الثامن: من أنه قد ذكره أبو عبد الله الذهبي، وهو من أهل النقد التام باتفاق الأعلام، في كتابه: ((تذكرة الحفاظ))(1) وعده من الحفاظ، وهكذا فعله غيره ممن رزق التبحر الشرعي، ولا يكون حافظ الحديث قط من لم تبلغه إلا سبعة عشر فقط.
((فإن قلت: إدراجه في الحفاظ لا يثبت منه أنه حافظ في نفس الأمر أيضا.
قلت: فحينئذ يرتفع الأمان عن أقوال نقاد الرجال: كالذهبي، وابن حجر، والمزي وغيرهم من أرباب الكمال؛ لاحتمال مثل ذلك في كل من عدوه من حفاظ الحديث، وكشفوا عن أحوالهم بالكشف الحثيث))(2).
التاسع: إنه ذكر جمع من المعتبرين أن شيوخ أبي حنيفة في الحديث تبلغ إلى أربعة آلاف، وعد منهم المزي في ((تهذيب الكمال)) وغيره، نحو سبعين شيخا بلا خلاف، فلو فرض أنه لم يرو عن كل شيخ منهم إلا الحديث الواحد لبلغ العدد إلى سبعين، أو أربعة آلاف، وإن زاد فمع عدد زائد، فما معنى قوله: لم تبلغه إلا سبعة عشر، بل ليس التفوه به إلا موجبا للتلف بأيدي تسعة عشر(3).
العاشر: أنه لو لم تبلغه إلا سبعة عشر لكان مهجورا عند الأصغر والأكثر، ولما حصلت له الشهرة كشهرة الأئمة.
فخذ هذه العشرة الكاملة الوافية الكافلة، وآمن بأن تلك الكلمة الخبيثة قد كذبتها عبارات ابن خلدون بنفسه في المقامات العديدة، وأنكرتها شهادة الوجود، وأبطلتها دلالة العقل الغير الحسود، ونادت بكذبها دلالة الإجماع من انتقاد، وأخبرت ببطلانها عبارات من به الاستناد.
صفحة ١٤٩