أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء
الناشر
دار الكتب العلمية
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
وَقَدْ أجاب أصحاب المذهب الثاني عن هَذَا الْحَدِيْث، بأنه قَدْ عارضه فعلها، وأنها فعلت خلاف ما روت، فَقَالَ الطحاوي: «ثُمَّ لَوْ ثبت ما رووا من ذَلِكَ عن الزهري، لكان قَدْ روي عن عَائِشَة ﵂ ما يخالف ذَلِكَ» (١).
ثُمَّ رَوَى من طريق مالك، أن عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم أخبره، عن أبيه، عن عَائِشَة زوج النَّبِيّ ﷺ أنها زوجت حفصة بنت عَبْد الرَّحْمَان (٢)، المنذر بن الزبير (٣)، وعبد الرَّحْمَان غائب بالشام.
فلما قدم عَبْد الرَّحْمَان قَالَ: أمثلي يصنع بِهِ هَذَا، ويفتات (٤) عَلَيْهِ؟ فَكُلِّمَتْ عَائِشَة عن المنذر، فَقَالَ المنذر: إن ذَلِكَ بيد عَبْد الرَّحْمَان، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَان: ما كنت أرد أمرًا قضيته، فقرت حفصة عنده، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طلاقًا» (٥).
فلولا أنها كَانَتْ ترى عدم اشتراط الولي لصحة عقد النكاح، لما فعلته مع ابنة أخيها، وهذا يدل عَلَى وجود ناسخ أو تأويل لما روته من اشتراطه.
ورد الجُمْهُوْر هَذَا الاستدلال: بأنه لَيْسَ في خبر عَائِشَة هَذَا التصريح بأنها باشرت العقد بنفسها، فَقَدْ تَكُوْن مهدت لأسبابه، فإذا جاء العقد أحالته إِلَى الولي بدليل ما روي عن عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم، قَالَ: «كنت عِنْدَ عَائِشَة يخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد، فإذا بقيت عقدة النكاح، قالت لبعض أهلها: زَوّج فإن المرأة لا تلي عقد النكاح» (٦).
فإذا علمنا أن مذهبها هَذَا الَّذِي رَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم عَنْهَا، اتَّضح أن مراد الرَّاوِي بقوله: «زوجت حفصة»، أي: هيأت الأسباب، فانتفت المخالفة المظنونة، لما روت عن رَسُوْل الله ﷺ.
(١) شرح معاني الآثار ٣/ ٨.
(٢) هِيَ حفصة بنت عَبْد الرحمان بن أَبِي بكر الصديق: ثقة.
الثقات ٤/ ١٩٤، وتهذيب الكمال ٨/ ٥٢٦ (٨٤١١)، والتقريب (٨٥٦٢).
(٣) أبو عثمان المنذر بن الزبير بن العوام القرشي، قتل سنة (٦٤ هـ).
طبقات ابن سعد ٥/ ١٨٢، والثقات ٥/ ٤٢٠، وسير أعلام النبلاء ٣/ ٣٨١.
(٤) افتات في الأمر: استبد بِهِ، وَلَمْ يستشر من لَهُ الرأي فِيْهِ. ويقال: افتات عَلَيْهِ فِيْهِ، وفلان لا يفتات عَلَيْهِ: لا يفعل الأمر دُوْنَ مشورته. المعجم الوسيط ٢/ ٧٠٥.
(٥) شرح معاني الآثار ٣/ ١٨. وانظر نصب الراية ٣/ ١٨٦، وتحفة الأحوذي ٤/ ٢٢٩.
(٦) نصب الراية ٣/ ١٨٦، وفتح الباري ٩/ ١٨٦.
1 / 170