آية أو ثلاث آيات ركنا وما زاد عليه واجبا(1) ولعلك تفطنت من هاهنا جواب استدلال من استدل ببعض الأحاديث المذكورة على ركنية ضم السورة وقد نسبه صاحب الهداية إلى مالك وخدشه العيني بأنه غير صحيح لأن صاحب الجواهر قال وضم السورة إلى الفاتحة سنة عند مالك وقال غيره المشهور عن مالك جعل أم القرآن ركنا ولم يقل أحد أن ضم السورة إلى الفاتحة ركن فيما علمته انتهى وقال صاحب المحلى شرح الموطأ قال الجمهور إن ضم السورة بعد الفاتحة سنة وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وادعى ابن حبان والقرطبي الإجماع على وجوب قدر زائد منها وفيه نظر فقد قال أبو حنيفة وصاحباه أنه يجب ضم السورة ورواه ابن المنذر عن عثمان بن أبي العاص الصحابي وبه قال ابن كنانة المالكي وهو رواية عن أحمد ويرده ما في الصحيحين عن أبي هريرة وإن لم تزد على أم القرآن أجزاك ومن زاد فهو فضل ولابن خريمة عن ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - قام فصلى ركعتين لم يقرأ إلا بفاتحة الكتاب واحتجت الحنفية بما رواه النسائي عن عبادة مرفوعا لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا وروى ابن أبي شيبة عن أبي سعيد مرفوعا لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد لله وسورة في فريضة وغيرها انتهى وأما النزاع في المبحث الثاني فالجواب من الحنفية ومن وافقهم أن هذه الروايات ليس فيها ما يدل صريحا على إلزام الفاتحة على المؤتم بل غاية ما استندوا به هو الإطلاق والأمر فيه سهل من غير إغلاق بحملها على ما عدا المؤتم والقدوة في ذلك هو جابر بن عبد الله حيث قال من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن لم يصل إلا وراء الإمام كما مر في الفصل الأول من الباب الأول وكذا حمله سفيان بن عيينة كما مر نقله عن سنن أبي داود في هذا الفصل فإن قلت لا بد للعام من مخصص وأين المخصص قلت هو حديث قراءة الإمام قراءة له وغيره من الأحاديث السابقة فإن قيل تلك أحاديث ساقطة غير كافية قلنا لقول به ليس إلا من الأقوال الساقطة كما مر من أن كثيرا منها صحيحة أو حسنة فإن قيل هي ليست في درجة هذه الأحاديث في القوة قلنا بعد تسليم ذلك ليس التخصيص بها بأسوء حالا من تخصيص إطلاق الكتاب بهذه الروايات فإذا جوز ذلك فما بال عدم جواز التخصيص بها فإن قيل قد حمل بعض هذه الأحاديث على العموم وبعض رواتها من الصحابة كأبي هريرة وعبادة وفهمهم أقوى من فهم غيرهم قلنا كذلك قد خصصها بعض رواتها من الصحابة فإن الاستدلال بفهم الصحابي فالكلام مشترك الإلزام وإن كان بنفس الروايات فهو غير تام فإن قيل حديث عبادة لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها صريح في إلزام الفاتحة على المؤتم قلنا نعم هو أصرح الروايات التي ذكرتم لكن دلالته على ما هو مطلوبكم غير مسلم لأن الاستدلال على الإلزام إن كان بقوله لا تفعلوا إلا بأم القرآن فهو غير تام لما تقرر في مقره أن الاستثناء عن النهي لا يدل إلا على خروج المستثنى عن حيز المنهي لا على إلزامه وركنيته أو وجوبه وإن كان بقوله فإنه لا صلاة الخ فهو يدل على الركنية كنظائره من الأحاديث السابقة فإن قيل فما بال الحنفية استدلوا بنظائرها على وجوب الفاتحة ولم يستدلوا به على وجوبها خلف الأئمة قلنا لما ظهر لهم من الكلام في رواته ووجود معارضاته ولولا