني لن أنشر أي شيء لا أعتقد أنه صحيح مائة بالمائة.» «أؤكد لك، يا جيني ...» «انتظر دقيقة. إنك تقول إنك قد وعدت بنصيبك في الصفقة الجديدة، لكنه ليس بالنصيب الكبير الذي لديك الآن. من المنطقي أن اقتسام كرابر الغنيمة مع أوغاد سموليت سيؤدي إلى حصول كل من أوغاد كرابر على جزء أصغر منها . وكلما زاد عدد اللصوص، قل نصيبهم من الغنيمة. إنك لم تدرك هذا عندما غادرت نيويورك، ولذلك، كنت تخاف من أن يعلن أمر سفرك. ولقد أدركت هذا الأمر الآن، وأنت تريد أن ينشر مقال مثير، حتى يضطر السيناتور سموليت إلى إنكار الأمر أو إثارة المزيد من الشكوك في نفوس الرجال الشرفاء في حزبه. وفي كلتا الحالتين، نشر الأمر سيؤدي إلى إلغاء بنود الصفقة، وستحتفظ بنصيبك الحالي. وحيث إنك لا تعرف أيا من ممثلي صحف نيويورك الدائمين في لندن، فلا يمكن أن تثق في ألا يشوا بك، ولذلك، جئت إلي. والآن، بعد أن تبين الدافع الأناني بشدة لفعلك، أنا على استعداد لتصديقك.»
ظهر بعض الارتباك في البداية على وجه السياسي، لكن هذا أفسح الطريق لنظرة تشي بالإعجاب غير المخفي بينما كانت الفتاة تتكلم.
ثم قال، ضاربا بقبضة يده على الطاولة عندما انتهت من كلامها: «يا إلهي، يا جيني! إنك خسارة في مجال الصحافة؛ حري بك أن تكوني سياسية. لو تزوجتني، يا فتاة، فسأصبح يوما رئيس الولايات المتحدة.»
قالت جيني، دون أن تشعر بالإحراج على الإطلاق من عرضه المهذب، رغم كونه مثيرا: «أوه لا، إنك لن تصبح كذلك.» وأضافت: «لن يصبح أبدا سياسي نيويوركي فاسد رئيسا للولايات المتحدة. سيكون عليك التعامل مع الناس الصالحين الذين يمثلون الغالبية العظمى هناك، وأنا ديمقراطية بالقدر الكافي بحيث أومن بهم عندما يتعلق الأمر بالمسائل الكبيرة، مهما حاولت أن تهمشهم؛ فإنك لن تستطيع خداع كل الناس طوال الوقت، يا سيد فليمنج، كما قال أحد السياسيين الكبار ذات مرة. إن الناس سيستفيقون من آن لآخر ويحطمونك.»
ضحك فليمنج بصخب.
وقال: «هذا هو الوضع.» ثم أضاف: «إن هذا يحدث من آن لآخر. لو فعلوا هذا كل عام، لكان علي ترك السياسة. لكن هل سترسلين تفاصيل هذا الاجتماع لصحيفة «آرجوس» دون أن تكشفي عن هويتي؟» «نعم، أنا أدرك أهمية الموضوع. والآن، أريد منك أن تعطيني كل التفاصيل؛ رقم الغرفة التي التقوا فيها، وميعاد الاجتماع بالتحديد وكل هذا. إن ما يهمني في أي تقرير عن اجتماع سري هو معرفة كل التفاصيل الصغيرة، بحيث يعرف كل من حضروه أن ما أكتبه ليس من قبيل التخمين. وهذا دائما ما يقوض أي محاولات مستقبلية للإنكار. سأذكر اسمك ...» «يا إلهي، لا تفعلي ذلك!» «يجب أن أذكر أنك كنت حاضرا.» «لماذا؟» «لماذا؟ يا إلهي! لا يمكن أن تكون غبيا بشدة بحيث لا ترى أنه، في حالة عدم ذكر اسمك، ستحوم الشكوك على الفور حولك باعتبارك من قام بإفشاء سر الاجتماع، أليس كذلك؟» «بلى، أعتقد أن هذا صحيح.» «وهذا الرجل هو حاكم إحدى كبرى المدن في العالم! استمر في سرد التفاصيل، يا سيد فليمنج؛ من أيضا كان حاضرا في الاجتماع بخلافك أنت وكرابر وسموليت؟»
كان المقال - الذي شغل عمودين ونصف العمود - بمنزلة قنبلة تفجرت في عالم السياسة في نيويورك في الصباح الذي ظهر فيه في صحيفة «آرجوس». لقد أرسل السيناتور سموليت برقية من باريس قال فيها إن كل ما جاء بالمقال كذب، وإنه لم يكن بلندن في اليوم المشار إليه، وإنه لم ير قط كرابر هناك أو في أي مكان. وأرسل كرابر برقية من كارلزباد قال فيها إنه كان مريضا، وإنه لم يغادر السرير منذ شهر. وأضاف أنه سيقاضي الصحيفة بتهمة التشهير، وهو الأمر، بالمناسبة، الذي لم يقم به قط. ولقد أسرع الصحفيون للقاء فليمنج عندما وصلت سفينته لأرض الوطن، لكنه بالطبع أعلن أنه لا يعلم شيئا عن الأمر؛ فقد سافر عبر المحيط في مهمة خاصة لا علاقة لها بالسياسة. إنه لم يكن يعرف شيئا عن مكان كرابر، لكنه كان يعرف شيئا واحدا، وهو أن كرابر كان رجلا أمينا ومحترما جدا بحيث لا يمكن أن يتعامل مع العدو.
بغض النظر عن كل حالات الإنكار هذه، فقد كان المقال يحمل في طياته أمارات الصدق، وقد صدق الجميع ما جاء به، رغم تظاهر الكثيرين بخلاف ذلك. إن تقسيم الغنائم أثار بشدة ذعر واستياء أتباع كرابر، وذهب وفد منهم للقاء الرجل العجوز.
ومن جهة أخرى، أوضحت صحيفة «آرجوس»، بأسلوب بليغ ، أنها تقف إلى جانب مصالح الناس، وأنها لا تخشى شيئا عندما يتعلق الأمر بقضايا الشعب. وتحدت الجميع أن يرفعوا ضدها قضايا تشهير إن أرادوا؛ فقد كانت على استعداد للنضال من أجل حقوق الشعب. وقد زاد معدل توزيعها أكثر فأكثر، وقد عملت طابعاتها الدوارة العديدة بكامل طاقتها لسد الطلب على الصحيفة. وهكذا يكافأ من يقوم بعمل جيد بحق.
إن الصحيفة الكبيرة تكون كريمة ببذخ، شأنها شأن الحاكم المستبد، مع من يؤدي لها خدمات جليلة، والشيك الذي صرفته جيني عندما صاحبتها الليدي ويلو إلى حي السيتي ملأ حقيبة اليد الخاصة بها عن آخرها بأوراق البنكنوت، وهو الأمر الذي لم تشهده صاحبتها قط.
وبعد قضاء بضعة أسابيع مع الليدي ويلو، بدا أن جيني قد سئمت من تفاهات الاختلاط مع الناس، وحتى من الرفقة الرزينة للسيدة الطيبة التي تعيش معها. وقد أعلنت أنها ستذهب إلى باريس لمدة أسبوع أو اثنين، لكن، نظرا إلى عدم التأكد من العنوان، فإن رسائلها ما كانت سترسل. لقد أخذت معها فقط حقيبة سفر صغيرة، وتركت بقية حقائبها مع الليدي ويلو التي جعلها هذا يحدوها الأمل في سرعة عودة ضيفتها التي تدفع لها.
استقلت جيني عربة أجرة تجرها الخيول إلى تشارينج كروس، لكن بدلا من أن ترحل في قطار باريس السريع، أشارت إلى عربة أجرة مغلقة ذات أربع عجلات، وبعد أن أعطت سائقها عنوانا في منطقة وست إند، دخلت إليها.
الفصل الرابع والعشرون
على النوافذ الكبيرة ذات الزجاج المسطح لمقر الشركة الجديد، سرعان ما ظهرت بأحرف ذهبية ذات حواف سوداء الكلمات «الشركة الكندية المحدودة لمنجم الميكا: مكتب لندن». لكن العمال الذين كانوا يجهزون الجزء الداخلي من المقر لم يكونوا بنفس سرعة الرسامين والكاتبين باللون الذهبي. ولذلك، استغرق إعداد المقر الجديد وقتا طويلا، وغضب كل من كينيون وونتوورث من التأخير؛ لأن لونجوورث قال إنه لن يمكن فعل أي شيء حتى ينتهي تجهيز المكان.
قال ونتوورث له: «أنت تعرف، يا لونجوورث، أن كل دقيقة مهمة. إن الوقت يداهمنا، وليس أمامنا وقت طويل كي نؤسس شركتنا.»
رد السيد لونجوورث الشاب، وهو ينظر بلوم إليه من خلال نظارته الأحادية اللامعة: «ويجب أن تتذكر أنني مهتم بهذا المشروع على نحو مساو لك. ومن المهم لي كما هو مهم لك ألا يضيع الوقت. يجب ألا تقلق بشأن هذا الأمر، يا سيد ونتوورث؛ فكل شيء يسير على ما يرام. إن الرجال يقومون بعمل جيد من أجلنا، ولن يمر وقت طويل حتى ينتهوا من عملهم. وكما قلت لك مرارا وتكرارا، الكثير من الأمور يعتمد على المظهر الذي سنبدو به أمام الناس. إننا نمتلك تقريبا أفضل مقر في حي السيتي. إن العمال بالتأكيد استغرقوا في العمل وقتا أطول مما توقعت، لكن كما ترى، إن عليهم إنجاز قدر كبير من العمل. وعندما نبدأ العمل في هذا المقر، فإن الأمر لن يستغرق طويلا. أنا، في هذه الأثناء، قمت ببعض التحركات. على الأقل ستة من المستثمرين مستعدون للعمل معنا في هذا المشروع. وعندما ينتهي تجهيز المقر، سنعقد اجتماعا للمساهمين المحتملين. وإن قدموا أموالا كبيرة بالقدر الكافي - وأعتقد أنهم سيفعلون - فإن كل الباقي سيكون مجرد تفاصيل سيهتم بها محامونا. لكن إن كنت ترى أنك والسيد كينيون بإمكانكما إدارة كل شيء على نحو أفضل مما أفعل، فلكما مطلق الحرية في فعل ذلك. أنا بالتأكيد لا أرغب في احتكار القيام بكل العمل. ما الذي فعلته أنت، على سبيل المثال؟ وماذا فعل السيد كينيون؟» «كينيون، كما أعتقد أنك تعرف، قد حصل على كل الحقائق المتعلقة بالطلب على المادة، وقد رتبتها. وقد طبعنا كل شيء كما اقترحت، والأوراق جاهزة. وقد وصلت إلى مكتبي اليوم.»
رد لونجوورث الشاب: «رائع جدا، إننا نحرز تقدما كبيرا. لقد أنجزنا الكثير ولن يكون علينا القيام به ثانية. ربما من الأفضل أن ترسل لي بعضا من المادة المطبوعة، حتى يتسنى لي إعطاؤها للرجال الذين أخبرتك بهم. وفي تلك الأثناء، لا تقلق بشأن المقر؛ إنه سيكون جاهزا في وقت قصير.»
كان ونتوورث وكينيون يزوران المقر الجديد من آن لآخر، لكن بدا أن العمل كان لا يزال يسير ببطء. وفي النهاية، قال ونتوورث بحدة شديدة لرئيس العمال: «ما لم ينته هذا بحلول الإثنين القادم، فلن تكون لكم أي علاقة به.»
بدا رئيس العمال مندهشا.
وقال: «فهمت من السيد لونجوورث وهو الشخص الذي نحصل منه على التعليمات أنه لا توجد عجلة حقيقية بشأن هذا العمل.» «حسنا، توجد عجلة حقيقية. يجب أن نبدأ العمل بهذا المكان في أول أيام الأسبوع المقبل، وإن لم تنتهوا من عملكم بحلول ذلك الوقت، فسيكون علينا بدء العمل فيه دون أن ينتهي تماما.»
قال رئيس العمال: «في هذه الحالة، سأفعل كل ما في وسعي. أعتقد أن بإمكاننا الانتهاء منه هذا الأسبوع.»
وهكذا، انتهى العمل في المقر في الوقت المحدد.
وعندما دخل كينيون مقر عمله الجديد، وجد المكان خانقا بشدة بالنسبة إلى شخص بسيط للغاية مثله. وضحك ونتوورث من الكآبة التي بدت عليه وهو يتأمل فخامة المكان.
قال جون: «ما يضايقني هو إدراك أن كل هذا يجب دفع ثمنه.»
رد ونتوورث: «آه، نعم، لكن بحلول وقت استحقاق هذا الدين، آمل أن يكون لدينا الكثير من المال.» «يجب أن أعترف أنني لا أفهم لونجوورث فيما يتعلق بهذا الأمر. يبدو أنه لا يفعل شيئا؛ على الأقل، إنه لم يطلعنا على أي شيء يوضح العمل الذي قام به، ولا يبدو أنه يعتقد أن الوقت مسألة مهمة بالنسبة إلينا؛ أي إن تأسيس الشركة قد أصبح بحق سباقا مع الزمن.» «حسنا، سنرى قريبا جدا ما الذي سيفعله. لقد أرسلت شخصا إليه يطلب منه لقاءنا هنا - من المفترض أن يصل إلى هنا الآن - ويجب بالتأكيد أن نتحرك للأمام. لا يوجد وقت لنضيعه.» «هل قال لك أي شيء - إنه يتحدث معك بحرية أكثر مما يفعل معي - عن الخطوة التالية التي من المفترض اتخاذها؟» «لا؛ إنه لم يقل شيئا.» «حسنا، ألا ترى الوضع الذي نحن فيه؟ إننا فعليا لا نقوم بشيء؛ ونترك كل شيء في يديه. والآن، إن أتى في أحد الأيام الكئيبة وقال إنه لن تكون له أي علاقة بعد ذلك بهذا المشروع (وأنا أعتقد أنه قادر تماما على فعل ذلك)، فسيكون وقتنا قد نفد تقريبا، وأصبحنا غارقين في الدين، ولم نقم بأي شيء.» «عزيزي جون، كيف لعقلك أن ينتج كل هذه الاحتمالات المرعبة! صدقني لونجوورث لن يتصرف على النحو الذي أشرت إليه. سيكون هذا تصرفا مخزيا من جانبه، وهو، بقدر ما أعرف، رجل أعمال محترم. أعتقد أن لديك بعض التحامل عليه، ومن ثم لا يمكنك رؤية شيء جيد في أي فعل يقوم به. لقد أخبرني لونجوورث منذ بضعة أيام أن لديه خمسة أو ستة أشخاص مستعدين للانضمام إلينا في مشروعنا، وإن كان هذا هو الحال، فقد قام بالتأكيد بما عليه من عمل في هذا المشروع.» «نعم، أعي ذلك. هل أعطاك أسماءهم؟» «لا، إنه لم يفعل.» «الشيء الوحيد الذي يقلقني هو قلة حيلتنا. يبدو، بنحو أو بآخر، أننا قد زج بنا في الخلفية.»
قال ونتوورث: «إن الأمر بعيد كل البعد عن هذا؛ فقد أخبرني لونجوورث بأننا علينا المضي قدما في أي شيء مناسب يتراءى لنا. ولقد سأل عما فعلته أنت وعما فعلته أنا، وقد أخبرته. وبدا مهتما بشدة بضرورة قيامنا بكل شيء نستطيع القيام به، كما يفعل هو.» «رائع، لكن ألا ترى أن الوضع هو التالي: إن قمنا بأي خطوة أيا كانت، فقد نقوم بشيء قد يعترض عليه؟ ألم تلاحظ أنني كلما اقترحت شيئا أو أنك كلما اقترحت شيئا، كان لديه دائما اعتراض عليه؟ كما أنني لم يعجبني المحامون الذين اختارهم للقيام بهذا العمل. إنهم من يوصفون بأنهم «مريبون»؛ أنت تعي ذلك كما أعي تماما.» «يا إلهي، يا جون! إذن، اقترح أنت شيئا إن كانت لديك تلك الشكوك الفظيعة في لونجوورث. أنا بالتأكيد أريد أن أفعل أي شيء تريده. اقترح شيئا.»
قبل أن يتمكن جون من ذكر الاقتراح المطلوب، عاد الرجل الذي أرسله ونتوورث للونجوورث الشاب.
قال الرجل: «يقول عمه، يا سيدي، إن السيد ويليام قد سافر إلى الشمال، ولن يعود إلا بعد أسبوع.»
صاح الشابان في الوقت نفسه: «أسبوع !» «نعم ، يا سيدي، لقد قال أسبوعا. لقد ترك رسالة لأي منكما في حالة ذهاب أي منكما لمكتبه. وها هي الرسالة، يا سيدي.»
أخذ ونتوورث الظرف الذي أعطاه الرجل له وفتحه. وكان محتوى الرسالة كالتالي:
لقد استدعيت لمهمة مفاجئة في الشمال، وقد أستمر فيها لمدة أسبوع أو عشرة أيام. أعتذر عن الوجود بالخارج في هذا التوقيت، لكن حيث إنه من غير المحتمل أن ينتهي الرجال من تجهيز مقر الشركة قبل أن أعود، فلن يقع أي ضرر كبير. وفي تلك الأثناء، سأقابل العديد من رجال الأعمال الذين لدي قائمة بهم في ذهني وهم نادرا ما يأتون إلى لندن، وسيكونون ذوي فائدة كبيرة لنا. إن فكرت في أي شيء في صالح مشروع منجم الميكا، فأرجو منك أن تمضي فيه قدما على الفور. يمكنك إرسال أي رسائل لي إلى عمي، وسوف أحصل عليها. ومع ذلك، وحيث إنه لا توجد أي عجلة في مسألة الوقت، فأنا أوصي بشدة بعدم القيام بأي شيء حتى عودتي، حيث يمكننا جميعا القيام بالأمر بعزم وإصرار.
مع خالص تحياتي
ويليام لونجوورث
عندما انتهى ونتوورث من قراءة تلك الرسالة، نظر الشابان كل منهما إلى الآخر.
قال كينيون: «ماذا تفهم من هذا؟» «أنا بالتأكيد لا أعرف. في المقام الأول، إنه سافر لمدة أسبوع.» «نعم؛ هذا هو الشيء الوحيد المؤكد.» «والآن، يا جون، يجب فعل أحد أمرين. إما أن نثق في لونجوورث هذا، وإما أن نمضي قدما بدونه. ما الذي علينا فعله؟»
رد كينيون: «أنا بالتأكيد لا أعرف.» «لكننا، يا عزيزي، قد وصلنا إلى مرحلة علينا أن نقرر فيها. أنت، على ما يبدو، تشك في لونجوورث. ما تقوله في الحقيقة يشير إلى ما يلي: أنه، لسبب خاص به، أقر أنني لا أستطيع إدراكه أو فهمه، يرغب في تأجيل تأسيس هذه الشركة حتى يفوت الأوان.» «أنا لم أقل هذا.» «إنك تقول ما يشير فعليا إلى هذا. إنه إما أمين وإما لا. والآن، علينا أن نقرر اليوم، وهنا، ما إذا كنا سنتجاهله ونمضي قدما في تأسيس الشركة أم سنعمل معه. وما لم يمكنك إعطاء سبب وجيه للقيام بغير ذلك، أرى أن نعمل معه. وأعتقد أن الأمر سيكون أسوأ بكثير إن تركنا الآن مما لو لم يكن قد انضم إلينا على الإطلاق. الناس سيسألون عن سبب انسحابه من المشروع.» «ربما لن ينسحب، حتى لو أردته أن يفعل هذا. إن لديه توقيعك على الاتفاق الذي بينك وبينه، ولديك توقيعه عليه.» «بالتأكيد.» «أنا لا أعرف كيف يمكن أن نمضي قدما في الأمر بمفردنا.» «لذا، أرى أن تلك الشكوك يجب أن تختفي؛ لأنك لا يمكن أن تعمل مع شخص تشك في أنه وغد.» «أعتقد تماما في صحة هذا؛ لذا، لن أتحدث عن هذا الموضوع مرة أخرى. وفي تلك الأثناء، هل تقترح الانتظار حتى يعود؟» «سأكتب إليه الليلة وأسأله عما ينتوي فعله. سوف أخبره، كما أخبرته من قبل، أن الوقت يداهمنا، وأننا نريد معرفة ما يحدث.»
قال جون: «رائع للغاية؛ أنا سأنتظر حتى تحصل على رده على رسالتك. وفي تلك الأثناء، أرى أن لا شيء يمكن فعله سوى شغل هذا المكتب الفخم بأفضل صورة ممكنة، وانتظار ما ستئول إليه الأمور.» «هذا رأيي. أنا أرى أنه ليس من العدل أن نشك في كون أحد الأشخاص وغدا رغم أنه لم يفعل في واقع الأمر شيئا يشير إلى أنه كذلك.»
لم يرد جون على هذا.
وفي اليوم التالي، ذهب كينيون إلى المقر الجديد، وشرع بهمة في تنفيذ مهمة الاعتياد عليه. في اليوم الأول، جاء إلى مقر الشركة القليل من الأشخاص واستفسروا عن المنجم، وأخذوا بعض المواد المطبوعة وسألوا بوجه عام عدة أسئلة لم يستطع كينيون الإجابة عنها. وفي اليوم التالي، جاء إلى المكتب عدد من رجال الصحافة - غالبيتهم من مندوبي الإعلانات - الذين أعطوا لكينيون بطاقات أو نشرات دعائية، توضح أن أي مشروع تجاري لا يجري الترويج له في صحفهم من المؤكد أنه لن ينجح. وطلب شخص يرتدي ملابس شديدة الأناقة، كانت ملامح وجهه تشير إلى انتمائه إلى عائلة مقتصدة وحذرة وغنية، من كينيون عقد حوار خاص معه. لقد قال إنه يعمل لصالح «فاينانشال فيلد»، الصحيفة اللندنية الشهيرة، التي يقرؤها كل مستثمر في حي السيتي وفي كل أنحاء البلاد. وكل ما أراده هو الحصول على بعض تفاصيل المنجم.
هل تأسست الشركة؟
لا، لم تؤسس بعد.
متى تنوون طرح أسهمها للاكتتاب العام؟
لم يستطع كينيون الإجابة عن هذا.
ما الشيء الذي يميز المنجم ويجعل المستثمرين يقبلون عليه؟
رد كينيون بأن التفاصيل الكاملة سيجدها في الورقة المطبوعة التي أعطاها له، وبوافر الشكر، وضع الصحفي الورقة في جيبه.
كيف كان الوضع المالي للمنجم في السنوات الماضية؟
لقد حقق أرباحا قليلة.
على أي سعر؟
لم يكن كينيون مستعدا للرد على هذا.
منذ متى بدأ العمل فيه؟
منذ عدة سنوات.
هل طرح من قبل للبيع في سوق لندن؟
لم يكن كينيون متأكدا من الرد.
من في الوقت الحالي مهتم بأمر المنجم؟
لم يهتم السيد كينيون بالرد على هذا، وقال، فيما يتعلق بالدعاية للمشروع، إنه ليس مستعدا بعد للقيام بأي ترويج. رد ضيفه، الذي كتب تلك الملاحظات، إن هدفه لم يكن الحصول على إعلان لصحيفته، ولكن الحصول على معلومات عن المنجم. ويمكن للناس القيام بالإعلان في صحيفته أو لا، بحسب اختيارهم. إن الصحيفة كانت وسيلة إعلام معروفا عنها أنها تستطيع الوصول إلى المستثمرين لدرجة أن الجميع يعلمون أن أعمالهم سيروج لها فيها بطبيعة الحال؛ لذا فهم لا يعينون مندوبي إعلانات ولا يسعون للحصول على إعلانات.
قال الصحفي، بينما كان يستعد للرحيل: «الاحتمال الأكبر أن مدير تحريرنا سيكتب مقالا عن هذا المنجم، وحتى لا يكون هناك أي عدم دقة، سأحضره إليك لتقرأه، وسوف أكون ممتنا لو صححت أي أخطاء قد ترد به.»
رد كينيون، بينما كان مندوب صحيفة «فاينانشال فيلد» يرحل: «سيسعدني فعل ذلك.»
كان رجال الصحافة من الصعب إلى حد كبير إرضاؤهم والتخلص منهم، لكن جون استقبل زائرا في عصر اليوم التالي كاد يجعل عقله يطير منه. نظر كينيون من مكتبه بينما كان الباب يفتح، ودهش عندما رأى الوجه المبتسم لإديث لونجوورث، وقد كانت وراءها السيدة العجوز التي كانت تستقل العربة عندما ركب فيها واتجه إلى الغرب. «أنت لم تتوقع رؤيتي هنا وسط المستثمرين الذين يحضرون لزيارتك، يا سيد كينيون، أليس كذلك؟»
مد كينيون يده ليسلم عليها وقال: «أنا مسرور جدا بالفعل لرؤيتك، سواء جئت كمستثمرة أم لا.»
قالت وهي تتفحص المكان: «هذا إذن مكتبك الجديد، أليس كذلك؟ كيف ازدهرت أحوالك؟ إن هذا المقر فخم للغاية مثل مقرات شركات حي السيتي الأخرى.»
قال جون: «نعم، إنه فخم للغاية بحيث لا يلائمني.» «أوه، أنا لا أرى سببا لعدم امتلاكك لمقر فخم مثل أي شخص آخر. لقد ذهبت لمقر شركة أبي، بالطبع. لكن مقر شركته ليس فخما مثل هذا المكان.» «أعتقد أن هذا يساعد في توضيح سخافة مقرنا. إن مقر شركة أبيك قديم، وهذا يعطي عنا انطباعا بأننا محدثو نعمة، ويجب أن أعترف أنني لا أفضله، خاصة أننا لم نصبح أغنياء بعد.» «إذن، لماذا وافقت على استئجار هذا المقر؟ أعتقد أنك قد أخذ رأيك في هذا؟» «بالكاد، يجب أن أعترف. لقد استؤجر بينما كنت في الشمال، وبعد استئجاره، بالطبع، لم أرد قول أي شيء ضده.» «حسنا، وكيف حال مشروع المنجم؟ أنت لم تتحدث إلي بعد بشأن عرضي، الذي أعتقد أنه جيد للغاية.»
رد كينيون: «أنا لم أحتج إلى فعل هذا.» «آه، إذن، لقد بدأ المستثمرون يتوافدون، أليس كذلك؟ أين القائمة الخاصة بهم؟» «ليست هناك قائمة بعد. إننا بانتظار ابن عمك، الذي سافر إلى الشمال.»
قالت إديث، وهي فاغرة العينين: «إلى الشمال!» ثم أردفت: «إنه ليس في الشمال؛ إنه في باريس، ونتوقع عودته الليلة.» «أوه، بالفعل!» هكذا قال جون، دون أن يعلق أكثر. «والآن، أين قائمة المستثمرين الخاصة بكم؟ أوه، لقد قلت لي إنكم ليس لديكم واحدة بعد. رائع جدا؛ تلك الورقة ستفي بالأمر.» رسمت الفتاة بعض الخطوط على الورقة، وعنونتها ب «منجم الميكا الكندي». ثم كتبت تحت العنوان اسم إديث لونجوورث وبعد ذلك كتبت «بمبلغ عشرة آلاف جنيه». وقالت: «انظر! أنا أول مساهمة في الشركة الجديدة؛ إن استطعت الحصول على الباقين بنفس هذه السهولة، فستكون محظوظا للغاية.»
وقبل أن يتمكن جون من شكرها، التفتت على نحو ضاحك إلى رفيقتها، وقالت: «يجب أن نرحل.»
الفصل الخامس والعشرون
عندما جاء ونتوورث إلى مقر الشركة ليرى إن كان قد جد جديد، أخبره كينيون بأن لونجوورث الشاب لم يسافر إلى الشمال على الإطلاق، وأنه في باريس. فكر ونتوورث في هذه المعلومة للحظة، ثم قال: «لقد بعثت رسالة له، لكني لم أتلق أي رد. لقد ذهبت لتوي لمقابلة المحامين، وأخبرتهم بأن الوقت يداهمنا وبأننا يجب أن نفعل شيئا. لقد اتفقوا تماما على أنه من الأفضل اتخاذ بعض الإجراءات على الفور، لكنهم، بالطبع، وكما قالوا، كانوا فقط ينتظرون الأوامر. إنهم على استعداد لفعل أي شيء نطلبه منهم. لكنهم نصحوا بضرورة الانتظار حتى عودة لونجوورث، ثم اقترحوا ضرورة عقد اجتماع في مقر الشركة هنا. لقد قالوا أيضا إن المسألة برمتها ستنتهي في غضون أسبوع على الأكثر إن كان لدى لونجوورث خمسة أو ستة أشخاص يعزمون على الانضمام للمشروع. إنهم لم يبد عليهم على الإطلاق القلق بشأن ضيق الوقت، لكنهم قالوا إن كل شيء يعتمد على المستثمرين الذين سيجلبهم لونجوورث. إن كانوا مناسبين، فلن تكون هناك أي مشكلة. لذا، إجمالا، نصحوني بعدم القلق بشأن الأمر، وبضرورة التواصل مع لونجوورث، إن كان ذلك باستطاعتي، وحثه على العودة بأسرع وقت ممكن. يجب أن أعترف أن هذا كان هو الشيء الوحيد الذي يجب فعله؛ لذا جئت إلى هنا لأرى إن كانت قد وصلتك أي أخبار عنه.»
قال كينيون: «لم تصلني أي أخبار عنه، فيما عدا أنه قد كذب، وذهب إلى باريس بدلا من الشمال.»
رد متأملا: «حسنا، أعتقد أن هذه ليست نقطة مهمة للغاية. قد يكون في مهمة عمل في باريس، وربما ظن أنه ليس من شأن أحد معرفة أين ذهب، وهو أمر محق ومخطئ فيه بعض الشيء. لقد ظن، بلا شك، أنه إن قال إنه ذاهب إلى الشمال، لرؤية بعض الرجال الذين لا يمكن رؤيتهم دون الذهاب إلى هناك، فإن ذلك سيهدئنا، ويجعلنا نعتقد أن مشروعنا يسير على ما يرام.» «هذا بالضبط ما أعترض عليه، يا ونتوورث. إن سلوكه بالكامل يبدو أنه يشير إلى أنه يريدنا أن نعتقد أن كل شيء على ما يرام، في حين أن الأمر ليس كذلك.» «حسنا، يا جون، كما قلت من قبل، عليك القيام بأحد الأمرين. عليك الوثوق بلونجوورث أو المضي قدما بدونه. والآن، بحق السماء، قرر ماذا تريد، ولا تتذمر.» «أنا لا أتذمر. الرجل الصادق بحق لن يكذب، حتى ولو كانت كذبة صغيرة.» «أوه، أنت نيق بشدة. ابق في حي السيتي لمدة عشر سنوات، ولن تبالي بأمر بسيط كهذا.» «الأمور البسيطة كهذه، كما تسميها، تشير إلى أمر عام.» «أحيانا يكون هذا هو الحال، وأحيانا لا يكون كذلك. لا يجب أن تأخذ الأمور بجدية شديدة هكذا. أنا لا أرى أن أي شيء يمكن فعله حتى يقرر لونجوورث الظهور. إن كان بإمكانك اقتراح أي شيء أفضل، كما قلت من قبل، فأخبرني به، وأنا على استعداد للقيام بدوري فيه.» «أعترف بأنني لا أعرف ما يمكننا فعله. قد يكون علينا الانتظار ليوم أو اثنين آخرين، ثم إن لم نسمع أي أخبار عن لونجوورث، فعلينا الاستغناء عن المحامين الذين اختارهم والاستعانة بآخرين يعملون لصالحنا.» «الأشخاص الذين اختارهم لونجوورث ليسوا ذوي شهرة كبيرة للغاية؛ ومع ذلك، يجب أن أعترف أنهم يتحدثون بطريقة أمينة للغاية. وكما قلت، ربما يكون من الأفضل أن نبقي الأمور على ما هي عليه ليوم أو يومين.»
سرعان ما مرت هذه المهلة. وكتب ونتوورث مرة أخرى للونجوورث رسالة في مكتبه، وقال إنهما سينتظران ليومين آخرين، وإن لم يظهر، قبل ذلك الوقت، فسيمضيان قدما في تأسيس الشركة، كما لو أنه لم ينضم إليهما من الأساس.
لم يأت أي رد على تلك الرسالة؛ ولذا بدأ كينيون وونتوورث مرة أخرى يناقشان الأمر في المقر الفخم الذي اختير لهما.
قال كينيون: «أعتقد أنه لا توجد أي أخبار بعد؟»
كان الرد: «لا شيء على الإطلاق .» «رائع للغاية؛ لقد قررت ما يجب علي فعله ...»
وقبل أن يكون بإمكان كينيون قول ما قرر فعله، انفتح الباب ودخل عليهما السيد ويليام لونجوورث، بقبعته الحريرية اللامعة كالمرآة، ومظهره العام الأنيق والفخم، ونظارته المثبتة في مكانها وعروة معطفه المعلق بها وردة.
وقال: «صباح الخير، يا رفاق.» ثم أردف: «ظننت أنني سأجدكما هنا؛ ولذا لم أذهب إلى مكتبك، يا ونتوورث.» ثم قال، وهو يتفحص المكان: «آه، هذه هي الخطة الملائمة! هذا المقر يبدو حتى أفضل مما ظننت أنه سيكون عليه.» وأضاف، وهو يلتفت إلى شريكيه: «لقد وصلت لتوي هذا الصباح.»
قال ونتوورث: «في واقع الأمر، إننا سعيدان للغاية لرؤيتك. كيف كانت رحلتك لباريس؟»
لم يبد الشاب على الإطلاق مندهشا من هذه الملاحظة. لقد رفع حاجبيه فقط وهز كتفيه وقال: «آه، حسنا، كما يعلم كلاكما بلا شك، باريس لم تعد كما كانت. ومع ذلك، فقد قضيت وقتا طيبا للغاية هناك.»
قال ونتوورث: «أنا سعيد لمعرفة هذا؛ وهل قابلت الرجال الذين توقعت مقابلتهم؟» «يجب أن أقر بأنني لم أفعل. لم أظن أن هذا ضروري. لدي خمسة أو ستة أشخاص مهتمين بالفعل بالأمر، وقد تعهدوا فعليا بتقديم كل رأس المال اللازم.» وبعد أن قال هذا، استدار حول المكتب الذي كانوا يقفون عنده، وجلس، واضعا ساقه اليمنى على ساقه اليسرى، وممسكا ركبته بيديه. «حسنا، ما الذي تم في غيابي؟ هل طرح المنجم للبيع بعد؟»
رد ونتوورث: «لا؛ لم يطرح المنجم للبيع بعد. والآن، سيد لونجوورث، قد حان وقت التحدث بصراحة. لقد سافرت لباريس دون أن تعلمنا على نحو مسبق في وقت حرج للغاية، ولم ترد على أي من الرسائل التي بعثت بها إليك.» «في الواقع، يا عزيزي، السبب هو أنني كنت أتوقع كل يوم أن أعود إلى هنا، وكل يوم كنت أجد أن الأمر يحتاج إلى وقت أطول.» «رائع للغاية؛ النقطة التي أود التأكد من إدراكك لها هي ما يلي: إن الوقت يداهمنا. إن كنا سنؤسس هذه الشركة، فعلينا أن نشرع في ذلك على الفور .»
قال لونجوورث، بنبرة عتاب: «زميلي العزيز، هذا بالضبط ما قلته لنفسي. إن الوقت يداهمنا، كما تقول. وبالطبع، كما قلت عندما انضممت إليكما، أنا ليس بإمكاني تخصيص كل وقتي لهذا. إننا شركاء متساوون، وحقيقة أنني كان علي أن أسافر لبضعة أيام لا يجب أن تؤثر على عملنا. ما الذي كان من المفترض أن تقوما به إن لم أكن شريكا لكما؟»
رد ونتوورث ببعض الحدة: «إن لم تكن شريكا لنا، لكنا قد مضينا قدما في الأمر وأسسنا الشركة، وإلا لكنا سنفشل؛ لكن حقيقة أنك شريك لنا هي فقط التي تعوقنا الآن عن فعل ذلك. نحن نشعر بأننا لا يحق لنا فعل أي شيء حتى نحصل على موافقتك، أو حتى نعلم أنه لا يتعارض مع شيء قد قمت به بالفعل.» «حسنا، يا رجال، إن كنتما تنظران للأمر هكذا، فأنا على استعداد تام للانسحاب. أنا على استعداد لإرجاع الورقة التي أخذتها منك، واستعادة الورقة التي أعطيتها لك. بالطبع، لا يمكننا العمل معا إن كانت هناك أي اتهامات متبادلة. لقد فعلت كل ما في وسعي؛ لقد فعلت كل ما وعدت بفعله؛ وحتى أكثر من ذلك؛ لكن إن ظننتما للحظة أن بإمكانكما المضي قدما في الأمر على نحو أفضل بدوني، فأنا على استعداد في أي وقت للانسحاب.» «ليس من السهل قول هذا، يا سيد لونجوورث، الآن بعد أن بقي على انتهاء مدة عقد خيار الشراء شهر واحد فقط. يجب أن تتذكر أن وقتا طويلا قد ضاع، ولم يكن هذا خطأنا.» «آه! هل تقصد أن تقول إنه قد ضاع بسبب خطئي أنا؟» «أقصد أننا إن كنا بمفردنا في الأمر، لكان شيء قد تم، بينما نحن الآن في نفس الوضع الذي انطلقنا منه. إننا في وضع أسوأ عما كان عليه الحال في البداية، ليس فقط لأننا قد أضعنا أموالنا وإنما أيضا لأننا قد أصبحنا غارقين في الدين.» «حسنا، سيد ونتوورث، أنا لم أعرض الانسحاب حتى كدت، في واقع الأمر، تطلب ذلك. أنا مستعد ومتحمس بشدة للمساعدة، لكن إن بقيت معكما، فيجب التأكد من عدم وجود مثل هذه الاتهامات المتبادلة بيننا. يجب أن تفعلا كل ما في وسعكما، ويجب أن أفعل كل ما في وسعي.»
