إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب
حمل إليه سبعة أثواب ، فقال القاسم : في سلامة من ديني؟ فقال : في سلامة من دينك ، فضحك رحمه الله فقال : ما اؤمل بعد هذا العمر ، فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة ازر وحبرة يمانية حمراء وعمامة وثوبين ومنديلا ، وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا الرضا أبو الحسن عليه السلام ، وكان له صديق يقال له عبد الرحمن بن محمد السنيزي وكان شديد النصب ، وكان بينه وبين القاسم نضر الله وجهه مودة في امور الدنيا شديدة ، وكان القاسم يوده وقد كان عبد الرحمن وافى إلى الدار لإصلاح بين أبي جعفر بن حمدون الهمداني وبين ختنه ابن القاسم ، فقال القاسم لشيخين من مشايخنا المقيمين معه ، أحدهما يقال له أبو حامد عمران المفلس والآخر أبو علي بن جحدر أن أقرئا هذا الكتاب عبد الرحمن بن محمد فإني احب هدايته وأرجو أن يهديه الله بقراءة هذا الكتاب. فقال له : الله الله الله فإن الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة فكيف عبد الرحمن بن محمد فقال : أنا أعلم أني مفش لسر لا يجوز لي إعلانه لكن من محبتي لعبد الرحمن بن محمد وشهوتي أن يهديه عز وجل لهذا الأمر هو ذا أقرئه الكتاب.
فلما مر ذلك اليوم وكان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من رجب دخل عبد الرحمن ابن محمد وسلم عليه ، فأخرج القاسم الكتاب فقال له : اقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك ، فقرأ عبد الرحمن الكتاب فلما بلغ إلى موضع النعي رمى الكتاب عن يده وقال للقاسم : يا أبا محمد اتق الله فإنك رجل فاضل في دينك متمكن من عقلك ، والله عز وجل يقول : ( وما تدري نفس ما ذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ) (1) وقال : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ) (2) فضحك القاسم وقال : أتم الآية ( إلا من ارتضى من رسول ) ومولاي هو الرضا من الرسول ، وقال : قد علمت أنك تقول هذا ولكن أرخ اليوم ، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرخ في هذا الكتاب فاعلم أني لست على شيء ، وإن أنا مت فانظر لنفسك ، فأرخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا.
وحم القاسم يوم السابع من ورود الكتاب واشتدت به في ذلك اليوم العلة واستند في فراشه إلى الحائط ، وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمنا على شرب الخمر ، وكان متزوجا إلى أبي عبد الله بن حمدون الهمداني ، وكان جالسا ورداؤه مستور على وجهه في ناحية من
صفحة ٣٥٣