ذلك لقالوا به مع أن وجوبها في الجهرية حال قراءة الإمام مخالف(1) صريحا لأمر الاستماع والإنصات فلا يجوز به وهو خبر الآحاد إبطال الثابت بالكتاب ولا تخصيصه به وفي حال سكتات الإمام موقوف على وجوبها ولم أحد بوجوبها ولا دل دليل عليه إلا على استحبابها أو سنيتها وإذا لم يمكن إثبات الركنية والوجوب في الجهرية لم يمكن في السرية فإن قيل فليكن واجبا في السرية وإن لم يكن ركنا فيها ولا واجبا أيضا في الجهرية لمانع وهو عدم افتراض السكتات ووجوب الإنصات قلنا قد ذهب إليه قوم لكن الحنفية والمالكية لما لم يجدوا لأحاديث الترك في السرية معارضا صريحا صحيحا قالوا بعدم وجوبها فيها وفي الجهرية وإن وجد ما يدل عليه لكن عارضته غيره فلذلك لم يفرقوا بينها وبينها فإن قيل إن لم تثبت الركنية والوجوب بهذا فلا أقل من أن يكون سنة أو مستحبا في السرية وفي الجهرية حال السكتة مع أن جمهور الحنفية والمالكية لم يقولوا به قلنا هب لكن لما لم يعرف جمهور الفريقين أحاديث السكتات لوجوه لاحت لهم لم يتعرضوا لحكم قراءتها في الجهرية حال السكتة بل حكموا بالكراهة وأما في السرية فالمالكية قالوا به وكذا جماعة من أصحابنا ومن لم يقل بذلك تمسك بإطلاق الآية والأحاديث الواردة وقد مر(1) ما لها وما عليها الفصل الثالث في استدلال المالكية ومن حذى حذوهم اعلم أن قدوتهم بعد عصر الصحابة وأجل من اشتهر به مذهبهم هو الإمام مالك السالك على أحسن المسالك وقد أشار إلى مآخذه في موطأه حيث ترجم الباب أولا بباب القراءة خلف الإمام في ما لا يجهر فيه الإمام وروى فيه حديث أبي هريرة وقوله أقرأ بها في نفسك يا فارسي فأشار إلى حمله على مؤتم السرية ثم روى فيه أثر هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقرأ خلف الإمام في ما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة وأثر القاسم بن محمد بن أبي بكر أنه كان يقرأ خلف الإمام فيما ما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة ثم ترجم الباب بباب ترك القراءة خلف الإمام في ما جهر فيه وروى فيه قول ابن عمر إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام وإذا صلى وحده فليقرأ وحديث أبي هريرة فانتهى الناس عن القراءة خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ما جهر فيه وذكر ابن عبد البر في الاستذكار من دلائل مذهبه قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}وقال فأين المهرب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وظاهر كتاب الله انتهى وقد مر منا ذكر كل ذاك والآثار الموافقة له وبالجملة فكل دليل احتجت به الحنفية فهو دليل للمالكية بحمله على مؤتم الجهرية وما هو صريح منه في مؤتم السرية دليل لهم على عدم وجوب الفاتحة على مؤتم السرية وكل دليل احتجت به الشافعية فهو دليل لهم بحمله على مؤتم السرية إلا حديث عبادة فإنه صريح في الجهرية وهو مشترك الورود على الفريقين وقد مر العذر من الجانبين الباب الثالث في ضبط المذاهب الواقعة في هذا المبحث المذكورة في الفصول السابقة إجمالا والإشارة إلى دليل كل منها تفصيلا مع ترجيح مرجح يقبله أصحاب النظر الصحيح اعلم أنهم اختلفوا في قراءة الفاتحة هل هو من الأركان المفروضة كالركوع والسجود والقعدة أم ليس له حظ الركنية وعلى تقدير كونه ركنا تبطل بتركه الصلاة هل تسقط