قال ونتوورث: «رائع للغاية، إذن، تركك لنا في هذا الوقت ليس محل نقاش على الإطلاق. والآن، هلا تعطيني أسماء الأشخاص الذين عرضوا الانضمام إلينا؟» «بالتأكيد.»
أخرج لونجوورث دفتر ملاحظات من جيب معطفه الداخلي، بينما التقط ونتوورث قلما من على المكتب وسحب ورقة باتجاهه. «أولا: السيد ميلفيل.» «هل هذا هو ميلفيل الذي قابلته وتحدثت إليه بشأن تلك المادة؟» «أنا بالتأكيد لا أعرف. إنه على رأس شركة سكرانتن للخزف.» «هل أعرب عن رغبته في الانضمام إلينا؟» «نعم، يبدو أنه يعتقد أن المشروع جيد. لماذا تسأل؟» «في واقع الأمر، فقط لأنني قد أخذت عينة من المادة إليه وكتب لي مديره أنها غير ذات قيمة. يبدو من الغريب جدا أن يرغب في الاستثمار في المنجم رغم أن مديره يعتقد أن تلك المادة لا قيمة لها.» «أوه، إنه يرغب في الانضمام بصفته الشخصية. إنه ليس متأثرا على الإطلاق بما يقوله المدير. المدير لا علاقة له بشئون ميلفيل الخاصة.» «مع ذلك، يبدو هذا غريبا للغاية لأن كينيون عندما قابل المدير في الشمال، زعم أنهم لا يستخدمون هذه المادة وقال إنها ليس لها أي فائدة بالنسبة إليه.»
قال لونجوورث متأملا: «هذا عجيب للغاية.» ثم أضاف: «حسنا، كل ما يمكنني قوله هو أن ميلفيل أكد لي أنه يرغب في الاستثمار في هذا المنجم؛ لذا بحسب اعتقادي، هو والمدير مختلفان بشأن قيمة المادة. يمكنك كتابة اسم السيد ميلفيل بثقة تامة. أنا أعرفه جيدا، وأعرف أنه رجل أعمال دقيق. بالإضافة إلى ذلك، ستكون ميزة كبيرة أن ينضم إلينا رجل له صلة بصناعة الخزف.»
لم يكن هناك أي جدل بشأن هذه النقطة؛ لذا لم يقل ونتوورث أي شيء آخر. ثم ذكر لونجوورث أسماء خمسة أشخاص آخرين، لكن لم يكن ونتوورث يعرف أيا منهم. ثم أغلق دفتر ملاحظاته ووضعه في جيبه.
سأل ونتوورث: «السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل حدد هؤلاء الرجال مدى مساهمتهم في الشركة؟» «لا، لم يحددوا. بالطبع، إن كل شيء سيعتمد على مدى انبهارهم بما يمكن أن نخبرهم به. الشيء المهم هو إيجاد أشخاص راغبين حتى في الاستماع إليك. والباقي يعتمد على الحوافز التي تقدمها.» «هل تتوقع الحصول على مزيد من الأشخاص المهتمين بالأمر؟» «أنا لا أعتقد أن هناك حاجة إلى المزيد. إن أفضل شيء علينا فعله الآن هو جمع هؤلاء الأشخاص معا وإحضار محامينا إلى هنا. ثم يمكن لصديقنا كينيون، الذي هو متحدث بارع، عرض المسألة عليهم.»
إن كينيون، الذي لم يتحدث على الإطلاق أثناء الحوار الدائر، حتى لم يرفع بصره باتجاه المتحدث، وعلى ما يبدو لم يسمع بالتلميح الساخر لبراعته في الحديث. «رائع جدا؛ ومتى سيكون الوقت المناسب للدعوة إلى هذا الاجتماع؟»
رد لونجوورث: «بأسرع ما يمكن، على ما أعتقد.» ثم أضاف: «ما رأيك في يوم الإثنين، الساعة الثالثة؟ الناس ينتهون من تناول الغداء في تلك الساعة، ويكونون في حالة مزاجية جيدة. إن أرسلت رسالة مفادها أن اجتماعا سينعقد هنا في غرفة المديرين في الساعة الثالثة، تماما، يوم الإثنين، فسأزور هؤلاء الرجال وأجعلهم يأتون. إنهم بالطبع بوجه عام منشغلون، وقد تكون لديهم مواعيد أخرى؛ مع ذلك، يجب أن نفعل شيئا، ولا يمكن فعل شيء حتى نجمعهم معا.» «صحيح؛ دعوات الاجتماع سترسل على الفور.»
قام لونجوورث من مكانه، وذهب إلى المكتب والتقط ورقة.
ثم قال: «ما هذا؟»
رفع كينيون بصره فجأة.
وقال، بتورد بسيط: «هذا هو أول مساهم لدينا.» «من كتب اسم الآنسة إديث لونجوورث هنا؟» «السيدة الشابة نفسها.» «هل أتت إلى هنا؟» «لقد جاءت إلى هنا، وأرادت أن تكون أول المساهمين.»
صاح لونجوورث، بعبوس: «هراء! نحن لا نريد أن يكون لأي امرأة علاقة بهذا الأمر.» وبعد أن قال هذا، مزق الورقة نصفين.
أمسك كينيون بقبضة يده، وكان على وشك أن يقول شيئا، عندما نزلت يد ونتوورث على كتفه بقوة.
وقال ونتوورث: «أنا لا أعتقد أننا سنرفض عشرة آلاف جنيه من أي شخص يعرض دفعها، سواء كان رجلا أو امرأة. ربما من الأفضل أن نعرف ما إذا كان رجالك سيساهمون بمبلغ مساو لهذا قبل أن نرفض مساهمة حصلنا عليها بالفعل.» «لكنها ليست لديها عشرة آلاف جنيه.»
رد ونتوورث: «أعتقد أن أي شيء تقرن الآنسة لونجوورث اسمها به تكون على استعداد للالتزام به.» وبعد ذلك مباشرة، وضع الورقة المقطوعة نصفين في أحد الأدراج. وأضاف: «والآن، أعتقد أن هذا هو كل شيء؛ إننا سندعو للاجتماع يوم الإثنين، وننتظر ما سيسفر عنه.»
الفصل السادس والعشرون
كان لويليام لونجوورث عينان تقدران الجمال. إن إحدى عينيه كانت بوجه عام تغطى بقرص مستدير من الزجاج، إلا عندما كان القرص يسقط من مكانه ويتدلى أمام صدريته. وسواء أكانت النظارة الأحادية تساعد ويليام في النظر أم لا، فمن المؤكد أنه كان يعرف الفتاة الجميلة بمجرد أن يراها. إن إحدى الخادمات في منزل لونجوورث قد تركت العمل به فجأة، دون أي سبب أو استفزاز واضح، كما يقال، وقد حلت محلها فتاة كانت جميلة للغاية لدرجة أن ويليام لونجوورث عندما وقع بصره عليها، سقطت نظارته الأحادية من مكانها المعتاد، وأخذ يحملق فيها بكلتا عينيه الطبيعيتين، دون أن يحتاج إلى أي مساعدة من نظارته الطبية. ولقد حاول الحديث إليها في المرة أو المرتين اللتين التقاها فيهما بمفردها؛ لكنه لم يحصل على رد منها؛ ذلك لأنها كانت خجولة ومحتشمة للغاية، وتعرف حجمها، كما يقال. كل هذا زاد من قيمتها في نظر لونجوورث الشاب، وقد أعجب بشدة بقدرات ابنة عمه لاختيارها تلك الفتاة لنفض الغبار عن الأثاث.
كان لدى ويليام غرفة في المنزل كانت جزئيا غرفة جلوس وجزئيا غرفة مكتب، وهناك، كان يحتفظ بالكثير من الأوراق الخاصة به. وقد كان من المفترض أن ينظر في مسائل العمل في تلك الغرفة، وقد أعطاه هذا عذرا جيدا لذهابه متأخرا إلى المكتب في الصباح. لقد كان يقول لعمه إنه يظل مستيقظا حتى ساعات الصباح الأولى؛ على الرغم من أنه أحيانا كان يغير العذر ويقول إنه من الأهدأ العمل في المنزل مقارنة بالعمل في حي السيتي وإنه قد قضى الجزء المبكر من الصباح في قراءة المستندات.
إن أول مرة حصل فيها ويليام على رد من الخادمة الجديدة كانت عندما عبر عن قلقه بشأن العناية بغرفته. لقد قال إن الخدم بوجه عام مهملون للغاية، وإنه يأمل أن تعتني بكل شيء، وأن تحرص على ترتيب أوراقه على نحو دقيق. ووعدت الفتاة، دون أن تنظر إليه، بأن تفعل هذا، ووجد ويليام بعد ذلك أن غرفته منظمة بشدة، الأمر الذي كان سيسعد أكثر الأشخاص تدقيقا.
في صباح أحد الأيام، بينما كان يجلس أمام طاولته، يستمتع بسيجارة بعد تناول الإفطار، انفتح الباب برفق، ودخلت الخادمة الجديدة. وعندما رأته هناك، بدا الارتباك عليها وكانت على وشك الخروج عندما وقف فجأة على قدميه، ملقيا سيجارته بعيدا.
ثم قال: «لا، لا تذهبي؛ كنت على وشك استدعائك.»
توقفت الفتاة ويدها على الباب.
وأضاف: «نعم، كنت على وشك استدعائك، لكنك وفرت علي عناء ذلك؛ لكن، بالمناسبة، ما اسمك؟»
ردت الفتاة بخجل: «سوزي، يا سيدي.» «آه حسنا، يا سوزي، فقط أغلقي الباب للحظة.»
لقد فعلت الفتاة هذا، لكن على ما يبدو ببعض الممانعة.
قال ويليام بتبختر: «حسنا، يا سوزي، أعتقد أنني لست أول شخص يخبرك بأنك جميلة للغاية.»
قالت سوزي، بتورد وهي تنظر إلى البساط: «أوه، يا سيدي!»
وأضاف ويليام: «نعم، يا سوزي، وأنت تعتنين بشدة بهذه الغرفة لدرجة أنني أريد أن أشكرك على هذا.»
وهنا، أخذ يتحسس جيبه للحظة، وأخرج منه نصف جنيه ذهبي. «هذا، يا فتاتي، مقابل تعبك. احتفظي به لنفسك.»
قالت الفتاة، وهي تتراجع للوراء: «أوه، أنا لا يمكنني أخذ أي مال، يا سيدي.» ثم أردفت: «أنا لا يمكنني ذلك، يا سيدي!»
قال ويليام: «هراء! أليس هذا كافيا؟» «أوه، إن هذا كثير جدا. إن الآنسة لونجوورث تدفع لي مقابلا جيدا نظير ما أقوم به من عمل، وإن من واجبي الحفاظ على ترتيب الأشياء.» «نعم، يا سوزي، هذا صحيح جدا؛ لكن القليل جدا منا يقوم بواجبه، كما تعلمين ، في هذا العالم.»
ردت الفتاة، بنبرة تنم عن توبيخ مهذب جعلت الرجل الشاب يبتسم: «لكن حري بنا أن نفعل ذلك، يا سيدي.»
رد: «ربما، لكننا لسنا جميعا على نفس قدرك من الجمال والصلاح. أنا حزين لأنك لن تأخذي المال. وأرجو ألا تتضايقي مني لعرضه عليك.» وعدل نظارته، وأخذ ينظر باهتمام شديد إلى الفتاة التي كانت تقف أمامه.
قالت: «أوه، لا، يا سيدي، أنا لست متضايقة على الإطلاق، وأشكرك شكرا جزيلا، في واقع الأمر، يا سيدي، وأود أن أسالك سؤالا، راجية ألا تعتقد أنني أتجاوز حدودي.»
رد ويليام: «تتجاوزين حدودك؟» ثم أردف: «أعتقد أنك أخجل فتاة رأيتها في حياتي. يسعدني كثيرا الإجابة عن أي سؤال قد تطرحينه علي. ما سؤالك؟» «دعني أوضح لك، يا سيدي، أنني أمتلك القليل من المال.» «في الواقع، أعتقد، يا سوزي، أن هذا مثير جدا للاهتمام. لم أكن أعرف أنك وارثة.»
قالت سوزي، وهي تنحني له احتراما انحناءة بسيطة خجولة، ظن أنها رائعة للغاية: «أوه، لست وارثة، يا سيدي ... الأمر بعيد كل البعد عن هذا. إنه فقط مبلغ صغير يصل إلى أربعمائة أو خمسمائة جنيه، يا سيدي.» ثم أردفت: «إن هذا المبلغ مودع في البنك، ولا يدر أي عائد، وأود استثماره في شيء يدر عائدا لي.» «بالتأكيد، يا سوزي، وتلك رغبة من جانبك تستحقين عليها الثناء الشديد. أعن هذا كنت تودين سؤالي؟» «نعم، إذا سمحت، يا سيدي. رأيت تلك الورقة على مكتبك، ورأيت أن أسألك ما إذا كان وضع أموالي في تلك المناجم استثمارا آمنا بالنسبة إلي، يا سيدي. اعتقدت، عندما رأيت تلك الورقة هنا، أن لك علاقة بهذا الأمر.»
أطلق ويليام صافرة طويلة متشككة، ثم قال: «إذن، أنت كنت تطلعين على أوراقي، أليس كذلك، يا آنسة؟»
ردت الفتاة، ناظرة إليه بفزع: «أوه لا، يا سيدي.» ثم أردفت: «أنا فقط رأيت اسم «منجم الميكا الكندي» على هذه الورقة التي كانت تقول إنه سيدر ربحا قدره عشرة بالمائة، وظننت، إن كانت لك أي علاقة بهذا الأمر، أن استثمار أموالي فيه سيكون آمنا بشدة.»
رد ويليام: «أوه، هذا لا شك فيه، لكنني لو كنت مكانك، يا عزيزتي، لم أكن لأضع أموالي في منجم الميكا.» «أوه، إذن، أنت ليس لك أي علاقة بالمنجم، أليس كذلك، يا سيدي؟» «بلى، يا سوزي، أنا لي علاقة بالأمر. كما تعلمين، الحمقى يبنون البيوت، والحكماء يسكنون فيها.»
قالت سوزي متأملة: «لقد سمعت هذا من قبل.»
قال الرجل الشاب، بابتسامة جميلة: «في الواقع، هناك شخصان أحمقان يبنيان المنزل الذي سندعوه منجم الميكا الكندي، وأنا الشخص الحكيم، ألا ترين ذلك، يا سوزي؟» «أخشى أنني لا أفهم تماما، يا سيدي.»
رد الشاب، وهو يضحك: «أنا لا أظن أن هناك الكثيرين الذين يمكنهم فعل هذا؛ لكنني أعتقد أنني في غضون شهر سأمتلك منجم الميكا هذا، وحينها، يا عزيزتي، إن كنت لا تزالين تريدين الحصول على سهم أو اثنين فيه، فسيسعدني بشدة إعطاؤك بضعة أسهم دون أن تدفعي أي أموال على الإطلاق.»
قالت سوزي باندهاش وسعادة: «أوه، هل ستفعل، يا سيدي؟ ومن يملك المنجم الآن؟» «أوه، رجلان؛ لن تعرفي اسميهما إن أخبرتك بهما.» «وهل سيبيعانه لك، يا سيدي؟»
ضحك ويليام بشدة، وقال: «أوه لا! إنهما نفسيهما سيباعان.» «لكن كيف يمكن أن يحدث هذا إن كانا لا يملكان المنجم؟ كما ترى، أنا فقط فتاة غبية جدا، ولا أفهم في أمور الأعمال. وهذا ما جعلني أسألك عن أموالي.» «أنا لا أعتقد أنك تعرفين ما هو عقد خيار الشراء، أليس كذلك، يا سوزي؟» «نعم، يا سيدي، لا أعرف؛ أنا لم أسمع به قط.» «حسنا، هذان الشابان لديهما ما يسمى بعقد خيار شراء على المنجم، وهذا يعني أن عليهما دفع مبلغ معين من المال في غضون وقت معين حتى يتملكا المنجم؛ لكن إن لم يدفعا هذا المبلغ في غضون الوقت المحدد، فلن يتملكاه.» «ألن يدفعا هذا المبلغ، يا سيدي؟» «نعم، يا سوزي، إنهما لن يفعلا ذلك؛ لأنهما لم يحصلا عليه. ثم إن هذين الأحمقين سيباعان؛ لأنهما يعتقدان أنهما سيحصلان على المبلغ، ولكن هذا لن يحدث.» «وأنت لديك المال اللازم لشراء المنجم عندما تنتهي مدة عقد خيار الشراء، يا سيدي.»
قال ويليام باندهاش: «يا إلهي! لديك عقلية جبارة تصلح لمجال الأعمال، يا سوزي؛ لم أر قط أحدا فهم هذا الأمر بتلك السرعة. سيكون عليك الحصول على بعض الدروس على يدي، ثم دخول السوق وتجربة نفسك.» «أوه، أود أن أفعل هذا، يا سيدي ... أود ذلك بالفعل.»
رد ويليام بلطف: «حسنا، كلما توفر لديك الوقت، تعالي إلي، وسأعطيك دروسا.»
اقترب الشاب منها، وأمسك بيدها، لكن الفتاة انسلت منه وفتحت الباب.
قال لها هامسا: «أعتقد أن عليك أن تعطيني قبلة بعد كل تلك المعلومات القيمة التي أعطيتها لك.»
صاحت سوزي، بفزع: «أوه، سيد ويليام.»
تقدم باتجاهها، وحاول الإمساك بها، لكن الفتاة كانت سريعة الحركة بشدة مقارنة به، وخرجت بسرعة إلى الممر.
قال ويليام متذمرا: «هذا بالتأكيد هو الحصول على معلومات بالخداع؛ أنت تعلمين أنني أنتظر أجري.»
ردت الفتاة وهي تضحك بصوت خفيض: «وسوف تحصل عليه عندما أحصل على الأرباح التي تبلغ نسبة عشرة بالمائة على أموالي المستثمرة.»
قال لنفسه بينما كان يدخل غرفته ثانية: «يا إلهي! سأعمل لضمان حصولك عليها. إنها ماهرة مثل سمسار خارجي.»
عندما غادر لونجوورث الشاب المنزل متجها إلى مكتبه، كنست سوزي غرفته ثانية ونفضت الغبار عنها، ثم نزلت إلى الطابق السفلي.
وسألت أحد الخدم: «أين سيدة المنزل؟»
كان الرد: «في المكتبة.» لذا، ذهبت سوزي إلى المكتبة، ودخلت الغرفة دون أن تطرق الباب، مما أثار بشدة دهشة إديث لونجوورث التي كانت تجلس بالقرب من النافذة وعلى حجرها أحد الكتب. لكن كان هناك المزيد من الاندهاش في انتظار سيدة المنزل. لقد أغلقت الخادمة الباب، ثم اختارت أحد الكراسي المريحة وألقت بنفسها عليه ثم قالت متأوهة: «أوه، يا إلهي! لقد مللت بشدة.»
قالت الآنسة لونجوورث: «سوزي، ما معنى هذا؟»
ردت سوزي: «هذا يعني، يا سيدتي، أنني سأنهي هذا.»
قالت الآنسة لونجوورث، باندهاش: «ستفعلين ماذا؟» «سأنهي هذا. ألا تفهمين؟ سأنهي هذا الوضع. لقد مللت منه.»
قالت السيدة الشابة ، وهي تقف: «رائع جدا؛ عليك أن تخطريني بذلك بالطريقة اللائقة. ولا يحق لك الدخول إلى هذه الغرفة بتلك الطريقة الوقحة. هلا تتكرمين بالذهاب إلى غرفتك؟»
ردت سوزي: «يا إلهي! يمكنك تصنع فعل الشيء المحترم! يجب أن أتمرن وأرى إن كان بإمكاني اتخاذ موقف مثل هذا. إن كنت أجمل قليلا، يا آنسة لونجوورث، لكان يجب أن أصف هذا بأنه مذهل.» ومالت الفتاة برأسها للخلف وضحكت.
أثارت الضحكة شيئا في ذاكرة الآنسة لونجوورث، وانتابتها قشعريرة من الخوف؛ لكنها عندما نظرت ثانية إلى الفتاة، وجدت أنها مخطئة. أخذت سوزي تقفز لأعلى، وهي لا تزال تضحك، وفكت دبوسا من القبعة الصغيرة التي كانت ترتديها، ورمته على الكرسي؛ ثم خلعت شعرها المستعار، وكشفت عن شخصيتها الحقيقية لإديث لونجوورث.
قالت إديث المندهشة بصوت لاهث: «آنسة بروستر!» ثم أضافت: «ما الذي تفعلينه في بيتي بهذا التنكر؟»
ردت جيني: «أوه، أنا خادمة هاوية. ما رأيك في تمثيلي لهذا الدور؟ والآن، اجلسي، يا من تدعين الاحترام، وسأخبرك بشيء بشأن أسرتك. كنت أعتقد أنكم مجموعة من الأوغاد، والآن، بإمكاني إثبات ذلك.»
صاحت إديث، في غضب: «هلا تتركين بيتي فورا؟» ثم أردفت: «لن أستمع إليك.»
ردت جيني: «أوه لا، ستفعلين؛ إذ إنني سأحذو حذوك، ولن أسمح لك بالخروج حتى تسمعي ما أود أن أخبرك به.»
وبعد أن قالت الخادمة الهاوية هذا، جرت برشاقة إلى الباب، وأسندت ظهرها إليه.
الفصل السابع والعشرون
وقفت جيني بروستر وظهرها للباب، وعلى وجهها ابتسامة لطيفة. «هذا يوم التمثيل بالنسبة إلي، يا آنسة لونجوورث. لقد مثلت دور الخادمة على نحو بارع للغاية، لدرجة أنني خدعت عدة أفراد في هذه الأسرة. أنا الآن أقلدك في تمثيليتك الدرامية المثيرة: «ما حدث بالبحر». ألا تعتقدين أنني أؤدي هذا بإتقان شديد؟»
ردت إديث، وهي تجلس مرة أخرى: «بلى.» ثم أردفت: «أتساءل لماذا لم تتخذي من التمثيل مهنة لك.» «لقد فكرت كثيرا في فعل هذا، لكن مجال الصحافة مثير أكثر.» «ربما. لكن به لحظات خيبة أمل. عندما مثلت تمثيليتي الدرامية، كما تسمينها ، على متن السفينة، لقد تم ترتيب أدواتي المسرحية لصالحي أكثر مما هو الوضع عليه الآن.» «هل تقصدين منعي من ركوب القارب؟» «لا؛ أقصد أن الزر الكهربي كان تحت يدي؛ أي كان من المستحيل بالنسبة إليك الضغط عليه للحصول على مساعدة. والآن، بينما أنت تسدين الباب، فلا يمكنك منعي من دق الجرس؛ لأن حبل الجرس هنا بجواري.» «نعم، هذا موطن ضعف، أقر بذلك. هل تنوين، إذن، شد حبل الجرس، وجعلهم يطردونني؟» «أنا لا أعتقد أن هذا سيكون ضروريا. أتصور أنك ستخرجين بهدوء.» «إنك فتاة ذكية جدا، يا آنسة لونجوورث. أتمنى لو كنت أحبك، لكنني لا أفعل؛ لذا لن نضيع وقتنا الثمين في التأسف على هذه الحقيقة. أليس لديك أي فضول لسماع ما كنت سأخبرك به؟» «مطلقا؛ لكن هناك شيئا واحدا أود معرفته.» «أوه، هل هناك؟ حسنا، هذا شيء بشري، على أية حال. ما الذي ترغبين في معرفته؟» «لقد أتيت إلى هنا بعد تزكيات كثيرة. كيف عرفت أنني أريد خادمة، وهل كانت تزكياتك ...»
توقفت إديث عن الكلام لتفكر في الكلمة، التي قالتها جيني على الفور. «مزورة؟ أوه، لا، يا عزيزتي! لا حاجة إلى القيام بأي فعل إجرامي في ذلك البلد، إن كان لديك مال. أنا لم أزورها؛ لقد اشتريتها. ألم تكتبي لأي من السيدات الصالحات اللائي من المفترض أنني عملت لديهن؟» «بلى، وأثنين عليك بشدة.» «بالتأكيد. كان هذا جزءا من الاتفاق. أوه، يمكنك فعل أي شيء بالمال في لندن؛ إنها مدينة مثيرة بشدة للإعجاب. وفيما يتعلق بكيفية معرفتي بحاجتك إلى خادمة، فهذا أيضا تم بسبب المال. لقد رشوت الخادمة السابقة لتغادر المكان.» «فهمت. وما الذي كنت تهدفين إليه من كل هذا؟»
ضحكت جيني بروستر؛ نفس الضحكة الرقيقة التي أبهرت ويليام لونجوورث منذ ساعة أو اثنتين؛ والتي كانت تطارد مخيلة ونتوورث أحيانا في حي السيتي. وتركت مكانها لدى الباب وألقت بنفسها على كرسي.
ثم قالت: «آنسة لونجوورث، أنت لست ثابتة على رأي واحد. لقد تظاهرت في البداية بأنه ليس لديك أي فضول لسماع ما أود قوله، ثم ها أنت تسأليني على وجه التحديد عما كنت أود قوله لك. بالطبع، أنت متلهفة بشدة لمعرفة سبب وجودي هنا؛ لن تكوني امرأة إن لم تكوني كذلك. والآن، لقد غيرت رأيي، ولا أنوي إخبارك. ومع ذلك، سأقول لك إن هدفي من المجيء إلى هنا، كان، أولا، أن أعرف بنفسي كيف تعامل الخادمات في ذلك البلد. كما تعرفين، كل تعاطفي مع النساء العاملات، وليس مع نساء ... في الواقع، مثلك، على سبيل المثال.» «نعم، أعتقد أنك قلت هذا ذات مرة قبل ذلك. وما رأيك في معاملتنا لخادماتنا؟» «من خلال تجربتي، إنها رائعة جدا في حقيقة الأمر.» «يسعدني بشدة سماعي لردك هذا. كنت أخشى ألا نحوز رضاءك. والآن، أين علي أن أرسل أجرك الشهري، يا آنسة بروستر؟»
أسندت جيني بروستر ظهرها إلى مسند كرسيها، وعيناها شبه مغلقتين؛ وكان شعور بالغضب باديا فيهما مما ذكر إديث بنظرة الكره التي كانت تبديها تجاهها على متن السفينة. واكتسى وجهها الأبيض بلون دافئ وكانت شفتاها مغلقتين تماما. ثم سادت لحظة من الصمت، واختفى غضب جيني سريعا كما تكون سريعا. ثم ضحكت، بنبرة بدا فيها بعض التحفظ. «يمكنك قول أي شيء مسيء على نحو أكثر هدوءا ولطفا من أي شخص قابلته من قبل؛ أنا أحسدك على هذا. عندما أقول شيئا دنيئا ووضيعا، أفعل ذلك بغضب، ويكون في صوتي قدر معين من الحدة. ليس بإمكاني الخرخرة مثل القطة والخربشة في نفس الوقت ... أتمنى لو كان بإمكاني فعل ذلك.» «هل من المسيء أن أعرض عليك مقابل ما قمت به من عمل؟» «نعم، إنه كذلك، وأنت كنت تعلمين أنه كذلك عندما قلت ذلك. أنت لا تفهمينني على الإطلاق.» «هل من الضروري أن أفعل؟»
ردت جيني بتأمل، مريحة مرفقها على ركبتها وذقنها على راحة يدها: «أنا لا أظن أنك تعتقدين ذلك.» ثم أردفت: «هنا تختلف رؤيتنا للأمور. أنا أحب معرفة كل شيء. ويهمني معرفة ما يعتقده الناس وما يتحدثون بشأنه، وعلى نحو ما، لا يبدو أن هوية الأشخاص تهمني ؛ فأنا مهتمة بآراء رئيس خدمك السياسية أكثر من تلك الخاصة باللورد فريدريك بنجهام. إن كليهما من المحافظين، لكن اللورد فريدي يبدو متزعزع الرأي؛ إذ يمكنك التأثير عليه خلال خمس دقائق؛ لكن رئيس الخدم ثابت على آرائه كالصخرة. أنا معجبة حقا برئيس الخدم هذا. أرجو أن تنقلي له خبر رحيلي بلطف؛ لأنه عرض علي الزواج، ولم يحصل على الرد بعد.»
قالت إديث، وهي تبتسم رغما عنها: «لا يزال هناك وقت. أتريدين أن أستدعيه؟»
ردت جيني، متنهدة بعمق: «رجاء لا. أريد تجنب مثل هذا المشهد المؤلم؛ لأنه كان واثقا بشدة من نفسه، ولم يتصور أبدا أن أرفضه. إن الأمر مثير للشفقة أيضا لأن رئيس الخدم يعد بالنسبة إلي النموذج الذي ينبغي أن يكون عليه الشخص الأرستقراطي. إن نبله مذهل على نحو كبير؛ في حين أن اللورد فريدي شاب عادي وبسيط ولطيف، بحيث لو أرسلته إلى الولايات المتحدة فأنا متأكدة أن لا أحد سيعتقد أنه لورد حقيقي. أما رئيس الخدم، فالأمر مختلف معه تماما.» «من المحزن جدا ألا تستطيعي الحصول على عرض مماثل من اللورد فريدريك.»
ردت جيني، ناظرة بعينين محملقتين إلى الفتاة الموجودة أمامها: «المحزن جدا! يرحمك الله! لقد تلقيت عرضا بالزواج من اللورد فريدي قبل أسبوعين من رؤية رئيس الخدم. أعتقد أنك لا تصدقين أي كلمة مما أقوله. حسنا، فلتسألي اللورد فريدي. سأقدمك إليه، وأخبره بأنك لا تصدقين أنه قد طلب مني أن أصبح الليدي فريدي، إن كان هذا هو اللقب. إنه حينها سيبدو مرتبكا، لكنه لن ينكر الأمر. كما تعلمين، عندما وجدت نفسي أنني سأمكث في إنجلترا لبعض الوقت، كتبت إلى مدير تحرير صحيفة «آرجوس» أطلب منه إعداد مجموعة من الرسائل التقديمية وإرسالها إلي، حيث إنني أريد على وجه الخصوص دراسة الطبقة الأرستقراطية. لذا، أرسلها إلي، وأؤكد لك أنني وجدت الدخول إلى غرفة خدمك أكثر صعوبة بكثير من الدخول إلى قصور النبلاء؛ هذا بالإضافة إلى أن تكلفة الاختلاط بأفراد الطبقة العليا أقل.»
جلست إديث في صمت، ناظرة باهتمام مندهش إلى الفتاة، التي كانت تتكلم بسرعة شديدة لدرجة أنه كانت هناك أحيانا صعوبة في متابعة ما قالته. «لا، اللورد فريدي أقل في تعاليه بكثير من رئيس الخدم، كما أن كلامه ليس مختارا بعناية مثله؛ لكني أعتقد أن رئيس الخدم لديه خبرة أكبر؛ ففريدي صغير السن للغاية. أنا محبطة بشدة من أفراد الطبقة الأرستقراطية. إنهم ليسوا متكبرين كما تصورتهم. لكن ما أدهشني في هذا البلد هي الطريقة التي تفسدون بها يا معشر النساء الرجال. إنكن تحسن معاملتهم بشدة. إنكن تقمن بتدليلهم والمبالغة في التودد إليهم، ومن الطبيعي أن يصبحوا مغرورين. إن هذا مثير للشفقة أيضا؛ لأن أغلبهم أناس لطفاء. إن الأمر سيان في أي مكان ذهبت إليه؛ بما في ذلك غرفة الخدم. عجبا، عندما تقابلين زوجين صغيرين في السن، ينتميان إلى ما قد تطلقين عليه «الطبقات الفقيرة»، يمشيان في الحديقة، يطأطئ الرجل رأسه بينما يمشي مترهلا، بينما تنظر الفتاة إليك بنظرة متحدية، كما لو أنها تقول لك: «لقد حصلت عليه. فليباركه الرب! ما الذي لديك لتقوليه في ذلك؟» بينما يبدو أن الرجل خجلان من نفسه، ومن الواضح أنه يشعر بأنه قد خدع. إن أي رجل يجب أن يفهم أنك تحسنين إليه عندما تثنين عليه بكلمة مهذبة. هذا هو الإطار الصحيح الذي يجب أن تعاملي أي رجل فيه، وحينها يمكنك فعل أي شيء تريدينه معه. أنا بوجه عام أجعله يعرض علي الزواج، حتى يمكنني إنهاء الأمر قبل أن يحدث أي ضرر حقيقي، وحتى أضفي لمسة نهائية فنية على الأمر. وبعد ذلك، يمكننا أن نصبح صديقين رائعين، ونقضي معا وقتا طيبا. تلك هي الطريقة التي استخدمتها في التعامل مع اللورد فريدي. والآن، ها أنا ذا، أثرثر كما لو أنني أحصل على مقابل من أجل أن أتكلم وليس من أجل أن أكتب. لماذا تنظرين إلي هكذا؟ ألا تصدقين ما أقوله لك؟» «بلى، أنا أصدق كل ما تقولينه. ما لا يمكنني فهمه هو لماذا تدخل فتاة بارعة مثلك أحد المنازل و... حسنا، تفعل ما فعلته هنا .» «لماذا لا يجب علي أن أفعل هذا؟ أنا أسعى للحصول على معلومات دقيقة. وأنا أحصل عليها بطريقتي. إن كتابكم هنا يتحدثون عن الطريقة التي يعيش بها الفقراء، وما إلى ذلك. إنهم يدخلون منازل الفقراء دون أي خجل، ويكتبون انطباعاتهم عن المنازل الفقيرة جدا. لماذا إذن يجب أن يحرم الأغنياء من القيام باستقصاء مماثل؟» «إن هذا في كلتا الحالتين يعد من قبيل التجسس.» «نعم؛ لكن الجاسوس ليس شخصا سيئا؛ على الأقل، لا يجب أن يكون كذلك. لقد رأيت نصبا تذكاريا في كنيسة وستمنستر لشخص شنق لاتهامه بالتجسس. الجاسوس يجب أن يكون شجاعا؛ فهو يجب أن يتسم بالجرأة والحذر وسعة الحيلة. إنه في بعض الأحيان يفعل من أجل بلده أكثر مما تفعله كتيبة جيش بأكملها. أوه، هناك أناس أسوأ من الجواسيس في هذا العالم.» «أعتقد أن هذا صحيح، لكن ...» «نعم، أعرف. من السهل على الأشخاص الذين لديهم وافر من المال أن يعظوا فيما يتعلق بعيوب الآخرين. سأخبرك بسر. إنني أكتب كتابا، وإن تحقق له النجاح، فسأودع عالم الصحافة. أنا عن نفسي مثلك لا أحب عالم التجسس؛ أخشى أن إنجلترا تفسدني، وإن جلست هنا لبضع سنوات، فقد ينحدر ذوقي كثيرا بحيث أعتقد أن صحفكم مثيرة للاهتمام. بالمناسبة، هل رأيت السيد ونتوورث مؤخرا؟»
ترددت إديث للحظة، وفي النهاية قالت: «نعم، لقد رأيته منذ يوم أو يومين.» «هل كان على ما يرام؟ أعتقد أنه حري بي أن أكتب له رسالة اعتذار عن كل القلق الذي سببته له على متن السفينة. قد لا تصدقين هذا، لكن ضميري أخذ يؤنبني بعض الشيء بالفعل فيما يتعلق بهذا الأمر. أعتقد أن هذا هو السبب في أنني سامحتك جزئيا على منعي من إرسال البرقية.»
اندهشت إديث لونجوورث من نفسها لإعطاء الفتاة الشابة معلومات عن ونتوورث، لكنها كانت قد أعطتها إياها، وغادرت الخادمة الهاوية في هدوء، وهي تقول، على سبيل الوداع: «لن أكتب شيئا عن بيتك، في نهاية الأمر.»
الفصل الثامن والعشرون
في أحد الأيام، عندما دخل كينيون إلى المكتب ، قال له السكرتير: «لقد أتى الرجل الشاب هذا إلى هنا مرتين لرؤيتك. لقد قال إن الأمر مهم للغاية، يا سيدي.» «من الرجل الشاب هذا؟» «الرجل - ها هي بطاقته - الذي ينتمي لصحيفة «فاينانشال فيلد»، يا سيدي.» «هل ترك أي رسالة؟» «نعم، يا سيدي؛ لقد قال إنه سيأتي إلى هنا ثانية في الساعة الثالثة.»
قال كينيون: «رائع للغاية.» وبدأ يحضر خطابه للمساهمين المنتظرين.
وفي الساعة الثالثة، حضر الصحفي الأنيق الهادئ المنتمي لصحيفة «فاينانشال فيلد».
