وأخذ واحد من الضباط المشهود لهم بالأمانة والصدق يباشر مسألة العد، بينما جلس البقية يستطلعون وهم يشاهدون الموقف عن كثب وأعرف أنهم خائفون، وكل واحد منهم في سره يحمد الله أنه لم يكن في محل الأسير، والذي أصبحت حياته الآن بين رقم ما وعشرة، أما هو فبدا وكأنه ذهب في غيبوبة عميقة ودائرة من النعاس يصعب الانفكاك عنه، مستهينا بالتهديد. - ثمانية، تسعة، عشرة.
فصرخت فيه منفعلا: يا وسخ، خذ.
طاخ، في منتصف رأسه تماما، إطلاق الرصاص في منتصف الرأس أصبح سمة مميزة لأسلوبي في الإعدام الشرعي. نعم، العبارة المناسبة أو البديلة القتل هي (الإعدام الشرعي)، وجدتها، لقد كنت دائما تثني على أسلوبي الأدبي في الإنشاء، ولكن الجندية لم تترك شيئا في الرأس، حسنا؛ لدهشتي ودهشة جميع العساكر وربما لدهشته هو نفسه أن نهض ومشى سبع خطوات عسكرية سريعة ومقنعة لحد بعيد، ثم وقف للحظة طويلة وممطوطة وقفة مرعبة وصامتة، صمت حقيقي، ثم بدا وكأنه بصدد أن يلقي تحية عسكرية للواء عظيم غير مرئي قبل أن يسقط فجأة، سقطة عسكرية بارعة على وجهه ويموت، منهيا بذلك عرضا جنائزيا جميلا.
انفجر الجميع بالضحك في لحظة واحدة، هي اللحظة ذاتها - اسمح لي أن أكتب كل شيء - التي تبلل فيها سروالي بسائل حار خرج في لذة مجنونة ورجفة لا توصف، أعترف أنه موت ممتع وبهيج أيقظ في نفسي لذة قديمة منسية، ولكنها ليست كشهية سلخ لحاء الأشجار ولا صب الماء الحار على النمل أو قتل القطط؛ حتى لا يلتبس عليك الأمر.
أستاذي العزيز جلال
في الواقع لم أحس ولو للحظة عابرة بالندم؛ حتى عندما عبثنا في جيوبه ووجدنا صورا لأفراد أسرته وصورة اتفق الجميع على أنها زوجته أو خطيبته أو حبيبته أو حتى داعرة ما، له علاقة حميمة بها، سيدة طويلة لها ضفائر مسدلة على كتفيها، ترتدي فستانا قصيرا يظهر ساقها وردفيها - ما أزال أحتفظ بالصورة، وعندما نلتقي اسألني أن أريك إياها - واتضح لنا أنه شخص مثلنا له من ينتظره ويحبه وربما هو عائل لأسرة كبيرة.
بالرغم من ذلك كنت أتمنى وبكل صدق أن يحيا مرة أخرى فأقتله، إذا كان باستطاعته القيام بذلك الاستعراض الممتع مرة أخرى، أن يجعل جنازته تمشي مشيتها العسكرية الفريدة، ما الذي يجعلني أندم على قتله! لقد استخدمت حقا مشروعا تجاهه، فقتل الأسير أمر مشروع وخيار جائز لا اختلاف عليه. وهو نفسه اختار الموت بقوله: «الموت أحسن.» ولقد أساءنا واصفا إيانا بالحيوانات، أيحق له أن يصف الإنسان الذي كرمه الله بالحيوان؟ وفوق ذلك كله أعطيناه فرصة كافية للتراجع عن إصراره على البقاء تحت شجرة المانجو، وذلك بالعد من واحد إلى عشرة. ذلك زمن كاف لشخص يواجه الموت لكي يتخذ قرارا في صالح بقائه حيا!
أستاذي العزيز
أنا حينما أصوغ هذه المبررات أريد أن أؤكد لك شيئا واحدا وهو أن قتلي لهذا الأسير ليس إشباعا لغريزة حيوانية دنيئة أجدك تتهمني بها من وقت لآخر، إن قتلي الشرعي له ليس إلا تمرين عادي وطبيعي وربما - بشيء من التحفظ - عاطفيا، أضيف أيضا أنه بعد موته ارتفعت الروح المعنوية للعساكر. وبالرغم مما كانوا يشعرون به من أرق وعطش وجوع، حملوا صندوق الذخيرة على أكتافهم، وكأنه علبة كبريت فارغة وأخذوا ينشدون أجمل المارشات العسكرية، وهم يقفزون على برك الطين، ويمشون على نتوءات الصخر الحادة وبقايا الأشجار الشوكية المتساقطة على الأرض مثلهم مثل الغزلان خفة ورشاقة وحيوية؛ خذ الأمر من وجهة نظر عسكرية وجند منسحبين ليس من وجهة نظر أستاذ متقاعد يقضي وقته في حياة آمنة داخل منزله، وقدر أيهما أفيد؟!
هل كان علينا أن نتركه عبئا يغرق أنفسنا في طين الإحباط واليأس - وربما وقعنا تحت الأسر - لكسله وعدم مبالاته؟!
صفحة غير معروفة