أما وقد أقر الناس جميعا في كل الأمم بما لكل إنسان من حق في أن يتعلم وأن يقدر ما له وما عليه، فإن هذه الحريات الأربع ستسرع إلى الانتشار، وسيؤمن بها كل إنسان أينما وجد من أرجاء الأرض، وسيرى واجبا عليه أن يدافع عنها إذا حدثت معتديا نفسه أن يعتدي عليها.
فإذا استقر هذا الشعور في النفوس، وبلغ منها مبلغ الإيمان، قضى هذا الإيمان وحده على فكرة الاعتداء، وقرب بين بني الإنسان في أرجاء العالم كله، فعاش الناس بفضل من الله إخوانا.
ألمح في خاطري هذا اليوم السعيد يبزغ فجره، ويعم نوره، ويستمتع أبناؤنا وحفدتنا بنعمته، فتمتلئ نفسي ابتهاجا وغبطة. ولعل هؤلاء الأبناء والحفدة يحدث بعضهم يومئذ بعضا فيقول أحدهم لأصحابه: «ما أكثر ما في العالم من خير يكفي أبناءه جميعا ليعيشوا في أمن ورغد، سعداء بعلمهم وبثمرات هذا العمل، فما بال آبائنا كانوا يتناحرون ويقتتلون، فيقتل بعضهم بعضا؟»
ولعل منهم يومئذ من يقسو في الحكم علينا ويتهمنا في منطقنا وفي رأينا، ولو أنصفونا لذكروا أن ما ينعمون به من سعادة إنما هو ثمرة هذا التناحر وهذا القتال، وما ابتلينا به خلال القرون من ألوان الشقاء والبؤس، ولقال حكيمهم: «ما أشبه ما ناء به آباؤنا من ألم بمخاض الأم حين تضع وليدها، فإذا أثمر هذا المخاض وليدا جميلا نما وترعرع، وسعدت الأم به وبآلامها في سبيل وضعه! ويقدر هذا الحكيم من حفدتنا سعادة أرواحنا يومئذ في ظل الله.»
فليثمر ما تنوء به الإنسانية، وما ناءت به خلال الأجيال من آلام، هذا العالم السعيد يقول فيه أبناؤنا: «ربنا أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام».
الجزء
الأماكن المقدسة في الشرق الأوسط
الفصل الأول
الأماكن الإسلامية المقدسة
(1) فكرة الأماكن المقدسة
صفحة غير معروفة