وقال: «آه، سيد كينيون، أنا مسرور للقائك. لقد أتيت إلى هنا مرتين، لكن لم يسعدني الحظ لإيجادك. هل يمكنني أن أتحدث إليك على انفراد للحظات؟»
رد كينيون: «نعم.» ثم أردف: «هيا بنا إلى غرفة المديرين.» وذهب الاثنان إلى غرفة المديرين، وأغلق كينيون الباب وراءهما.
قال مندوب صحيفة «فاينانشال فيلد»: «والآن، لقد أحضرت لك مسودة المقال الذي نريد نشره، والذي طلب مني مالك الصحيفة أن أريك إياه، حتى يكون، إن كان هذا ممكنا، خاليا من الأخطاء. إننا نتطلع بشدة في صحيفتنا لإخراج كل شيء على نحو صحيح.» وهنا، أعطى لجون قطعة ورق طويلة بها عمود من المادة المطبوعة.
كان عنوان المقال هو «الشركة الكندية المحدودة لمنجم الميكا». وتناول المقال حال المنجم، والدخل الذي كان يدره، والفرص المتاحة للمستثمرين للحصول على عائد جيد على أموالهم من خلال شراء الأسهم. قرأ جون المقال بالكامل بعناية.
ثم قال: «هذا مقال رائع للغاية، ولا يوجد به أي خطأ، بحسب ما أرى.»
رد الشاب، وهو يطوي المسودة ويضعها في جيب المعطف الداخلي: «أنا سعيد لرأيك هذا.» ثم أضاف: «والآن، وكما قلت من قبل، على الرغم من أنني لست مندوب إعلان لصحيفة «فاينانشال فيلد»، فقد أردت أن أراك بشأن عمل إعلان عن الشركة لصالح الصحيفة.» «حسنا، يجب أن تعلم أننا لم نعقد بعد اجتماعا للمساهمين المنتظرين، ومن ثم لسنا في وضع يسمح لنا بعمل أي إعلانات عن المنجم. أنا ليس لدي شك في أننا سنقوم بعمل إعلانات، وبالطبع، ستكون صحيفتك من أوائل الصحف التي سنضعها في الاعتبار عند التفكير في ذلك.»
قال: «أوه، هذا ليس مرضيا لنا. لدينا نصف صفحة خالية لعدد يوم الإثنين، وهو أفضل مكان في الصحيفة، وقد كان مالك الصحيفة يظن أنك سترغب في حجزه.» «كما قلت منذ لحظة، لسنا في وضع يسمح لنا بحجزه. من السابق لأوانه الحديث عن الإعلان في ظل الوضع الحالي.» «أعتقد أنه سيكون في صالحك أن تحجز نصف الصفحة. سيكون المقابل ثلاثمائة جنيه، وإلى جانب هذا المبلغ، نود الحصول على بعض الأسهم في الشركة.» «هل تقصد أن ندفع ثلاثمائة جنيه من أجل إدراج إعلان لمرة واحدة فقط؟» «نعم.» «ألا ترى أن هذا المقابل مبالغ فيه بشدة؟ إن توزيع صحيفتك محدود نسبيا، ولا يطلب مثل هذا المقابل حتى في الصحف اليومية الكبيرة.» «آه، سيدي العزيز، الصحف الكبيرة مختلفة إلى حد كبير. صحيح أن لها توزيعا كبيرا، لكن توزيعها ليس من النوع الذي لدينا. لا توجد أي صحيفة توزع على نحو كبير بين المستثمرين مثل صحيفة «فاينانشال فيلد». إنها تقرأ من قبل نوعية الأشخاص الذين ترغب في الوصول إليهم، وأستطيع القول إنك لا يمكنك، إلا من خلال صحيفتنا، الوصول إلى بعض من أفضل الرجال في حي السيتي.» «حسنا، مع التسليم بكل هذا، وكما قلت قبل ذلك مرة أو مرتين، نحن لسنا بعد في وضع يسمح لنا بعمل إعلان.» «إذن، يؤسفني بشدة أن أقول إننا لا يمكننا، في يوم الإثنين، نشر المقال الذي أريتك إياه.» «رائع جدا؛ لا حيلة لي في هذا. أنتم لستم مجبرين على نشره إلا إذا كنتم ترغبون في ذلك. وأنا لست متأكدا أيضا من أن نشر المقال يوم الإثنين سيفيدنا بأي نحو. سيكون هذا سابقا لأوانه، كما قلت. نحن لسنا مستعدين بعد للسعي وراء الإعلان حتى نعقد أول اجتماع لمساهمينا المنتظرين.» «متى سيكون أول اجتماع للمساهمين؟» «يوم الإثنين، في الساعة الثالثة.» «رائع للغاية، يمكننا وضع هذا الإعلان في عمود آخر، وأنا متأكد من أنك ستجد أن عدد الحاضرين في اجتماعك سيزيد على نحو كبير وملائم جدا .» «ربما ؛ لكنني لن أفعل أي شيء إلا بعد الاجتماع.» «أعتقد أنك ستستفيد الكثير إن أخذت نصف الصفحة هذه.» «أنا لا أشك في صحة ذلك على الإطلاق. أنا فقط أقول ما قلته للآخرين، وهو أننا لسنا على استعداد للتفكير في مسألة الإعلان.» «أنا حزين لعدم استطاعتنا التوصل إلى اتفاق، يا سيد كينيون ... حزين للغاية، في واقع الأمر.» وبعد أن قال هذا، أخرج مسودة أخرى من جيبه، وأعطاها لكينيون. ثم أضاف: «إن لم نستطع الوصول إلى اتفاق، فالمدير مصر على نشر هذا، بدلا من المقال الذي أريتك إياه. هلا تتكرم وتلقي نظرة عليه؛ لأننا نود أن يكون صحيحا قدر الإمكان؟»
فتح كينيون عينيه، وبسط الورقة. لم يتغير العنوان، لكنه ما إن قرأ جملة أو اثنتين حتى اكتشف أن المقال يقول إن منجم الميكا كان يعد إحدى كبرى عمليات الاحتيال التي يتعرض لها أهل المال الأبرياء المساكين في لندن!
قال جون، وهو ينظر إليه، بغضب شديد: «هل تقصد القول إنني إن لم أرشكم بدفع ثلاثمائة جنيه، إلى جانب إعطائكم عددا غير محدد من الأسهم، فستنشرون هذا التشهير؟»
قال الشاب بهدوء: «أنا لا أقول إن هذا تشهير؛ إذ إن هذا أمر تقرره المحاكم. يمكنك مقاضاتنا بتهمة التشهير، إن ظننت أننا عاملناك بطريقة سيئة. أستطيع القول إن هذا قد جرت محاولته عدة مرات، لكن دون تحقيق أي نجاح ملحوظ.» «لكن هل تقصد أن تقول إنكم تنوون نشر هذا المقال إن لم أدفع لكم الثلاثمائة جنيه؟» «نعم؛ دعني أصغ بصراحة، هذا تماما ما أقصده.»
قام كينيون غاضبا وفتح الباب بقوة. «يجب أن أطلب منك ترك هذا المكان، وعليك تركه في الحال. إن جئت إلى هنا مرة أخرى بينما أكون موجودا، فسأستدعي أحد رجال الشرطة وأجعله يطردك!»
رد عليه الآخر بلباقة: «سيدي العزيز، إنها فقط مسألة خاصة بالعمل. إن وجدت أنه من المستحيل التعامل معنا، فلا مشكلة في ذلك. إن كانت صحيفتنا لا تأثير لها، فلن نستطيع بأي حال أن نضرك. هذا، بالطبع، متروك لك الحكم عليه بالكامل . وفي أي وقت من الآن وحتى ليلة الأحد، إن قررت أن تتصرف على نحو آخر، فإن برقية لمكتبنا ستؤجل الأمور حتى تتاح لنا الفرصة للوصول إلى اتفاق معك. وفي حالة عدم حدوث هذا، فسينشر هذا المقال صباح يوم الإثنين. أتمنى لك يوما سعيدا جدا، يا سيدي.»
لم يقل جون شيئا، لكنه راقب زائره حتى وصل إلى الرصيف، ثم عاد لإعداد تقريره.
وفي صباح يوم الإثنين، بينما كان كينيون آتيا بالقطار، لمحت عيناه ملصقا جذابا على واحدة من اللوحات الإعلانية بالمحطة. كان عنوانه «فاينانشال فيلد»، وكان مكتوبا في السطر التالي، بأحرف سوداء سميكة، «عملية الاحتيال الخاصة بمنجم الميكا»، ونادى كينيون على بائع الصحف واشترى منه نسخة من الصحيفة. وجد أمامه، بمسافة رأسية كبيرة بين السطور، المقال. لقد بدا، على نحو ما، أكثر أهمية بكثير في الصفحة المطبوعة مما بدا في المسودة.
وبينما أخذ يقرؤه، لاحظ فيه بعض الصدق الذي كان قد فاته أثناء النظرة السريعة التي ألقاها عليه يوم الجمعة. لقد ذكر المقال أن شركة المناجم النمساوية قد خسرت قدرا كبيرا من المال في المنجم، وأنها لم تدفع قط أي أرباح؛ وأنها واصلت فقط تحمل الخسارة على أمل أن تستطيع الاحتيال على بعض المستثمرين الواثقين فيها؛ لكن حتى تلك المخططات لم تكن لتقارن بالفعل الشديد الحقارة الذي يسعى جون كينيون للقيام به. لقد توقف لالتقاط أنفاسه عندما رأى اسمه في الصحيفة. كانت هذه صدمة لم يكن مستعدا لها؛ لأنه لم يلاحظ اسمه في المسودة. ثم تابع القراءة. بدا أن هذا الرجل، كينيون، قد حصل على حق شراء المنجم بمبلغ يصل لنحو عشرة آلاف جنيه، وكان يحاول أن يقنع البريطانيين العاثري الحظ بشرائه بزيادة هائلة في الثمن بحيث يصل إلى مائتي ألف جنيه؛ لكن تلك المحاولة البشعة ستحبط بلا شك ما دامت هناك صحف نزيهة مثل «فاينانشال فيلد» يمكنها تحمل مخاطرة وتكلفة كشف، كالذي هو مذكور هنا.
كان المقال يتضمن تركيزا شديدا على كينيون. لقد أخذ كينيون يقرؤه ويعيد قراءته في ذهول ، كما لو كان يتحدث عن شخص آخر، ولم يستطع منع نفسه من الحزن على هذا الشخص.
كان لا يزال يحمل الصحيفة في يده بينما كان يسير في الشارع، وكان يشعر بالخدر والدوار كما لو أن شخصا قد ضربه على رأسه. كان على وشك أن يصدم أثناء عبوره لأحد الشوارع، وسمع سيلا من السباب موجها إليه من سائق إحدى عربات الأجرة ورجل في إحدى الحافلات؛ لكنه لم يعرهما انتباها، وأخذ يسير وسط الحشود وكأنه واقع تحت تأثير سحر.
تجاوز باب مقر عمله الفخم لدى وصوله إليه، وسار بعض المسافة للأمام في نفس الشارع قبل أن يدرك ما فعله. ثم عاد أدراجه مرة أخرى، وعند عتبة الباب تماما، توقف وهو يشعر بوخز في صدره.
وقال لنفسه: «ماذا لو قرأت إديث لونجوورث هذا المقال؟»
الفصل التاسع والعشرون
عندما دخل جون كينيون مكتبه، ظن أن السكرتير كان ينظر إليه بارتياب. وتصور أن الموظف المسكين كان يقرأ المقال المنشور في صحيفة «فاينانشال فيلد»؛ لكن الحقيقة هي أن جون لم يكن على الإطلاق في حالة مزاجية تسمح له بتكوين رأي صحيح عما كان يفعله الآخرون. لقد بدا له أن كل الأشخاص الذين قابلهم في الشارع كانوا يناقشون ذلك المقال المنشور في الصحيفة.
سأل إن كان أي شخص قد جاء إلى المكتب هذا الصباح، وقيل له إنه لم يأت أي زائرين. ثم دخل إلى غرفة المديرين، وأغلق الباب خلفه، وجلس على كرسي، وأسند رأسه على يديه مع وضع مرفقيه على الطاولة. وعلى هذا الوضع، وجده ونتوورث في وقت لاحق، وعندما رفع جون بصره إليه، كان وجهه منهكا وعجوزا. «آه، إذن لقد قرأته.» «نعم.» «هل تظن أن لونجوورث يقف وراء هذا المقال؟»
هز جون رأسه تعبيرا عن الرفض.
وقال: «أوه لا؛ إنه ليس له أي علاقة على الإطلاق به.» «كيف عرفت هذا؟»
حكى كينيون بالضبط ما حدث بينه وبين الشاب المتملق المنتمي لصحيفة «فاينانشال فيلد» في نفس هذه الغرفة. وبينما كان السرد جاريا، أخذ ونتوورث يسير جيئة وذهابا ، ويعبر عن رأيه من آن لآخر، في ملاحظات قصيرة وبليغة، لكن ليس من اللائق ذكرها. وعندما انتهى سرد القصة، التفت إلى كينيون.
وقال: «حسنا، ليس أمامنا سوى مقاضاة الصحيفة بتهمة التشهير.» «ما جدوى هذا؟» «ما جدوى هذا؟! هل تقصد أن تقول إنك تنوي الجلوس هنا وأنت متهم بذلك الاتهام الذي وجهوه إليك، ولا تفعل شيئا؟ ما جدوى ذلك؟ إن هذا سيكون له جدوى كبيرة جدا.» «لا يمكننا تأسيس شركتنا ومقاضاة الصحيفة في نفس الوقت. يجب أن توجه كل طاقاتنا للأمر الذي نعمل عليه.» «لكن، يا عزيزي جون، ألا ترى تأثير هذا المقال؟ كيف يمكننا تأسيس الشركة إن لم يجر إثبات عدم صحة مثل هذه الكذبة؟ لن يهتم أحد بعروضنا. وسيقول الجميع: «ماذا فعلتم في المقال الذي ظهر في صحيفة «فاينانشال فيلد»؟» إن قلنا إننا لم نفعل شيئا، فسيكون الاستنتاج الطبيعي، بالطبع، هو أننا محتالان، وأن مشروعنا نوع من الغش.»
قال جون: «طالما ظننت أن المبلغ المطلوب عال جدا.» «في الواقع، أعتقد أنك ترى أن المقال لم يكن ظالما جدا، في نهاية الأمر. جون، أنا مندهش منك!» «لكننا إن رفعنا قضية تشهير، فلا يمكن أن تنتهي قبل أن تنتهي مدة عقد الخيار الخاص بنا. وإذا قلنا للناس إننا قد رفعنا قضية ضد صحيفة «فاينانشال فيلد» بتهمة التشهير، فسيقولون إنهم يفضلون الانتظار ومعرفة ما ستئول إليه القضية. وبحلول ذلك الوقت، ستتلاشى تماما فرصنا في تأسيس الشركة.» «هناك جانب من الصواب فيما تقول؛ ومع ذلك، أنا لا أعرف كيف سيكون علينا المضي قدما في تأسيس شركتنا إن لم نكن قد بدأنا على الأقل في رفع قضية التشهير.»
قبل أن يكون بإمكان جون الرد، كان هناك طرق على الباب، ودخل السكرتير بخطاب في يده كان قد وصل لتوه. فتحه كينيون، وقرأه ثم ألقاه عبر الطاولة إلى ونتوورث. رأى ونتوورث اسم شركة المحامين الخاصة بهم بأعلى ورقة الخطاب. ثم قرأ:
سيدي العزيز
لقد اطلعت بلا شك على المقال المنشور في عدد هذا الصباح من صحيفة «فاينانشال فيلد»، والمتعلق ب «الشركة الكندية المحدودة لمنجم الميكا». نود معرفة الإجراء الذي تنوي اتخاذه في هذا الأمر. نود إعلامك بأننا، حفاظا على سمعتنا، لا يمكننا بعد الآن تمثيل شركتك إلا إذا جرت مقاضاة الصحيفة التي نشرت المقال.
مع خالص الاحترام
دبليو هوك
ضحك ونتوورث ببعض المرارة.
ثم قال: «حسنا، إن وصل الأمر لدرجة أن هوك يخشى على سمعته، فكلما أسرعنا في مقاضاة الصحيفة بتهمة التشهير، كان ذلك أفضل!»
قال جون، والضيق يبدو على وجهه: «ربما، لكن عليك أن تخبرني من أين سنأتي بالمال. في اللحظة التي سندخل فيها ساحات القضاء، سينسل المال ببساطة هاربا كالماء، ولا شك أن «فاينانشال فيلد» لديها الكثير منه. إن هذا سيزيد من شعبيتها، وسيتشدقون بأنهم يحاربون المعركة بالنيابة عن المستثمرين في لندن. إن كل شيء سيكون في صالحهم. وفي غضون ذلك، سيكون علينا إنفاق الكثير من المال، وإلا سنصبح في مأزق كبير، وربما سيكون ناتج كل هذا اختلاف هيئة المحلفين ودمارنا الفعلي. كما تعرف، أنا ليس لدي شهود على الأمر.» «نعم، لكن ماذا عن المنجم؟ كيف يمكننا المضي قدما دون تبرئة ساحتنا؟»
قبل أن يمكن قول أي شيء آخر، دخل لونجوورث الشاب، وقد بدا غير مبال وهادئا ورابط الجأش كما لو أن العالم ليس به تلك الأشياء التي تسمى بالصحف المالية.
كانت أولى كلماته: «أرى أنكما تناقشان الأمر.»
رد ونتوورث: «نعم؛ أنا مسرور للغاية لمجيئك. هناك اختلاف بسيط في الرأي في مسألة هذا المقال. كينيون يعارض فكرة مقاضاة تلك الصحيفة بتهمة التشهير؛ وأنا أؤيدها. ما رأيك؟»
رد لونجوورث: «صديقي العزيز، أنا سعيد لأنني أنا والسيد كينيون اتفقنا على شيء ولو لمرة واحدة. نقاضيهم! بالطبع لا. هذا بالضبط ما يريدونه.»
قال ونتوورث: «لكن، إن لم نفعل، فمن سيهتم بأمر منجمنا؟» «نفس الأشخاص الذين كانوا سيهتمون بشأنه قبل ظهور المقال.» «ألا تظن أن هذا سيكون له أي تأثير؟» «على الإطلاق.» «لكن انظر إلى هذا الخطاب المرسل من محاميك بشأن هذا الأمر.» أعطى ونتوورث لونجوورث الخطاب المرسل من هوك. عدل لونجوورث من وضع نظارته وقرأه بالكامل بعناية.
قال ضاحكا: «يا إلهي! هذا جيد بالقدر الكافي! هذا جيد جدا. لم أكن أدري أن هوك العجوز ظريف لهذا الحد! سمعته بالطبع؛ حسنا، هذا ما لا أفهمه! كل ما يريده هوك هو رفع قضية أخرى. أرجو أن تجعلني أحتفظ بهذا الخطاب. سأحظى ببعض المرح مع صديقي هوك بشأنه.»
قال ونتوورث: «أرى أنه لا مانع في احتفاظك بالخطاب؛ لكن هل تقصد أن تقول، يا سيد لونجوورث، أن علينا أن نجلس هنا بهدوء ونحن نتعرض لهذا الاتهام ولا نفعل شيئا؟» «أنا لا أقصد قول أي شيء من هذا؛ لكنني لا أرى أن نفعل تماما ما يريدونه بمقاضاتهم؛ على الأقل، ما كنت سأفعل هذا لو كنت مكان كينيون.» «كيف كنت ستتصرف إذن؟» «سأجعلهم يقاضونني إن أرادوا. بالطبع، مندوب الإعلان الخاص بهم أتى لرؤيتك، أليس كذلك، يا كينيون؟» «بلى، لقد فعل.» «لقد أخبرك بأن قدرا معينا من المساحة متاح للبيع بمقابل نقدي معين، أليس كذلك؟» «بلى.» «وأن هذا المقال سيظهر، إن لم تشتر تلك المساحة؛ في حين أنك لو فعلت، فسيظهر مقال فحواه مختلف تماما؟»
قال كينيون بارتياب: «يبدو أنك تعرف كل شيء عن الأمر.» «بالطبع، أعرف، يا صديقي العزيز! الجميع يعرف كل شيء عن هذا الأمر. هذه هي الطريقة التي تكسب بها تلك الصحف المال. أعتقد، بوجه عام، أنه من الأرخص أن نرشوهم. أظن أن عمي دائما ما يفعل هذا عندما يكون منشغلا بشيء ما، ولا يريد أن يشتت انتباهه في أمور خارجية. لكننا لم نفعل هذا في هذه الحالة، وهذه هي النتيجة. هذا مع العلم أن هذا يمكن بسهولة إصلاحه، إن رغبت. كل ما عليك فعله هو أن تدفع له المبلغ الذي يريده، وسينشر مقالا بنفس الطول يقول فيه إنه، بعد حصوله على معلومات خارجية تتعلق ب «الشركة الكندية المحدودة لمنجم الميكا»، يتأسف بشدة على عدم صحة ما جاء في المقال السابق، وإنه لا يوجد استثمار أكثر أمانا في إنجلترا من هذا المنجم بالتحديد. لكن الآن، وبعد أن خرج على الناس بمقاله، أعتقد أن أي تعامل معه لن يكون ذا جدوى. إن أي شيء يمكنه قوله الآن لن يكون مهما. لقد تسبب في كل الضرر الذي يمكنه إحداثه. لكنني سأعكس الوضع على الفور. سأكتب تفاصيل كل ما حدث بالضبط؛ سأحدد اسم الشاب الذي زارك، وأذكر المقابل الذي طلبه من أجل سكوته، وسأنشر هذا في صحيفة منافسة غدا. وحينها، سيكون على صديقنا - صحيفة «فاينانشال فيلد» - الدفاع عن نفسه. سيقول بالطبع إن كل هذا كذب، لكن لن يصدقه أحد، وسنقول له، من خلال الصحيفة المنافسة، إنه إن كان هذا كذبا، فله مطلق الحرية في أن يقاضينا بتهمة التشهير. ودعه يرفع القضية إن أراد هذا. ودعه يدافع عن سمعته. وقاضه بتهمة التشهير! وأنا أعرف خطة أفضل من هذه. هل يمكنك إعداد بيان بملابسات الأمر قبل الاجتماع الذي سيعقد عصر هذا اليوم؟»
قال كينيون، الذي كان ينظر، لأول مرة في حياته، بامتنان للونجوورث، إنه بإمكانه ذلك. «رائع جدا؛ ما عليك إلا صياغته بكلماتك بأوضح طريقة ممكنة، وحدد التاريخ والساعة وكافة التفاصيل. وأمهر البيان باسمك، وسآخذه عندما آتي لحضور الاجتماع في عصر هذا اليوم. لن يكون من الخطأ قراءته على هؤلاء الذين سيحضرون إلى هنا. لا شيء أفضل من محاربة الشيطان بنفس سلاحه. علينا محاربة الصحيفة بصحيفة أخرى. أعتقد أنه ليس هناك شيء جديد، أليس كذلك؟»
رد كينيون: «نعم، لا يوجد شيء جديد فيما عدا الأمر الذي نناقشه.» «حسنا، لا تجعل هذا الأمر يزعجك. افعل كما قلت، وسنطلق جدلا مثيرا للاهتمام. إن الناس يحبون المعارك، وهذا سيجذب الانتباه للمنجم. وداعا. سأراك في عصر هذا اليوم.»
ترك لونجوورث كلا من كينيون وونتوورث في حال أسعد مما وجدهما عليها.
قال ونتوورث: «لقد قلت، يا كينيون، إن هذا الشاب شخص يعتمد عليه. نصيحته قد أنهت القلق على نحو رائع. أعتقد أن خطته هي الأفضل، بعد كل شيء، وكما قلت، نحن ليس لدينا أي مال من أجل ملاحقة قضائية مكلفة . سأتركك الآن كي تنتهي من عملك، وسأعود في الساعة الثالثة.»
في تلك الساعة، كان جون قد أنهى بيانه. وكان أول من وصل هو لونجوورث، الذي قرأ المقال باستحسان، مقترحا فقط بعض التغييرات الطفيفة هنا وهناك، وقد أدخلت في حينها. ثم وضع البيان في ظرف، وأرسله إلى مدير تحرير الصحيفة المنافسة. ثم جاء بعد ذلك ونتوورث، ثم ميلفيل ثم السيد كينج. وبعد ذلك، توجه الجميع إلى غرفة المديرين، وفي غضون بضع دقائق، كان الآخرون موجودين.
قال لونجوورث: «والآن، بما أننا جميعا هنا، فلا أرى أي ضرورة للتأجيل. لقد قرأتم على الأرجح المقال الذي ظهر هذا الصباح في صحيفة «فاينانشال فيلد». لقد كتب السيد كينيون بيانا بهذا الشأن، يذكر كافة التفاصيل المتعلقة بما يجري داخل مؤسسة سيئة السمعة جدا. لقد كانت فقط محاولة للابتزاز وقد تعرضت للفشل. أردت أن يقرأ عليكم البيان، لكننا ظننا أنه من الأفضل أن نتجاهل فعل ذلك بأسرع ما يمكن، وهو سيظهر غدا في صحيفة «فاينانشال إيجل»، حيث آمل أن تقرءوه جميعا. والآن، سيد كينيون، ربما ستخبرنا بشيء عن المنجم.»
لقد كان كينيون، مثل الكثير من الرجال من ذوي الشأن ولكن ليس من ذوي الكلمة، متحدثا سيئا للغاية. لقد بدا مرتبكا، وكثيرا ما بدا غامضا قليلا في ملاحظاته، لكن الحاضرين استمعوا له بانتباه شديد. وكان يساعده من حين لآخر سؤال حكيم من قبل لونجوورث الشاب، وعندما جلس، لم يكن الانطباع سيئا للغاية كما كان يتوقع. وبعد صمت للحظة، تحدث السيد كينج.
وقال: «أرى أن كل ما نرغب في معرفته هو الآتي: هل المنجم بالفعل كما عرض؟ وهل المادة الموجودة به هي الأفضل فيما يتعلق بالاستخدام الذي أشار إليه السيد كينيون؟ وهل هناك قدر كاف من تلك المادة في الجبل الذي تحدث عنه بحيث يجعل من المجدي تأسيس هذه الشركة؟ يبدو لي أنه يمكن فقط الإجابة عن كل هذا من قبل رجل خبير يذهب إلى هناك ويفحص المنجم بنفسه. أعتقد أن السيد ميلفيل رجل خبير. إن كان لديه وقت خال ، أقترح أن يذهب إلى أمريكا ويرى المنجم ويكتب تقريرا عنه.»
سأل شخص آخر عن موعد انتهاء عقد الخيار الخاص بالمنجم. ورد على هذا لونجوورث، الذي قال إن الشخص الذي سيذهب لفحص المنجم وكتابة تقرير عنه يمكنه إرسال برقية مكتوب فيها كلمة «صحيح» أو «خاطئ»؛ ثم سيكون هناك وقت للتحرك في لندن لوضع قائمة المساهمين.
قال آخر: «أعتقد أنه في حالة التأخير لن تكون هناك أي مشكلة في تجديد عقد الخيار لمدة شهر أو اثنين، أليس كذلك؟»
رد كينيون على هذا بأنه لا يعرف. قد يطلب المالكون سعرا أعلى للمنجم، أو ربما ينتج المنجم ميكا أكبر من ذي قبل، وقد لا يكونون حينئذ ميالين إلى بيعه. لقد اعتقد أنه يجب تنظيم الأمور بحيث لا تكون هناك أي حاجة إلى طلب مد مدة عقد الخيار، وقد وافق الكل على هذا.
ثم قال ميلفيل إنه ليس لديه أي اعتراض على السفر إلى كندا. كانت تتبقى فقط مسألة كمية المادة المتوقعة، وظن أن بإمكانه تحديد هذا على نحو جيد مثل الجميع. وكانوا على وشك الاتفاق على هذا الأمر، عندما وقف لونجوورث، وقال إنه على استعداد تام للذهاب إلى كندا، بصحبة السيد ميلفيل؛ وإنه سيدفع كل نفقاته، وسيعطيهم رأيه بالتفصيل أيضا. قوبل هذا بالتصفيق، وانتهى الاجتماع. وصافح لونجوورث كلا من كينيون وونتوورث.
وقال: «سنبحر على متن أول سفينة، وحيث إنني قد لا ألتقيك ثانية، فعليك أن تكتب لي خطابا تقديميا للسيد فون برينت، تخبره فيه بأنني أنوب عنك في هذه المسألة. هذا سيسهل الأمور فيما يتعلق بمد أجل عقد الخيار، إن أصبح هذا ضروريا.»
الفصل الثلاثون
كان كينيون في طريقه لتناول الغداء في اليوم التالي، عندما قابل ونتوورث عند الباب.
سأل الأخير: «هل أنت ذاهب لتناول الغداء؟» «نعم.» «رائع جدا؛ سأذهب معك. لم أستطع البقاء ليلة أمس للحديث إليك عن الاجتماع؛ لكن ما رأيك فيه؟» «في الواقع، بالنظر إلى المقال الذي نشر في الصباح وبالنظر أيضا إلى محاولتي السخيفة لتوضيح مزايا المنجم، أعتقد أن الأمور سارت على نحو سلس إلى حد كبير.» «وهذا ما أعتقده أيضا. ألم يدهشك أنها سارت على نحو سلس جدا؟» «ماذا تقصد؟» «أنا لا أعرف على وجه التحديد ماذا أقصد. أردت فقط أن أعرف رأيك فيه. كما تعرف، لقد حضرت العديد من الاجتماعات من هذا النوع، وأدهشني عدم وجود اختلاف كبير بين المشاركين في الاجتماع. أنا لا أستطيع تحديد ما إذا كنت قد سعدت بهذا أم لا، لكنني لاحظته.» «ما زلت لا أفهم ماذا تقصد.» «حسنا، بوجه عام في مثل هذه الاجتماعات، عندما يقوم شخص ويقترح القيام بشيء ما، تكون هناك بعض المعارضة، أو يكون لدى شخص آخر اقتراح أو شيء يرى أنه أفضل - أو يظن ذلك - بحيث يكون هناك قدر كبير من الكلام. لكن، عندما قام كينج وعرض بهدوء أن يذهب ميلفيل لأمريكا، بدا لي إلى حد كبير أن هذا فعل غريب، ما لم يكن قد أخذ مسبقا رأي ميلفيل.» «ربما يكون قد فعل هذا.» «نعم، ربما. ما رأيك في الاجتماع ككل؟»
أخذ كينيون يفكر بتأمل للحظة قبل أن يرد قائلا: «كما قلت من قبل، أظن أن الأمور سارت على نحو سلس جدا. من الذي تشك فيه؛ لونجوورث الشاب؟» «أنا لا أعرف فيمن أشك. أنا فقط قلق من قصر مدة الاجتماع. أعتقد أنه حري بك الذهاب إلى أمريكا. لا يوجد ما يمكن فعله هنا. يجب أن تذهب، وترى فون برينت وتحصل على تجديد لعقد الخيار. ألا ترى أنه عندما يذهبان إلى هناك ويقضيان بضعة أيام في نيويورك، ويوما أو اثنين كي يصلا إلى المنجم، لن يكون أمامنا سوى أكثر من أسبوع بقليل، بعد أن تأتي البرقية، كي نفعل أي شيء، إن تصادف وكان محتواها سلبيا؟» «بلى، أرى ذلك. ومع ذلك، إنها مسألة حقائق تلك التي عليهما الإخبار عنها، وأنت تعلم، كما أعلم، أن الرجل الصادق لا يمكنه الكذب فيما هو مؤكد. لقد حملنا الأمور أكثر مما تحتمل.» «أعلم ذلك. أنا على وعي تام بهذا. كل شيء سيسير على ما يرام ، لو ... لو ... كان لونجوورث يتعامل بأمانة معنا. وإن لم يكن كذلك، فنحن في مشكلة كبيرة، وسأشعر براحة أكبر لو حصلنا على عقد خيار على المنجم لثلاثة أشهر أخرى. إن مدة سريان هذا العقد على وشك الانتهاء، ويبدو لي، كحماية لوضعنا، أنه حري بنا أن نكتب إلى فون برينت ... بالمناسبة، هل كتبت إليه قبل ذلك؟» «لقد كتبت رسالة واحدة أخبره فيها بأننا نحقق تقدما، لكنني لم أتلق ردا؛ ربما هو غير موجود في أوتاوا في الوقت الحاضر.» «حسنا، أعتقد أنه حري بك الذهاب إلى المنجم مع لونجوورث وميلفيل. إن اجتماع هذين الشخصين معا هو ما يجعلني أشك. أنا لا يمكنني تحديد ما أشك فيه. ولا أستطيع تحديد شيء معين؛ لكن يتملكني إحساس غامض بعدم الراحة عندما أرى أن الرجل الذي حاول تضليلنا فيما يتعلق بقيمة المادة يذهب مع الرجل الذي جعلنا نتكلف كل هذه التكلفة. لقد رفض لونجوورث في البداية الانضمام للمشروع، وتظاهر بأنه قد نسي كل شيء عنه، ثم فجأة عبر عن اهتمامه به.»
عقد جون حاجبيه ولم يقل شيئا. «أنا لا أريد أن أقلقك بشأن الأمر، لكنني متلهف لسماع رأيك الصريح. ما أفضل شيء يمكننا فعله؟»
رد جون، بعد لحظة صمت: «يبدو لي أنه ليس بإمكاننا فعل شيء. إنه موقف معقد جدا. ومع ذلك، أعتقد أن علينا التفكير جيدا في الأمر لبضعة أيام، ثم يمكنني الذهاب إلى أمريكا، إن كان هذا ضروريا؛ فلا يزال أمامنا الوقت الكافي لذلك.» «رائع جدا، دعنا نفترض أننا سنمهلهما عشرة أيام للوصول إلى المنجم وإرسال الرد. إن لم يأت رد بحلول اليوم الحادي عشر، فسيكون لدينا 18 أو 19 يوما حتى تنتهي مدة عقد الخيار. دعنا نجعلها 12 يوما. أعتقد أن عليك الذهاب إلى هناك إن لم نسمع منهما شيئا بحلول ذلك الوقت.»
رد جون: «هذا مناسب؛ دعنا نستقر على هذا.» «بالمناسبة، لقد حصلت على دعوة اليوم، أليس كذلك؟» «بلى.» «هل ستذهب؟» «لا أعرف. أنا أود الذهاب، ولكن، كما تعرف، أنا غير معتاد تماما على الحفلات الراقية . أنا لا أعرف ماذا أقول أو أفعل عندما أكون هناك.» «كما أفهم، إنها لن تكون حفلة راقية، ولكن مجرد حفلة صغيرة غير رسمية تقيمها الآنسة لونجوورث؛ لأن ابن عمها على وشك الإبحار إلى كندا. أنا لا أريد أن أجاملك، يا جون، على الإطلاق، لكنني أتصور أن الآنسة لونجوورث ستحزن بشدة إن لم تذهب. هذا إلى جانب أننا شريكان للونجوورث في هذا المشروع وأنه سيسافر بسبب المنجم. أعتقد أنه ستكون من الفظاظة بعض الشيء ألا نذهب.» «رائع جدا، سأذهب. هل سآتي إليك، أم ستأتي أنت إلي؟» «سآتي إليك ونذهب إلى هناك معا في عربة أجرة. كن جاهزا للذهاب بحلول الساعة الثامنة تقريبا.»
كان قصر آل لونجوورث مضاء على نحو مبهر، وشعر جون بهيبة شديدة عندما وصل إلى السلم المؤدي للداخل. الاحتمال الأكبر أنه ما كانت ستكون لديه الشجاعة الكافية التي تسمح له بالدخول إن لم يكن صديقه ونتوورث معه. لكن جورج لم تكن لديه مثل هذه الهواجس، نظرا إلى أن لديه خبرة أكبر من رفيقه فيما يتعلق بهذا النوع من التجمعات. لذا، دخلا معا، وقد حيتهما بحرارة المضيفة الشابة.
وقالت: «إنه لمن اللطف منكما للغاية أن تأتيا رغم دعوتكما للحفلة قبلها بوقت قصير جدا. كنت أخشى أن يكون لديكما ارتباط مسبق، وأن تجدا أنه من المستحيل أن تكونا معنا.»
رد ونتوورث: «لا يجب أن تعتقدي هذا بشأني.» ثم أردف: «أنا كنت سآتي لا محالة؛ لكن يجب أن أقر بأن صديقي كينيون كان صعبا بعض الشيء في التعامل معه. يبدو أنه لا يحب التجمعات الاجتماعية، وبالفعل كان لديه من عدم الاهتمام ما جعله يقترح أن علينا أن نتحجج بأن لدينا ارتباطا أكثر أهمية.»
نظرت إديث بعتاب إلى كينيون، الذي تورد خجلا، كما كانت عادته، وقال: «هذا ليس ملائما يا ونتوورث. يجب ألا تبالي بما يقول، آنسة لونجوورث؛ إنه يحب أن يصيبني بالارتباك، ويعرف كيف يفعل هذا. أنا بالتأكيد لم أقل شيئا يتعلق بوجود ارتباط مسبق.» «حسنا، بما أنكما معنا هنا، فأتمنى أن تستمتعا بوقتكما. إنها حفلة صغيرة غير رسمية على الإطلاق، ولا يوجد بها ما يمكن أن يحرج حتى السيد كينيون.»
