إذا انتقش هذا على صحيفة خاطرك فاعرف أن لنا أدلة قطعية عقلية ونقلية على أن تلك الجملة، وهي أن أبا حنيفة بلغت رواياته إلى سبعة عشر من الجمل الردية، والكلم الشقية، فهي كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، أو كبنيان أسس على شفا جرف هار وأنه لا شك في كونها زلة فاحشة، وذلة فاضحة، لا يصدق بها أرباب الأفهام العالية، ولا يتردد في بطلانها إلا أصحاب الأوهام الواهية.
وهل يستوي ود المقلد والذي
له حجة في حبه ودلائل
الدليل الأول: قول ابن خلدون نفسه في موضع آخر من مقدمته: فلما تقول بعض المتعصبين أن منهم من كان قليل البضاعة في الحديث، ولا سبيل إلى هذا المعتقد في كبار الأئمة؛ لأن الشريعة إنما تؤخذ من الكتاب والسنة، ومن كان قليل الحديث فيتعين عليه طلبه وروايته، والجد والتشمير في ذلك ليأخذ عن أصول صحيحة، ويتلقى الأحكام عن صاحبها المبلغ لها، وإنما قلل منهم الرواية لأجل المطاعن التي تعتريه، والعلل التي تعرض في طريقها. انتهى(1).
وقوله: الإمام أبو حنيفة إنما قلت روايته لما شدد في شروط الرواية والتحمل، وضعف رواية الحديث اليقيني إذا عارضها الفعل النفسي، وقلت من أجل ذلك روايته فقل حديثه لا أنه ترك رواية الحديث عمدا. انتهى(2).
صفحة ١٤٤