إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب
وفاته إلى ظهور المهدي عجل الله فرجه ، ومن وفاته إلى قيام الساعة. ولا شك في أنها تدل على جميع ذلك ، وأنها كلام الله تعالى لكني لست بمطمئن الخاطر من تحريفها ، ومع ذلك إن أماكن الاستدلال فيها قائمة على دعائمها الأصلية ، فمن جملة ذلك هذه الآيات الشريفة.
وهاهنا أمر يقف عليه البحث وهو معرفة الكلمات التي هي محل النزاع ، فمن ذلك لفظة: الاووركمن (1)، يعني المظفر ، وهي في الأصل اليوناني تدل على الغالب والغازي والقاهر في الحرب ، ومنها الموتة الثانية وهي عند النصارى عبارة عن موت الإنسان في الذنب أي انهماكه فيه لا غير ، وأما البعث فانهم يعترفون بقيام جميع الناس عند ظهور المسيح وبخلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، ولم يتعرضوا للبحث في هذا المقام ، وعند اليهود عبارة عن الموتة التي لا تكون بعدها موتة.
وتقرير ذلك : أنهم يقولون إن مدة مكث هذه الخليقة على حالتها لا يكون إلا سبعة آلاف سنة ، فمن آدم إلى موسى ألفان وثلاثمائة وثمان وستون سنة ، ومن موسى إلى المسيح ثلاثة آلاف وستمائة واثنتان وثلاثون سنة ، وإذا ظهر المسيح تبعث جميع الموتى وتستقيم لهم السلطنة ألف سنة ، وبعد ذلك يفنى من على وجه الأرض ، وتزول هي والسماء ويصير العالم كأن لم يكن ، ثم يستأنف الصانع صنعته الأخرى ، ترادف هذه الصنعة أو تغايرها ، وفيه ما فيه من عدم فساد الأنفس ؛ إذ الحكماء كلهم متفقون على عدم فسادها ، لأنها لو قبلت الفساد لكانت مركبة من شيء يكون فيها بمنزلة المادة يقبل الفساد ، [و] شيء بمنزلة الصورة يفسد بالفعل ، وينبغي للقائل للفساد أن يبقى مع الفساد وللفساد الفاسد بالفعل أن لا يبقى معه ، والذي يفسد بالفعل غير الذي يقبل الفساد فتكون مركبة ، وليس الأمر كذلك ولأنها لو كانت قابلة للفساد لاشير إليها في النواميس ، لأنها مما عليه التعويل ، ولم يذكر ذلك في شيء من نواميسهم ، فليس بشيء.
وقال بعضهم : إن أنفس الأتقياء تبقى إلى الأبد وأنفس الأشقياء تهلك.
وعند المسلمين : أما أهل السنة والجماعة فالظاهر أنهم لا يعترفون بموتة ثانية ، ولم يذكروا إلا الموتة الاولى والحياة الثانية ، وبعدها يساق الذين آمنوا إلى الجنة والذين كفروا إلى النار ، وقالوا إن الاستثناء في مثل ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) (2) منقطع.
صفحة ١١٥