وجدا لونجوورث الشاب بصحبة ميلفيل، الذي من المفترض أن يرافقه في رحلته. صافحهما، لكن دون أن يبدي سعادته بلقائهما، كما فعلت ابنة عمه.
وقال الشاب: «يبدو أن ابنة عمي مصرة على جعل سفر ابن عمها المسرف مناسبة للاحتفال. أنا بالتأكيد لا أعلم السبب وراء ذلك، إلا إذا كانت سعيدة للتخلص مني لمدة شهر.»
ضحكت إديث على هذا، وتركت الرجال معا. استطاع ونتوورث بسرعة أن يجعل الفتيات الحاضرات ينجذبن إليه؛ لكن جون، في واقع الأمر، شعر بالإحراج وأحس بأنه في المكان الخاطئ. ولم يكن يستمتع بوقته. لقد وجد نفسه من حين لآخر يتابع إديث لونجوورث بعينيه، وعندما أدرك أنه يفعل هذا، كان ينظر على الفور إلى الأرض. لقد بدت إديث في ثوبها المسائي البهي رائعة للغاية، وقد أقر جون كينيون بهذا بينه وبين نفسه متنهدا؛ لأن جمالها الشديد بدا أنه كان يبعدها عنه أكثر فأكثر. عزف أحد الأشخاص مقطوعة على البيانو، وكان هذا، على نحو ما، بمنزلة استراحة بالنسبة إلى جون. لقد شعر بأن لا أحد ينظر إليه. ثم بدأ شاب يلقي شعرا، وهو ما لاقى استحسانا شديدا، وبدأ كينيون ينسى شعوره بعدم الراحة. وجلس رجل ألماني ذو شعر طويل على البيانو وقد بدا على سلوكه الكثير من الأبهة. كان هناك الكثير من الإعداد الموسيقي، وفي النهاية، عندما أصبح كل شيء كما يريد، كان هناك طرق هائل على أصابع البيانو، وكان بداية ما بدا أنه سيكون وقتا صعبا على البيانو. وفي وسط هذه العاصفة الصوتية، أدرك جون كينيون أن إديث لونجوورث تجلس بجواره.
قالت له هامسة: «لقد تأكدت من عدم وجود أحد بمفرده، ويبدو أنك الوحيد، إن جاز القول، المنبوذ؛ لذا، كما ترى، شرفتك بالمجيء إليك والحديث معك.»
قال جون بجدية: «إنه بالفعل لشرف.»
ردت الفتاة، وهي تضحك برقة شديدة: «أوه، فعلا، يجب ألا تأخذ الأمور بجدية هكذا. أنا لم أقصد على الإطلاق ما قلت؛ كنت فقط، كما يقول الأطفال، أتصنع هذا، لكنك تأخذ الملاحظات البسيطة كما لو أنها عبارات مهمة للغاية. والآن، يجب أن تبدو كما لو أنك تسليني بشدة، في حين أنني قد جلست بجوارك لأتحدث إليك لبضع دقائق عن شئون العمل؛ أعلم أنه شيء سيئ جدا التحدث عن شئون العمل في حفلة مسائية، لكن، كما تعرف، ليست لدي فرصة أخرى للتحدث إليك. أعلم أنك قد عقدت اجتماعا للمساهمين، لكنك لم ترسل لي على الإطلاق دعوة لحضوره. لقد أخبرتك بأنني أرغب في مساعدتك في تأسيس الشركة؛ لكن هذه هي الطريقة التي تعاملون بها دائما - أنتم رجال الأعمال - النساء.» «في الواقع، يا آنسة لونجوورث.» هكذا بدأ كينيون كلامه، لكنها سرعان ما قاطعته. «لن أدعك تقدم أي تفسير. لقد جئت إلى هنا لأستمتع بتوبيخك، ولن أتنازل عن هذه المتعة.»
قال جون: «أعتقد أنك إن علمت كم عانيت خلال اليوم أو اليومين السابقين، فستكونين رحيمة جدا بي. هل قرأت ذلك المقال الذي كتب عني في صحيفة «فاينانشال فيلد»؟» «لا، لم أفعل، لكنني قرأت ردك عليه هذا الصباح، وأعتقد أنه كان رائعا.» «أوه، هذا ليس عدلا. على المرء أن يتعرف على موقف طرفي أي مشكلة قبل أن يصدر حكمه.»
ردت إديث: «إن فكرة أي امرأة عن العدل تتمثل في التعرف على موقف صديقها وإصدار حكمها دون أن تستمع للطرف الآخر. لكنك يجب ألا تعتقد أنني سأتخلى عن توبيخي إياك بسبب تعاطفي معك. ألا تتذكر أنك قد وعدت بأن تجعلني أطلع على مدى تقدم الأمور في شركتك من آن لآخر، وها أنا ذا لم أسمع منك كلمة قط؛ والآن، أخبرني كيف تسير الأمور معكم.» «أنا لا أعرف على الإطلاق، لكنني أعتقد أننا في واقع الأمر نسير على نحو جيد جدا. أنت تعلمين بالطبع أن ابن عمك سيذهب لأمريكا ليكتب تقريرا عن المنجم. وحيث إنني لم أذكر شيئا عن المنجم إلا وكان صحيحا تماما، فلا يمكن أن يكون هناك أي شك فيما سيحتويه هذا التقرير ؛ لذا ، يبدو لي أن كل شيء يسير على نحو جيد.» «لماذا لم تذهب إلى أمريكا؟» «آه، حسنا، أنا صاحب مصلحة، وهؤلاء الذين يفكرون في الانضمام إلينا لديهم تقريري بالفعل. من الضروري التأكد من صحة ما جاء بتقريري. وعندما يحدث ذلك، فأنا أتوقع أننا لن نواجه أي مشكلة في تأسيس الشركة.» «وهل اختير ويليام من قبل هؤلاء الرجال للذهاب إلى كندا؟» «إنه لم يختر؛ بل تطوع لفعل ذلك. إن السيد ميلفيل الموجود هنا هو الشخص الذي اختير لأداء هذه المهمة.» «ولماذا السيد ميلفيل وليس أنت، على سبيل المثال؟» «حسنا، كما قلت، اختياري غير وارد على الإطلاق لأنني صاحب مصلحة. ميلفيل رجل له صلة بصناعة الخزف؛ ولذا فهو، إلى حد ما، خبير.» «هل السيد ميلفيل صديق لك؟» «لا، إنه ليس كذلك. أنا لم أره من قبل حتى أتى إلى الاجتماع.»
قالت، وقد خفضت صوتها ومالت ناحيته: «هل تعرف أنني لا يعجبني وجه ميلفيل؟» نظر كينيون إلى ميلفيل، الذي كان في الجانب الآخر من الغرفة، واستمرت إديث في حديثها قائلة: «يجب ألا تنظر إلى الناس عندما أذكرهم بتلك الطريقة، وإلا سيعرفون أننا نتحدث عنهم. أنا لا يعجبني وجهه. إنه رجل وسيم للغاية، وأنا لا أحب الرجل الوسيم.»
رد جون: «هل أنت كذلك، فعلا؟ إذن، حري بك أن ...»
ضحكت إديث برقة، وكانت ضحكة خفيضة موسيقية لم تسمع بسبب الضجة الناتجة عن البيانو، وكانت موجهة لجون فقط، وبالنسبة إلى أذنيه، كانت أعذب موسيقى سمعها في حياته.
ثم قالت: «أنا أعرف ما كنت ستقوله؛ لقد كنت ستقول إنه حري بي في هذه الحالة أن أعجب بك. أنا كذلك بالفعل؛ وهذا ما جعلني أهتم بمنجمك وبصديقك السيد ونتوورث. وهذا ما جعل ابن عمي يتطوع للذهاب إلى كندا. والآن، أعتقد أن عليك الذهاب إلى هناك بنفسك.» «لماذا؟» هكذا كان رد كينيون، وقد اندهش من تناولها للنقطة التي ناقشها هو وونتوورث. «يمكنني فقط إعطاؤك السبب الذي تعطيه النساء، وهو: «لأنني أرى هذا». يبدو لي أنه حري بك أن تذهب إلى هناك لتعرف ماذا سيكون رأيهما في الوقت الذي يصلان فيه إليه. ربما لا يكون بإمكانهما فهم المنجم بدون شرحك له، وحينها، قد يصل إليك رأي سلبي بحسن نية تامة. أعتقد أنك لا بد أن تذهب إلى أمريكا، يا سيد كينيون.» «هذا بالضبط ما قاله جورج ونتوورث.» «هل فعل؟ طالما اعتقدت أنه شاب حكيم جدا، والآن، تأكد لي هذا. حسنا، يجب ألا أجلس هنا أدردش معك في شئون العمل. أرى أن البروفيسور على وشك الانتهاء؛ ولذا سيكون علي أن أعتني بضيوفي الآخرين. إن لم أرك ثانية هذا المساء، أو لم تتح لي فرصة الحديث معك، ففكر جيدا فيما قلته لك.»
وبعد وهلة، وبنفاق طريف للغاية، شكرت الفتاة البروفيسور على الموسيقى التي لم تستمع إليها على الإطلاق.
قال ونتوورث عندما خرجا من المكان ثانية: «حسنا، هل أمضيت وقتا طيبا؟»
كانت ليلة صافية تضيئها النجوم، وقد قررا المشي إلى المنزل معا.
رد كينيون: «لقد أمضيت وقتا طيبا جدا في واقع الأمر، أكثر مما كنت أتوقع. لقد كان الأمر محرجا قليلا لي في البداية، لكنني تغلبت على ذلك.» «لاحظت أنك فعلت هذا ... ببعض المساعدة.» «نعم، «ببعض المساعدة».» «إن كنت ميالا لأن تتحدث بافتتان، يا جون، بما أننا الآن نمشي تحت النجوم، فتذكر أنني صديق صدوق ومستمع متعاطف. أود سماعك وأنت تتحدث بافتتان، فقط لأعرف كيف يتصرف الرجل الحكيم بشدة في مثل هذه الظروف.» «أنا لن أتحدث بافتتان عن أي شيء، يا جورج، لكنني سأخبرك بشيء ما. إنني سأذهب إلى كندا.» «آه، هل تحدثت إليك بهذا الشأن؟» «لقد فعلت.» «وبالطبع، نصيحتها على الفور حسمت الأمر، بعد أن فشلت حججي المقنعة في ذلك؟» «لا تغضب، يا جورج، لكنها بالفعل قد فعلت ذلك.»
الفصل الحادي والثلاثون
«ما اسمك، من فضلك؟» «أخبر السيد ونتوورث أن سيدة ترغب في رؤيته.»
تركها الساعي وهو لا يعرف ماذا يفعل؛ لأنه كان يعلم أن تلك الرسالة كانت بلا شك غير معتادة في أماكن العمل. لقد كان يعرف أن الناس يجب أن تعطي أسماءها.
قال لونتوورث: «سيدة ترغب في رؤيتك، يا سيدي.» وحينها، وتماما كما توقع الساعي، أراد رئيسه أن يعرف اسم السيدة.
إن السيدات لسن من الزوار المعتادين في مكتب مراجع حسابات في حي السيتي؛ لذا لمس ونتوورث ياقته ورابطة عنقه ليتأكد من أنهما في مكانهما الصحيح، وطلب من الساعي، وهو يسأل نفسه من تكون تلك السيدة، أن يدخلها.
قالت بابتهاج، وهي تتقدم باتجاه مكتبه وتمد يدها لتسلم عليه: «كيف حالك، يا سيد ونتوورث؟»
التقط نفسه، وأمسك بيدها الممدودة على نحو رخو بعض الشيء، ثم تمالك نفسه وقال: «يا لها من مفاجأة سعيدة غير متوقعة، آنسة بروستر!»
تورد وجه جيني على نحو جميل للغاية، وضحكت ضحكة ظن ونتوورث أنها كانت تشبه نغمة عذبة من ناي رخيم.
وقالت: «قد تكون غير متوقعة، لكنك لا تبدو على الإطلاق مثل شخص يعاني جرعة زائدة من السعادة الحقيقية. أنت لم تتوقع رؤيتي، أليس كذلك؟» «بلى، لكن بما أنك هنا الآن، فهل لي أن أسألك كيف أساعدك؟» «حسنا، أولا: يجب أن تطلب مني الجلوس، وثانيا: يجب أن تجلس أنت أيضا؛ لأنني جئت لأخوض حديثا طويلا معك.»
لم يبد الأمر مغريا بشدة لونتوورث كما قد يتوقع المرء، رغم أنه قد أتى من فتاة جميلة للغاية، وترتدي ملابس شديدة الأناقة، لكن الشاب عرض عليها على الفور الجلوس، ثم جلس هو، وكان بينهما المكتب. وضعت مظلتها والأشياء القليلة التي كانت تحملها على المكتب، ورتبت تلك الأشياء ببعض الاهتمام؛ ثم، وبعد أن منحته بعض الوقت ليتمالك نفسه بعد المفاجأة التي تعرض لها، رمقته بنظرة جعلت كل جسده ينتفض. لكن الخطر المعروف يسهل التغلب عليه؛ وونتوورث، بعد أن أخذ نفسا عميقا على نحو لا واع، استجمع قواه حتى لا يعاوده شعور كان يحاول نسيانه، لكن دون تحقيق نجاح ملحوظ، ثم قال في نفسه بتجهم، ولكن على نحو غير مقنع تماما: «لن تخدعيني مرة ثانية، يا فتاتي، رغم جمالك الشديد.»
بدت بوادر ابتسامة على الشفتين الحمراوين للفتاة، وهي ابتسامة كانت بالكاد ظاهرة ، لكنها ساهمت مع بشرتها الصافية في ترك انطباع يشبه دخول شعاع الشمس إلى الغرفة، وإضاءة انعكاسه لوجهها.
وقالت في النهاية: «لقد أتيت للاعتذار، يا سيد ونتوورث.» ثم أضافت: «أجد ذلك شيئا صعبا للغاية، وحيث إنني لا أعرف على الإطلاق كيف أبدأ، فقد دلفت مباشرة إلى الموضوع.»
رد ونتوورث، ببرود شديد: «إنك لست بحاجة إلى الاعتذار لي عن أي شيء، يا آنسة بروستر.» «أوه لا، علي ذلك. لا تصعب الأمر علي أكثر بتعاملك معه بأدب وبرود؛ لكن قل لي إنك قد قبلت اعتذاري، وإنك تشعر بالأسف ... لا، أنا لا أقصد هذا ... كان يجب أن أقول إنك متأكد أنني أشعر بالأسف وإنك تعرف أنني لن أفعل ذلك ثانية.»
ضحك ونتوورث، وانضمت إليه في ذلك الآنسة بروستر.
ثم قالت: «رائع، هذا أفضل بكثير. أعتقد أن ثمة أفكارا سيئة للغاية كانت تراودك عني منذ أن قابلتك آخر مرة.»
رد ونتوورث: «لقد حاولت أن أفعل ذلك.» «هذا ما أسميه صراحة من جانبك؛ هذا بالإضافة إلى أنني أعجبتني المجاملة المتضمنة فيه. أعتقد أن هذا رائع للغاية بالفعل. أنا حقا آسفة جدا جدا على قيامي ... سير الأحداث على النحو الذي سارت عليه. ما كنت سألومك لو استخدمت لغة بذيئة بشدة للحديث عن الأمر في ذلك الوقت.» «لا بد أن أقر بأنني فعلت هذا.»
ردت جيني، متنهدة: «آه! أنتم أيها الرجال لديكم العديد من وسائل السلوى الممنوعة علينا نحن النساء. لكنني جئت إلى هنا لغرض آخر؛ إن أردت فقط الاعتذار، أعتقد أنني كنت سأكتب إليك. أريد بعض المعلومات التي بإمكانك أن تعطيني إياها، إن أردت.»
أراحت الفتاة مرفقيها على المكتب، جاعلة ذقنها بين يديها، وأخذت تحملق فيه بجدية وبراءة. شعر جورج المسكين بأنه سيكون من شبه المستحيل رفض أي شيء تطلبه تلك العينان المتضرعتان الواسعتان. «أريدك أن تحدثني عن منجمك.»
كل الود الذي كان يبدو على نحو تدريجي على وجه ونتوورث وسلوكه اختفى على الفور.
وقال: «إذن، هذا هو نفس الأمر القديم مرة أخرى.»
ردت جيني بعتاب: «كيف أمكنك أن تقول هذا؟!» وأردفت: «أنا أسأل من أجل شيء في نفسي، وليس من أجل صحيفتي. بالإضافة إلى ذلك، أنا أخبرك بصراحة بما أريد أن أعرفه، ولا أحاول أن أصل إليه بطرق غير مباشرة؛ بالخداع، كما قلت ذات مرة.» «كيف يمكن أن تتوقعي أن أعطيك معلومات ليست خاصة بي وحدي؟ ليس لي الحق في الحديث عن أمر يهم آخرين دون أخذ إذنهم.»
قالت جيني بمرح: «آه، إذن، هناك على الأقل شخصان آخران معنيان بأمر المنجم.» ثم أضافت: «كينيون الأول، بحسب علمي؛ فمن الآخر؟» «آنسة بروستر، لن أخبرك بأي شيء.» «لكنك قلت لي شيئا بالفعل. رجاء استمر في الحديث، سيد ونتوورث - عن أي شيء تريده - وسرعان ما سأتوصل إلى كل ما أريد معرفته عن المنجم.»
سكتت وبقي ونتوورث صامتا، وهو الشيء، في واقع الأمر، الذي أدرك الشاب المتحير أنه آمن ما يمكن فعله.
استمرت الآنسة بروستر في الحديث، كما لو أنها تتحدث إلى نفسها: «إنهم يتحدثون عن ثرثرة النساء، لكنه لا شيء بجانب ثرثرة الرجال. فقط اجعل الرجل يبدأ في الحديث، وستعرف كل شيء يعلمه؛ هذا إلى جانب كل ما لا يعلمه.»
تخلت الآنسة بروستر عن أسلوبها المثير للغاية، وما يقترحه من علاقة قائمة على الثقة المتبادلة، وأنزلت مرفقيها من على المكتب، وأسندت ظهرها على كرسيها، وأخذت تحملق على نحو حالم في النافذة المغبرة التي كانت تدخل الضوء من الشارع المغبر. وبدا أنها نسيت أن ونتوورث موجود هناك، وقالت، لنفسها أكثر مما كانت تقول له: «أتساءل إن كان كينيون سيحدثني عن المنجم.» «عليك أن تسأليه.»
قالت، وهي تهز رأسها برفق: «لا؛ هذا لن يجدي نفعا.» ثم أردفت: «إنه أحد الرجال الذين يفضلون الصمت، وهم قليلون جدا في هذا العالم. ربما من الأفضل أن أذهب إلى ويليام لونجوورث نفسه؛ إنه لا يشك في.»
بينما كانت تقول هذا، ألقت نظرة سريعة على ونتوورث، ووجه الشاب التعيس وشى على الفور بأنها قد أصابت الهدف. ثم مالت برأسها فوق المكتب، وضحكت باستمتاع واضح، الأمر الذي جعل ونتوورث، رغم غضبه العاجز، يبتسم بتجهم.
رفعت جيني رأسها، لكن منظر وجهه المتحير كان كثيرا عليها، ولم يسمح لها ابتهاجها بالحديث إلا بعد بعض الوقت. وفي النهاية، قالت: «ألا تود أن تمسك بي من كتفي وتطردني من الغرفة، يا سيد ونتوورث؟» «أود أن أمسك بك من كتفيك وأهزك.» «آه! هذا سيكون فعلا غير لائق، ولا يمكن أن يسمح به. يجب أن نترك العقاب للقانون، كما تعلم، على الرغم من أنني أعتقد أن أي إنسان يجب أن يسمح له بطرد أي زائر غير مرغوب فيه إلى الشارع.»
قال الشاب بجدية، وهو ينحني فوق المكتب باتجاهها: «آنسة بروستر، لماذا لا تتركين مهنتك الاستقصائية المريعة، وتستغلين مواهبك التي لا جدال فيها في شيء آخر؟» «ماذا، على سبيل المثال؟» «أوه، أي شيء.»
أراحت جيني خدها الأبيض على راحة يدها المفتوحة مرة ثانية، ونظرت إلى النافذة المغبرة. كانت هناك فترة صمت طويلة بين الاثنين؛ انشغل ونتوورث بمشاهدة جوانب وجهها الواضحة المعالم ورقبتها البيضاء، وكانت أنفاسه تتسارع كلما تعمقت عيناه في تأمل جمالها.
وقالت في النهاية، بصوت خفيض به رعشة تنهيدة مكبوتة: «دائما ما يتملكني الغضب عندما يقول الآخرون هذا لي؛ أتساءل لماذا شعرت فقط بالإهانة والألم عندما قلت أنت هذا. من السهل جدا القول: «أوه، أي شيء»؛ هذا سهل للغاية، سهل للغاية. إنك رجل، ولديك قوة الرجال وإصرارهم، ومع ذلك، صادفت خيبات أمل ومصاعب تطلبت منك كل شجاعتك للتغلب عليها. إن كل الناس حدث لهم هذا؛ وبالنسبة إلى معظم الناس، إنها معركة تستمر حتى يشيب الرأس، وينهك العقل من الصراع الذي لا يتوقف. إن العالم عديم الرحمة على الإطلاق؛ إنه سيدهسك بقسوة إن استطاع، وإن تراخت يقظتك للحظة، فإنه سيسرق قوتك ويتركك تموت جوعا. عندما أفكر في هذا الصراع الكئيب الذي لا يتوقف، والذي لا مكان فيه للرحمة، أرتعد وأدعو الرب أن أموت قبل أن أقع تحت رحمة العالم القاسي. عندما أتيت إلى لندن، رأيت، لأول مرة في حياتي، المسيرة البائسة الحزينة لحاملي الإعلانات المتجولين ؛ إنهم حطام بشر يسيرون بطول طرف الشارع، كما لو أنهم قد طرحوا هناك من قبل المد المندفع الكاسح خلفهم. إنهم ... إنهم قد بدوا لي مثل حشد مترنح من الموتى؛ وعلى ظهورهم كان هناك إعلان عن مسرحية كانت تجعل كل سكان لندن يموتون من الضحك. يا له من أمر مريع تمتزج فيه الكوميديا والتراجيديا! ببساطة، أنا لم أستطع تحمله. وكان علي أن أجري في شارع جانبي وأبكي مثل الأحمق الصغير الذي أنا عليه، في وضح النهار.»
توقفت جيني عن الكلام وحاولت أن تضحك، لكن المحاولة نتج عنها صوت أشبه بنشيج. مررت بنفاد صبر شديد يديها على عينيها، اللتين لم ينزل ونتوورث قط نظره عنهما، واللتين رآهما وقد أصبحتا مظلمتين، كما لو أن الضوء الآتي من النافذة كان شديدا جدا عليهما، وفي النهاية امتلأتا بالدموع عندما توقفت عن الكلام. بحثت جيني دون جدوى داخل ثوبها عن المنديل، الذي كان موجودا بجانب مظلتها دون أن يلاحظه أي منهما، ثم استمرت في الكلام ببعض الصعوبة، قائلة: «في الواقع، تلك المخلوقات المسكينة البائسة كانوا رجالا؛ رجالا انحدر بهم الحال؛ وإن كان العالم قاسيا بشدة على الرجل رغم كل قوته وسعة حيلته، ففكر ... فكر كيف سيكون الحال بالنسبة إلى امرأة ملقاة في غيابة هذا الاضطراب اللاإنساني - امرأة بلا أصدقاء وبلا مال - ووسط تلك الذئاب العديمة الرحمة، وعليها أن تعيش إن استطاعت أو أن تموت إن كان بإمكانها كذلك.»
انقطع صوت الفتاة، وغطت وجهها بذراعيها، اللتين كانتا موضوعتين على المكتب.
قام ونتوورث واستدار متوجها إلى المكان الذي كانت تجلس فيه.
ثم قال، واضعا يده على كتفها: «جيني.» أبعدت الفتاة، دون أن تنظر إليه، اليد التي لمستها.
قالت بصوت مخنوق: «عد إلى مكانك.» ثم أردفت: «واتركني لشأني.»
قال ونتوورث مصرا: «جيني.»
قامت الفتاة من كرسيها ووقفت قبالته، راجعة للخلف خطوة. «ألم تسمع ما أقول؟ ارجع مكانك واجلس فيه. لقد أتيت إلى هنا لأتحدث في أمور العمل، وليس لأجعل من نفسي أضحوكة. إن الأمر كله بسببك، وأنا أكرهك من أجل هذا؛ أكرهك أنت وأسئلتك السخيفة.»
لكن الشاب وقف حيث كان، رغم الشرارة الخطيرة التي ظهرت في عيني زائرته الدامعتين. وارتسم العبوس على جبينه.
وقال ببطء: «جيني، هل تعبثين معي ثانية؟»
إن الغضب السريع الذي توهج في وجهها، محمرا خديها، جفف الدموع.
وقالت بغضب: «كيف تجرؤ على أن تقول شيئا كهذا لي؟!» ثم أردفت: «لا تغتر بنفسك بحيث تظن، لأنني قد جئت إلى هنا لأتحدث في أمور العمل، أنني لدي أيضا بعض الاهتمام الشخصي بك! بالتأكيد حتى غرورك لم يبالغ بحيث يذهب بعيدا إلى هذا الحد!»
وقف ونتوورث صامتا، والتقطت الآنسة بروستر مظلتها، مبعثرة، في تعجلها، الأشياء الأخرى على الأرض. لو توقعت أن يضعها ونتوورث ثانية على المكتب، لكانت قد أصيبت بخيبة أمل؛ فرغم أن عينيه كانتا مثبتتان عليها، إلا أن أفكاره كانت هائمة في عالم آخر.
صاحت في حنق، معيدة ثانية أفكار ونتوورث فجأة إلى لندن: «لن أبقى هنا حتى لا أهان.» ثم أضافت: «إن استخدامك لمثل هذا التعبير معي كان غير محتمل. أعبث معك، حقا؟!» «أنا لم أقصد إهانتك، آنسة بروستر.» «ماذا يعني استخدام هذا التعبير سوى أن يكون إساءة؟ إنه يشير ضمنا إلى أنني إما مهتمة بك وإما ...» «وهل أنت كذلك؟» «هل أنا ماذا؟» «هل أنت مهتمة بي؟»
بسطت جيني أطراف المظلة بيديها ثم مسدتها ببعض الدقة. كانت عيناها تركزان على ما كانت تفعله؛ وبالتالي، لم تقابل عيني سائلها.
ثم قالت في النهاية، وهي لا تزال تولي اهتماما كبيرا بالمظلة: «أنا مهتمة بك كصديق، بالطبع.» ثم أردفت: «لو لم أكن أعتبرك صديقا، لما كنت قد أتيت إلى هنا لأشاورك، أليس كذلك؟» «أنت على حق. حسنا، أنا آسف على استخدامي الكلمات التي ضايقتك، والآن، إذا سمحت دعينا نمض قدما فيما جئت من أجله من استشارة.» «لم يكن من اللائق أن تقول هذا.» «أخشى أنني لا أجيد قول الأشياء اللائقة.» «لقد كنت كذلك.»
بعد أن رتبت المظلة كما تريد، نظرت إليه. «مع ذلك، فقد قلت إنك آسف، وهذا كل ما يمكن لأي رجل أن يقوله - أو امرأة أيضا؛ إذ إن هذا هو ما قلته عندما دخلت إلى هنا. والآن، إن التقطت هذه الأشياء من على الأرض ... شكرا ... فسنتحدث عن المنجم.»
جلس ونتوورث مرة ثانية، وقال: «حسنا، ما الذي تريدين معرفته عن المنجم؟» «لا شيء على الإطلاق.» «لكنك قلت إنك تريدين معلومات.» «يا له من مبرر مضحك! أتعجب من تجاهل الرجال لكل النقاط المهمة في أي حوار! لا؛ اعتقدت أنك ربما كنت ستعرف، فقط عندما قلت إنني أريد معلومات، أن هذا ليس ما أريده حقا.» «أخشى أنني غبي جدا. أكره سؤالك على نحو صريح عما تريدينه حقا، لكنني أود أن أعلمه.» «أردت أن أتعرف على مدى وثوقك في. لقد قلت لك إنني آسفة بسبب حادثة ما. ووددت معرفة إن كنت تثق في أم لا، ووجدت أنك لست كذلك. هذا هو الوضع!» «أعتقد أن هذا لم يكن اختبارا عادلا. كما ترين، الحقائق ليست خاصة بي بمفردي.»
تنهدت الآنسة بروستر، وهزت رأسها ببطء. «ما كان لهذا أي أهمية لو كنت تثق بي بحق.» «أوه، كيف هذا؟! لا يمكن أن تنتظري من رجل أن ...» «بل يمكنني.» «ماذا، من مجرد صديق؟»
أومأت الآنسة بروستر برأسها.
قال ونتوورث ملاحظا، وهو يضحك: «حسنا، كل ما يمكنني قوله هو أن الصداقة قد تطورت في الولايات المتحدة أكثر بكثير مما فعلت هنا في هذا البلد.»
قبل أن تستطيع جيني الرد، طرق الساعي الباب ودخل بصينية شاي ووضعها أمام سيده؛ ثم غادر في صمت، مغلقا الباب وراءه في هدوء. «هل لي أن أقدم لك فنجانا من الشاي؟» «من فضلك. يا لها من عادة غريبة هذا التناول للشاي في مكاتب العمل! أعتقد أنني سأكتب مقالا بعنوان «أمة مدمني الشاي». لو كنت عدوة لإنجلترا، بدلا من كوني كبرى صديقاتها، لنزلت بجيشي على هذا البلد فيما بين الساعة الرابعة والخامسة عصرا، وهكذا، سأفاجئ الشعب في وقت شرب الشاي. ماذا كنت ستفعل لو هاجمتك العدوة أثناء هذا الطقس القومي المقدس؟»
رد ونتوورث ، موائما بين الفعل والعبارة: «كنت سأقدم لها فنجانا من الشاي.»
قالت الفتاة بمكر: «سيد ونتوورث، إن أداءك يتطور. إن تلك الملاحظة جيدة على نحو واضح. ومع ذلك، يجب أن تتذكر أنني قد جئت إليك صديقة، وليس عدوة. هل قرأت من قبل «طفلان في الغابة»؟ إنه عمل أدبي تعليمي لكنه محزن. أنت تتذكر بالتأكيد العم الشرير؟ حسنا، أنت والسيد كينيون تذكراني ب «الطفلين»، هذين الشيئين الصغيرين البريئين المسكينين! ولندن ... هذا الجزء منها ... هي الغابة المظلمة غير المطروقة. أنا الطائر الذي يحوم حولك، بانتظار تغطيتك بأوراق الشجر. أوراق الشجر، حتى تكون مفيدة، يجب أن تكون الشيكات التي تنهال عليك برفق من السماء، لكن، للأسف، أنا ليس لدي أي منها. لو كانت فقط الشيكات القابلة للتداول تنمو على الأشجار، لما كانت الحياة بتلك الصعوبة.»
أخذت الآنسة بروستر ترشف شايها بتأمل، وكان ونتوورث يستمع بسعادة إلى الهمهمة الموسيقية لصوتها. لقد كان لهذا تأثير آسر عليه لدرجة أنه لم يهتم كثيرا بما كانت تقوله كما هو مفترض من أي رجل عندما تتحدث إليه إحدى السيدات. لقد أضاف شرب الشاي لمحة من الألفة على الحوار بين الاثنين، الأمر الذي أربك الشاب. لقد أخذ يضم يده ثم يفتحها دون أن تراه تحت المكتب، وشعر برطوبة راحة يده. وود لو أمكنه الاحتفاظ بالتحكم في نفسه، لكن صعوبة المهمة كادت تتغلب عليه عندما كانت هي من آن لآخر تنعم عليه بنظرة أو إيماءة، وشعر كما لو أنه يجب أن يصيح قائلا: «يا فتاتي، يا فتاتي، لا تفعلي هذا، إن أردت أن أبقى في مكاني.»
وقالت، وهي تضع الفنجان بعيدا: «أرى أنك لا تنتبه على الإطلاق لما أقوله.» وأراحت ذراعيها على المكتب، ومالت للأمام قليلا، وحولت وجهها بالكامل إليه ثم قالت: «أستطيع من خلال عينيك أن أقول إنك تفكر في شيء آخر.»
قال جورج، وهو يأخذ نفسا عميقا: «أؤكد لك أنني أستمع باهتمام شديد.» «حسنا، هذا صحيح؛ لأن ما سأقوله مهم. والآن، وحتى تعي الأمر جيدا، سأخبرك أولا بكل شيء عن منجمك؛ ستدرك بعدها أنني لست بحاجة إلى سؤال أي شخص عن معلومات بشأنه.»
وفي هذا الإطار، ولدهشة ونتوورث، أعطت تصورا سريعا ودقيقا للمفاوضات والترتيبات التي تمت بين الأطراف الثلاثة، والوضع الحالي للأمور.
سألها: «كيف تسنى لك معرفة كل هذا؟» «لا تشغل بالك بهذا؛ ولا يجب أن تسأل كيف عرفت ما سأقوله لك الآن، لكن يجب أن تصدقه دون تردد، وتعمل بناء عليه على الفور. إن لونجوورث يتلاعب بك أنت وكينيون. إنه يضيع الوقت حتى تنتهي مدة العقد الخاص بكما؛ وحينها سيشتري عقد الخيار الخاص بالمنجم نقدا بالسعر الأصلي، وستترك أنت وكينيون لتدفعا ثلثي الدين المستحق. أين كينيون؟» «لقد ذهب إلى أمريكا.» «هذا جيد. أرسل له برقية اطلب منه فيها تجديد عقد الخيار. ويمكنكما بعد ذلك محاولة تأسيس الشركة بنفسيكما في لندن. وإن لم يستطع تجديد العقد، فلديكما وقت قليل للغاية للحصول على المبلغ النقدي المطلوب، وإن لم تستطيعا فعل هذا، فستفقدان كل شيء. هذا ما جئت لأقوله لك، على الرغم من أنه قد مضى وقت طويل قبل أن أفعل هذا. والآن، يجب أن أذهب.»
قامت، وجمعت أشياءها من المكتب، ووقفت وهي تمسك المظلة بذراعها. استدار ونتوورث وأتى إلى حيث كانت تقف، ووجهه أكثر شحوبا من المعتاد، ربما بسبب الأخبار التي سمعها. وكانت إحدى يديه تمسك بإحكام برسغ اليد الأخرى أمامه. وشعر بأنه يجب عليه أن يشكرها على ما فعلته، لكن شفتيه كانتا جافتين، وعلى نحو ما، كانت الكلمات الملائمة عصية عليه.
كانت، وهي تمسك مظلتها الضعيفة ذات الأطراف الشريطية بذراع واحدة، تضبط قفازها الطويل الملائم تماما لمقاسها، والذي كانت قد خلعته قبل تناول الشاي. كان أحد أزراره الكثيرة صعبا في قفله، وبينما حاولت جاهدة وضعه في مكانه، وقع كمها، كاشفا عن ذراع بيضاء ممتلئة فوق القفاز.
قالت، وهي تلهث قليلا، وعيناها على قفازها: «كما ترى، إن الموقف خطير جدا، وعامل الوقت مهم للغاية.» «أدرك ذلك.» «سيكون من المحزن أن تفقد كل شيء الآن، بعد كل ما صادفته من مشاكل وقلق .» «هذا صحيح.» «وأعتقد أن أي إجراء سيجري اتخاذه يجب القيام به بسرعة. يجب أن تتصرف على الفور وبهمة شديدة.» «أنا مقتنع أن هذا صحيح.» «إنه بالطبع كذلك. إنك تثق بسرعة في الآخرين؛ يجب أن تكون شكاكا أكثر، وحينها لن تنخدع كما حدث.» «لا. المشكلة أنني كنت شكاكا بشدة، لكن هذا قد انتهى. لن أصبح كذلك ثانية.»
قالت، وهي ترفع بصرها إليه بسرعة: «ما الذي تتحدث عنه؟» ثم أردفت: «ألا تعرف أنك ستفقد المنجم إذا ...»
صاح، وهو يمد يده ويضمها إليه قبل أن تتحرك للوراء أو تترك مكانها: «فليذهب المنجم للجحيم! هناك شيء أكثر أهمية من المناجم أو المال.»
انكسرت المظلة محدثة صوتا حادا، وهمهمت الفتاة قائلة: «أوه!» لكن الهمهمة كانت ضعيفة.
قال، مبعدا المظلة من بينهما وملقيا بها جانبا: «لا تهتمي بشأن المظلة؛ سأشتري لك أخرى.»
قالت بصوت لاهث: «يا لك من رجل متهور! إنك لا تعرف شيئا عن ثمنها، وأعتقد، كما تعرف، أنني يجب أن يؤخذ رأيي ... في ... في ... شيء كهذا ... يا جورج.» «لم يكن هناك وقت. لقد تصرفت بناء على نصيحتك ... على الفور. إنك لست غاضبة، يا جيني، يا فتاتي العزيزة، أليس كذلك؟» «أعتقد أنني لست كذلك، رغم أنني أرى أنه كان يجب أخذ رأيي؛ خاصة وأنني أعرف جيدا أنني أملك قلبي في يدي طوال الوقت، وها أنا على وشك أن أهبه لك. أرجو ألا تعامله كما عاملت المظلة.»