عند الضرورة كالنسيان وإدراك قدر من ركوع الإمام بحيث يخاف عند قراءتها فوات الشركة في ركوع الإمام وأيا ما كان هل هو ركن لكل من الإمام والمنفرد والمؤتم أم لما عدا المؤتم فذهب مالك وأحمد والشافعي وغيرهم إلى افتراضها وركنيتها لكن الجمهور منهم أجمعوا على أنها ساقطة عند الضرورة وشذ بعضهم فقال بعدم سقوطها عند الضرورة وقد مرت دلائل الجمهور وتزييف قول من خالف الجمهور ومر أيضا بحث في سقوطها عند النسيان وعدمه وعند الاقتدار عليها وعدمه ثم الشافعي منهم ذهب إلى كونها ركنا في حق كل من الإمام والمقتدي والمنفرد ومالك ذهب إلى خصوصيته بالإمام والمنفرد وكذا أحمد وذهب داود إلى الفرق بين مؤتم السرية ومؤتم الجهرية وذهب أصحابنا إلى أنه ليس له حظ من الركنية بل هو واجب لغير المؤتم وأما في حقه فليس بواجب أيضا بل هو مكروه له في السرية والجهرية كليهما أو حرام أو مفسد للصلاة أو مستحسن في السرية لا في الجهرية وأما دلائلهم فاستدلت أصحاب الركنية لكل مصل بعموم الأحاديث الورادة في نفي الصلاة بدونه لكن الجمهور منهم لما وضحت لهم دلائل تشهد بسقوطه عند الضرورة قالوا به والمخصصون منهم لما وضحت لهم أخبار وآثار شاهدة على كفاية قراءة الإمام اختاروا تخصيص المؤتم مطلقا أو مقيدا واستندت أصحاب عدم الركنية بأحاديث الترك وغيرها من الدلائل الواضحة ثم تفرقوا شيعا بحسب ما لاحت لهم الدلائل قوة وضعفا وقد ذكرنا كل ذلك هداية لكل سالك والذي ظهر بعد الغوص في بحار هذه الاختلافات وطرح النظر عن التعسفات والتعصبات هو أن شيئا من هذه المشارب ليس بحيث لم يوجد له سند بل وجد لكل منها مستند إلا أن بعض الإسناد والاستناد غير معتمد وأوهنها وأضعفها هو مذهب فساد الصلاة بقراءة الفاتحة فإني لم أجد له سندا صحيحا قابلا للاعتماد ودونه خرط القتاد فإن غاية ما استدل به أصحابه هو التشديدات الواردة من بعض الصحابة وهو ليس بذاك فإن غاية ما يثبت منه على تقدير صحتها وعدم حملها على قراءة ما عدا الفاتحة أو القراءة في الجهرية مع قراءة الأئمة أو القراءة بحيث يفوت الإنصات ويوجب التشويش على الأئمة هو كونه مكروها أو محرما أو خلاف سنة وشيء من ذلك لا يوجب فسادا فليس ارتكاب كل محرم أو مكروه أو بدعة في الصلاة مبطلا ووجهه صاحب تصوير التنوير في سنة البشير النذير الذي صنفه في الرد على تنوير العينين في رفع اليدين بقوله ليس المأموم داخلا في هذا الحكم أي وجوب الفاتحة لأنه ممنوع عن القراءة فحاله كحاله قراءة القاري في الركوع والسجود فإن قراءته في الركوع والسجود لا تكفي له فكذلك قراءة المأموم لا تكفيه في أداء الواجب عنه فإن قرأ صار عاصيا بقراءة وتاركا قراءة إمامه لاعتقاده أنها لا تكفيه فبطلت صلاته لترك الواجب قصدا عندنا كما قال زيد بن ثابت من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له انتهى وهذا كما ترى متعقب عليه بوجوه أما أولا فبأن قوله ممنوع عن القراءة ممنوع فإن غاية ما ثبت هو النهي عن القراءة عند القراءة بحيث يفوت الاستماع والتدبر وعن القراءة بحيث يشويش على القارئ مطلق القراءة ولا عن قراءة الفاتحة الغير المشوشة والمفوتة وأما ثانيا فقوله فحاله الخ غير صحيح لأن القراءة في الركوع والسجود منهي عنها صراحة نهيا عاما ولا كذل قراءة الفاتحة فالقياس غير نجيح وأما ثالثا فبان قوله لا تكفي له وإن كان صحيحا