وكنت إذا نزلت بدار قوم
رحلت بخزية وتركت عارا
ولكن اجعلي من حولك يبكون عليك لا يبكون لك، ويشعرون بفراغ لفقدك ووحشة لفرقتك، وفقك الله.
اجتهدي في أن تملئي فراغك بالقراءة النافعة من قصص ممتع وتاريخ مفيد، وإن استطعت أن تستمعي لبعض محاضرات في إحدى الجامعات فافعلي، فلا خير في حياة جافة فارغة ليس فيها غذاء للعقل.
رسالة إلى ولدي
1
أي بني!
احرص على أن يكون لك مثل أعلى تنشده، وترمي إليه في حياتك، وليكن هذا المثل الأعلى مشتقا من شخصية عظيمة مصلحة تتفق ونفسك ومزاجك، فإني أعرف فيك الجد، والإفراط في عزة النفس، وقلة المجاملة، فليكن مثلك مناسبا لهذا كله، إن تحديدك للمثل الأعلى يحدد سيرك، ويعين ما يقرب منها وما يبعد، فأنت إذا قصدت إلى الهرم أمكنك أن تعرف منه الطريق المقرب والطريق المبعد، أما إذا أنت سرت سبهللا ولم تحدد لك غاية، تخبطت في السير ولم تعرف ما يحسن وما لا يحسن.
والمثل الأعلى كثير التأثير، مريح للنفس من عناء التفكير في كل لحظة، فهو دائم الشخوص أمام الإنسان يجذبه نحوه، ويدعوه لأن يحققه. وإن أعمال الإنسان وطريقة سلوكه تدل على أن له مثلا أو ليس له، وإذا كان، فماذا هو؟ وكل ما جرى من إصلاح للأفراد والأمم وتأليف لليوتوبيا أو المدينة الفاضلة، فمنشؤه المثل الأعلى، وبدونه يكون الإنسان كالحيوان يعيش - دائما - على وتيرة واحدة لا تتحسن، وكل ما أستطيع أن أقوله لك إنه يحسن أن يكون مثلك وطنيا مصلحا، وقد شاهدت ولله الحمد أمثلة صالحة في مصر، ثم شاهدت أمثلة خيرا منها في إنجلترا، وستشاهد أمثلة أخرى في سويسرا والسويد، فيمكنك أن تشتق منها جميعا المثل الأعلى الذي يصلح لك ويصلح لبلدك وأمتك ، فكثيرا ما يصلح الشيء لبلد ولا يصلح لآخر، وكثيرا ما يصلح لزمن ولا يصلح لآخر، وقد يصلح مع مزاج ولا يصلح مع آخر. فليكن لك في اختيار المثل عينان: عين تنظر بها إلى أوروبا، وعين تنظر بها إلى مصر، ثم تختار المثل بالعينين، ولتكن مرنا في اختيار المثل فكونه مما شاهدته في مصر وإنجلترا، ثم عدله بما ستشاهده في سويسرا، ثم عدله أيضا بما ستشاهده في السويد، وهكذا. ولا تحتقر شيئا تقع عليه عينك، فقد تستفيد الكثير من الأمر الصغير.
حاشية:
صفحة غير معروفة