Muse ، التي جاءته بذلك «الإلهام الداخلي» الذي يظهر نفسه في العمل المتواصل الفعال طوال كلتا الملحمتين.
يظهر النجاح الذي حققه هوميروس أولا في مؤلفاته، ثم عن طريق مؤلفاته، يظهر مجهوده. فإذا حاولنا أن نرى مجهود هوميروس، كمجهود عادي لكثير من الشعراء، كان علينا أيضا أن نؤمن بحدوث إلهام داخلي عام لكل واحد منهم، وأن نؤمن بوجود ربة واحدة لجميعهم، هي نفس الموزية الملهمة لهم جميعا، بدلا من عدة ربات وعدة موزيات تناسب كل منهن كل شاعر من هؤلاء. فإذا ووجهنا بأعمال شاعر، كان علينا أن نتبصر في الإلهام المسمى «موزية»، بصفة جدية، كعنصر من عناصر الحياة البشرية. ولن نستطيع أن نذهب إلى أكثر من هذا، ولكن الإلهام الداخلي، مهما يكن مصدره عميقا، لا يمكن تجزئته، لا يمكننا أن نفكر فيه مقسما وموزعا على عدة شعراء. ففكرة وجود موزية عامة لجميعهم تتضارب مع طريقة نظرتنا إلى الإنسان تبعا للفردية الأصيلة للشعراء. لم يكن لدى الأغارقة، في الحقيقة، مثل هذه الصعوبة. فإنهم فكروا في الموزية كربة عامة لجميع الشعراء. وإذا كانت لجميعهم، فلماذا لا تكون لعدة شعراء متفرقين، في وقت واحد؟ بوسع تلك الربة أن تظهر نفسها في عدة صور، وعدة فنون، وعدة كفاءات روحية. ومع ذلك، فلم يعتبر الأغارقة إطلاقا، الإلياذة والأوديسة من تأليف عدة شعراء.
يؤكد لنا الأغارقة أننا لا نتحرك في دائرة مفرغة عندما نقول: «هوميروس، نعم هوميروس حقيقة!» ولكننا، في الواقع، لا بد أن نكون نتحرك في دائرة مفرغة إذا ما أخذنا المجهود المزدوج لهوميروس في ملحمتيه، فنضفي صفة البشرية على الآلهة، ونضفي صفة الألوهية على البشر في الأوديسة، ونعتمد فقط على هذا في تأليفه لكلتا القصيدتين. لم يكن لدى الأغارقة شك حول هوميروس، أكثر مما كان لدى الإيطاليين حول دانتي. كان هوميروس مؤلف القصيدتين. وإذا كان الأغارقة مخطئين، فإنما كان خطؤهم في كونهم نسبوا مؤلفات شعراء آخرين إلى هوميروس، في وقت طمست فيه كفاءات النقد. صار اسم هوميروس توصية عندما سادت مؤلفاته. وإن كل الأدب الحديث، تقريبا، المهتم بالمسألة الهوميرية، يغفل النقطة الفاصلة، وهي أن اسم هوميروس يعني ذهبا: ذهب الإلياذة والأوديسة. فإن لهاتين المنظومتين صفة الحسم. هذا وإن علماء العصور اللاحقة الذين لم يستطيعوا رؤية الذهب، كان يجب عليهم، على الأقل، أن يصغوا إلى الإغريق، إذ لديهم الدليل عليه.
يعرف العصر الذي نسب فيه كل شعراء البطولة، المعروف ب «الدائرة البطولية»، نسب إلى هوميروس، تلاه عصر قوة فنية أعظم جاء معه بمقدرة انتقادية أكثر دقة. ومن المحتمل أنه كان في القرن السادس ق.م.، ومن المؤكد أنه كان في القرن الخامس ق.م.، أن نسب بقية شعر هوميروس إلى مؤلفين آخرين غير هوميروس - ولكن هذا لم يكن كل الإلياذة والأوديسة. وعلى العموم، ما من شاعر، في كل التراث القديم، قد ذكر اسمه كمؤلف لهاتين القصيدتين، فيما عدا هوميروس؛ وهذا جدل قوي في حد ذاته، وصحيح، خصوصا في حالة الأوديسة الحديثة، إذا ما قورنت بالإلياذة، كما يقارن يوريبيديس
Euripides
بأيسخولوس
Aeschylus
وسوفوكليس
Sophocles . فإن شاعر الأوديسة يبدي وعيا فائقا في عمله. يأتي بمنشدين في المنظر: فيميوس
في إيثاكا، وديمودوكوس
صفحة غير معروفة