لكنه ليس بمخل لأن عدم كفاية القراءة في الركوع والسجود لكونها في غير محلها ولا كذلك القراءة في القومة وأما رابعا فبان قوله لا تكفي عنه في أداء الواجب موقوف على إثبات أن الواجب مطلقا في حق المقتدي هو السكوت مطلقا وقد مر ما فيه نقضا ومنعا وأما خامسا فلأن قوله فإن قرأ صار عاصيا الخ مبني على ثبوت لزوم العصيان من القراءة مطلقا ولو في السرية أوالسكتة وهو في حيز الممانعة وأما سادسا فلأن قوله وتاركا الخ غير صحيح لأنه لما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أن قراءة الإمام كافية لا يتوقف كونها كافية على اعتقاد المؤتم الكفاية فإن قرأ بنفسه واعتقد عدم الكفاية غاية ما يلزم منه أنه زاد ما لم يجب عليه ولم يأخذ بما شرع له الكفاية له وأما سابعا فلأن قوله فبطلت صلاته قصدا عندنا لا يخلو إما أن يراد به بطلانها من أصلها كبطلانها بترك أركانها أو يراد فسادها أو نقصانها كفسادها بترك واجباتها وكل منهما فاسد أما الأول فلكونه مبنيا على كون ترك الواجب الغير الركن عمدا مبطلا للصلاة عندنا وهو غير صحيح عندنا ولم يظهر له أثر في كتب فقهائنا فإن ظهر ذلك يؤخذ لما عليه ويطالب بالاستدلال عليه وأما الثاني فأنه لو كان كذلك للزمت سجدة السهو بترك الإنصات سهوا ولم يقل به أحد فيما علمنا وأما ثامنا فلأن استدلاله بأثر زيد بن ثابت يحتاج إلى تقوية هذا الأثر وإثبات ثقة رواته وروايته وقد مر ما فيه وبالجملة فالقول بفساد الصلاة بالقراءة ليس مما يلتفت إليه أهل البصيرة ونظيره في جانب الخلاف هو القول بالركنية العامة بحيث لا تسقط عند الضرورة وأما سائر المذاهب الباقية فدلائلها بحسب اختلاف أصولهم ومداركهم قوية والقول الفيصل فيها أن الخلاف في الركنية وعدمها متفرع حقيقة على مسألة أصولية وهي أن الركنية هل تثبت بخبر الآحاد الظنية أم لا بد لها من الدلائل القطعية فمن ذهب إلى الأول أثبت الركنية ومن أنكره لم يثبت الركنية وإن سلم دلالتها عليها وعدم وجود معارضها والخلاف في ركنيتها للمؤتم مبني على خلاف آخر أيضا وهو أن الظني هو تجوز به الزيادة على القطعي وتخصيصه به أو نسخه به أم لا يجوز فمن قال بجوازها قال بها ومن لا فلا ولعل النظر الدقيق يحكم بكون القولين الأخيرين قويين في الخلافين وأما الخلاف في نفس قراءة المؤتم مع قطع النظر عن الركنية فالآية القرآنية وكثير من الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة تشهد بالمنع عنها بحيث يفوت الإنصات الواجب أو يورث التشويش والمنازعة ومن أنكر ذلك وأجاز قراءة المقتدي مع قراءة الإمام فهو محجوج بكل ذلك ولا مخلص عند النزاع إلا الكتاب والسنة وآثار سلف الأمة وكلها شاهدة وكثير من الأحاديث وأثار الصحابة دالة على تجويزها في السرية وأثناء السكتة وهو المستفاد من ظاهر الآية ومن ذلك وحكم بكراهة مطلق القراءة مطلقا ولو في السرية والسكتة أو بحرمتها أو بكونها بدعة أو خلاف سنة أو مفسدة فهو مطالب بإثباته بالدلائل الواضحة والجواب عن تلك الأدلة بجوابات شافية ولعل الناظر المنصف الغير المتعسف يتقين بكون أرجح الأقوال الواقعة هو القول بعدم افتراض القراءة على المؤتم مطلقا واستحباب قراءة الفاتحة أو سنيتها في السرية وهو الأرجح بنظر الدقة وهذا هو الذي قالت به جماعة من أصحابنا وجماعة من المالكية وهو وإن كان ضعيفا في مذهب أصحابنا