ولا تنس حلف الفضول الذي هو خير حلف عقدته قريش بل العرب كلها ، لرد عادية الظلم ، والانتصار للمظلوم ، قد دخل فيه الرسول عليه وعلى آله السلام وذلك قبل الاسلام ، وقال فيه بعد ذلك : « لو دعيت إلى مثله لأجبت ». ذلك حلف هدد بالهتاف به الحسين عليه السلام معاوية بن أبي سفيان ، ووقف للطغاة الغاصبين بالمرصاد. فكم رد من مال نهب ، وعرض غصب ، وكان السبب فيه الزبير بن عبد المطلب ، ولم يدخل فيه النوفليون والعبشميون ، ويحق للسائل أن يسأل عن سبب امتناعهم عن الدخول فيه ، ألأن سببه الهاشميون؟ أم لأنه فضيلة سامية؟ أم لما ذا؟
هذه حال أمية لو استطردت بعضها قبل بزوغ شمس الاسلام. وأما لو نظرت الى مواقفهم بعد بزوغ تلك الشمس النيرة ، لأيقنت كيف كانت هذه الشجرة جديرة بنزول ذلك الكتاب الكريم ، لا لأن الايمان لم يدخل أعماق قلوبهم فحسب ، لأنهم لم يتركوا ذريعة لستر ذلك النور الساطع إلا توسلوا بها ، ولا معولا لهدم بنائه الشامخ إلا حملوه ، سوى ما كان منهم من أعمال يأباها العدل والمروءة ويمقتها الشرف والفضيلة.
وهل ينسى أحد ما قام به أبو سفيان من إيذاء الرسول قبل الهجرة ، وما ألبه عليه بعدها ، هذه أحد والأحزاب والحديبية وما سواها من أعمال خلدها التاريخ تنبئك عن حاله ، ومن صاحب العير وصاحب النفير غيره وغير بني أبيه العبشميين ، وكيف ينسى ابن الاسلام تلك الوقائع والتاريخ يذكره بها كل حين ، وما دخل أبو سفيان وابنه معاوية في الاسلام إلا حين أخذ الاسلام منهما بالخناق ، ولم يجدا مفرا منه ، وقد ألفهما النبي الحكيم بعد الفتح بالعطاء الوفر من غنائم حنين ، فأعان الطمع الخوف على ذلك التظاهر والقلوب منطوية على وثنيتها القديمة وعلى الحسد والحقد وانتهاز الفرصة للوثبة وأخذ تراث الأبناء
صفحة ١٦