كان رده هو تقبيله لها.
قالت، وهي تعدل من وضع رابطة عنقه: «أتعرف أنني أعجبت بك منذ اللحظة الأولى، أكثر مما كنت أدرك في ذلك الوقت؟ إن ... أنا أحاول تبرير موقفي، كما تعلم ... إن، حسنا، حاولت فقط التودد إلي قليلا، ما كنت سأرسل تلك البرقية. بدا أنك قد استسلمت تماما، وأرسلت كينيون إلي، وهذا أغضبني. توقعت أن تأتي إلي، لكنك لم تأت قط.» «أنا شديد الحمق. أنا دائما ما أكون هكذا عندما أحصل على فرصة عادلة.» «أوه، لا، أنت لست كذلك، لكنك تحتاج بالفعل إلى شخص يعتني بك .»
وفجأة أبعدت نفسها عنه مسافة ذراع. «أنت لا تعتقد للحظة، يا جورج ونتوورث، أنني قد جئت إلى هنا اليوم من أجل ... من أجل هذا.»
صاح الشاب الأمين، بكثير من الشغف الساخط، مقربا إياها ثانية منه: «بالتأكيد لا!» «إذن، هذا جيد. أنا لا أستطيع تحمل تصورك لهذا الشيء، خاصة ... حسنا، سأخبرك بالسبب يوما ما. لكنني أتمنى بالفعل أن يكون لديك لقب. ألا يمنحون ألقابا أبدا لمراجعي الحسابات في هذا البلد، يا جورج؟» «لا؛ إنهم يفعلون ذلك مع الحمقى الأغنياء فقط.» «أوه، أنا سعيدة بشدة من أجل هذا؛ لأنك ستصبح غنيا بسبب المنجم، وسأصبح الليدي ونتوورث في النهاية.»
ثم أمالت رأسه لأسفل حتى لامست شفتاها الضاحكتان شفتيه.
الفصل الثاني والثلاثون
على الرغم من أن السفينة البخارية التي كانت تقل كينيون إلى أمريكا كانت واحدة من أسرع السفن البخارية التي تسافر عبر المحيط الأطلنطي، فإن الرحلة كانت كئيبة على نحو لا يوصف بالنسبة إليه. لقد قضى معظم وقته وهو يسير جيئة وذهابا على متن السفينة، ويفكر في الرحلة الأخرى التي كان على متنها قبل أربعة أسابيع. إن العزاء الوحيد في الرحلة الحالية هو سرعتها.
عندما وصل إلى فندقه في نيويورك، سأل إن كانت هناك أي رسائل قد وصلت له هناك، فأعطاه الموظف مظروفا، وقد فتحه على الفور. كانت برقية من ونتوورث، بها الكلمات الآتية: «لونجوورث في ونزر. اذهب إلى أوتاوا على الفور. جدد عقد الخيار. إن لونجوورث يخدعنا.»
عقد جون حاجبيه وتساءل عن مكان ونزر. لاحظ الموظف حيرته فسأله إن كان بإمكانه أن يسديه أي مساعدة. «لقد تلقيت هذه البرقية، لكنني لا أفهمها تماما. أين تقع ونزر؟» «أوه، هذا يعني فندق ونزر. إنه بعدنا في الشارع نفسه.»
أنهى كينيون إجراءات الدخول إلى الفندق وطلب من الموظف أن يرسل متاعه إلى الغرفة التي سيقيم بها عندما يأتي. ثم خرج من الفندق وأخذ يبحث عن فندق ونزر.
وجد ذلك الفندق الكبير، وكان قد بدأ لتوه يسأل الموظف إن كان يوجد شخص يقيم هناك باسم السيد لونجوورث ، عندما ظهر هذا الرجل عند مكتب الاستقبال وأخذ بعض الرسائل ومفتاحه.
ربت كينيون على كتفه.
استدار لونجوورث الشاب بابتهاج أكبر مما يبديه في المعتاد، وأطلق صافرة طويلة تنم عن الاندهاش عندما رأى من يكون.
وقال: «باسم كل الآلهة، ما الذي تفعله هنا؟» ثم، وقبل أن يستطيع كينيون الرد، قال: «تعال إلى غرفتي.»
ذهبا إلى المصعد وصعدا بضعة أدوار، ومرا عبر ردهة بدا أنها لا نهاية لها، كانت مفروشة بمادة حاجزة للصوت تمنع صدور أي صدى لوقع الأقدام. وضع لونجوورث المفتاح في باب غرفته وفتحه. ثم دخلا غرفة كبيرة ورائعة.
وقال: «حسنا، هذه مفاجأة. ما السبب الذي جعلك تأتي إلى هنا؟ هل حدثت أي مشكلة في لندن؟» «لم تحدث مشكلة، بحسب علمي. لم نستقبل أي برقية منك، وظننا أنه قد تكون هناك بعض العقبات التي صادفتك في أداء مهمتك؛ ولذا، جئت إلى هنا.» «آه، فهمت. أرسلت برقية على عنوانك، وقلت فيها إنني أقيم في ونزر لبضعة أيام. لقد أرسلت برقية يقترب طولها من طول الرسالة، لكن يبدو أنها لم تكن ذات جدوى.» «لا، لم أستلمها.» «وما المشاكل التي تتوقع أن تحدث هنا؟» «هذا ما لا أعرفه. علمت أنه قد مضى 12 يوما منذ مجيئك من لندن إلى أوتاوا ومشاهدتك للمنجم. ونظرا إلى أنني أنا وونتوورث لم نستقبل منك أي رسائل في غضون ذلك الوقت، ولأننا كنا نعلم أن مدة العقد على وشك الانتهاء، فقد شعرنا بالقلق ولذا جئت إلى هنا.» «تمام. حسنا، أخشى أن رحلتك كانت بلا جدوى.» «ماذا تقصد؟ أليس كل ما قلته عن المنجم صحيحا؟» «أوه، المنجم رائع؛ كل ما قصدته أنه لم تكن هناك ضرورة حقيقية لمجيئك.» «لكن، كما تعرف، عقد الخيار سينتهي بعد مدة قصيرة جدا.» «حسنا، عقد الخيار، شأنه شأن المنجم، لا مشكلة فيه. أعتقد أنه ما كان سيحدث شيء لو تركتما الأمر في يدي.»
يجب الإقرار بأن جون كينيون قد بدأ يشعر أنه تصرف بتهور غير مقبول عندما قام بتلك الرحلة الطويلة. «هل السيد ميلفيل معك هنا؟» «لقد عاد ميلفيل إلى الوطن. لم يكن لديه وقت للبقاء لمدة أطول. كل ما أراده هو أن يتأكد من المعلومات التي لديه عن المنجم. وقد تأكد منها، وعاد إلى الوطن. لو كنت الآن في لندن، لاستطعت أن تراه.» «هل قابلت السيد فون برينت؟» «نعم، لقد أخذنا إلى المنجم.» «وهل قلت له أي شيء عن عقد الخيار؟» «حسنا، تحدثنا قليلا عنه. لن تكون هناك أي مشكلة بشأنه. ما يريده فون برينت هو بيع منجمه، هذا كل ما في الأمر.» مرت بضع لحظات من الصمت، ثم قال لونجوورث: «متى ستعود؟» «لا أعرف. أعتقد أن علي رؤية فون برينت. أنا لست مرتاحا على الإطلاق لترك الأمور على ما هي عليه الآن. أعتقد أنني يجب أن أحصل على تجديد لعقد الخيار. ليس من الحكمة تلك المخاطرة التي نقوم بها الآن. قد يحصل فون برينت في أي وقت على عرض لبيع منجمه، بينما نقوم نحن بتأسيس الشركة، وبالطبع، إن لم يجر تجديد عقد الخيار، فإنه سيبيعه لأول رجل يعطيه مقابله نقدا. كما قلت، إن كل ما يريده هو أن يبيع منجمه.»
كان لونجوورث منشغلا بفتح رسائله، وعلى ما يبدو لم يكن يبد اهتماما كبيرا بما كان يقوله كينيون. لكنه في النهاية قال: «لو كنت مكانك - إن أردت أن تحصل على نصيحتي - لعدت مباشرة إلى إنجلترا. لن تستفيد أي شيء بالبقاء هنا. لقد قلت ذلك فقط حتى أوفر عليك الجهد والوقت والمال.» «ألا تظن أنه سيكون من الأفضل الحصول على تجديد لعقد الخيار؟» «أوه، بالتأكيد؛ لكن، كما قلت لك من قبل، لم يكن من الضروري على الإطلاق مجيئك إلى هنا. بالإضافة إلى ذلك، أستطيع القول إن فون برينت لن يجدد عقد الخيار دون دفع مبلغ محترم مقدما، وهو الذي سيضيع إن لم تؤسس الشركة. هل لديك المال الذي ستدفعه له؟» «لا، ليس لدي.» «رائع جدا، إذن، لماذا تضيع الوقت والمال بالذهاب إلى أوتاوا؟» عقد السيد لونجوورث الشاب حاجبيه وحدق في جون عبر نظارته. ثم أضاف : «سأدعك تحصل على نصيبي في الصفقة، إن كان هذا سيجدي نفعا.» «كم من المال يريده فون برينت؟» «كيف لي أن أعرف؟ لأصدقك القول، سيد كينيون - والصدق لا يؤذي، أو يجب ألا يفعل هذا - أنا لا يعجبني على الإطلاق تلك الزيارة لأمريكا. أنت والسيد ونتوورث كنتما تشكان في من البداية. ولم يسع أي منكما قط لإخفاء ذلك. إن وجودك في أمريكا في هذا التوقيت ليس سوى إهانة لي. أنا أعتبرها كذلك.»
رد كينيون: «لا أنوي توجيه أي إهانة لك إن كنت تتعامل بأمانة معي.» «ها هو ذا الأمر قد برز ثانية. تلك الملاحظة تعد إهانة. إن كل شيء تقوله يشير إلى رأيك في. أود ألا أقول لك المزيد. لقد أعطيتك نصيحتي بأنه من الأفضل لك، ومن الأرخص أيضا، أن تعود إلى لندن. أنت لا تحتاج إلى اتباعها إلا إذا كنت تريد ذلك. أنا ليس لدي أي شيء آخر لأقوله لك؛ ولذا، فيمكنك اعتبار هذا اللقاء منتهيا.» «وماذا عن المنجم؟» «أعتقد أن المنجم سيسير أموره بنفسه.» «هل تعتقد أن تلك معاملة مهذبة لشريك في العمل؟» «سيدي العزيز، أنا لا آخذ دروسي عن التهذيب منك. إن رضاءك أو عدم رضائك عن معاملتي لك أمر لا يعنيني على الإطلاق. لقد سئمت من الوجود في جو من الشك، وقد طفح بي الكيل من ذلك؛ هذا كل ما في الأمر. أنت تعتقد أن هناك شيئا يدبر في الخفاء ضدك - أنت والسيد ونتوورث تعتقدان ذلك - ومع ذلك، ليس لديكم من «البراعة»، كما يسمونها هنا، أو الذكاء ما يتيح لك اكتشافه. دعني أقل لك إن على الرجل الذي لديه شكوك لا يستطيع إثبات صحتها أن يحتفظ بها لنفسه حتى يمكنه إثباتها. هذه هي نصيحتي لك. أتمنى لك يوما طيبا.»
سار جون كينيون عائدا إلى فندقه، ولديه هواجس أكثر من ذي قبل. كتب رسالة إلى ونتوورث ذكر فيها تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين لونجوورث، وأخبره أن ميلفيل رحل عائدا للوطن، ونصحه بأن يراه عندما يصل. ولقد بقي كينيون تلك الليلة في نيويورك، وأخذ قطار الصباح المتجه إلى مونتريال. وفي الوقت المناسب، وصل إلى أوتاوا، وتوجه لزيارة فون برينت. ووجد الرجل في مكتبه، وبدا كما لو أنه لم يغادره قط منذ أن تم التوقيع على عقد الخيار. لم يتعرف فون برينت في البداية على زائره، وبعد أن حملق فيه للحظة، قام من كرسيه وسلم عليه.
وقال: «أنا بالفعل لم أتعرف عليك؛ لقد تغيرت كثيرا منذ آخر مرة رأيتك فيها. تبدو متعبا ولست على ما يرام على الإطلاق. ما بك؟» «لا أعتقد أن هناك شيئا بي. أنا في صحة جيدة جدا، شكرا لك؛ لدي بعض المشاكل الخاصة بالعمل، هذا كل ما في الأمر.»
قال فون برينت: «آه، نعم؛ أنا حزين جدا في واقع الأمر على أنك فشلت في تأسيس شركتك.»
ردد كينيون ما قاله: «فشلت!» «نعم؛ إنك لم تنجح في ذلك، أليس كذلك؟» «حسنا، أنا لا أعتقد أن هذا صحيح؛ إننا على الأرجح سننجح في ذلك. لقد قابلت لونجوورث وميلفيل، اللذين أتيا لرؤية المنجم، أليس كذلك؟ لقد قابلت لونجوورث في نيويورك، وقال لي إنك قد أخذتهما إلى هناك.» «هل هما مهتمان معكما بأمر المنجم؟» «بالتأكيد؛ إنهما يساعداننا في تأسيس الشركة.»
بدا فون برينت مندهشا. «أنا لم أفهم ذلك على الإطلاق. في الواقع، لقد فهمت العكس تماما. ظننت أنكما قد حاولتما تأسيس الشركة، وفشلتما في ذلك. لقد أراني هجوما في إحدى الصحف المالية عليك، وقال إن هذا قد قضى على فرصكما في تأسيس شركة في لندن. وقد حضرا إلى هنا، على ما يبدو، من أجل مصلحة خاصة بهما.» «ماذا كانت هذه المصلحة؟» «شراء المنجم.» «هل اشترياه؟» «عمليا، نعم. بالطبع، ما دام عقد الخيار الخاص بك ساريا، لا يمكنني بيعه، لكنه، كما تعلم، سينتهي في غضون بضعة أيام.»
بعد أن وجد كينيون أن أسوأ شكوكه قد تحقق، انعقد لسانه من الدهشة، ومن شدة ضيقه انهمرت من جبينه قطرات العرق التي تجمعت هناك.
قال فون برينت: «يبدو أنك قد اندهشت من هذا .» «أنا مندهش بشدة.» «حسنا، أنت لا يمكن أن تلقي باللوم علي. لقد تعاملت بأمانة تامة في هذا الأمر. أنا لم أكن أعرف أن لونجوورث، والرجل الذي كان معه، لهما أي علاقة بك. لقد قالا لي إن ذلك المقال قد جذب انتباههما للمنجم. وقد تفحصاه وبدوا مقتنعين بأن هناك شيئا فيه ... أقصد، في المنجم، وليس في المقال. لقد قالا إنهما قد حضرا اجتماعا قد دعوت أنت له، لكن كان من الواضح للغاية أنك لن تكون قادرا على تأسيس الشركة. لذا، أتيا إلى هنا وقدما لي عرضا بدفع ثمن عقد الخيار الخاص بالمنجم نقدا. ولقد أودعا عشرين ألف جنيه في البنك هنا، وفي يوم انتهاء مدة عقد الخيار، سيعطيانني شيكا بالمبلغ.»
رد كينيون: «أنا الملوم في هذا الأمر.» ثم أضاف: «لقد تعرضت للغش والخداع. لقد كانت لدي شكوك كبيرة في الأمر طوال الوقت، لكنني لم أسع للتأكد من صحتها. لقد كنت جبانا ورعديدا بشدة. لقد تظاهر هذا الرجل الذي يسمى لونجوورث بمساعدتي في تأسيس الشركة. وكل ما فعله كان يهدف لإضاعة الوقت علي. لقد أتى إلى هنا، في الظاهر، من أجل صالح الشركة التي كنت أؤسسها، وقد حصل الآن على عقد الخيار لنفسه.»
رد فون برينت: «نعم، لقد فعل.» ثم أضاف: «دعني أقل إنني أشعر بحزن شديد بالفعل على المسار الذي اتخذته الأمور. بالطبع، وكما قلت لك، أنا لم تكن لدي أدنى فكرة عن حقيقة الوضع. كما ترى، أنت لم تودع لي أي عربون، ويجب أن أهتم بمصلحتي. لكن عقد الخيار ما زال ساريا لبضعة أيام أخرى، ولن أبيع المنجم لهما حتى آخر دقيقة فيه. هل هناك أي فرصة لحصولك على المبلغ قبل هذا الوقت؟» «على الإطلاق.» «حسنا، كما ترى، في هذه الحالة أنا لا حيلة لي. أنا مقيد بوثيقة قانونية لبيع المنجم لهما عند استلام مبلغ عشرين ألف جنيه في اللحظة التي ينتهي فيها عقد الخيار. لقد تم التوثيق القانوني لكل شيء، وأنا لا حيلة لي تماما في الأمر.»
رد جون : «نعم ، أفهم ذلك.» ثم أردف: «وداعا.»
ذهب إلى مكتب التلغراف وأرسل برقية.
تسلم ونتوورث البرقية في لندن في صباح اليوم التالي. وكان نصها:
لقد خدعنا. لقد حصل على عقد الخيار الخاص بالمنجم لنفسه.
الفصل الثالث والثلاثون
عندما تسلم جورج ونتوورث تلك البرقية، قرأها عدة مرات جيدا قبل أن يتجلى له معناها الكامل. ثم أخذ يذرع غرفته ذهابا وإيابا، وأطلق العنان لمشاعره. إن أفضل أصدقائه، الذين حظوا بفرصة الاستماع لجورج وهو غاضب بشدة، أقروا بأن هذا الشاب كانت لديه طلاقة في التعبير تتميز بأنها موجزة على نحو بليغ أكثر من كونها ملائمة. وعندما أصبح المغزى الحقيقي للبرقية واضحا أمامه، تفوق جورج على نفسه في هذه الناحية بالذات. ثم أدرك أنه مهما كانت قدرة هذه اللغة على مواساة رجل غاضب للغاية، فإنها ليست ذات جدوى كبيرة بأي نحو عملي. لذا، أخذ يذرع الغرفة ذهابا وإيابا في صمت، ويسأل نفسه عما يمكنه فعله، وكلما فكر في الأمر، قل احتمال رؤيته لحل. لذا، ارتدى قبعته وذهب إلى الغرفة الأخرى.
وقال لشريكه: «هنري، هل تعرف أحدا يمكنه إقراضي عشرين ألف جنيه؟»
ضحك هنري. إن فكرة قيام شخص بإقراض هذا المبلغ، إلا إذا كانت هناك ضمانة كبيرة جدا، كانت في حد ذاتها مضحكة للغاية.
قال: «هل تريده اليوم؟» «نعم، أريده اليوم.» «حسنا، أنا لا أعرف أي طريقة أفضل لفعل ذلك من أن تخرج إلى الشارع وتسأل أي شخص تقابله إن كان معه هذا المبلغ. أنت بالتأكيد ستصادف أشخاصا معهم أكثر من عشرين ألف جنيه بكثير، وربما أحدهم، بعد أن يعجب بمظهرك الرزين في تلك اللحظة، سيعطيك المبلغ. لكنني أعتقد، يا جورج، أنك ستنجح في مسعاك أكثر إن قابلت صاحب رأس المال في حارة منعزلة في إحدى الليالي المظلمة، واصطحبت معك عصا قوية.»
رد جورج: «أنت على حق.» ثم أضاف: «بالطبع، إن احتمال صعودي للقمر يتساوى مع احتمال حصولي على هذا المبلغ من المال في غضون وقت قصير.» «نعم، أو أيضا في غضون وقت طويل، بحسب اعتقادي . أعرف الكثير من الأشخاص الذين لديهم أموال، لكنني لن آخذ على عاتقي طلب هذا المبلغ منهم، وأعتقد أنك لن تفعل. ومع ذلك، إن السبيل الوحيد المتاح أمامك هو المحاولة. إن من يحاول قد ينجح، لكن لا يمكن لأحد أن ينجح دون أن يحاول. لماذا لا تذهب للونجوورث العجوز؟ إنه يمكن أن يقرضك المبلغ في لحظة إن أراد أن يفعل هذا. إنه يعرفك. ما الضمانة التي لديك؟ ما الذي ستفعله به؛ ذلك المنجم السرمدي الخاص بك؟» «نعم، هذا «المنجم السرمدي»؛ أريده أن يكون ملكي. هذا ما أريد العشرين ألف جنيه من أجله.» «حسنا، يا جورج، أنا لا أرى أن هناك أملا كبيرا أمامك. أنت لم تتحدث مع لونجوورث العجوز بشأن هذا الأمر، أليس كذلك؟ إنه لم يكن من ضمن الأشخاص الذين أردت انضمامهم لهذه الشركة، أليس كذلك؟» «نعم، إنه لم يكن كذلك. أتمنى لو كان كذلك. إنه كان سيتعامل معنا على نحو أفضل مما فعل ابن أخيه الوغد.» «آه، إن هذا الشاب الذي لا غبار عليه كان يمارس عليك بعض ألاعيب الخداع، أليس كذلك؟» «لقد خدعني في شيء واحد، وكان ذلك كافيا.» «حسنا، لماذا لا تذهب وتقابل الرجل العجوز، وتكشف الأمر أمامه؟ إنه يعامل ابن عمه كما لو كان ابنه. إن أي شخص سيفعل الكثير من أجل ابنه، وربما يفعل لونجوورث العجوز شيئا من أجل ابن أخيه.» «نعم، لكن يجب علي أن أوضح له أن ابن أخيه نذل.» «رائع للغاية؛ هذا بالضبط هو نوع التوضيح الذي سيجعلك تحصل على العشرين ألف جنيه. إن كان ابن أخيه نذلا بحق، ويمكنك إثبات هذا، فأنت لن تحتاج إلى حجة أفضل من ذلك للحصول على أموال الرجل العجوز.»
رد ونتوورث: «يا إلهي! أعتقد أنني سأقوم بتلك المحاولة. أريد أن أجعله يعرف، على أي حال، حقيقة ابن أخيه. سأذهب لمقابلته.»
قال الآخر، وقد عاد إلى عمله: «وأنا أيضا أريد ذلك.»
وهكذا، ذهب جورج ونتوورث، بعد أن وضع البرقية في جيبه، لمقابلة السيد لونجوورث العجوز وكان في حالة مزاجية ليس من المفترض أن يقابل فيها أحدا. إنه لم ينتظر أن يؤذن له بالدخول، لكنه سار، لدهشة موظف الاستقبال، مباشرة إلى غرفة السيد لونجوورث. ووجد الرجل العجوز جالسا على مكتبه.
قال رجل المال بحرارة: «طاب يومك، سيد ونتوورث.»
رد جورج بإيجاز: «طاب يومك.» ثم أردف: «لقد جئت لأقرأ عليك إحدى البرقيات، أو أجعلك تقرؤها.»
ألقى الورقة أمام الرجل العجوز، الذي عدل نظارته على عينيه، ثم قرأها. ثم نظر مستفسرا إلى ونتوورث.
قال الآخر: «أنت لم تفهمها، أليس كذلك؟» «أقر أنني لم أفهمها. إن لونجوورث المذكور في تلك البرقية ليس أنا، أليس كذلك؟» «نعم، إنه ليس أنت، بل أحد أفراد عائلتك. إن ابن أخيك، ويليام لونجوورث، نذل!»
رد الرجل العجوز، وهو يضع البرقية على المكتب ثانية ويخلع نظارته: «آه! هل أتيت لتقول لي هذا؟» «نعم، هذا صحيح. هل كنت تعرف هذا من قبل؟»
أجاب الرجل العجوز، وقد بدأ وجهه يتورد: «لا، لم أفعل؛ وأنا لا أعتقد ذلك الآن. ما أعرفه هو أنك قلت هذا، وأرى أنه من المحتمل للغاية أنك ستود الرجوع فيما قلته. إنني على الأقل سأعطيك الفرصة كي تفعل هذا.» «أنا لن أرجع فيما قلته، يا سيد لونجوورث، وسأثبته لك. إن ابن أخيك دخل في شراكة معي أنا وصديقي كينيون كي نطرح أحد المناجم الكندية للبيع في سوق لندن.»
قاطعه الرجل العجوز: «سيدي العزيز، أنا ليست لدي أي رغبة في سماع أي شيء عن مضاربات ابن أخي الخاصة؛ أنا ليست لي أي علاقة بها. أنا ليست لي أي علاقة بمنجمك. إن الأمر ليست له أي أهمية على الإطلاق بالنسبة إلي، ويجب أن أرفض سماع أي شيء بشأنه. أنت، أيضا، إذا سمحت لي بأن أقول هذا، لست في حالة مزاجية تسمح لك بالحديث مع أي شخص. إن أردت أن تأتي إلى هنا مرة أخرى عندما تصبح أكثر هدوءا، فسأكون مسرورا للغاية لسماع ما تود قوله.» «أنا لن أكون أكثر هدوءا أبدا بشأن هذا الموضوع. لقد قلت لك إن ابن أخيك نذل. أنت تريد إنكار هذا الاتهام.» «أنا لا أنكره؛ لقد قلت فقط إنني لا أعلم ما الأمر، وأنا لا أصدق ما تقول، هذا كل ما في الأمر.» «رائع جدا؛ عندما أبدأ في تقديم الدليل على أن الأمور كما أقول ...»
صاح الرجل العجوز، ببعض الغضب: «سيدي العزيز، إنك لا تقدم لي أي دليل. إنك تقدم فقط ادعاءات، وهي ادعاءات عن رجل غائب عن مجلسنا ... إنه ليس موجودا هنا حتى يمكنه الدفاع عن نفسه. إن كان لديك أي شيء ضد ويليام لونجوورث، فتعال وقله عندما يكون موجودا هنا، وهو سيدافع عن نفسه. إنه لجبن منك، وتصرف حقير في حقي، أن توجه عددا من الاتهامات لن أكون بأي نحو قادرا على الرد عليها.» «ألن تستمع لما علي قوله؟» «نعم؛ لن أفعل.» «إذن، والله، ستفعل!» وهنا، أسرع ونتوورث إلى الباب، وأدار المفتاح، بينما قام الرجل العجوز من كرسيه وواجه الآخر. «هل تقصد تهديدي، يا سيدي، في مكتبي؟» «أقصد القول، يا سيد لونجوورث، إنني قد ذكرت أمرا وسأسعى لإثباته لك. أقصد أنك ستستمع إلي، وستستمع إلي الآن!» «وأنا أقول لك، إن كان لديك أي اتهام ضد ابن أخي، إن عليك أن تأتي وتقوله بينما هو موجود هنا.» «عندما يكون موجودا هنا، سيد لونجوورث، سيكون قد فات أوان قوله؛ في الوقت الحاضر، يمكنك إصلاح الضرر الذي تسبب فيه. أما عندما يعود إلى إنجلترا، فلن يمكنك فعل هذا، بغض النظر عن مدى رغبتك في القيام بالأمر.»
وقف الرجل العجوز في حيرة للحظة، ثم جلس في كرسيه ثانية.
ثم قال متنهدا: «حسنا جدا؛ أنا لست مستعدا للمقاومة كما كنت من قبل. اسرد لي قصتك.»
رد ونتوورث: «قصتي قصيرة جدا؛ إنها ببساطة كالتالي: هل تعرف أن ابن أخيك قد دخل في شراكة معنا فيما يتعلق بالمنجم الكندي؟»
أجاب السيد لونجوورث: «لقد قلت لك إنني لا أعرف أي شيء عن هذا.» «رائع جدا، ها أنت قد عرفت الآن.» «أنا أعرف أنك قلت هذا.» «هل تشك فيما أقول؟» «سأرد عليك على نحو أكثر تحديدا عندما أسمع ما تريد قوله. تفضل.» «حسنا، ابن أخيك، بعد أن تظاهر بأنه يساعدنا في تأسيس هذه الشركة، فعل كل ما يمكن لإعاقة تقدمنا. لقد أجر مقرا استغرق وقتا طويلا في تجهيزه، وكان علينا في النهاية تولي أمره بأنفسنا. ثم سافر لمدة أسبوع، دون أن يترك لنا عنوانه، ورفض الرد على الرسائل التي أرسلتها له على مكتبه. وبذريعة أو بأخرى، تأخر تأسيس الشركة؛ حتى في نهاية المطاف، عندما بقي على انتهاء مدة عقد الخيار الذي لدى السيد كينيون على المنجم أقل من شهر، ذهب ابن أخيك لأمريكا بصحبة السيد ميلفيل، ظاهريا لرؤية المنجم وكتابة تقرير عنه. وبعد انتظار دام لمدة طويلة من الوقت وعدم سماع أي شيء منه (لقد وعدنا بإرسال برقية لنا)، ذهب كينيون إلى أمريكا لتجديد عقد الخيار. تلك البرقية توضح مدى نجاحه في مهمته. لقد وجد، لدى ذهابه إلى هناك، أن ابن أخيك قد حصل لنفسه على عقد خيار على المنجم، وكما يقول كينيون، لقد خدعنا. والآن، هل لديك أي شك في أن ابن أخيك نذل؟»
فكر السيد لونجوورث لبضع لحظات فيما قاله له الشاب. «إن كان ما قلته صحيحا تماما، فلا يوجد شك في أن ويليام متهم بالقيام بممارسة غير شريفة.»
صاح الآخر: «ممارسة غير شريفة!» ثم أردف: «من الأحرى أن تقول عنها إنها ممارسة غير شريفة تقوم على السرقة!» «سيدي العزيز، لقد استمعت إليك؛ والآن، أطلب منك الاستماع إلي. إن، كما قلت، كان ما قلته صحيحا، فإن ابن أخي قد ارتكب فعلا أرى أن أي رجل شريف ما كان سيفعله؛ لكنني لا يمكنني الحكم على هذا حتى أسمع جانبه من القصة. قد يغير هذا من ملامح الأمر، وأنا لا أشك أنه سيفعل هذا؛ لكن حتى مع التسليم بصحة روايتك من كافة الأوجه، ماذا علي فعله بشأن الأمر؟ أنا لست مسئولا عن أفعال ابن أخي. يبدو أنه قد دخل في علاقة عمل مع شابين، وقد فاقهما ذكاء. هذا على الأرجح ما سيقوله الجميع عن الأمر. وربما، كما قلت، هو متهم بالقيام بشيء أسوأ، وقد خدع شريكيه. لكن حتى مع التسليم بصحة كل ما قلته، أنا لا أرى بأي نحو كيف أنني مسئول عن الأمر.» «قانونا، أنت لست مسئولا؛ أما أدبيا، فأعتقد أنك كذلك.» «لماذا؟» «إن كان ابنك ...» «لكنه ليس ابني؛ إنه ابن أخي.» «إن ارتكب ابنك جريمة سرقة، ألن تفعل كل ما في وسعك لتصلح الضرر الذي تسبب فيه؟» «قد أفعل، وقد لا أفعل. بعض الآباء يدفعون ديون أبنائهم؛ والبعض الآخر لا. أنا لا يمكنني تحديد الإجراء الذي علي اتخاذه في حالة متخيلة بالكامل.» «رائع جدا؛ كل ما أود قوله هو أن عقد الخيار ستنتهي مدته في غضون يومين أو ثلاثة. إن دفع عشرين ألف جنيه سيضمن امتلاكنا للمنجم. أريد الحصول على هذا المبلغ قبل أن تنتهي مدة العقد.» «وهل تتوقع مني أن أدفع لك عشرين ألف جنيه من أجل هذا؟» «نعم، أتوقع هذا.»
أسند لونجوورث العجوز ظهره إلى كرسي مكتبه، ونظر إلى الشاب باندهاش. «عندما أرى أنك، وأنت أحد رجال حي السيتي، قد أتيت إلي، وأنا أيضا أحد رجال هذا الحي، وفي ذهنك تلك الفكرة السخيفة، أجد الأمر غريبا.» «إذن سمعة عائلة لونجوورث لا تعني شيئا لك؛ أنا أقصد، السمعة الطيبة؟» «السمعة الطيبة لعائلة لونجوورث، يا سيدي العزيز، أهم شيء بالنسبة إلي؛ لكنني أعتقد أنها ستعتني بنفسها دون أن تحتاج إلى أي مساعدة من جانبك.»
ساد الصمت لبضع لحظات. ثم قال ونتوورث، بصوت فيه حزن مكتوم: «أعتقد، يا سيد لونجوورث، أن أحد أفراد أسرتك نذل؛ وأنا الآن أود القول إنني أرى أن الصفة تمتد من ابن الأخ لتشمل العم. أنت لديك فرصة لإصلاح الضرر الذي أحدثه أحد أفراد أسرتك. لقد رددت علي باحتقار. ولم تبد أي إشارة لرغبتك في تقديم أي تعويض.»
ثم فتح الباب.
قال السيد لونجوورث العجوز، وهو يقوم: «أنا لا أصدق ما تقول، هذا يكفي، هذا يكفي، يا سيد ونتوورث.» ثم ضغط على جرس كهربي، وعندما جاء موظف الاستقبال، قال له: «أوصل هذا الرجل إلى الباب، من فضلك، وإن جاء إلى هنا ثانية، لا تسمح له بالدخول.»
وهكذا، اصطحب موظف الاستقبال جورج ونتوورث، وهو يقبض يديه من الغضب، إلى الباب. وقد قضى بقية اليوم يفكر في حقيقة أن الرجل الغاضب نادرا ما يحقق هدفه.
الفصل الرابع والثلاثون
أفسد اللقاء العاصف الذي جرى بين ونتوورث والسيد لونجوورث الهدوء المعتاد للأخير. ورجع في تلك الليلة إلى المنزل في وقت أبكر من المعتاد بالنسبة إليه، وكلما فكر في الواقعة التي تعرض لها، بدت غير مبررة. أخذ يتساءل عما فعله ابن أخيه بالفعل، وحاول تذكر الاتهامات التي وجهها إليه ونتوورث. لم يستطع تذكر الأمر؛ نظرا إلى أن الأجزاء التي كانت تثير غضبه أكثر من اللقاء قد جعلت الاتهامات تتبخر من عقله. لكن بقي هناك استياء مرير من ونتوورث. راجع السيد لونجوورث نفسه ليرى إن كان من الممكن أن يلام في أي شيء، لكنه لم يجد أي شيء في تعاملاته مع هذا الشاب يمكن أن يجعله يشعر بأي نحو أنه مسئول عن الكارثة التي حلت بونتوورث وصديقه. ولقد قرأ صحيفته المسائية المفضلة باهتمام أقل من المعتاد؛ إذ كانت الواقعة التي جرت في مكتبه تأتي على باله من آن لآخر. وفي النهاية، قال بحدة: «إديث!»
ردت ابنته: «نعم، يا أبي.» «هل تتذكرين ذلك الشخص الذي يسمى ونتوورث، هذا الذي دعوته للحضور إلى هنا في مساء اليوم الذي سافر فيه ويليام؟» «نعم. يا أبي.» «رائع جدا. لا تدعيه لهذا المنزل مرة ثانية.»
سألت الفتاة بصوت منزعج بعض الشيء: «ما الذي فعله؟»
استمر أبوها في حديثه، متجاهلا سؤالها: «وأود أيضا ألا تدعي أبدا أي شخص قريب منه؛ ذلك الشخص الذي يدعى كينيون، على سبيل المثال.»
ردت: «أعتقد أن السيد كينيون ليس موجودا في هذا البلد حاليا.» «إنه كذلك، لكنه سيعود ثانية، على ما أعتقد. على أي حال، أود ألا تكون لنا أي علاقة بهؤلاء الأشخاص. أتفهمين هذا؟» «نعم، يا أبي.»
استمر السيد لونجوورث في قراءته . رأت إديث أن أباها متضايق بشدة، وكانت متلهفة لمعرفة السبب، لكنها كانت على دراية كافية بالطبيعة البشرية بحيث تدرك أنه في غضون وقت قصير سينهي قلقها. لقد بدا ثانية أنه يحاول تركيز انتباهه على الصحيفة. وبعد مدة، ألقاها، والتفت إليها.
وقال بمرارة: «هذا الرجل الذي يدعى ونتوورث تصرف معي اليوم في مكتبي على نحو غير مبرر على الإطلاق. يبدو أن ويليام وهو وكينيون قد اشتركوا معا في مشروع خاص بأحد المناجم. لم أكن أعرف شيئا عن مسعاهم، ولم تتم حتى استشارتي بشأنه. والآن، يبدو أن ويليام قد ذهب إلى أمريكا وفعل شيئا يعتبره ونتوورث تصرفا أضر بهما. لقد أتى إلي ونتوورث، وطلب مني عشرين ألف جنيه - وهو أغرب شيء سمعته على الإطلاق - وقال إنني علي دفعه له لأحافظ على السمعة الطيبة لعائلة لونجوورث. كما لو أن السمعة الطيبة للعائلة تعتمد عليه أو أي شخص مثله! لقد طردته من المكتب.»
لم تجب إديث لبضع لحظات، بينما عبر أبوها عن استيائه بعبارات حادة لا حاجة إلى ذكرها هنا.
قالت بعد فترة: «هل ذكر كيف أضر ويليام بهما؟» «أنا لا أتذكر الآن ما قاله بالضبط. أتذكر أنني قد أخبرته بأن يأتي ثانية عندما يكون ابن أخي موجودا، ويوجه اتهاماته إليه إن أراد فعل هذا. هذا ليس معناه أنني أقر بأن لي أي علاقة على الإطلاق بالأمر، لكنني ببساطة رفضت الاستماع لاتهامات موجهة إلى إنسان غير موجود معنا. أنا لم أبد أي انتباه لها.»