رواية لكنه قوي دراية ولا يعدل عن الدراية إذا وافقتها رواية ولما استحسنوا القراءة في السرية لا بد أن يستحسنوا القراءة في الجهرية حال السكتة لعدم الفارق بينها وبينها إلا أنهم لما لم يثبت عندهم استحباب سكتات الإمام واستنانها ووضح لهم كون الأحاديث الواردة فيها معلولة لم يصرحوا بها ولولا ذلك لقالوا به كما ذهب إليه جمع من المحدثين كثرهم الله إلى يوم الدين هذا هو الكلام الفصل الذي لا تحيطه ظلمه ولا تعرضه سفسطة عند ذكر ترجيح المذاهب وبه يجمع بين الكتاب والسنن والآثار والقياسات المختلفة الموجبة لتفرق المشارب وإلا فالمذاهب المذكورة كلها لها دلائل مروية وكل منها مستند إلى أدلة أربعة لا يمكن الجزم ببطلان واحد منها ولا الحكم بخطأ أحدها وما أبطل قول المتعصبين الذين لا صناعة لهم في أمر الدين إلا الطعن على أئمة المسلمين وتخطية الأئمة المجتهدين إن مذهب أبي حنيفة وأصحابه من المذاهب المذكورة ضعيف جدا ليس له سند ودليل صحيح قطعا وإلى الله المشتكى من أمثال هؤلاء الطاعنين الجهلاء المفتين ليس غرضهم إلا الطعن على من تقدم وتأخر جل صناعتهم التكلم بكلام منكر وما أحسن قول صاحب تنوير العينين في رفع اليدين في بحث القراءة خلف الإمام دلائل الجانبين فيه قوية لكن يظهر بعد التأمل في الدلائل أن القراءة أولى من تركها فقد عولنا فيه على قول محمد كما نقل عنه صاحب الهداية انتهى وأحسن منه قول صاحب حجة الله البالغة إن كان مأموما وجب عليه الإنصات والاستماع فإن جهر الإمام لم يقرأ إلا عند الإسكاتة وإن خافت فله الخيرة فإن قرأ فليقرأ الفاتحة قراءة لا يشوش على الإمام وهذا أولى الأقوال عندي وبه يجمع بين أحاديث الباب والسر فيه ما نص عليه من أن القراءة مع الإمام تشوش عليه وتفوت التدبر وتخالف تعظيم القرآن ولم يعزم عليهم أن يقرؤا سرا لأن العامة متى أرادوا أن يصححوا الحروف بأجمعهم كانت لهم لجة مشوشة فسجل في النهي عن التشويش ولم يعزم عليهم ما يؤدي إلى المنهي وأبقى خيرة لمن استطاع وذلك غاية الرحمة بالأمة انتهى الخاتمة في قراءة سورة الفاتحة(1) في صلاة الجنازة اعلم أنه قد وردت أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة دالة على شرعية قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى في صلاة الجنازة ووردت بعض الآثار بتركها واختلف الصحابة في فعلها وتركها وتبع ذلك اختلاف الأئمة في ذلك والمرجح في ذلك هو القراءة على وجه الاستحباب أو السنة لثبوت ذلك بالأخبار المتواردة وهي وإن كان بعضها ضعيفة لكن ضم بعضها إلى بعض يعطي الوثاقة والقول بالكراهة مطلقا أو بالكراهة بنية القراءة لا بنية الثناء لا يدل عليه دليل بأحد وجوه الدلالة أخرج البخاري في صحيحه عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال صليت خلف ابن عباس في جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال ليعلموا أنها سنة قال القسطلاني في إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري أي طريقة للشارع فلا ينافي كونها واجبة وقد علم أن قول الصحابي من السنة كذا حديث مرفوع عند الأكثر انتهى وقال أيضا هي من أركانها لعموم حديث لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وبه قال الشافعي وأحمد وقال مالك والكوفيون ليس فيها قراءة قال البدر الدماميني من المالكية ولنا قول