الإيمان
محقق
محمد ناصر الدين الألباني
الناشر
المكتب الإسلامي،عمان
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٤١٦هـ/١٩٩٦م
مكان النشر
الأردن
فخاف، فهذا هو الذي تم تخويفه. وأما من خُوِّف فما خاف، فلم يتم تخويفه. وكذلك من هديته فاهتدى، ثم هداه، ومنه قوله تعالى: ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢]، ومن هديته فلم يهتد كما قال: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧] فَلم يتم هداه، كما تقول: قطعته فانقطع، وقطعته فما انقطع.
فالمؤثر التام يستلزم أثره، فمتى لم يحصل أثره لم يكن تامًا، والفعل إذا صادف محلًا قابلًا تم، وإلا لم يتم. والعلم بالمحبوب يورث طلبه، والعلم بالمكروه يورث تركه؛ ولهذا يسمى هذا العلم: الداعي، ويقال: الداعي مع القدرة يستلزم وجود المقدور، وهو العلم بالمطلوب المستلزم لإرادة المعلوم المراد، وهذا كله إنما يحصل مع صحة الفطرة وسلامتها، وأما مع فسادها، فقد يحس الإنسان باللذيذ فلا يجد له لذة بل يؤلمه، وكذلك يلتذ بالمؤلم لفساد الفطرة، والفساد يتناول القوة العلمية والقوة العملية جميعًا، كالممرور الذي يجد العسل مرًا، فإنه فسد نفس إحساسه حتى كان يحس به على خلاف ما هو عليه للمرة التي مازجته، وكذلك من فسد باطنه، قال تعالى ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩، ١١٠] .
وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥]، وقال: ﴿وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ
1 / 24