460

على الطريق فمشيت إلى أن أتيت القرية ودخلت فيها ووقفت على الدار المعلومة وطرقتها عليه ، فخرج رجل في زي الروم ، فلما رآني استبشر وتلاطف معي كالأول وسماني وهنأني وأدخلني معه ورحب بي وأقامني عنده ثلاثة أيام وعلمني أحكام الصوم والصلاة وبعض الضروريات العملية ، ثم دلني على رجل آخر في قرية اخرى على مسافة أكثر من القريتين فلما ذهبت ودخلت على الرجل رأيته أيضا في زي الروم ، بل هو أشبه منهما وله الرئاسة الشرعية والمنصب من سلطان الروم ، فلما رآني سماني ولاطفني واستبشر وأقامني عنده وختنني وعاد علي بتلقين الأحكام وأمر الشريعة وأمرني بالتقية وطريقتها .. إلى أن قال لي يوما : يا سلمان لا بد لك اليوم من الرواح إلى كربلاء. قلت : وما كربلاء؟ وأين هي؟ فعلمني بها وأعلمني أنها أرض فيها بقعة الإمام الثالث سبط الرسول المختار صلى الله عليه وآلهوسلم ومزار للزوار والشيعة الأخيار. فقلت : وكم المسافة إليها؟ قال : أكثر من أربعين منزلا ، فقلت : كيف أقطع هذا المقدار من الطريق بلا زاد وراحلة ورفيق؟ فقال : اذهب فإن الله سيعينك فيها ، ثم دفع إلي اثني عشر من الدراهم المسكوكة بسكة العثماني فبعث معي من يرشدني إلى الطريق الشارع العام فمشيت ، فلما سرت وبعدت من القرية يسيرا صاحبني رجل خفيف الثقل فسأل عن مقصودي فأخبرته بالمقصود ، فقال : وإني أيضا لسائر إلى نواحي كربلاء وذاهب معك ، فقلت : هل قطعت من هذا الطريق شيئا قبل ذلك؟ وهل تعرفها؟ قال : نعم ، فسررت بذلك ومضيت معه فرأيته على طريقة الشيعة والإمامية إلا أني سترت عنه رعاية للاحتياط كما أمرني ساداتي ولم يتفحص هو عن عقيدتي أيضا وأنا لم اتق عنه لأني رأيته شيعيا فسرت معه مسرورا به يومين ، حتى إذا كان الثالث فظهر نخيل وقبتان من ذهب متصلتان فقال لي الرجل : هذا نخيل بغداد وتوابعه وهاتان القبتان لموسى بن جعفر الإمام السابع ومحمد بن علي النقي الإمام التاسع عليهما السلام ، وتلك السواد المعمورة تسمى كاظمين ، ومنها إلى كربلاء مسافة يومين فادخلها وزر الإمامين وقف بها حتى يخرج منها قافلة الزوار إلى كربلاء فسر معهم ، ثم فارقني وذهب عني من غير تكلم ، ثم أتيت حتى انتهيت إلى الشط فعبرته بالعبرة (1) ودخلت الكاظمين وبقيت متشرفا بالزيارة إلى يومين فخرجت الثالث إلى بغداد

صفحة ٣٢