في المذهب باستحباب الفاتحة فيها واختاره بعض الشيوخ انتهى وأخرج الترمذي من طريق إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وقال حديث ابن عباس حديث ليس إسناده بذاك القوي إبراهيم بن عثمان هو أبو شيبة الواسطي منكر الحديث والصحيح عن ابن عباس قوله من السنة القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب انتهى ثم أخرج من طريق سفيان عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله بن عوف أن ابن عباس - رضي الله عنه - صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقلت له إنه من السنة فقال إنه من السنة أو من تمام السنة وقال هذا حديث حسن صحيح والعلم عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم يختارون أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم لا يقرأ في صلاة الجنازة إنما هو الثناء على الله والصلاة على نبيه والدعاء للميت وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة انتهى وأخرج النسائي عن طلحة قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فسمعته يقرأ بفاتحة الكتاب فلما انصرف أخذت بيده فسألته فقال سنة وحق وعن أبي أمامة أنه قال السنة في الصلاة على الجنازة أن تقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافة ثم تكبر ثلاثا والتسليم عند الآخرة وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس مثل رواية الترمذي سندا أو متنا وعن أم شريك الأنصارية قال أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وأخرج أبو داود عن طلحة بن عبد الله صليت مع ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال إنها من السنة وذكر الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الأذكار بسنده إلى الربيع بن سليمان قال أنا الشافعي أنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى يسرها في نفسه ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخلص الدعاء في التكبيرات الثلاث لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم وقال هذا حديث غريب أخرجه البيهقي من هذا الوجه ومطرف ضعيف قال البيهقي تابعه عبيد الله بن أبي زياد عن الزهري ثم ساقه من رواية يونس عن الزهري ولم يذكر فيه الفاتحة وثبت ذكرها في صحيح البخاري انتهى ثم أسند بسنده إلى الشافعي أنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري قال سمعت ابن عباس يجهر بفاتحة الكتاب في الصلاة على الجنازة وقال لتعلموا أنها سنة وقال هذا إسناد قوي وفيه إشعار بأنه كان هناك من لا يقرأ الفاتحة فيها فأراد تعليمها وحمله بعضهم على أنه كان ذلك ليلا وهو بعيد من السياق انتهى وأخرج مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة قال الزرقاني في شرحه به قال أبو هريرة وجماعة من التابعين وأبو حنيفة ومالك وعن ابن عباس وابن مسعود والحسن بن علي وابن الزبير والمسور بن مخرمة مشروعيتها وبه قال الشافعي وأحمد انتهى وأخرج مالك أيضا عن أبي سعيد المقبري أنه سأل أبا هريرة كيف تصلي على الجنازة فقال اتبعها من أهلها فإذا وضعت كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه ثم أقول اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده قال الزرقاني في شرحه فيه إن أبا هريرة لم يكن يرى