ردت إديث: «هذا بالتأكيد كان منطقيا.» ثم أردفت: «ما كان رده على هذا؟» «أوه، لقد أساء إلي، وإلى ويليام، وتجاوز الحد بشدة حتى اضطررت إلى طرده من المكتب.» «ما الذي قاله عن مقابلة ويليام لدى عودته، وتوجيه الاتهامات إليه حينها؟» «ما الذي قاله؟ أنا لا أتذكر. أوه، نعم! لقد قال إن أوان القول سيكون قد فات حينها؛ وإنه يتبقى فقط بضعة أيام على العمل الذي عليهما القيام به، وهذا ما جعله يطلب العشرين ألف جنيه. إن دفعي هذا المبلغ كان سيدفع الضرر، أيا كان، الذي تسبب فيه ويليام. أرى الأمر ببساطة باعتباره محاولة ابتزاز من جانبه، وأنا مندهش من محاولة شخص ينتمي لشركة جيدة جدا مثل شركته ممارسة هذه اللعبة علي. سأتحدث غدا مع شريكه الأكبر عن الأمر، وإن لم يجعل هذا الشاب يعتذر بندم شديد، فسيكون هو الخاسر، يمكنني إخباره بهذا.» «لن أفكر ثانية في الأمر، يا أبي، لو كنت مكانك. لا تدع الأمر يضايقك على الإطلاق.» «أوه، إنه لا يضايقني، لكن الشباب هذه الأيام يبدو أنهم يعتقدون أن بإمكانهم قول أي شيء لمن هم أكبر منهم.»
ردت: «أقصد أنني ما كنت سأذهب لشريكه في اليوم التالي أو الذي يليه. انتظر وانظر كيف ستسير الأمور. أنا ليس لدي شك أنه، عندما يفكر في الأمر، سيشعر بالخزي الشديد من نفسه.» «حسنا، أتمنى ذلك.» «إذن أعطه الفرصة كي يشعر بالخزي من نفسه، ولا تأخذ أي خطوات أخرى في الوقت الحاضر.»
ذهبت إديث بعد ذلك بوقت قصير إلى غرفتها؛ وهناك، وهي تشبك يديها خلف ظهرها، أخذت تسير جيئة وذهابا وهي تفكر، بقلب مهموم بشدة، فيما سمعته. كان تصورها للواقعة مختلفا تماما عن ذلك الذي كان لدى أبيها. لقد كانت متأكدة أن ابن عمها قد قام بشيء شائن. إنها كانت لمدة طويلة تشك في الصداقة المزعومة بينه وبين الشابين، وهي الآن تصورت جون كينيون في أدغال كندا وهو محبط وقليل الحيلة بسبب الخداع الشديد الذي تعرض له. ولم تذهب إلى النوم إلا في ساعة متأخرة جدا من الليل، واستيقظت في وقت مبكر جدا من صباح اليوم التالي. كان أبوها مبتهجا ورائقا على الإفطار، وقد نسي على ما يبدو كل شيء عن الواقعة المؤلمة التي حدثت في اليوم السابق. إن النوم الجيد بالليل قد محاها من ذاكرته. كانت إديث سعيدة لهذا، ولم تذكر الموضوع. وبعد أن ذهب لعمله، أعدت ابنته نفسها لتتبعه. لم تأخذ عربتها، لكنها استأجرت عربة أجرة تجرها الخيول، وأعطت السائق رقم البناية التي يوجد بها مكتب ونتوورث. اندهش هذا الشاب على ما يبدو بعض الشيء لرؤيتها. لقد كان يحاول أن يكتب لكينيون عما حدث في لقائه مع السيد لونجوورث العجوز؛ لكن بعد أن انتهى، اعتقد أن جون كينيون ما كان سيعجبه ما فعله؛ لذا، كان قد مزق لتوه الرسالة.
قال، وهو يدفع كرسيا ذا ذراعين إلى المكان المناسب: «تفضلي هذا الكرسي.» ثم أردف: «إنه الكرسي المريح الوحيد الذي لدينا في الغرفة.»
ردت الآنسة لونجوورث: «الراحة ليست مهمة.» ثم أضافت: «لقد أتيت لأراك بشأن منجم الميكا. ماذا فعل ابن عمي؟» «كيف عرفت أنه قد فعل أي شيء؟» «هذا غير مهم. لقد عرفت. أخبرني بأقصى سرعتك ماذا فعل.»
قال: «إنها ليست قصة لطيفة للغاية بحيث يكون من المناسب سردها على مسامع فتاة عن أحد أقاربها.» «لا عليك من هذا. أخبرني بالأمر.» «رائع للغاية، لقد فعل ما يلي: لقد تظاهر بأنه صديقنا، وتعهد بمساعدتنا في تأسيس هذه الشركة. وقد أخرنا بكل الطرق التي في استطاعته حتى أصبحت مدة عقد الخيار على وشك الانتهاء. ثم ذهب إلى كندا وحصل لنفسه، ولرجل يدعى ميلفيل، على عقد الخيار الخاص بالمنجم عندما تنتهي مدة عقد جون كينيون؛ أي غدا في الساعة الثانية عشرة، عندما تنتهي مدة عقد كينيون، سيدفع ابن عمك المال ويمتلك المنجم؛ وحينها، بالطبع، سأكون أنا وكينيون خارج الأمر. أنا لا تهمني الخسارة على الإطلاق - أنا لن أتوانى عن إعطاء كينيون نصيبي - أما بالنسبة إلى جون، فهذه ضربة موجعة. لقد كان ينتظر الحصول على المال ليدفع الدين الذي يرى أنه يدين به لأبيه فيما يتعلق بمصاريف تعليمه. إنه يدعوه دين شرف، رغم أنه ليس كذلك بالمعنى العادي للكلمتين. لذا، بدا لي أنه من المريع أن ...» هنا توقف عن الكلام ولم يسهب فيه. لاحظ أن هناك دموعا في عيني الفتاة التي كان يتحدث إليها. ثم أضاف: «إنه لمن القسوة أن أخبرك بكل هذا. أنت لا يمكن أن يلقى عليك بأي لوم، ولا على أبيك كذلك، على الرغم من أنني تحدثت إليه بأسلوب غاضب أمس.» «متى قلت إن عقد الخيار سينتهي؟» «في الساعة الثانية عشرة غدا.» «ما المبلغ المطلوب لشراء المنجم؟» «عشرون ألف جنيه.» «هل يمكن إرسال المال إلى كندا عن طريق الإبراق؟» «نعم، أعتقد هذا.» «ألست متأكدا تماما من هذا؟» «نعم، لست متأكدا. إنه يمكن إرساله بالإبراق في هذا البلد، وفي أمريكا.» «كم من الوقت ستستغرق لتتأكد من هذا؟» «فقط بضع لحظات.» «رائع جدا. أين السيد كينيون الآن؟» «كينيون في أوتاوا. لقد وصلتني برقية منه أمس.» «إذن، هلا تكتب برقية، يمكن إرسالها على الفور، تطلب منه فيها الانتظار في مكتب التلغراف حتى يحصل على رسالة أخرى منك؟» «نعم، يمكنني فعل هذا؛ لكن ما جدوى هذا؟» «لا تهتم؛ ربما لن تكون له أي جدوى. سأحاول جعله ذا جدوى. وفي غضون ذلك، ضع في اعتبارك، في حالة نجاحي في مسعاي، أن جون كينيون يجب ألا يعرف أبدا تفاصيل هذا الأمر.» «إنه لن يعرف أبدا ... إن أردت هذا.» «إنني أريد هذا بالفعل. والآن، هناك فرق ست ساعات بين بلدنا وكندا، أليس كذلك؟» «تقريبا هكذا، على ما أعتقد.» «رائع جدا؛ أرسل على الفور البرقية له، واطلب منه أن يرد عليك، حتى نتأكد من أنه هناك في المكان المحدد. ثم اسأل عن مسألة إرسال المال بالإبراق. سأعود إلى هنا، كما أعتقد، بأسرع ما يمكن.»
وهنا، غادرت المكتب، وركبت عربة الأجرة الخاصة بها، وذهبت إلى مقر العمل الخاص بأبيها.
قال الرجل العجوز، وهو يدفع نظارته إلى جبينه وينظر إليها: «حسنا، يا فتاتي، ما الأمر ... مغامرة جديدة؟» «نعم، يا أبي، مغامرة جديدة.»
كان من الواضح أن ابنته كانت منفعلة، وكانت أنفاسها متلاحقة. أغلقت الباب، وجلست على كرسي مقابل لكرسي أبيها.
ثم قالت: «أبي، أنا مساعدتك، كما تدعوني، منذ مدة طويلة.» «نعم، إنك كذلك. هل ستضربين عن العمل حتى تحصلي على زيادة في الراتب؟»
ردت بجدية، دون أن تنتبه إلى نبرة المزاح التي كانت في صوته: «أبي، هذا أمر جاد للغاية. أريدك أن تعطيني بعض المال من أجل أن أضارب به.» «سأفعل هذا بكل سرور . كم تريدين؟»
أدار الرجل العجوز كرسيه وأخرج دفتر شيكاته.
ردت: «أريد ثلاثين ألف جنيه.»
استدار السيد لونجوورث بسرعة بكرسيه ونظر إليها باندهاش. «ثلاثين ألف ماذا؟» «ثلاثين ألف جنيه، يا أبي؛ وأريدها الآن.»
قال محتجا: «فتاتي العزيزة، هل تقدرين حجم مبلغ الثلاثين ألف جنيه؟ هل تعلمين أن هذا المبلغ يعد بمنزلة ثروة ضخمة؟» «نعم، أعلم هذا.» «هل تعلمين أنه لا يوجد أحد من بين التجار العشرين الأغنى في لندن يمكنه في غضون وقت قصير توفير سيولة قدرها ثلاثون ألف جنيه؟» «نعم، أعتقد أن هذا صحيح. هل لديك هذه السيولة؟» «نعم، لدي. يمكنني كتابة شيك بالمبلغ، وسيجري قبوله وصرفه على الفور؛ لكنني لا يمكنني إعطاؤك مثل هذا المبلغ الكبير دون معرفة ما الذي ستفعلينه به.» «وماذا، يا أبي، لو لم توافق على ما سأفعله به؟» «هذا سبب أدعى، يا عزيزتي، لضرورة معرفتي بالأمر.» «إذن، يا أبي، أعتقد أنك تقصد أن أي خدمات قد قدمتها لك، وأي راحة قد وفرتها لك، وما مثلته بالنسبة إليك طوال حياتي، لا تساوي ثلاثين ألف جنيه؟» «لا يجب أن تتحدثي هكذا، يا ابنتي. كل ما أمتلكه ملكك، أو سيكون ملكك، عندما أموت. أنا أعمل من أجلك؛ إنني أجمع المال من أجلك. إنك ستستحوذين على كل ما أملك في اللحظة التي سأتقاعد فيها عن العمل.»
قالت الفتاة، وهي تقف أمامه: «أبي! أنا لا أريد أموالك عندما تموت. أنا لا أريدك أن تموت، كما تعلم؛ لكنني أريد ثلاثين ألف جنيه اليوم، والآن. إنني أريدها أكثر من أي شيء أردته من قبل في حياتي، أو سأريده بعد ذلك. هلا تعطيني إياها؟» «لا؛ أنا لن أفعل، إلا إذا أخبرتني بما ستفعلينه بها.» «إذن، يا أبي، يمكن أن تترك مالك لابن أخيك عندما تموت؛ أنا لن أمس أبدا بنسا منه. والآن، دعني أودعك. سأخرج من هذه الغرفة وأكسب عيشي بنفسي.»
وهنا، استدارت الفتاة كي تخرج، لكن والدها، بخفة لم يكن لأحد أن يتوقعها من شخص في سنه، اندفع إلى الباب ونظر إليها باندهاش . «إديث، يا عزيزتي، أنت لم تتحدثي إلي بهذه الطريقة من قبل في حياتك. ما بك؟» «لا شيء، يا أبي، فيما عدا أنني أريد شيكا بثلاثين ألف جنيه، وأريده الآن.» «وهل تقصدين القول بأنك ستتركينني إن لم أعطك إياه؟» «هل رجعت قط في كلمة قلتها، يا أبي؟» «مطلقا، يا ابنتي، على ما أتذكر.» «إذن، تذكر أنني ابنتك. لقد قلت إنك إن لم تعطني هذا المبلغ الآن فإنني لن أدخل أبدا منزلنا ثانية.» «لكن ثلاثين ألف جنيه مبلغ ضخم. تذكري، أنني أيضا قلت إنني لن أعطيك المال ما لم تخبريني بما ستفعلينه به.» «رائع جدا، يا أبي، سأخبرك بما سأفعله به عندما تسألني. لكنني أنصحك بألا تسألني، وأنصحك بأن تعطيني المال. وستتم إعادته لك إن أردته.» «أوه، أنا لا أهتم بالمبلغ على الإطلاق، يا إديث. أنا فقط، بالطبع، لا أريده أن يضيع هباء.» «أولا تثق، يا أبي، في حكمي على الأمور؟» «حسنا، أنت تعرفين أنني ليست لدي ثقة كبيرة في حكمة أي امرأة، في مسألة استثمار الأموال.» «ثق بي هذه المرة، يا أبي. لن أطلب منك أبدا أي مال آخر.»
ذهب الرجل العجوز ببطء إلى مكتبه، وكتب شيكا، وأعطاه لابنته. لقد كان بمبلغ ثلاثين ألف جنيه.
الفصل الخامس والثلاثون
ركبت إديث لونجوورث، ومعها تلك الورقة الغالية في جيبها، مرة أخرى عربتها ذات الخيول، وذهبت إلى مكتب ونتوورث. مرة أخرى، جلست على الكرسي المريح الوحيد الموجود في الغرفة. وكان وجهها تبدو عليه الجدية الشديدة، وقال ونتوورث، في اللحظة التي رآها فيها، لنفسه: «لقد فشلت في مهمتها.»
سألته: «هل أرسلت البرقية للسيد كينيون؟» «نعم.» «هل تأكدت من قيامك بتوضيح المراد منه جيدا؟ البرقيات تميل إلى أن تكون موجزة إلى حد كبير.» «لقد أخبرته بأن يبقى على تواصل معنا. ها هي نسخة من البرقية.»
قرأت الآنسة لونجوورث البرقية باستحسان، لكنها قالت: «لكنك لم تكتب كلمة «رد».» «لا؛ لكنني ذكرتها في البرقية العاجلة التي أرسلتها. لقد تذكرت هذا الآن.» «ألم تتلق بعد ردا منه؟» «أوه لا ؛ كما ترين، إنها تأخذ وقتا طويلا حتى تصل إلى هناك؛ لأن هناك الكثير جدا من التغييرات من نهاية كابل التلغراف وحتى المكتب الموجود فيه كينيون. ثم، أيضا، كما ترين، ربما يكون عليهم أن يبحثوا عنه. إنه ربما لا يتوقع وصول برقيات إليه؛ في الواقع، من المؤكد أنه لا يتوقع وصول أي منها. ومن خلال برقيته التي أرسلها لي، من الواضح تماما أن اليأس تملك منه بشدة.» «أرني تلك البرقية، من فضلك.»
تردد ونتوورث في فعل هذا.
وقال: «إنها مكتوبة بلغة لن تعجبك على الإطلاق.» «هذا لا يهم. أرني إياها. يجب أن أرى كل المستندات الخاصة بالأمر.»
أعطاها الورقة، التي قرأتها في صمت، وأعادتها إليه دون أن تنبس ببنت شفة.
قال: «كنت أعرف أنها لن تعجبك.» «أنا لم أقل إنها لم تعجبني. إن لغتها لم تكن على الإطلاق حادة جدا في ظل الظروف المكتوبة فيها. في الواقع، أنا لا أتصور أنه كان يمكن أن يكتبها بطريقة أخرى غير تلك. إنها موجزة وفي صميم الموضوع للغاية.» «نعم؛ لا يوجد أي شك في هذا، خاصة أول كلمتين فيها: «لقد خدعنا.» إن هاتين الكلمتين هما ما جعلاني أعتقد أن كينيون قد يئس تماما؛ لذا، قد تكون هناك بعض الصعوبة في إيجاده.» «هل علمت ما إذا كان المال يمكن إرساله بالإبراق أو لا؟» «أوه، نعم؛ لا توجد أدنى صعوبة في ذلك. سيودع المال في بنك هنا، وسينقل لكينيون في البنك في أوتاوا.»
قالت الآنسة لونجوورث، وهي تعطيه الشيك: «رائع جدا، إذن، ها هو المال.»
أطلق ونتوورث صافرة طويلة بينما كان ينظر إليه. ثم قال: «اغفري لي وقاحتي؛ فأنا لا أرى ورقة مثل هذه كل يوم. هل تريدين، إذن، شراء المنجم؟» «نعم، أريد شراء المنجم.» «رائع جدا؛ لكن هناك عشرة آلاف جنيه هنا زائدة عن المطلوب.» «نعم. أنا لا أريد شراء المنجم فقط، بل جعله يعمل أيضا؛ ولذا، ستكون هناك حاجة إلى بعض رأس المال العامل. ما مقداره بحسب اعتقادك؟»
رد ونتوورث: «أنا ليست لدي أي فكرة عن هذا.» ثم أضاف: «أعتقد أن خمسة آلاف جنيه ستكون كافية.» «إذن، سنترك خمسة آلاف جنيه في البنك هنا لأي طارئ، ونرسل الخمسة والعشرين ألف جنيه للسيد كينيون. أتوقع منه أن يحضر لي شخصا خبيرا لإدارة المنجم. أنا متأكدة أنه سيكون مسرورا لفعل ذلك.» «إنه بالتأكيد سيكون كذلك. إن جون كينيون، بعد أن يرى أن المنجم لم يؤل للشخصين اللذين حاولا خداعه، سيكون على استعداد لفعل أي شيء من أجل مالكه الجديد. إنه لن يهمه على الإطلاق فقد ماله إن عرف أنك قد امتلكت المنجم.» «آه، لكن هذا هو الشيء الوحيد الذي يجب ألا يعرفه. أما فيما يتعلق بفقد المال، فلا أنت ولا السيد كينيون ستفقدان أي بنس. إن كان المنجم كما تعتقدان، فسيكون استثمارا مربحا بشدة؛ وأنوي أن يحصل كل منا على نصيب الثلث، كما لو كنت قد أسهمت أنت بثلث المبلغ والسيد كينيون بالثلث الآخر.» «لكن، يا عزيزتي آنسة لونجوورث، هذا غير معقول. نحن لا يمكننا أبدا قبول هذا.» «أوه لا، بل يمكنكما فعل هذا. لقد تحدثت إلى جون كينيون نفسه بشأن أن أصبح شريكة في هذا المنجم. أخشى أنه لم يهتم كثيرا بالعرض في ذلك الوقت. أنا لا أريد أن أجعله يعلم أي شيء على الإطلاق عن ملكيتي للمنجم الآن. لقد اكتشف المنجم؛ أقصد أنت وهو معا. إن لم يكن ذا قيمة، فستكون أنت وهو اثنين من الخاسرين؛ وإن كان تماما كما تعتقدان، إذن فستكونان الرابحين. العامل مستحق أجرته، وأنا متأكدة أنك أنت والسيد كينيون قد عملتما بكد بالقدر الكافي في هذا المشروع. لو عرف أنني قد اشتريته، فالاحتمال الأكبر أن ضميره لن يقبل بهذا وسيتصرف بعناد وحمق، وسيرفض أن يجني ثمار عمله.» «وهل تعتقدين، يا آنسة لونجوورث، أن ضميري سيسمح لي بقبول هذا؟» «أوه، لا؛ إن ضميرك حي، لكنك عقلاني. أما السيد كينيون، فليس كذلك.» «أعتقد أنك مخطئة في هذا. إنه أحد أكثر الرجال عقلانية في العالم؛ ربما هو عقلاني على نحو مبالغ فيه .» «حسنا ، أعتقد أن السيد كينيون لو عرف أنني امتلكت المنجم، فلن يأخذ بنسا واحدا كنصيب له. لذا، أثق في أنك لن تجعله يعرف أبدا أنني الشخص الذي دفع المال الذي اشتري به المنجم.» «لكن ألن يعرف أبدا بالأمر، يا آنسة لونجوورث؟» «ربما لا. وإن كان له أن يعرف، فيجب أن أكون أنا الشخص الذي يخبره.» «أتفق معك بشدة في هذا، ولن أفشي سرك.»
قالت الفتاة، وهي تنظر في ساعتها: «والآن، ما الوقت الذي من المفترض أن نحصل فيه على رد من السيد كينيون؟» «آه، هذا، كما قلت من قبل، ما لا يمكن لأحد تحديده.» «أعتقد، إذن، أن أفضل سبيل هو إرسال المال على الفور، أو السعي لإرساله إلى أحد البنوك في أوتاوا.» «نعم، أعتقد أن هذا هو أفضل سبيل؛ رغم، بالطبع، أن جون كينيون لو لم يكن هناك ...» «لو لم يكن هناك، ماذا سنفعل؟» «أنا لا أعرف على وجه التحديد. يمكنني إرسال برقية إلى السيد فون برينت. إن فون برينت هو مالك المنجم، وهو الشخص الذي أعطى لجون عقد خيار الشراء. أنا لا أعرف إلى أي مدى هناك اتفاق ملزم بينه وبين الآخرين. إن كان أمينا كما أحسبه، فسيقبل المال، بشرط أن يرسل قبل الساعة الثانية عشرة، وحينها سنحصل على المنجم. إنني لا أعرف شيئا على الإطلاق عن هذا؛ لأنني لا أعرف أي تفاصيل سوى ما جاء في برقية جون.» «إذن، أنا لا يمكنني فعل شيء آخر الآن؟» «بلى، يمكنك. سيكون عليك كتابة شيك بخمسة وعشرين ألف جنيه. كما تعلمين، هذا الشيك مسطر، وسيدخل في حسابك المصرفي. وستجب كتابة شيك آخر لسحب المال.» «آه، فهمت. أنا ليس معي دفتر شيكاتي، لكن ربما يمكنك إرسال هذا الشيك إلى البنك، وسأعود. أعتقد أنه سيكون هناك وقت كاف قبل أن يغلق البنك أبوابه، أليس كذلك؟» «بلى، سيكون هناك متسع من الوقت. بالطبع، كلما أسرعنا في الحصول على المال، كان ذلك أفضل.» «سأعود سريعا بعد وقت الغداء. ربما تكون حينها قد تلقيت ردا من السيد كينيون. إن وصلك شيء قبل هذا الوقت، فهلا ترسل لي برقية؟ ها هو عنواني.»
رد ونتوورث، وهو يودعها: «سأفعل.»
بمجرد انتهاء وقت الغداء، زارت الآنسة لونجوورث، ومعها دفتر شيكاتها، ثانية مكتب ونتوورث. وعندما دخلت، هز رأسه تعبيرا عن عدم وصول أي رد من كينيون.
وقال: «لم تصل أي أخبار بعد.»
ردت: «هذا أمر فظيع؛ هل تعتقد أنه قد غادر أوتاوا وهو الآن في طريق العودة للوطن؟» «لا أعتقد أنه قد فعل هذا. ومع ذلك، أتصور أنه سيعتقد أنه لا داعي للبقاء في أوتاوا. ومع هذا، أنا أعرف كينيون جيدا بالقدر الكافي بحيث أرى أنه سيبقى هناك حتى الدقيقة الأخيرة من مدة عقد الخيار، على أمل حدوث شيء. إنه يعرف، بالتأكيد، أنني سأفعل كل ما في وسعي في لندن، وربما يكون لديه أمل ضعيف في أنني سأستطيع القيام بشيء.» «سيكون من غير المجدي إرسال برقية أخرى، أليس كذلك؟» «بالتأكيد. إن لم تصله تلك الرسالة، فلن يصله شيء.»
بينما كان يتحدث، دخل ساع إلى الغرفة ومعه برقية في يده. وكان محتواها موجزا وفي صلب الموضوع:
لقد تلقيت البرقية.
كينيون
قال ونتوورث: «حسنا، هذا رائع؛ سأرسل له الآن برقية أقول له فيها إننا حصلنا على المال، وأنصحه بأن يعلم القائمين على البنك بنفسه، بحيث لا تؤخره أي إجراءات روتينية فيما يتعلق بسحبه.»
بعد أن قال هذا، قرب ونتوورث نماذج البرقيات إليه، وبعد جهد كبير، استطاع كتابة برقية مرضية.
قالت له زائرته: «لا تسع لتوفير المال فيما يتعلق بالبرقية؛ أوضح له الأمور جيدا.» «أعتقد أن هذا سيفي بالغرض، أليس كذلك؟»
ردت، بعد أن قرأت البرقية: «بلى؛ هذا سيفي بالغرض.»
ثم أضافت: «والآن، ها هو الشيك. هل علي أن أنتظر هنا حتى تقوم بكل ما هو ضروري لإرسال المال بالإبراق، أو من الأفضل أن أذهب وأعود ثانية لأرى إن كان كل شيء على ما يرام أم لا؟» «إن لم تمانعي، فاجلسي هنا. يمكنك إغلاق هذا الباب، إن أردت، ولن يزعجك أحد.»
عاد ونتوورث بعد ساعة ، لكن وجهه كان مشرقا.
وقال: «لقد قمنا بكل شيء في استطاعتنا، والمال بانتظاره هناك، إن وصلت البرقية إليه قبل الساعة الثانية عشرة غدا، كما ستفعل بالطبع.»
قالت الفتاة بابتسامة، وهي تسلم عليه: «رائع جدا، إذن، وداعا.»
الفصل السادس والثلاثون
إن كان هناك شخص أكثر بؤسا وحزنا من جون كينيون في الحدود الواسعة لكندا، فيجب بالفعل أن يرثى بشدة لحاله. بعد أن أرسل جون برقيته إلى ونتوورث، عاد إلى فندقه الكئيب جدا. وفي صباح اليوم التالي عندما استيقظ، كان يعرف أن ونتوورث قد وصلته الرسالة، لكن الاحتمالات كانت عشرة آلاف إلى واحد أنه لن يستطيع الحصول على المال في الوقت المناسب، هذا إن كان سيستطيع الحصول عليه من الأساس. ومع ذلك، قرر البقاء في أوتاوا، رغم كرهه الشديد للمكان، حتى انتهاء مدة العقد. وبعد ذلك، رأى أن يلقي نظرة على المناجم، ويرى ما إن كان بإمكانه الحصول على أي عمل متعلق بإدارة أحدها. إن هذا كان سيمكنه من كسب بعض المال، الذي من خلاله سيستطيع تسديد الديون التي كان سيتكبدها هو وونتوورث نتيجة لمضاربتهما الفاشلة. كان يشعر بإحباط شديد لدرجة أنه فعل ما كان سيفعله معظم الإنجليز الآخرين لو كانوا مكانه؛ وهو السير لوقت طويل. لقد وقف على الجسر المطل على نهر أوتاوا وأخذ ينظر لبعض الوقت إلى شلالات شوديير، ويراقب الضباب وهو يرتفع من الهاوية التي تندفع إليها المياه. ثم مشى بطول الجانب الآخر من النهر، وسط المناشر الضخمة وأكوام الحطب الهائلة التي لا نهاية لها، برائحتها الصنوبرية الجميلة. وشيئا فشيئا، وجد نفسه في الريف، واقتربت الغابة من الطريق السيئ الذي كان يسير عليه. ورغم ذلك، ظل يسير، دون أن يعبأ بالمكان الذي هو ذاهب إليه. وهنا وهناك، كان يرى أراضي مجتثة الأشجار في الغابة، وكوخا مصنوعا من الحطب أو ربما حظيرة. ونتج عن كل هذا، نظرا إلى أنه كان ذا صحة جيدة، أنه سرعان ما شعر بجوع شديد، وهو أمر لفت انتباهه بشدة رغم الإحباط الذي كان يعانيه . لاحظ أن المساء كان يحل عليه، وسره بشدة أن يجد بيتا ريفيا كان مظهره أفضل من الأكواخ العادية التي تركها خلفه. وهناك، طلب طعاما، وسرعان ما جلس وحصل على وجبة كبيرة، وقد عوضت بشدة عدم جودتها شهيته الكبيرة للأكل. وبعد الأكل، بدأ يدرك مدى تعبه، واندهش عندما سمع من مضيفه مدى بعده عن أوتاوا.
قال المزارع: «لا يمكنك الذهاب إلى هناك الليلة؛ لا جدوى من المحاولة. ابق معنا، وسأقلك إلى هناك غدا. سأذهب إلى هناك عصرا.»
وهكذا، بقي كينيون هناك طوال الليل، ونام النوم الذي لا أحلام به والناتج عن الإنهاك والشبع.
ولم يصل إلى مدينة أوتاوا إلا في وقت متأخر بعض الشيء من عصر اليوم التالي. وبينما هو في طريقه إلى فندقه، اندهش لسماع اسمه ينادى من خلفه. وعندما استدار، رأى رجلا، لم يتعرف عليه، يجري خلفه.
سأله الرجل، وهو يلهث بعض الشيء: «اسمك كينيون، أليس كذلك؟» «بلى، هذا اسمي.» «أعتقد أنك لا تتذكرني. أنا موظف مكتب التلغراف. لدينا برقية بانتظارك منذ بعض الوقت، برقية من لندن. لقد فتشنا عنك في كل أنحاء المدينة، لكننا لم نستطع العثور عليك.»
قال كينيون: «آه، هل هي مهمة؟» «في الواقع، هذا ما لا أعرفه. من الأفضل أن تأتي معي إلى المكتب وتحصل عليها. بالطبع، إن الناس بوجه عام لا يرسلون برقيات غير مهمة. أتذكر أنها كانت تقول شيئا عن ضرورة انتظار شيء.»
مشيا معا إلى مكتب التلغراف. كان الساعي لا يزال يبحث عن كينيون ومعه البرقية الأصلية، ولكن الموظف فتح الملف وقرأ النسخة عليه.
ثم قال: «كما ترى، إنه بحاجة إلى رد؛ لهذا ظننت أنه من المهم الوصول إليك. سيكون لديك متسع من الوقت لإرسال الرد الليلة.»
أخذ جون قلما رصاصيا وكتب البرقية التي تسلمها ونتوورث. ودفع مقابل البرقية ثم قال: «سأذهب إلى فندقي؛ إنه فندق ... سأنتظر هناك، وإن أتت أي برقيات لي، فأرسلها إلي بأسرع ما يمكن.»
رد الموظف: «اتفقنا، هذه أفضل خطة؛ إذ إننا سنعرف بالضبط أين نجدك. بالطبع، لا جدوى من بقائك هنا؛ لأننا بإمكاننا الوصول إليك في غضون خمس دقائق. ربما يكون من الأفضل أن أتصل هاتفيا بالفندق لأخبرهم بمجيء برقيات إليك.»
قال كينيون: «رائع للغاية؛ سأترك الأمر بالكامل تحت تصرفك.»
شعر جون بأن البرقية التي تسلمها كانت فألا حسنا، بغض النظر عما إذا كان ذلك نتيجة ذهابه إلى الريف أم لا. وتأمل الحظ السيئ الهائل الذي عاناه في المسألة برمتها من البداية وحتى النهاية، وفكر في مقولة السيد لونجوورث العجوز المفضلة: «لا يوجد شيء اسمه حظ.»
ثم كان هناك طرق على باب غرفته، وقال خادم الفندق: «يوجد رجل هنا يرغب في الحديث إليك.»
كان الرد: «دعه يصعد.» وبعد دقيقتين، دخل فون برينت.
سأله: «هل هناك أي أخبار؟»
رد جون، الذي كان في حالة مزاجية جعلته يشك في كل الأشياء والأشخاص: «لا، لا جديد.» «آه، أنا حزين لسماع هذا. كان لدي بعض الأمل في أنك ربما تستطيع توفير المال قبل الساعة الثانية عشرة غدا. بالطبع، أنت تعرف أن العقد ينتهي غدا في وقت الظهيرة؟» «نعم، أعرف هذا.» «هل تعلم أن لونجوورث في أوتاوا؟»
رد كينيون: «لا، لقد كنت أنا نفسي خارج المدينة.» «حسنا، لقد جاء الليلة الماضية. ولديه المال في البنك، كما قلت لك. والآن، أنا لن أقبله حتى آخر لحظة. بالطبع، قانونا، لا يمكنني قبوله قبل ذلك الوقت، وقانونا بنفس القدر، أنا لا يمكنني رفض ماله عندما يعرضه. أنا حزين للغاية لحدوث كل هذا؛ حزين على نحو أكبر مما يمكنني إخبارك. وأتمنى ألا تعتقد أنني يمكن أن ألام على أي شيء فيما يتعلق بهذا الأمر.» «لا، أنت لا يمكن أن تلام إطلاقا على أي شيء. لا يوجد مخطئ سواي. أشعر أنني كنت متهاونا على نحو يستحق اللوم، وحسن الظن بالآخرين على نحو مبالغ فيه.» «أتمنى بصدق لو كنت أعرف من أين يمكنك الحصول على المال؛ لكنني، بالطبع، لو كنت أعرف هذا، لكنت قد حصلت عليه لنفسي منذ مدة طويلة.»
قال كينيون: «أنا ممتن لك بشدة، لكن الشيء الوحيد الذي يمكن أن تفعله من أجلي هو التأكد من أن ساعتك ليست مقدمة غدا. ربما آتي إلى المكتب قبل الساعة الثانية عشرة؛ هذا هو المكان الذي سأجدك فيه، على ما أعتقد؟» «نعم؛ سأكون هناك طوال فترة الظهيرة. لن أغادر حتى الساعة الثانية عشرة.» «رائع جدا؛ أنا ممتن بشدة، يا سيد فون برينت، لتعاطفك. أؤكد لك أنني ليس لدي الكثير من الأصدقاء، وأنه ... حسنا، أنا ممتن لك، هذا كل ما في الأمر. إن الرجل الإنجليزي، كما تعلم، ليس سخيا في مسألة الشكر، لكنني أعني ما أقول.»
رد فون برينت: «أنا متأكد أنك تفعل، وأنا حزين فقط لأن مساعدتي ليست كبيرة. حسنا، وداعا، وأتمنى أن أراك غدا.»
بعد أن رحل، زاد نفاد صبر كينيون مع مرور الساعات. وترك الفندق، وتوجه مباشرة إلى مكتب التلغراف؛ لكن شيئا لم يصل إليه.
قال الموظف: «أخشى أنه لن يكون هناك أي شيء آخر الليلة. إن أتى شيء في وقت متأخر، فهل أرسله لفندقك؟» «بالتأكيد؛ بغض النظر عن الساعة التي يأتي فيها، أرجو أن تجعلني أحصل عليه بأسرع ما يمكن. إنه مهم للغاية.»
ترك المكتب ومشى في الشارع، وبينما كان يمر بالفندق الرئيسي في المكان، رأى لونجوورث الشاب يقف تحت الرواق المعمد للفندق وهو في كامل هندامه كالمعتاد، وكان يرتدي نظارته الأحادية التي كانت مصدر إعجاب كل من في أوتاوا؛ إذ لم يكن لها أي مثيل في المدينة.
قال هذا الشاب: «كيف حالك، يا كينيون؟»
رد كينيون: «سيدي العزيز، آخر مرة تحدثت فيها إلي، قلت إنك لا تود أن تتحدث إلي مرة أخرى. أنا أشاركك من كل قلبي الشعور نفسه، ولا أود الحديث إليك على الإطلاق.»
قال لونجوورث بنبرة مرحة: «صديقي العزيز، لم يحدث أي شيء. لقد كنت بالتأكيد، في نيويورك، سيئ المزاج قليلا. الجميع يكون كذلك في نيويورك؛ إنه مكان كريه! أنا لا أعتقد أنه أسوأ من أوتاوا، لكن الهواء هنا أكثر نقاء. بالمناسبة، ربما يمكنني أنا وأنت التوصل إلى اتفاق ما. أنا سأشتري ذلك المنجم غدا، كما تعرف بلا شك. وأود أن يكون تحت إدارة رجل كفء وأمين. إن كان مبلغ مائتي ألف جنيه في السنة مناسبا لك، فأعتقد أننا يمكننا أن نجعلك تدير المنجم.»
رد كينيون: «شكرا لك!» «كنت أعرف أنك ستكون ممتنا لذلك؛ فقط فكر جيدا في الأمر، هلا تفعل ذلك؟ ولا تتخذ أي قرار متسرع. ربما يمكننا إعطاؤك مبلغا أكثر قليلا من هذا؛ ولكن حتى يتضح لنا مدى جودة المنجم، فمن غير المحتمل أننا سننفق الكثير من المال عليه.»
قال جون: «بالطبع، أفضل رد على ملاحظتك سيكون طرحك أرضا؛ لكنني، إلى جانب كوني مواطنا ملتزما بالقانون، لا أرغب في دخول السجن الليلة لقيامي بهذا؛ لأن هناك فرصة واحد في الألف، يا سيد لونجوورث، أن تكون لي علاقة ما بذلك المنجم قبل الساعة الثانية عشرة غدا.»
