إهداء الكتاب
خطار سلوم نادر البستاني (1830-1886).
إليك يا والدي أهدي كتابي هذا، فأنت أولى به من كل حي وميت، وما هو إلا ذرة من فضلك وجزء من عنايتك ببنيك وتفانيك بنفع ذويك وبني جلدتك، فإن عجزت عن أداء واجب الوفاء بحياتك، فلا أقل من أن أشهد الملأ على عرفاني جميلك وأنت في عالم الأرواح.
ديباجة الكتاب
هذه إلياذة هوميروس أزفها إلى قراء العربية شعرا عربيا، ولقد استنفدت وسعي في نظمها وإلحامها راجيا أن تكون محكمة التعريب خلية من شوائب اللكنة والعجمة.
وقد صدرتها بمقدمة أتيت فيها على سيرة صاحب الإلياذة وأشرت إلى منظوماته ومنزلته عند القدماء ورأي المتأخرين فيه وأقوال العرب في شعره، وبحثت في الإلياذة وموضوعها وطرق تناقلها قبل الكتابة ثم في جمعها وكتابتها وسلامتها من التحريف مع ما فيها من قليل الدخيل والساقط والمكرر والمغلق، وأتيت على تحليلها وتشريحها، وبسط ما فيها من الفائدة للأدب والتاريخ وسائر العلوم والفنون والصنائع، وأوضحت ما كان من الأسباب الداعية في صدر الإسلام إلى إغفال العرب نقلها إلى لغتهم، وتطرقت إلى التعريب، فقصصت حكاية المعرب في وضع هذا الكتاب. وذكرت مناهج العرب في نقل الكتب الأعجمية والطرق التي يجدر بالنقلة التعويل عليها، وساقني ذلك إلى النظر في التعريب الشعري، ثم إلى النظم على الإطلاق وأوزان الشعر وقوافيه ووقع كل منها في معانيه، وجوازات الشعر من مأنوس ومكروه إلى غير ذلك مما يعد من خصائص هذه الصناعة، وانتقلت إلى المقارنة بين الإلياذة والشعر العربي، فوطأت لذلك بالشعر القديم وأصله، وسبب طموسه، ومناشدات سوق عكاظ، وشأن لغة قريش فيها وفضل القرآن في جمع أشتات اللغة وتوحيدها وإحكام بلاغتها في النظم والإنشاء، وقابلت بين لغة قريش المضرية ولغة الإلياذة اليونية، وفصلت أطوار الشعر العربي مميزا بين طبقات الشعراء من عهد الجاهليين حتى يومنا، وأثبت مزايا كل طبقة منها مع تعيين مدتها وأسماء، فحولها وإيراد ما اتسع له المقام من نفيس شعرهم، ثم أشرت إلى مغامز الشعر العربي ومناهج المولدين في أبواب الشعر وفنونه وأساليبه وعلوم الأدب العربية وتاريخها، وانتهيت إلى أسباب الضعف والانحطاط في شعر المحدثين وجنوح النوابغ من أبناء هذا العصر إلى سد الخلل وتعديل الخطة، وأفردت بابا للملاحم أو منظومات الشعر القصصي مما يماثل الإلياذة، فأشرت إلى ضروب الشعر عند الإفرنج، وقابلت بين ملاحم الأعاجم والملاحم العربية من الشعر الجاهلي، وجمهرة أشعار العرب، واستطردت من ذلك إلى إلقاء نظرة على الجاهليتين؛ جاهلية العرب، وجاهلية اليونان ثم إلى ملاحم المولدين، ورجعت بعد هذا إلى الحقيقة والمجاز، وما يلصق بالمعاني الشعرية من التشبيه والكناية والاستعارة والبديهيات، وما ينتابها من النقل والسرقة وتوارد الخاطر، وما قد يطرأ عليها من التغير بفعل الحضارة، وألمعت إلى مسالك الأعاجم في ذلك مبينا مزية العربية على لغاتهم في بعض الأحوال، وذيلت المقدمة بخاتمة في الشعر واللغة عارضت فيها بين العربية واليونانية، وبحثت في اتساع العربية وثروتها القديمة، وكثرة مترادفاتها، وتعدد المعاني فيها للفظ الواحد مع إيضاح فائدة ذلك وضرره، وإيراد أسباب الضعف في تأدية ما استحدث من المعاني العصرية، وأشرت إلى نهج العرب بالتوسع في اللغة والاصطلاح، وختمت بخلاصة موجزة في ما تراءى لي من الداء والدواء والنهضة الحديثة، ومستقبل اللغة والشعر.
وقد علقت على الكتاب شرحا توخيت فيه الفائدة والتفكيه، ورصعته بزهاء ألف بيت مما قاله العرب في مثل معاني الإلياذة أو حوادثها، وضمنته كل ما تجدر معرفته من أخلاق الأمة العربية «في جاهليتها وبداوتها وحضارتها، والمشهور من أساطيرها وعباداتها والمأثور من آدابها وعاداتها ومناهج شعرائها وأدبائها، ومواقف ملوكها وأمرائها وساستها وزعمائها» إلى غير ما هنالك مما أوضحته في باب حكاية المعرب (ص: 72).
وقد مثلت المتن الشعري مطبوعا بالشكل الكامل وأودعت الشرح كثيرا من رسوم الآلهة وغيرهم مما يحسن الاطلاع عليه.
وأضفت فهرسا لتلك الرسوم وآخر للقوافي ومعجما للألفاظ اللغوية، ومعجمين آخرين لجميع مواد الكتاب من أعلام وتاريخ وعلم وصناعة وخلق وعادة وهلم جرا.
تلك هي على الجملة محتويات الكتاب «فإن أحسنت وفيه منتهى جهدي فذلك من حسنات الاجتهاد، وإلا فحسبي أن أفتحه بابا يلجه من وفقه الله إلى سبيل السداد».
صفحة غير معروفة