القراءة في صلاتها انتهى وقد صنف الشرنبلالي في هذه المسألة رسالة سماها بالنظم المستطاب لحكم القراءة في صلاة الجنازة بأم الكتاب وحقق فيه أن القراءة أولى من ترك القراءة ولا دليل على الكراهة قال فيها قال الشافعي وأحمد تفرض الفاتحة والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والدعاء ودار الأمر من أئمتنا في النص على عدم جواز القراءة والنص على كراهتها وقد نصوا على استحباب مراعاة الخلاف في كثير من المسائل ولم أر نصا قاطعا للمنع مقتضيا لعدم جواز قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة انتهى ثم نقل عن الاختيار لو قرأ الفاتحة بنية الدعاء لا بأس به وإن قرأها بنية القراءة لا يجوز لأنها محل الدعاء دون القراءة انتهى وعن معراج الدراية لا يقرأ الفاتحة وبه قال مالك وهي واجبة عند الشافعي وبه قال أحمد ولنا قول ابن مسعود لم يوقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة على الجنازة دعاء ولا قراءة كبر ما كبر الإمام واختر من الدعاء أطيبه وهكذا روى عن عبد الرحمن بن عوف وابن عمر فإنهما قالا ليس فيها قراءة وتأويل حديث(1) جابر أنه عليه السلام كان يقرأ بأم القرآن أنه قرأ على سبيل الثناء لا على وجه القراءة ولأن هذه ليست بصلاة حقيقة وإنما هي دعاء واستغفار للميت ولهذا ليس فيه أركان الصلاة انتهى وقال جميع ما استدل به إنما يفيد نفي افتراض قراءة الفاتحة وأما كراهته فليس فيه إفادتها وأما الاستدلال بقول ابن مسعود فلا يفيد لأنه نفي التوقيت وسنذكر أن ابن مسعود قرأ فيها والرواي إذ فعل بخلاف ما روى بيقين سقط العمل به وأما ما يرواه عن عبد الرحمن فليس فيه نفي جواز القراءة فيحتمل أن يكون المنفي اللزوم لا الجواز وأما تأويل حديث جابر فغير مسلم لأنه دعوى لا دليل عليها لأنه نية الثناء أمر مبطن لا يعلم إلا من الفاعل والمتلو منه حقيقة قرآن لا يعدل عنها بدون صارف فبهذا يثبت سنية القراءة بالفاتحة لا نفي القراءة انتهى ثم نقل الشرنبلالي كثير من عبارات الكتب الفقهية وخدشها بخدشات قوية وذكر دلائل جواز قراءة الفاتحة بل السنية إن شئت الاطلاع فلترجع إليها فإنها رسالة جامعة في بابها ولولا خوف التطويل لفصلت الكلام ولكن ما قل ودل خير الكلام وليكن هذا آخر هذه الرسالة والحمد لله على إتمام هذه العجالة والصلاة على نبيه منبع الهداية وعلى آله وصحبه ذوي الدراية وكان ذلك في ليلة السبت العشرين من شهر ربيع الآخر من شهور السنة الرابعة والتسعين بعد الألف والمائتين من هجرة خير البشر عليه وعلى آله صلاة صاحب القوى والقدر حين إقامتي بالوطن حفظ عن شرور الزمن ومن الله أسأل متضرعا أن يقبلها وسائر تصانيفي ويجعلها نافعة في حياتي وذخيرة بعد مماتي وأرجو من الكملة والطلبة أن ينظروا فيها بنظر الإنصاف ولا يضيعوا أوقاتهم في الاعتساف لتتجلى لهم حقيقة المقال ويتضح لهم صدق الحال فإني سعيت بتوفيقه تعالى في هذه الرسالة سعيا وافرا وأتيت بتحقيقات خلت عنها الزبر باطنا وظاهرا وكل ما أوردته فيه من إيراد أو جواب أو لطيفة أو تحقيق أو إنصاف ووجدته في كلام غيري نسبته إليه وكل ما لم أنسبه إلى أحد فهو من أفكاري فإن وجد ذلك في كلام أحد فالحمد لله عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة على رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين
صفحة ١٥