قال لونجوورث: «آه، لقد حان الآن دوري لأكون ممتنا!» ثم أضاف: «في أي صراع عنيف، أخشى أنك ستنتصر علي على نحو أسهل مما ستفعل في أي سجال قائم على حسن التصرف.» «هل تسميه حسن تصرف؟ أعتقد أنك تشير إلى تصرفك فيما يتعلق بالمنجم. إنني أسميه سرقة.» «أوه، هل تفعل هذا؟ حسنا، هذا هو نوع الحديث الذي يؤدي إلى العراك؛ وحيث إنني أيضا مواطن ملتزم بالقانون، فلن أستمر في هذا النقاش أكثر من ذلك. أتمنى لك وقتا طيبا للغاية، سيد كينيون.»
تركه الشاب ودخل الفندق. وسار جون إلى فندقه الأكثر تواضعا بكثير، وذهب لينام الليلة في غرفته. لكنه لم ينم جيدا. وطوال الليل، كان يتخيل أن سعاة التلغراف يطرقون باب غرفته، وكان يقوم من حين لآخر ليتسلم البرقيات التي كانت تختفي عندما يستيقظ. وبعد وقت قصير من تناول الإفطار، ذهب إلى مكتب التلغراف، لكنه لم يجد شيئا وصله.
قال موظف التلغراف: «أخشى ألا يأتي شيء قبل وقت الظهيرة.»
ردد جون ما قاله: «قبل وقت الظهيرة!» ثم أضاف: «لماذا؟» «إن الأسلاك بها مشكلة في بعض الأماكن في الشرق، ويتأخر وصول الرسائل كثيرا. ربما لاحظت نقص أخبار الشرق في الصحف الصباحية؟ لقد أتت أخبار قليلة للغاية من الشرق الليلة الماضية.» وأضاف عندما لاحظ نظرة الاهتمام القلق في عيني جون: «هل البرقية التي تنتظرها تتعلق بأمور مالية؟» «نعم، إنها كذلك.» «هل يعرفونك في البنك؟» «لا، أعتقد أنهم لا يعرفونني.» «إذن، لو كنت مكانك، لكنت سأذهب إلى البنك وأعرفهم بنفسي، بحيث، إن كانت المسألة مسألة دقائق، لا يضيع أي وقت غير ضروري. ومن الأفضل أن تخبرهم بأنك تتوقع حوالة مالية بالإبراق، وعلى الرغم من أن تلك الحوالات تصرف بدون أي تحقق من الهوية في البنك، فهم يتخذون كافة الاحتياطات للتأكد من عدم وقوع المال في يد الأشخاص الخاطئين.»
قال كينيون: «شكرا لك.» ثم أردف: «أنا ممتن بشدة لك لاقتراحك هذا. وسأنفذه.»
بمجرد أن فتح البنك أبوابه، قدم جون كينيون نفسه للصراف. «إنني بانتظار وصول مبلغ كبير من المال من إنجلترا اليوم. إنه مهم للغاية بحيث، عندما يصل، يجب ألا يكون هناك أي تأخير في حصولي عليه. أريد أن أعرف إن كانت هناك أي إجراءات روتينية يجب اتخاذها.»
سأله الموظف: «من أين سيأتي المبلغ؟» «سيأتي من إنجلترا.» «هل هناك أي شخص في أوتاوا يعرفك؟» «نعم؛ أعرف موظف مكتب التلغراف الموجود هنا.»
قال الصراف بتشكك بعض الشيء: «إممم! هل هناك شخص آخر؟» «السيد فون برينت يعرفني جيدا.» «هذا سيكفي. أعتقد أن عليك أن تجعل السيد فون برينت يأتي إلى هنا ويؤكد أنك الرجل الذي يحمل اسم كينيون. بعدئذ، في اللحظة التي ستصل فيها برقيتك، سيكون المال تحت تصرفك.»
أسرع كينيون إلى مكتب فون برينت ووجده بمفرده. «هلا تذهب إلى البنك وتقول لهم إنني كينيون؟» «بالتأكيد. هل وصل المال؟» «لا، إنه لم يصل؛ لكنني أنتظر وصوله، وأريد الاستعداد لأي طارئ. أنا لا أريد أي تأخير بسبب التحقق من هويتي عندما يأتي.»
قال فون برينت: «إن جاء بالإبراق، فلن تكون هناك حاجة إلى التحقق من الهوية. أنت تعرف أن البنك لن يكون مسئولا في هذه الحالة. إنهم يأخذون المال والمخاطرة تقع بالكامل على عاتق المرسل . إنهم قد يدفعونه لموظف التلغراف الذي يستقبل الرسالة! أعتقد أنهم لن يكونوا مسئولين عن هذا. ومع ذلك، من الأفضل ألا يجري إغفال أي شيء.»
ذهب الاثنان إلى البنك، وقال فون برينت للصراف: «هذا هو جون كينيون.»
رد الصراف: «رائع جدا.» ثم أردف: «هل ذهبت لمكتب التلغراف مؤخرا، يا سيد كينيون؟» «لا، لم أفعل؛ على الأقل، منذ نصف الساعة أو نحو ذلك.» «حسنا، لو كنت مكانك، لكنت سأذهب إلى هناك بأسرع ما يمكن.»
قال فون برينت، بمجرد وصوله إلى الباب: «هذا يعني أنهم قد وصلهم إخطار بتحويل المال. أعتقد أنه موجود بالفعل في البنك لك. سأعود لمكتبي ولن أغادره حتى تأتي.»
أسرع جون إلى مكتب التلغراف.
وقال: «ألم يصل أي شيء لي بعد؟»
رد الموظف بابتسامة: «لا شيء بعد، سيد كينيون؛ لكني أعتقد أن كل شيء سيكون على ما يرام. أتمنى ذلك.»
أخذ الوقت يمضي بسرعته المعتادة، غير أنه بدا لكينيون أن الساعة كانت تسير بسرعة رهيبة. حانت الساعة الحادية عشرة، وكان هو لا يزال يذرع مكتب التلغراف جيئة وذهابا. عرض عليه موظف المكتب استضافته في غرفة الضيوف، لكنه رفض. وفي كل مرة كانت آلة التلغراف تعمل، كانت أذنا جون تتأهبان، وتحاولان فهم أي شيء منها.
مرت عشر دقائق بعد الحادية عشرة!
ثم عشر دقائق أخرى، ولم تصل أي برقية! تراكم العرق البارد على جبين جون، وتأوه بصوت عال.
قال الموظف: «أعتقد أنها مهمة للغاية.» «مهمة «للغاية».» «حسنا، الآن، يجب علي ألا أقول هذا، لكنني أعلم أن المال موجود في البنك لك. ربما إن ذهبت إلى هناك وطلبته، فسيعطونه لك.»
كانت الساعة الحادية عشرة وخمسا عشرين دقيقة عندما وصل مسرعا إلى البنك.
قال للصراف: «أنا متأكد أن المال موجود لي هنا. هل من الممكن أن أحصل عليه؟» «هل حصلت على البرقية؟» «لا، لم أحصل.» «حسنا، كما تعرف، نحن لا يمكننا دفع المال حتى نرى برقيتك. إن كان عامل الوقت مهما، فيجب ألا تغادر مكتب التلغراف، وفي اللحظة التي ستصل إليك رسالتك ، تعال إلى هنا؛ وحينها لن يكون هناك أي تأخير. هل ترغب في سحب كل المبلغ على الفور؟» «أنا لا أعرف مقداره، لكن يجب أن أحصل على عشرين ألف جنيه.» «رائع للغاية، لتوفير الوقت، من الأفضل أن تكتب شيكا بعشرين ألف جنيه؛ هذا سيكون ...»
وهنا، أعطى عدد الدولارات بسعر اليوم في مقابل الجنيه. ثم أضاف: «اكتب فقط شيكا بهذا المبلغ، وسأعتمده. إن الشيك المعتمد جيد للغاية. وفي اللحظة التي ستحصل فيها على رسالتك، سأعطيك الشيك المعتمد.»
كتب جون الشيك وأعطاه للصراف، وكان ينظر للساعة وهو يفعل هذا. كانت الساعة حينها الثانية عشرة إلا خمسا وعشرين دقيقة. جرى جون إلى مكتب التلغراف بأقصى سرعة بإمكانه، لكنه رأى فقط النظرة الخالية من أي تعبير على وجه الموظف.
وقال، وهو يهز رأسه: «إنها لم تأت بعد.»
تدريجيا، بدأ اليأس يتسرب للرجل المنتظر. لقد كان ضياع كل شيء أسوأ من عدم وجود أي أمل على الإطلاق في النجاح. لقد كان الأمر أشبه بإعدام رجل أعفي من العقوبة. عاود تذرعه العصبي جيئة وذهابا في غرفة التعذيب هذه. أصبحت الساعة الآن الثانية عشرة إلا الربع. سمع دقات الساعة ترن في مكان ما. إن لم تأت الرسالة قبل أن ترن ثانية، فسيكون قد انتهى الأمر للأبد.
بقي على الساعة الثانية عشرة أربع عشرة دقيقة ... ثم ثلاث عشرة دقيقة ... ثم اثنتا عشرة دقيقة ... ثم أحد عشرة دقيقة ... ثم عشر دقائق، ومع ذلك، لم ...
صاح الموظف بصوت عال وسعادة كبيرة: «ها هي! إنها تأتي ... إنها هي المطلوبة ... «جون كينيون، أوتاوا».» ثم كتب بنفس سرعة نقل الآلة للرسالة. ثم أردفت: «ها هي البرقية؛ والآن أسرع!»
لم يكن جون يحتاج إلى أن يحثه أحد على الإسراع. لقد بدأ الناس يلاحظونه حيث إن الرجل لم يكن يفعل شيئا سوى الجري بين البنك ومكتب التلغراف.
لقد كانت الساعة الثانية عشرة إلا سبع دقائق عندما وصل إلى البنك. «هل تلك البرقية هي المطلوبة؟» هكذا قال، وهو يدفعها عبر الفتحة المقوسة.
نظر إليها الموظف بهدوء مستفز ، ثم قارنها ببعض الأوراق.
قال له جون مناشدا: «بالله عليك، أسرع!»
قال الصراف على نحو بارد، وهو ينظر إلى الساعة ويستمر في فحصه: «لديك متسع من الوقت». ثم أضاف: «نعم، إنها هي المطلوبة. ها هو الشيك المعتمد الخاص بك.»
التقطه جون، وخرج مسرعا من البنك كما قد يفعل أي سارق. وكانت الساعة قد بلغت الثانية عشرة إلا خمس دقائق عندما وصل إلى درجات السلم التي تؤدي إلى مكتب السيد فون برينت. الآن، بدا أن كل القلق الذي كان يشعر به قد هجره. لقد كان هادئا وباردا كما لو كان أمامه خمسة أيام، وليس بضع دقائق، للقيام بدفع المبلغ. لقد صعد درجات السلم بهدوء، وسار عبر الممر وطرق باب مكتب فون برينت. «ادخل!» كان الرد الذي سمعه.
فتح الباب، وهو ينظر إلى الساعة الموجودة خلف رأس فون برينت.
لقد بقي ثلاث دقائق على حلول الساعة الثانية عشرة.
كان السيد لونجوورث الشاب يجلس هناك، ويعلو وجهه بعض الشحوب، وبدا أن هناك لمعة منذرة بالسوء في نظارته. لم يقل شيئا، وتجاهل جون كينيون تماما وجوده.
قال لفون برينت، بعد أن أومأ له محييا إياه: «أعتقد أن عقدي لم تنته مدته بعد؟»
قال فون برينت: «يتبقى منها القليل جدا، لكن ربما ستفي بالغرض. لديك دقيقتان ونصف الدقيقة.»
سأله جون: «هل الأوراق جاهزة؟» «كلها جاهزة، كل شيء فيما عدا كتابة الأسماء.» «رائع جدا، ها هو المال.»
نظر فون برينت إلى الشيك المعتمد. ثم قال: «هذا ملائم تماما، والمنجم أصبح ملكك.»
ثم قام ومد يده عبر الطاولة لكينيون، الذي أمسكها بحرارة.
قام أيضا لونجوورث الشاب، وقال ببطء: «حيث إن هذا يبدو كلقاء أخوين لم يلتقيا منذ مدة طويلة، فلن أتطفل عليكما. طاب يومك، يا سيد فون برينت.»
ثم عدل نظارته ببطء وخرج من المكتب.
الفصل السابع والثلاثون
عندما دخلت إديث لونجوورث مكتب جورج ونتوورث، جعلها هذا الشاب المحترم تفاجأ بعض الشيء. لقد هب واقفا من كرسيه في اللحظة التي دخلت فيها الغرفة، وأسرع إلى الباب، ونادى بأعلى صوته على الساعي، الذي رد عليه، وحينها عاد ونتوورث للغرفة، وهو على ما يبدو في حالته العقلية الطبيعية.
ثم قال، وهو يضحك: «أرجو المعذرة، آنسة لونجوورث؛ فالحقيقة هي أنني قد بعثت لتوي الساعي الخاص بي ليرسل برقية إليك، وها أنا الآن، كما ترين، قد وفرت نصف شلن.»
ردت الفتاة: «إذن، لقد وصلتك أخبار من كندا؟» «نعم؛ رسالة قصيرة، لكنها في صميم الموضوع.» أعطاها البرقية، وقرأتها بصوت عال:
لقد اشترينا المنجم؛ سأتولى إدارته لبعض الوقت.
قالت، وهي تعيد إليه البرقية: «إذن، المال قد وصل إلى هناك في الوقت المناسب.»
قال جورج، بالثقة المطمئنة لشخص لا يعرف على الإطلاق ما يتحدث عنه: «لقد كان لدينا متسع من الوقت؛ كنت أعرف أنه سيصل إلى هناك دون أي مشاكل.» «أنا مسرورة من أجل هذا؛ كنت أخشى أن نكون قد أرسلناه بعد فوات الأوان. لا يمكن للمرء أبدا أن يعرف أسباب التأخير أو الإجراءات الشكلية التي قد يتعرض صرفه لها.» «على ما يبدو، لم تكن هناك أي مشكلة. والآن، آنسة لونجوورث، ما أوامرك؟ هل سأكون وكيلك هنا، في بريطانيا العظمى؟» «هل كتبت للسيد كينيون؟» «نعم، كتبت له فور أن أرسلت البرقية.» «بالطبع، أنت لم ...» «لا، لم أقل أي شيء يجعله يشك في أنك مالكة المنجم. حتى إنني، في حماستي، ذهبت إلى حد بعيد بحيث أعطيتك اسما. أنت من الآن سيطلق عليك في المراسلات السيد سميث، مالك المنجم.»
ضحكت الآنسة لونجوورث.
قال لونجوورث: «و... أوه، بالمناسبة، يوجد هنا برميل خاص بك.»
ردت: «برميل!» وعندما نظرت في الاتجاه الذي أشار إليه، رأت في ركن الغرفة برميلا غطاؤه منزوع. ثم أضافت: «إن كان هذا ملكي، فمن سمح لنفسه بفتحه؟» «أوه، لقد فعلت هذا باعتباري وكيلك. يحتوي هذا البرميل على المادة المستخرجة من المنجم، التي نأمل أن تثبت أهميتها. لقد بدأ نقل البرميل من كندا منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ولم يصل إلى هنا سوى قبل أيام. يبدو أن الأحمق الذي أرسله جعله يمر بنيويورك، وقد احتجز هناك من قبل موظف صغير متغطرس ينتمي إلى هيئة الجمارك الأمريكية. لقد واجهنا الكثير من العناء وأرسلنا الكثير من المراسلات الدبلوماسية من أجل هذا البرميل أكثر مما يمكنك أن تتخيلي، وها هو قد وصل بعد يوم من انتهاء الأمر، عندما أصبح في واقع الأمر غير ذي جدوى لأحد.»
قامت الآنسة لونجوورث وذهبت إلى البرميل. والتقطت بعضا من العينات البيضاء الجميلة التي كانت موجودة فيه.
سألته: «هل هذه هي المادة؟»
ضحك ونتوورث. «كيف لشخص أن يشتري منجما بثمن كبير، دون أن يعرف ماذا ينتج؟ نعم، هذه هي المادة.» «هذه ليست ميكا، بالطبع؟» «لا، إنها ليست ميكا. إنها المادة المستخدمة في صناعة الخزف.» «يبدو وكأنها ستحتاج إلى كثير من التلميع. هل تعرف إن كانت ستحتاج إلى ذلك أو لا؟» «أنا لا أعرف. يمكنني بسهولة معرفة ذلك من أجلك.» «أرجو أن تفعل، وتلمع لي قطعة منها، حيث سأستخدمها كثقالة للورق.» «ما أوامرك فيما يتعلق بباقي محتويات البرميل؟»
قالت السيدة الشابة: «ما الذي تنوي فعله بها؟» «حسنا، أعتقد أن أفضل سبيل سيكون إرسال بعض منها إلى كل من أصحاب مصانع الخزف في هذا البلد، والحصول على طلباتهم من هذه المادة، إن أرادوا استخدامها.» «أعتقد أن هذه فكرة جيدة للغاية. فهمت من البرقية أن السيد كينيون يقول إنه سيتولى أمر المنجم لبعض الوقت.» «نعم؛ أتصور أنه قد ترك أوتاوا على الفور، بمجرد أن أنهى الصفقة. بالطبع، لن نتأكد من هذا تماما حتى يكتب إلي.» «رائع جدا، إذن، يبدو لي أن أفضل شيء يمكنك فعله هنا هو تسجيل الطلبات التي يمكن الحصول عليها في إنجلترا على المادة. ثم، أعتقد أنك يمكنك أن تكتب إلى السيد كينيون وتطلب منه أن يعين شخصا ملائما لإدارة المنجم.» «نعم، سأفعل هذا.» «عندما يعود، يمكنك أنت وهو التشاور بشأن الخطوة التالية التي يجب اتخاذها. أعتقد أنه لا شيء محددا يمكن القيام به حتى يعود. يمكنك اختلاق أي عذر تريده لغياب شخصية السيد سميث الخيالية، وإخباره بأنك تنوب عنه. ثم يمكنك إخبار السيد كينيون ، بأي طريقة تشاء، أن السيد سميث يريد أن يشارككما أنت وهو في المنجم بحصص متساوية. أرى أنك لن تجد أي مشكلة في جعل جون - أي، في جعل السيد كينيون - يصدق أن السيد سميث هذا شخصية حقيقية، إن نجحت بالقدر الكافي في إقناعه بالأمر. اجعله يفهم أن السيد سميث ما كان ليسمع قط بالمنجم ما لم تكتشفه أنت والسيد كينيون، وأنه سيكون سعيدا للغاية بالفعل لاستغلال تلك الفرصة الطيبة لاستثمار أمواله؛ بحيث يكون من الطبيعي أن يرغب في أن يشاركه في الأرباح التي ستعود من المنجم على كل من كان له دور حاسم في إرشاده لهذا الاستثمار. أتصور أنك يمكنك جعل كل هذا واضحا بالقدر الكافي، بحيث لن يشك صديقك في أي شيء. ألا تعتقد هذا؟» «حسنا، بالنسبة إلى أي رجل آخر غير جون كينيون، يجب أن يكون لدي شك في هذا؛ لأنني لا أعتقد أنني ماهر بشدة في اختلاق الأمور وخداع الآخرين؛ لكن مع جون، فأنا ليست لدي أي مخاوف. إنه سيصدق أي شيء أقوله. إنه لمن المثير للشفقة أن تخدع رجلا يثق في الآخرين بشدة، ولكن هذا سيكون في صالحه للغاية مما يجعلني لا أتردد في القيام به.» «إذن، ستكتب إليه بشأن اختيار شخص أمين وملائم لإدارة المنجم؟» «نعم. أنا لا أعتقد أنه ستكون هناك أي ضرورة لفعل هذا، لكنني سأتأكد من حدوث هذا. أتصور أن جون لن يرحل حتى يتأكد من أن كل شيء كما ينبغي. إنه سيكون متلهفا بشدة بالفعل من أجل تحقيق المنجم للنجاح الكبير الذي طالما كان يطمح إليه، حتى ولو لم يكن يعلم، في الوقت الحاضر، أنه سيكون له نصيب في أرباحه.» «رائع جدا إذن، يجب أن أتركك الآن. قد لا آتي إلى هنا ثانية، لكن عندما تسمع أي أخبار من السيد كينيون، سأكون سعيدة للغاية إن جعلتني أعرف.» «بالتأكيد؛ سأرسل إليك كل المستندات المتعلقة بالأمر، كما سبق أن طلبت. أنت ترغبين دائما في رؤية الأوراق الأصلية، أليس كذلك؟» «بلى، أعتقد أنني كذلك .» تلكأت الآنسة لونجوورث قليلا قبل الخروج من الباب، ثم قالت له وهي تنظر مباشرة في عينيه: «هل تتذكر عندما تحدثت بحدة شديدة مع أبي منذ بضعة أيام؟»
رد ونتوورث، وقد تورد وجهه: «نعم. أتذكر ذلك.» «أنت رجل صغير السن، وهو رجل عجوز. إلى جانب هذا، أعتقد أنك كنت مخطئا تماما. إنه لا علاقة له على الإطلاق بأفعال ابن أخيه.»
قال ونتوورث: «أوه، أعرف هذا.» ثم أردف: «كنت سأعتذر إليه منذ مدة طويلة، فقط ... حسنا، كما تعلمين، لقد أخبرني بأنني لن يسمح لي بدخول مكتبه ثانية، ولا أعتقد أنه يجب السماح لي بهذا.»
ردت السيدة الشابة، وهي تنظر إلى الأرض: «إن كتبت خطابا إليه، فلن يمنع من دخول المكتب.»
قال جورج: «بالطبع، إنه لن يمنع؛ سأكتب إليه رسالة على الفور وأعتذر إليه.»
قالت إديث، وهي تمد يدها لتسلم عليه: «هذا لطف شديد منك.» ثم رحلت على الفور.
عاد جورج ونتوورث إلى مكتبه وكتب رسالة اعتذار. ثم قال لنفسه وهو يتأمل الطبيعة الغريبة غير المفهومة للنساء. «لقد جعلتني أعتذر إليه، وهذا صحيح تماما؛ لكن لولا شجاري مع أبيها، ما كانت ستعرف أبدا شيئا عن الأمر، ومن ثم ما كانت ستشتري المنجم، وهو الأمر الذي كانت متحمسة لفعله من أجل كينيون؛ يا لك من شحاذ محظوظ يا جون، بعد كل شيء!»
الفصل الثامن والثلاثون
عندما انتهت عملية تحويل ملكية المنجم إلى مالكه الجديد، ذهب جون كينيون إلى مكتب التلغراف، وأرسل رسالة تلغرافية قصيرة إلى ونتوورث. ثم توجه إلى الفندق، وهو في قمة الإنهاك. إن قلق اليوم وتوتره كانا كثيرين عليه بشدة، وشعر أنه سيمرض إن لم يترك مدينة أوتاوا ويذهب إلى الريف، حيث يوجد بشر أقل وهواء أكثر. وقرر أن يذهب إلى موقع المنجم بأقصى سرعة ممكنة. هناك، كان سيعيد ترتيب الأمور كما ينبغي أن تكون، ويحافظ على سير العمل حتى تصله تعليمات من المالك. وعندما وصل إلى فندقه، كتب رسالة إلى ونتوورث، سرد فيها باختصار الظروف التي استطاع في إطارها امتلاك المنجم ، وتناول أمورا أخرى شخصية أكثر. وبعد أن أرسلها، بدأ يحزم أشياءه في حقيبة السفر الخاصة به، استعدادا للمغادرة مبكرا في صباح اليوم التالي. وبينما كان منهمكا في فعل هذا، أتى خادم الفندق إلى غرفته، وقال: «هناك سيد يرغب في رؤيتك.»
ظن على الفور أنه كان فون برينت، الذي أراد مقابلته بشأن أحد الإجراءات الرسمية المتعلقة بعملية انتقال الملكية؛ ولذا اندهش بشدة - في واقع الأمر، انعقد للحظة لسانه - عندما دخل السيد ويليام لونجوورث، وأخذ يتفحص بهدوء جوانب الغرفة المهلهلة بعض الشيء بنظارته الناقدة.
ثم قال: «آه، هذا هو مكان إقامتك، أليس كذلك؟ أعتقد أن هذا الفندق يندرج تحت الفئة التي يطلقون عليها الفنادق الرخيصة. حسنا، بعض الناس قد يحبونه، لكنني أقر بأنه لا يعجبني كثيرا. أرى أن فنادقهم التي تتكلف ثلاثة أو أربعة دولارات في اليوم سيئة بالقدر الكافي. بالمناسبة، تبدو متفاجئا بشدة لرؤيتي؛ ونظرا إلى أننا غريبان في بلد غريب، فقد كنت أتوقع ترحيبا أكبر من جانبك. لقد قلت ليلة أمس، أمام فندق راسل، إنك سيسعدك كثيرا أن ترحب بي بشدة؛ ربما ستود فعل ذلك الليلة.»
سأله كينيون: «هل جئت إلى هنا لتفتعل مشاجرة معي؟» «أوه، يرحمك الله، لا! مشاجرة! لا شيء من هذا النوع. ما الذي من المفترض أن أرغب في الشجار بشأنه؟» «إذن، هلا تتفضل وتخبرني بسبب مجيئك إلى هنا؟» «طلب معقول للغاية. معقول للغاية في واقع الأمر، وطبيعي تماما، لكنه مع ذلك غير ضروري بعض الشيء. من غير المحتمل أن يأتي أحد هنا إلى غرفتك، ثم لا يكون مستعدا لإخبارك بسبب مجيئه. لقد أتيت، في المقام الأول، لأهنئك على الطريقة البديعة والدرامية التي حصلت بها على المنجم في اللحظة الأخيرة، أو كما بدا في اللحظة الأخيرة. أعتقد أنك كنت تمتلك المال طوال الوقت؟» «لا، أنا لم أفعل.» «إذن، أنت ذهبت إلى فون برينت بمجرد حصولك عليه؟» «حسنا، الآن، أنا لا أعتقد أن هذا شأن أي أحد سواي. ومع ذلك، إن أردت أن تعرف، فيمكنني القول إنني قد ذهبت إلى مكتب السيد فون برينت في اللحظة التي حصلت فيها على المال.» «حقا! إذن، أظن أنه قد أرسل إليك عبر الإبراق؟» «ظنك صحيح تماما.»
قال الشاب، وهو يجلس دون أن يسمح له، وينظر إلى جون بطريقة ودودة: «لقد أبديت بالفعل بعض الانفعال بشأن هذه المسألة الصغيرة الخاصة بك. والآن، إليك القصة بالكامل باختصار ...» «سيدي العزيز، أنا لا أرغب في معرفة القصة بالكامل، باختصار. أعرف كل شيء بشأنها ... أعرف كل شيء أرغب في معرفته.» «آه، بالضبط؛ بالطبع، أنت تعرف بالتأكيد؛ لكن، مع ذلك، دعني أخبرك بالأمر. إليك القصة بالكامل. لقد حاولت ... حسنا، حاولت خداعك. ظننت أن بإمكاني كسب بعض المال بفعل هذا، ومسعاي فشل. والآن، إن كان يجب أن يكون أحد في حالة مزاجية سيئة، فإنه أنا، وليس أنت. ألا تعي ذلك؟ أنت لا تمثل دورك جيدا على الإطلاق. أنا مندهش منك!» «سيد لونجوورث، أنا لا أود أن أتحدث معك على الإطلاق. إن كان هناك أي شيء تريد أن تسألني عنه، فأود أن تفعل هذا بأسرع ما يمكن، ثم تتركني بمفردي.»
قال لونجوورث، وهو يضع ساقا على الأخرى، ويقبض يديه حول ركبته: «أكبر عيب وجدته فيك ... أكبر عيب فيك هو افتقارك المؤلم إلى روح الدعابة. والآن، أنت تتذكر بالطبع الليلة السابقة عندما عرضت عليك إدارة المنجم. لقد ظننت، بالتأكيد، أنني بحلول هذا الوقت اليوم سأصبح مالكه، أو، على الأقل، أحد ملاكه. والآن، أنت لا يبدو أنك تقدر مدى هزلية الموقف. ها أنت الآن مالك المنجم، وأنا خارج السباق ... «كم مهمل»، كما يقولون هنا في أمريكا. أنا الرجل الذي يعد كما مهملا ...»
قال كينيون بجدية: «إن كان هذا هو كل ما تود قوله، فيجب أن أطلب منك أن تدعني أنتهي من حزم أشيائي. أنا سأذهب إلى المنجم غدا.» «بالتأكيد، يا صديقي العزيز؛ اذهب على الفور ولا تبال بشأني. هل يمكنني أن أساعدك بأي نحو؟ يتطلب حزم الأشياء جيدا في حقيبة سفر، كما تعرف، عبقرية من نوع خاص. لكن ما أردت قوله كان هو الآتي: لماذا لم تستدر، عندما امتلكت المنجم، وتعرض علي إدارته؟ حينها، كنت ستحظى بانتقامك مني. كلما فكرت في تلك الواقعة التي حدثت في مكتب فون برينت، اعتقدت أنك فشلت تماما في إدراك الاحتمالات الدرامية للموقف.»
صمت كينيون. «والآن، أنت تتساءل كل هذا الوقت عن سبب مجيئي إلى هنا. أنت بلا شك تود معرفة ما أريد.»
قال كينيون: «أنا ليس لدي أدنى اهتمام بالأمر.» «هذه فظاظة، لكنني، رغم ذلك، سأستمر في حديثي. من الأفضل، كما أرى، أن يكون المرء صادقا معك، إن أراد أن يعرف أي شيء منك. والآن، أنا أريد معرفة معلومة صغيرة منك. أريد أن أعرف من أين حصلت على النقود التي اشتريت بها المنجم.» «حصلت عليها من البنك.» «آه، نعم، لكنني أريد أن أعرف من أرسلها لك.» «أرسلها لي جورج ونتوورث.» «بالتأكيد؛ لكنني أريد الآن أن أعرف من أعطى النقود لونتوورث.» «ستكون لديك فرصة معرفة ذلك عندما تعود إلى إنجلترا، من خلال سؤاله.» «إذن، أنت لن تخبرني، أليس كذلك؟» «أنا لا يمكنني إخبارك.» «أنت تقصد بهذا، بالطبع، أنك لن تخبرني.» «أنا أقصد دائما، سيد لونجوورث، تماما ما أقوله. أنا أقصد أنني لا يمكنني إخبارك. أنا لا أفهم نفسي تماما.» «حقا؟» «نعم، حقا. يبدو أن لديك بعض الصعوبة في تصديق أن أي شخص يمكنه أن يقول الحقيقة.» «في الواقع، إن قول الحقيقة ليس رذيلة شائعة. يجب أن تغفر لي اندهاشتي البسيطة.» رفع ركبته إلى أعلى للحظة، ونظر بتأمل في السقف. ثم قال: «والآن، هل تود معرفة من قدم هذا المال؟» «أنا ليس لدي أي فضول لمعرفة هذا.» «هل هذا صحيح؟ أنت رجل غريب. يبدو لي أن شخصا هبطت عليه من السماء عشرون ألف جنيه سيكون لديه بعض الفضول لمعرفة مصدر هذا المال.» «ليس لدي أي فضول لمعرفة هذا.» «رغم ذلك، سأخبرك بالشخص الذي أعطى المال لونتوورث. لقد كان هو صديقي العزيز ميلفيل. أنا لم أخبرك في نيويورك، بالطبع، أنني وميلفيل وقعت بيننا مشاجرة بسيطة حول هذا الأمر ، وقد عاد هو إلى الوطن وهو غاضب بالتأكيد. لم أتصور أنه سيستخدم تلك الطريقة في الانتقام؛ لكنني اتضح لي الأمر تماما الآن. لقد كان يعرف أنني حصلت على حق شراء المنجم. وكان هناك خلاف بسيط حول نصيب كل منا من الأسهم فيه، وظننت، بعد حصولي على عقد حق الشراء، أنني لدي الحق في إملاء شروطي. وفكر هو بطريقة مختلفة. كان سيذهب إلى فون برينت لشرح الأمر برمته له؛ لكنني أوضحت له أن مثل هذا المسار لن يجدي؛ نظرا إلى أن عقد حق الشراء قد أبرم قانونا باسمي، بحيث يبدأ حقي في شراء المنجم بمجرد انتهاء مدة عقدك. وعندما أدرك هو ذلك، أبحر وعاد إلى إنجلترا. والآن، يمكنني رؤية دوره في ذلك الختام الدرامي للأمور. لقد كانت خدعة ماكرة جدا من جانب ميلفيل، وأنا أهنئه عليها. إنه رجل يمتلك مهارة ومكرا أكثر بكثير مما ظننت.» «يبدو لي، سيد لونجوورث، أن غرورك الشديد يجعلك دائما تقلل من قدر أصدقائك، أو حتى أعدائك، فيما يتعلق بهذا الأمر.» «هناك شيء من الصحة في هذا، يا كينيون؛ أعتقد أن كلامك صحيح بنسبة كبيرة؛ أعتقد أنني قد أفيدك إن أسديت لي معروفا في هذا الأمر. أعتقد أنه لا يوجد لديك أي اعتراض على كتابة وثيقة قصيرة مفادها أن المال لم يصل في الوقت المناسب، ومن ثم فقد حصلت على المنجم. ثم، إن كان لك أن توقعها، فسآخذها إلى ميلفيل وأتوصل إلى اتفاق معه. بالطبع، إن عرف أنني امتلكت المنجم، فستكون هناك فرصة أكبر لتوصلي إلى اتفاق معه.» «لا يمكن عقد أي اتفاق معي، سيد لونجوورث، يتضمن جعلي أحيد عن الصدق.» «آه، حسنا، هذا ما شككت فيه؛ لكنني ظننت أن الأمر يستحق المحاولة. لكن، يا سيدي العزيز، قد أتوصل إلى اتفاق مع ميلفيل في النهاية، وحينها، كما أتصور، لن يكون لك أي علاقة بالمنجم.» «أنا لن يكون لي أي علاقة به إن كان لك ولميلفيل نصيب فيه؛ وإن، كما تشك، كان ميلفيل هو مالك المنجم، أعتقد أنك في وضع سيئ. أرى أنه عندما يتغلب وغد على وغد آخر، فإن الوغد الآخر سيكون، كما قلت، «كما مهملا».»
فكر لونجوورث بتدبر في هذا للحظة، ثم قال: «نعم، أخشى أن ما تقوله صحيح؛ في الحقيقة، أنا متأكد من ذلك. حسنا، هذا كل ما أردتك أن تعرفه. والآن، وداعا. ولن أراك ثانية في أوتاوا، حيث إنني سأبحر قريبا جدا إلى إنجلترا. هل لديك أي رسائل تود إيصالها إلى أصدقائك هناك؟» «لا، شكرا لك.» «حسنا، إلى اللقاء!» وهكذا ترك جون لينتهي من حزم أشيائه. وبعد انتهاء هذه العملية الضرورية، جلس كينيون وأخذ يفكر فيما قاله له لونجوورث الشاب. إن انتصاره، في النهاية، كان قصير الأجل. وقد شعر أنه لا يهمه من منهما قد امتلك المنجم لأن الاثنين وغدان. وبينما كان يتأمل هذا الموضوع الكريه، تذكر فجأة طلبا قد طلب من ونتوورث عرضه على المالك الجديد للمنجم. إنه لم يكن يريد أي معروف من ميلفيل؛ لذا، كتب رسالة أخرى، يطلب فيها تجاهل الطلب الذي قدمه في الرسالة الأولى، وبعد أن أرسلها، عاد إلى فندقه، وخلد للنوم، وهو على الأرجح أكثر شخص مرهق في مدينة أوتاوا.
الفصل التاسع والثلاثون
يتكون هذا الفصل في أغلبه من رسائل. بوجه عام، الرسائل تكون غير ذات أهمية كبيرة لأي أحد سوى كاتبيها ومستقبليها، لكنها مدرجة هنا على أمل أن القارئ، بعد أن تصبح لديه دراية كافية بمرسليها ومستلميها، قد يشعر ببعض الاهتمام بما ورد فيها.
بعد أسبوعين تقريبا من استقبال جورج ونتوورث للبرقية من كينيون، وجد، في صباح أحد الأيام، على مكتبه رسالتين، كلتاهما تحمل طابع بريد كنديا. كانت إحداهما سميكة بعض الشيء، أما الأخرى، فرفيعة، لكن الاثنتين كانتا من المرسل نفسه. فتح بسرعة الرسالة الرفيعة أولا، دون أن ينظر إلى التاريخ المطبوع عليها. وقد اندهش قليلا من محتواها، الذي كان كالتالي:
عزيزي جورج
لقد سمعت لتوي أن ميلفيل هو الشخص الذي اشترى المنجم. إن ملابسات الأمر لا تجعلني أشك في أن هذه هي الحقيقة؛ لذا، رجاء تجاهل الطلب الذي قدمته المتعلق بالعمل المتضمن في الرسالة التي بعثت بها إليك منذ مدة قصيرة. أشعر بإحباط شديد بسبب امتلاك ميلفيل للمنجم. يبدو أنني فقط منعت وغدا من شرائه حتى يقع في يد وغد آخر.
صديقك المخلص
جون كينيون
قال ونتوورث في نفسه: «ميلفيل المالك!» ثم أردف: «ما الذي يمكن أن يكون قد وضع هذه الفكرة في رأس جون؟ هذه الرسالة هي من الواضح أنها تلك التي أرسلت قبل هذه ببضع ساعات؛ لذا، ستحتوي على الطلب الذي تقدم به أيا كان.» ثم، ودون تأخير، فتح جورج ونتوورث الظرف الخاص بالرسالة الثانية، التي كان من الواضح أنها كتبت أولا.
لقد احتوت على عدد من المستندات المتعلقة بنقل ملكية المنجم. والرسالة المرسلة من جون نفسه ذكرت تفاصيل عملية شراء المنجم. ثم ورد فيها ما يلي:
أود أن تسدي لي معروفا، يا جورج. هلا تتفضل وتطلب من مالك المنجم أن يجعلني أتولى إدارته؟ أنا بالطبع أتطلع لجعله يزدهر قدر الإمكان، وأعتقد أنني يمكنني الحصول على أكثر من راتبي، أيا كان. أنت تعرف أنني لا أهتم كثيرا بمسألة المال، لكن احصل لي على أكبر راتب تعتقد أنني أستحقه. أنا أريد المال لأغراض ليست أنانية على الإطلاق، كما تعلم. لكي أصدقك القول، يا جورج، أنا سئمت من المدن والناس. أريد أن أعيش هنا في الغابة، حيث لا يوجد الكثير من الخداع والغش، كما يبدو أنه الحال في المدن الكبيرة. عندما ذهبت إلى لندن في المرة الأخيرة، شعرت وكأنني صبي عاد إلى بيته. لقد تبدلت مشاعري تماما، وأعتقد أنني، لولا وجودك أنت وإحدى الشابات، ما كنت سأهتم قط برؤية المدينة الكبيرة ثانية. ما فائدة تعمدي الغموض، وكتابة الكلمتين «إحدى الشابات»؟ بالطبع، أنت تعرف ما أقصد؛ الآنسة إديث لونجوورث. أنت تعرف، أيضا، أنني واقع الآن، ومنذ مدة طويلة، في غرامها. إن نجحت في كسب المال الذي أعتقد أنني يجب أن أكسبه ببيع المنجم، فقد يكون لدي بعض الأمل في كسب المزيد، وبأن أصبح في النهاية في وضع يسمح لي بطلبها للزواج؛ لكن هذا والكثير جدا من الآمال الأخرى قد اختفى في ظل تجاربي اللندنية الأخيرة. أريد أن أذهب إلى الغابة وأستعيد بعضا من طبيعتي المفقودة، وثقتي المفقودة في الطبيعة البشرية. إن كان بإمكانك الاتفاق مع مالك المنجم، بحيث يمكنني المكوث هنا لسنة أو اثنتين، فستسدي لي معروفا عظيما.
قرأ جورج ونتوورث الجزء الأخير من هذه الرسالة مرتين أو ثلاث مرات. ثم وقف، وأخذ يذرع المكان وهو يفكر.
ثم قال في نفسه متمتما: «إن هذا ليس شيئا يمكنني أن أستشير أحدا فيه.» ثم أردف: «المشكلة في كينيون هي أنه متواضع بشدة؛ إن القليل من تقدير الذات المفيد سيكون هو الشيء المناسب له.» وفي النهاية، توقف فجأة في أثناء مشيه. وقال لنفسه: «يا إلهي! سأفعل هذا الأمر، وليكن ما يكون.»
ثم جلس على مكتبه وكتب رسالة.
عزيزتي الآنسة لونجوورث (هكذا بدأت الرسالة)
لقد أخبرتني عندما كنت هنا آخر مرة أنك تريدين كل المستندات الخاصة بالمنجم. لقد وصل مستند هذا الصباح مهم للغاية. إن جون كينيون، كما ستعلمين من خلال قراءة الرسالة، يرغب في إدارة المنجم. لا داعي للقول إنني أعتقد أنه أفضل رجل مناسب في العالم لهذا المنصب، وإن كل شيء سيكون على ما يرام على يديه. لذا، سأرفق بهذه الرسالة رسالته. فكرت في إرسال جزء منها، لكن نظرا إلى معرفتي برغبتك في الحصول على كل المستندات الخاصة بالأمر، فقد سمحت لنفسي بإرسال تلك الرسالة تماما كما وصلتني، وإن كان أي شخص يجب أن يلام في هذا الأمر، فأنا هو هذا الشخص.
سأظل وكيلك.
جورج ونتوورث
وأرسل هذه الرسالة على الفور، بحيث لا يكون أمامه أي فرصة للتراجع. «ستصل إليها عصر هذا اليوم، وهي بلا شك ستأتي لرؤيتي.»
ربما ليس من الضروري القول إنها لم تزره، ولم تره لعدة أيام بعد ذلك؛ لكن في صباح اليوم التالي، عندما ذهب إلى مكتبه، وجد رسالة منها. وكان نصها كالتالي:
عزيزي السيد ونتوورث
إن إرسالك لي رسالة السيد كينيون تعد سابقة خطيرة بعض الشيء، ولا يجب تحت أي ظرف أن تتبع بإرسال أي رسائل قد تتسلمها من أي شخص آخر إلى السيد كينيون. مع ذلك، وكما كنت على الأرجح مدركا عندما أرسلت الرسالة، فلن يلقى بأي لوم على عاتقك، أو على عاتق أي شخص آخر، في تلك الواقعة. ومع ذلك، كن حذرا للغاية في المستقبل؛ لأن إرسال الرسائل، بالكامل، يعد أحيانا شيئا محفوفا بالمخاطر. يجب أن تتذكر أنني أريد دائما كل المستندات الخاصة بالأمر، وأنني أريدها جميعها دون استثناء. أنا ممتنة جدا لك لإرسالك الرسالة.
وفيما يتعلق بإدارة المنجم، أنا بالطبع كنت أظن أن السيد كينيون كان يرغب في العودة إلى لندن. إن كان يريد البقاء بالخارج، ويريد بالفعل المكوث هناك، فأود أن تخبره بأن السيد سميث سعيد للغاية لمعرفة أنه يرغب في تولي مسئولية المنجم. لن يبدو عمليا من جانب السيد سميث أن يقول إن السيد كينيون عليه أن يحدد الراتب الذي يريده، لكن، لسوء الحظ، السيد سميث يجهل تماما الراتب الملائم في هذه الحالة؛ لذا، هلا تتفضل وتسوي أنت هذا الأمر؟ أنت تعرف الراتب المعتاد لمثل هذه الوظيفة. رجاء اكتب هذا الرقم، وأضف إليه مائتين في العام. وأخبر السيد كينيون أن المبلغ المذكور هو الراتب الذي وضعه له السيد سميث.
أرجو أن تكون حذرا بشدة في صياغة الرسائل، بحيث لا يعرف السيد كينيون أي شيء عن هوية السيد سميث.
مع خالص الاحترام
إديث لونجوورث
عندما تسلم ونتوورث هذه الرسالة، ونظرا إلى أنه رجل، لم يعرف ما إذا كانت الآنسة لونجوورث مسرورة أم لا. لكنه، كتب بسرعة رسالة لجون، أخبره فيها بأنه عين مديرا للمنجم، وأن السيد سميث مسرور للغاية لشغله هذا المنصب. وذكر الراتب، لكنه أخبره بأنه إن لم يكن كافيا، فلا شك أن السيد سميث متلهف بشدة للحصول على خدماته بحيث يمكن زيادة المبلغ.
عندما تسلم جون الرسالة، كان سعيدا بشدة.
في الوقت الذي كان يقرأ فيه ونتوورث رسالتيه، تلقى جون الرسائل التي أرسلت عندما اشتري المنجم. شعر بالارتياح عندما عرف أن ميلفيل في النهاية لم يصبح المالك؛ وذهب إلى العمل بعزم وإصرار، وهو ينوي قضاء عامين أو ثلاثة من حياته في العمل الشاق من أجل تطوير موارد المنجم. في أول أسبوعين، قبل أن يستقبل أي رسائل، لم يفعل شيئا سوى التعرف على الطريقة التي يسير بها العمل هناك. لقد وجد العديد من الأشياء التي يجب تطويرها. لقد شغلت الآلات على نحو أدى إلى تعطلها، وكان العمال يعملون بتهاون كما يفعل العمال عندما لا يكونون خاضعين لإشراف. كان مدير المنجم قلقا بشدة على منصبه. وأخبره جون بأن ملكية المنجم قد تغيرت، لكنه، حتى تصله تعليمات أخرى من إنجلترا، لا يمكنه تحديد ما سيحدث. وعندما وصلته الرسائل، تولى جون زمام العمل بعزم وإصرار، وسرعان ما حدث تحسن واضح في طريقة العمل. وقد سمح ببقاء المدير القديم كمدير مساعد؛ لكن هذا الشخص سرعان ما وجد أن التساهل الذي كان سائدا في عهد شركة المناجم النمساوية قد ذهب إلى الأبد.
كان على كينيون أن يسافر في رحلة أو رحلتين طويلتين إلى كندا والولايات المتحدة، للترتيب لبيع منتجات المنجم؛ لكنه، بوجه عام، قضى وقته بالكامل في قرية الحطب بالقرب من النهر.
وبعد مرور عام، استطاع كتابة رسالة مبهجة للغاية إلى ونتوورث.
قال: «كما ترى، المنجم، في النهاية، كان يستحق المائتي ألف جنيه التي طلبناها فيه. لقد أدر، حتى في العام الأول، عشرة بالمائة من هذا المبلغ. وهذا سيرد كل المبلغ الذي تكلفه شراء المنجم بأكمله، وأعتقد، يا جورج، أنه من الأمانة أن ندع كل هذا العائد يذهب إلى السيد سميث هذا العام؛ لأنه هو من قدم المال في وقت عصيب. هذا سيجعله يستعيد المبلغ الذي دفعه؛ لأن رأس المال العامل لم يمس. إن الميكا المستخرج غطى تكاليف تشغيل المنجم، وكل الباقي ربح صاف. لذا، إن كنت تريد، سنتخلى عن نصيب الثلث الخاص بنا هذا العام، ثم يمكننا أخذ ربحنا الكبير العام المقبل ونحن مرتاحو الضمير. سأرفق الموازنة.»
جاء على تلك الرسالة رد في الوقت المناسب من ونتوورث، الذي قال إنه قد عرض طلب جون على السيد سميث؛ لكن بدا أن الرجل سر بشدة بالاستثمار المربح الذي قام به، لدرجة أنه لن يقبل بأي تقسيم آخر للأرباح سوى بالتقسيم المتساوي. وبدا أنه تأثر بشدة بالعرض الذي قدمه جون، واحترمه لتقديمه، لكن الرفض المقترح من جانبه وجانب السيد ونتوورث لتقسيم الربح شيء لا يمكن قبوله. وحيث إن الوضع كان كذلك، فقد أرسل جون رسالة وشيكا بمبلغ كبير للغاية لأبيه. وكانت لحظة إرساله لهذه الرسالة، بلا شك، إحدى أسعد اللحظات في حياته، وكانت تلك الرسالة هي آخر مجموعة الرسائل العجيبة التي ظهرت في هذا الفصل.
الفصل الأربعون
كتب ونتوورث إلى كينيون يقول إن السيد سميث رفض تماما أخذ أكثر من ثلث أرباح المنجم. صحيح أن هذا العرض قد رفض، لكن ونتوورث لم يعرف قط مدى الإغراء الذي شعرت به صاحبة المنجم عندما قدمه كينيون. لقد كان همها الأكبر هو رد الثلاثين ألف جنيه لأبيها، وأرادت فعل ذلك بأسرع ما يمكن. وفي نهاية العام الثاني، كان نصيبها من الأرباح من المنجم، ومن ضمنها العائد على الخمسة آلاف جنيه التي أرسلت إلى أوتاوا باعتبارها رأس مال عاملا، لا يزال أقل من الثلاثين ألف جنيه بنحو خمسة آلاف جنيه. لقد تطلعت بشدة إلى الوقت الذي ستستطيع فيه دفع الثلاثين ألف جنيه لأبيها. لم يتحدث السيد لونجوورث العجوز قط مع ابنته عن المبلغ. لقد توقعت أنه سيسألها عما فعلته به، ولكنه لم يذكر قط الموضوع. لقد كان ضميرها يؤنبها كثيرا بسبب الطريقة التي اتبعتها للحصول على هذا المبلغ الكبير. ورأت أن أباها قد غير من طريقة معاملته لها منذ ذلك اليوم. لقد أعطاها المال، لكنه قد أعطاها إياه، كما يمكن أن نقول، وهو شبه مجبر، ولا شك أنه لم يعجبه أن يكره على دفع ماله، رغم كرمه. لقد ضحت إديث لونجوورث من أجل المنجم بأكثر من المبلغ النقدي الذي أودعته في أوتاوا. لقد ضحت من أجله بأن فقدت ثقة أبيها . إنه الآن لم يعد قط يطلب نصيحتها في أي من مشروعاته، ولأول مرة منذ عدة سنوات، ذهب في رحلة بحرية طويلة دون أن يدعوها لمصاحبته. كل هذا جعل الفتاة متلهفة أكثر فأكثر للحصول على المال لرد دينها، وإن قدم ونتوورث في نهاية العام الثاني العرض نفسه الذي قدمه في نهاية العام الأول، فستقبله. لكن العرض لم يقدم، ولم تقل الآنسة لونجوورث شيئا، وأخذت نصيبها من الأرباح ووضعته في البنك.
إن وضع المرء كل البيض الذي يمتلكه في سلة واحدة يعد فكرة جيدة؛ حتى يحدث شيء للسلة! ويقال إن البرق لا يضرب أبدا مرتين المكان نفسه، وكما يشير الطفل الصغير، «إنه لا يحتاج أبدا إلى فعل ذلك». أما في عمل السيد لونجوورث، فالبرق ضرب ثلاثة أماكن، وفي كل من ضرباته أصاب سلة كبيرة. لقد مرر قانون جديد في جزء من العالم مما أثر بشدة على مصالحه الكبيرة هناك. وفي جزء آخر من العالم، في الوقت نفسه، حدثت ثورة، وتوقفت كل مجالات العمل في هذا البلد في الوقت الحالي. وفي جزء ثالث من العالم، حدثت أزمة تجارية، وتأثر سوق المال في لندن بكل تلك الكوارث المالية، وتأزم الوضع فيه بشدة.
أراد الجميع البيع، ولم يرغب أحد في الشراء. وأثرت مجموعة الأحداث المؤسفة هذه بشدة في السيد لونجوورث العجوز. لم يكن الأمر أنه لم يكن يعتقد أن كل استثماراته كانت آمنة، لو استطاع فقط تجاوز العاصفة، لكن كانت هناك حاجة فورية إلى سيولة نقدية بدا أنه كان من شبه المستحيل الحصول عليها. ويوما بعد يوم، كانت ابنته ترى علامات الشيب تظهر عليه على نحو واضح. وكانت تعرف أن القلق هو السبب في هذا، وكانت تدرك أن الأحداث التي كانت تحدث في أجزاء مختلفة من العالم لا بد أنها أربكت أباها بشدة. وتاقت إلى الحديث معه بشأن مسائل العمل، ولكن المحاولة الوحيدة التي قامت بها في هذا الشأن قوبلت بصد عنيف من جانبه، ولم تكن من نوعية النساء التي يمكن أن تتعرض لصد آخر من هذا النوع. لذا، بقيت صامتة، وأخذت تراقب بحزن كيف أن أزمات العمل كانت تؤثر بشدة في صحة أبيها.
قال لونجوورث الشاب: «يبدو أن الرجل العجوز في أزمة.»
قالت الفتاة بغضب: «أنا لا أريدك أبدا أن تشير إلى أبي ب «الرجل العجوز» ... تذكر هذا!»
هز لونجوورث الشاب كتفيه، وقال: «أنا لا أعتقد أنه يمكنك أن تصري على جعلي أصفه بالشاب أكثر من ذلك. إن لم يكن هو رجلا عجوزا، فأود أن أعرف من عساه أن يكون سواه.»
قالت إديث: «لا يهم هذا.» ثم أردفت: «يجب ألا تردد مثل هذا الوصف على مسامعي ثانية. ماذا تقصد بقولك إنه في أزمة؟»
رد: «حسنا، أنا لا أعرف الكثير عن أعماله. إنه لا يطلعني على أسراره على الإطلاق. في الحقيقة، إنه كلما كبر في السن، زادت احتمالات وقوعه في مأزق، والاحتمال الأكبر أنه سيقوم بمضاربة سيئة للغاية عما قريب، إن لم يكن قد فعل هذا بالفعل. هذا هو الحال بالنسبة إلى الرجال العجز، وأستميحك عذرا على استخدامي هذه الصفة. إن هذا الكلام لا ينطبق على أبيك فقط في هذا المقام، بل على كل الرجال العجز، خاصة من كانوا ناجحين منهم. يبدو أنهم يرفضون قبول أي نصيحة من أحد.»
في أحد الأيام، تلقت إديث برقية، تطلب منها الذهاب إلى مكتب أبيها في حي السيتي دون تأخير. أصابها ذعر شديد عندما قرأت الرسالة، وكانت متأكدة أن أباها قد سقط على الأرض في مكتبه، وربما كان يحتضر؛ أو ربما مات بالفعل. لقد كانت تخشى حدوث مثل هذا الأمر منذ فترة طويلة، بسبب الضغط الشديد الذي كان يتعرض له، ولم يكن هو من نوعية الرجال الذين يمكن أن ينصحوا بضرورة الاهتمام بأنفسهم بدعوى تقدمهم في السن. لقد كان يرفض أي إيعاز بأنه لم يعد رجل أعمال ناجحا كما كان دائما؛ لذا، كان من الصعب بشدة جعله يستمع إلى صوت العقل، هذا إن كان لدى أي أحد الشجاعة لأن يمثل هذا الصوت بالنسبة إليه.
قفزت إديث بسرعة ودون أي تأخير في عربة أجرة، وذهبت لاستقلال مترو لندن دون انتظار عربتها. ومن محطة مانشن هاوس، أقلتها عربة أجرة أخرى بسرعة إلى مكتب أبيها.
لقد شعرت بارتياح شديد، بينما كانت تمر عبر مقر الشركة، لرؤية الموظفين وهم يعملون؛ كما لو لم يكن قد حدث شيء محدد. ولدى دخولها مكتب أبيها، وجدته يذرع المكان جيئة وذهابا، بينما كان ابن عمها جالسا على مكتبه، منشغلا على ما يبدو في شئونه. وكان أبوها على ما يبدو غاضبا بشدة.
صاح في اللحظة التي دخلت فيها: «إديث، أين ذلك المبلغ الذي أعطيتك إياه منذ عامين؟»
ردت، وقد شحب وجهها قليلا: «لقد استثمر.»
ضحك أبوها ضحكة جافة وساخرة.
قال ساخرا: «تماما كما ظننت؛ لقد استخدم بنحو لا يمكن استعادة بنس منه، حسبما أعتقد. فيم استثمر؟ لا بد أن أحصل على هذا المبلغ.» «متى أنت بحاجة إليه، يا أبي؟» «أريده الآن، في تلك اللحظة؛ إن لم أحصل على هذا المبلغ، فسأتعرض لمشكلة كبيرة.» «تلك اللحظة. أعتقد أن هذا معناه أي وقت اليوم، قبل أن يغلق البنك أبوابه؟»
نظر أبوها إليها للحظة، ثم قال: «نعم، هذا ما يعنيه.» «سأحاول الحصول لك على المبلغ قبل حلول هذا الوقت.»
قال بمرارة: «ابنتي العزيزة، أنت لا تعرفين ما تتحدثين عنه. إن قمت باستثمار هذا المبلغ، وحتى إن أدر استثمارك ثلاثة أضعاف المبلغ الأصلي الذي دفعته، فلا يمكنك الحصول على بنس واحد منه. ألا تعرفين الوضع الذي عليه سوق المال بلندن؟ ألا تدركين مقدار ندرة المال؟ ظننت أنك ربما لا يزال معك جزء منه، ولم تضيعيه في استثمارك الأحمق، أيا كان. أنا لم أسألك قط عن ماهيته. لقد قلت لي إنك ستخبرينني به، لكنك لم تفعلي هذا قط. لقد اعتبرت هذا المبلغ مفقودا. وأنا لا أزال أعتبره كذلك. إن كان بإمكانك إعطائي ما تبقى منه، فهذا سيساعدني الآن أكثر مما كان سيفعل المبلغ كله، أو ضعفه، في وقت إعطائي إياه لك. ما الذي فعلته بالمبلغ؟ فيم استثمر؟» «لقد استثمرته في منجم.» «منجم. من بين كل الأشياء في العالم التي يمكن إضاعة المال فيها، يعد المنجم هو الأسوأ. إن هذا هو المتوقع تماما من أي امرأة أو أحمق! كيف تتوقعين كسب مال من منجم في الوضع الراهن للسوق؟ ما الذي، بالله عليك، جعلك تستثمرين المال في منجم؟ منجم من هذا الذي اشتريته؟» «أنا لا أعرف من كان مالكه، يا أبي، لكنني كنت أريد أن أخبرك بكل ما كنت أعرفه في الوقت الذي سألتني فيه وإن سألتني الآن عن المنجم الذي اشتريته، فسأخبرك عنه.» «بالتأكيد، سأفعل. ما المنجم الذي اشتريته؟» «لقد اشتريت المنجم الذي كان جون كينيون لديه حق شرائه.»
في اللحظة التي قيلت فيها تلك الكلمات، وقف ابن عمها وحدق فيها مثل رجل مجنون. «لقد اشتريت ذلك المنجم ... أنت؟ إذن ونتوورث كذب علي. لقد قال إن شخصا يدعى السيد سميث قد أعطاه المال.» «أنا السيد سميث، يا ويليام.» «أنت السيد سميث! أنت الشخص الذي خدعني وحرمني من هذا المنجم!» «ابن عمي العزيز، كلما قل الحديث عن الخداع، كان هذا أفضل. أنا أتحدث إلى أبي الآن، ولا أريد أي مقاطعة. هلا تتفضل بمغادرة الغرفة حتى ينتهي حديثي معه؟» «إذن لقد اشتريت منجم الميكا، أليس كذلك؟! وقد كنت تتظاهرين بمصادقتي، وأنت تعرفين طوال الوقت أنك كنت تفعلين كل ما في وسعك لخداع ...»
قاطعه الرجل العجوز قائلا: «مهلا، مهلا! ويليام، كف عن هذا. إن كان لأحد أن يتحدث بحدة مع إديث، فسيكون أنا، وليس أنت. اهدأ، يا عزيزي، واترك الغرفة، كما طلبت منك هي.» ثم أردف، بنبرة أهدأ بكثير، بعد أن غادر لونجوورث الشاب الغرفة: «والآن، يا ابنتي، هل لديك أي مال سائل؟ لا جدوى من القول إن المنجم يستحق مائة ألف جنيه أو مليونا الآن، إن لم يكن لديك مال سائل.» ثم أضاف: «إديث، ابنتي، اجلسي للحظة، وسأشرح لك الوضع بالكامل. يبدو لي أن الأمور منذ أن توقفت عن استشارتك لا تسير على ما يرام. ربما، حتى لو لديك المال، فمن الأفضل ألا تخاطري به الآن ؛ لكن جنيها واحدا سيفعل ما لن يفعله جنيهان بعد عام من اليوم، أو ربما ستة أشهر من الآن، عندما تنتهي هذه الأزمة.»
جلست إديث بجوار أبيها وعرفت منه كيف كان الوضع بالضبط. ثم قالت: «كل ما تحتاج إليه بالفعل هو نحو خمسة عشر ألف جنيه، أليس كذلك؟» «بلى، هذا سيفي بالغرض؛ أنا متأكد من أن هذا المبلغ سيساعدني في تجاوز الأزمة. هل يمكنك توفيره لي، يا صغيرتي؟» «نعم، والمزيد. سأحاول أن أوفر لك المبلغ كله. انتظرني هنا عشرين دقيقة أو نصف الساعة.»
اندهش جورج ونتوورث بشدة عندما رأى إديث لونجوورث تدخل مكتبه. لقد مر عدة أشهر منذ مجيئها آخر مرة إلى هنا، ومد يده بكل ترحيب ليسلم على الفتاة.
قالت على الفور: «سيد ونتوورث، هل معك أي من المال الذي أدره منجم الميكا؟» «نعم. لقد استثمرت أرباح العام الأول، لكن، منذ أن حصلت على آخر مبلغ، أصبحت الأمور غير مستقرة للغاية في حي السيتي لدرجة أنه لا يزال موجودا في البنك.» «هل ستقرضني ... هل يمكن أن تقرضني خمسة آلاف جنيه منها؟» «بالطبع، يمكنني، وسأفعل؛ وأنا سعيد جدا لأن أتيحت لي الفرصة لفعل ذلك.» «إذن، من فضلك اكتب لي شيكا بالمبلغ على الفور، وأي أوراق تريدها كضمان، اكتبها، وسأضمن لك حقك.»
رد الشاب، واضعا يديه على وركيه وقد أخذ يحدق فيها: «اسمعيني، يا آنسة لونجوورث، هل تقصدين إهانتي؟ ألا تعرفين أن السبب في قدرتي على كتابة شيك بخمسة آلاف جنيه، ويكون مقبول الدفع، يرجع بالكامل إلى أنك أعطيتني أنا وكينيون مالك دون ضمان؟ هل تعتقدين أنني أريد ضمانا؟ اسحبي هذا الكلام، يا آنسة لونجوورث.»
قالت: «سأفعل ... سأفعل، لكني في عجلة من أمري. من فضلك اكتب لي الشيك؛ لأنني يجب أن أصرف المبلغ قبل أن يغلق البنك أبوابه.»
وكتب الشيك على الفور وأعطاه لها.
قالت: «أخشى أنني لست مهذبة جدا اليوم، وأنني فظة بعض الشيء، لكنني سأصلح هذا في وقت آخر.»
وهكذا، بعد أن ودعت الشاب، ركبت عربتها إلى البنك، ثم أودعت الشيك في حسابها وصرفت أموالها لتحصل على مبلغ الثلاثين ألف جنيه وحملته إلى أبيها.
ثم قالت: «ها هي الثلاثون ألف جنيه، وأنا لا أزال أملك المنجم، أو، على الأقل، جزءا منه. كل هذا المال مصدره الشيك الذي أعطيتني إياه، أو، على وجه الدقة، ثلثاه؛ لأن ثلثه لم يمس قط. والآن، يبدو لي، يا أبي، أنني إن كنت سيدة أعمال جيدة بالقدر الكافي بحيث أزيد أموالي إلى أكثر من الضعف في غضون عامين، فأنا سيدة أعمال جيدة بما يكفي بحيث يستشيرني أبي حينما يحتاج إلى كاتم أسرار. والدي العزيز، أريد أن أحمل عنك بعضا من الأعباء التي على كاهلك.»
ترقرقت الدموع في عيني أبيها عندما وضع ذراعه حول وسطها وقال لها هامسا: «لا يوجد مثيل لك في لندن بأكملها، يا عزيزتي ... لا أحد يشبهك. أنا لن أخفي عنك أي أسرار، يا فتاتي الشجاعة.»
الفصل الحادي والأربعون
لقد كان الحظ حليف كينيون، كما قال لنفسه. لقد كان العام الثاني حتى أكثر ازدهارا من العام الأول، وكان العام الثالث ناجحا كما هو الحال في العام الثاني. لقد كان هناك إقبال منتظم على المعدن الخاص به، هذا إلى جانب امتلاكه الميزة الكبيرة المتمثلة في معرفة الأوغاد الموجودين في المجال بحيث أمكنه تجنبهم. وقد علمته بعض عمليات الاحتيال الجديدة التي صادفها في خلال تجربته بالعام الأول دروسا استفاد منها في العامين الثاني والثالث. وقد أحب منزله في البرية، وأحب الناس الغلاظ الذين وجد نفسه يعيش في وسطهم.
بالرغم من بغضه للندن، كان يتملكه بين الحين والحين حنين إلى المدينة الكبيرة، ومنى نفسه بالقيام برحلة إليها في نهاية العام الثالث. وقد كان ونتوورث شهرا بعد شهر يهدد بالذهاب لزيارته، لكن كان يحدث دائما شيء يعوقه عن فعل ذلك.
بوجه عام، كان جون يحب المكان الذي يعيش فيه في الشتاء أكثر مما يحبه في الصيف، رغم البرودة الشديدة. لقد كانت البرودة منتظمة ويمكن الاعتياد عليها؛ علاوة على ذلك، لقد كانت صحية ومنعشة. في الصيف، لم يعتد جون قط هجمات الذباب الأسود والبعوض وغيرهما من الآفات الحشرية التي تسكن المنطقة. لقد تركت مواجهته الأولى مع الذباب الأسود وجهه في حالة جعلته سعيدا أنه يعيش في البرية.
في بداية الشتاء الثاني، حصل جون لنفسه على إحدى وسائل الرفاهية. لقد اشترى مهرة قزمة كندية فرنسية جميلة، وكانت سريعة جدا ومعتادة بشدة على جليد النهر، الذي مثل الطريق السريع الذي يستخدمه للوصول إلى بيرنتباين من المنجم في الفصل البارد. وأضاف إلى المهرة زلاجة صغيرة مريحة، وبوسيلة النقل هذه، تنقل في جولاته المتعددة بين المنجم وبيرنتباين في راحة وسرعة، وهو ملتحف على نحو مريح في الأردية المصنوعة من جلد الجاموس.
إن كانت لندن تلح على عقله كثيرا، فقد كان هناك موضوع آخر يقحم نفسه عليه على نحو حتى أكثر تكرارا. إن ازدهار حاله المتزايد كان له علاقة بهذا. لقد رأى أنه إن كان سيكون له ثلث أرباح المنجم، فإنه لن يظل فقيرا لمدة طويلة، وتلك الحقيقة أعطته بعض الشجاعة التي كان يفتقدها من قبل. وتساءل في نفسه عما إذا كانت لا تزال تتذكره. لم يقل ونتوورث عنها إلا أقل القليل عندما كان يكتب إليه؛ إذ كانت رسائله تركز على نحو كبير على الإطراء الشديد على جيني بروستر، وكينيون، رغم الاعتراف الذي أدلى به عندما بدا أن مسألته لا أمل فيها، كان يكره أن يكتب ليسأل صديقه عن أي شيء بشأن إديث.
في أحد الأيام، وفي صباح يوم شتوي شديد البرودة، ربط كينيون مهرته القزمة بالزلاجة من أجل رحلته الأسبوعية إلى بيرنتباين. وبعد تجاوز الجزء الأصعب من الطريق فيما بين المنجم والنهر، وبدء المهرة عملها على الثلج، وقد كانت هناك ضفتان بيضاويتان من الثلج على جانبي الطريق الناعم، أطلق جون العنان للتفكير في الموضوع الذي صار الآن يشغل باله بكثرة. وجدت أفكار جون، الذي كان ملتحفا بأرديته، ويركب زلاجته التي كانت تنساب عبر الثلج، صحبة مبهجة في الجلجلة الرخيمة للأجراس التي كانت تجلجل حول عنق مهرته. إنه، بوجه عام، لم يصادف أحدا على الطريق الجليدي من المنجم إلى القرية. وأحيانا، كان يمر به موكب من الزلاجات التي تحمل المؤن إلى منجمه والمناجم التي تليه، وعندما كان يرى ذلك الموكب، كان عليه أن يبحث عن مكان على جانب الطريق حيث يمكنه إيقاف مهرته القزمة وزلاجته حتى يسمح للموكب بالمرور. كان الثلج على كلا جانبي الحفر الذي تتسبب فيه الزلاجات كبيرا جدا لدرجة أن هذين الركنين كانا يسويان من آن لآخر؛ للسماح للزلاجات بالمرور بعضها بجانب بعض. كان قد تجاوز نصف الطريق إلى القرية، عندما رأى أمامه حصانين أدرك على الفور أنهما ينتميان لصاحب الفندق وكانا يقودان إحدى الزلاجات. توقف في الجانب الأول من الطريق، وانتظر وصول الزلاجة. ورأى أن بها زائرين له؛ لأن السائق، بمجرد أن رآه، استدار وتحدث إلى شاغلي العربة. وعندما اقتربت العربة، وقف الرجل وأومأ لكينيون محييا إياه، لكنه، رغم أنه أكثر الأشخاص تهذيبا في المكان، لم يرد له التحية. لقد تملكته الدهشة وجعلته عاجزا عن الكلام عندما رأى من كان في الزلاجة. لقد كانت هناك امرأة ملتحفة بشدة بالأغطية حتى إن أنفها لم يظهر في البرد، لكن الوجه الوردي المبتسم للراكبة الأخرى كان جون كينيون يعرفه بشدة.
صاح صوت ضاحك: «حسنا، يا سيد كينيون، أنت لم تتوقع رؤيتي هذا الصباح، أليس كذلك؟»
رد جون: «أعترف أنني لم أفعل، ومع ذلك ...» وتوقف هنا عن الكلام؛ فقد كان سيقول: «ومع ذلك، فقد كنت أفكر فيك.» لكنه كبح جماح نفسه.
ربما لم تكن الآنسة لونجوورث، التي كانت لديها مهارة قراءة الأفكار الخفية لجون كينيون، تحتاج إلى معرفة نهاية الجملة.
سألته: «هل ستذهب إلى القرية؟» «لقد كنت في طريقي إليها. ولكنني لن أذهب إليها الآن.» «هذا جيد. لقد كنت سأدعوك لتوي كي تستدير وتأتي معنا. كما ترى، إننا في طريقنا لإلقاء نظرة على المنجم، وأعتقد أننا سيكون علينا الحصول على موافقة المدير قبل أن يمكننا فعل هذا.»
ظهرت مرافقة الآنسة لونجوورث للحظة من أرديتها ونظرت إلى جون، لكنها رجعت على الفور إلى أغطيتها ثانية وهي ترتعش. لم تكن صغيرة السن للغاية مثل مرافقتها، وقد اعتبرت هذا أفظع طقس قد صادفته في حياتها.
قال جون: «حسنا، رغم أن زلاجتك مريحة للغاية، إلا أنني أعتقد أن زلاجتي أكثر راحة منها. إن بها مكانا لشخصين؛ هلا تنزلين من زلاجتك وتركبين زلاجتي؟ حينها، إن تحرك السائق، يمكنني أن أستدير وسنتبعهما بزلاجتي.»
قالت السيدة الشابة، وهي تحرر نفسها من الرداء المصنوع من جلد الجاموس، وتنزل بخفة من زلاجتها إلى زلاجة كينيون، لكنها توقفت للحظة قبل أن تفعل هذا، لتضع أغطيتها الخاصة بها على مرافقتها: «سيسرني فعل ذلك.» أركبها جون بجواره، وعندما بدأت الزلاجة الأخرى في التحرك، أدار هو ببطء مهرته القزمة محركا إياها للطريق ثانية.
قال: «لدي مهرة قزمة سريعة للغاية، لكنني أعتقد أننا سنجعلهما يتقدمون علينا قليلا. إن مهرتي الصغيرة هذه يزعجها رؤية أي شيء أمامها.»
ردت إديث: «ثم يمكننا زيادة السرعة واللحاق بهما قبل أن يصلا إلى المنجم. هل هو بعيد عن هنا؟» «لا؛ ليس بعيدا جدا؛ على الأقل، لن نستغرق وقتا طويلا للوصول إلى هناك ونحن معنا مهرة جيدة.»
قالت: «لقد استمتعت بهذه التجربة بشدة؛ كما ترى، كان على أبي أن يأتي إلى مونتريال في مهمة عمل؛ لذا، جئت معه، كالمعتاد، وعندما وصلت إلى هنا، فكرت في أن آتي إلى هنا وأرى المنجم.» ثم أردفت، وهي تنظر على الجانب الآخر من الزلاجة وتجرجر أصابعها المغطاة جيدا في الجليد: «أردت ... أردت أن أعرف بنفسي ما إذا كان مديري يشرف على منجمي كما ينبغي، بغض النظر عن الميزانيات المرضية للغاية التي يرسلها.»
قال جون في اندهاش: «منجمك!»
ردت، وهي تنظر إليه للحظة، ثم وهي تبعد نظرها عنه: «بالتأكيد. أنت لا تعرف هذا، أليس كذلك؟ أدعو نفسي مالكة المنجم.» «إذن، أنت ... أنت ...»
قالت الفتاة لتساعده: «السيد سميث.»
سادت لحظة من الصمت، والكلمات التالية التي قالها جون لم تكن على الإطلاق ما توقعته.
قال آمرا: «أبعدي يدك عن الثلج، وضعيها تحت الرداء المصنوع من جلد الجاموس؛ أنت لا تعرفين مدى برودة الجو هنا، ويدك ستتجمد في لحظة.»
قالت الفتاة: «حقا، الموظف لا يجب أن يتكلم مع رب عمله بهذه النبرة! إن يدي ملكي، أليس كذلك؟»
قال جون: «أتمنى أن تكون كذلك لأنني أريد أن أطلبها منك.»
ردت الآنسة إديث لونجوورث على طلبه بأن وضعت يدها في يده.
الأفعال أبلغ من الأقوال. كانت الزلاجة الأخرى متقدمة بشدة على زلاجتهما، ولم يكن هناك شهود على التلال المغطاة قممها بالثلوج.
قالت: «ألم تندهش عندما قلت لك إنني مالكة المنجم؟» «لقد اندهشت بشدة في واقع الأمر. ألم تندهشي عندما قلت لك إنني أرغب في أن تصبح مالكة المنجم ملكا لي؟» «مطلقا.» «لماذا؟» «لأن صديقك الخائن ونتوورث أرسل لي خطابك الذي تمنيت فيه أن تصبح في وضع ما. وها أنت قد حصلت على هذا الوضع، أليس كذلك، يا جون؟»
صفحة غير معروفة