الاختيار لتعليل المختار

ابن مودود الموصلي ت. 683 هجري
16

الاختيار لتعليل المختار

محقق

محمود أبو دقيقة

الناشر

مطبعة الحلبي - القاهرة (وصورتها دار الكتب العلمية - بيروت، وغيرها)

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٣٥٦ هجري

مكان النشر

بيروت

مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِبُعْدِهِ مِيلًا أَوْ لِمَرَضٍ (ف) أَوْ بَرْدٍ (ف) أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ عَطَشٍ أَوْ عَدَمِ آلَةٍ، يَتَيَمَّمُ بِمَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ وَالْجِصِّ (فس) وَالْكُحْلِ (فس)، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الطَّهَارَةِ وَالنِّيَّةِ (ز)، ــ [الاختيار لتعليل المختار] وَفِي الشَّرْعِ قَصْدُ الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ وَاسْتِعْمَالُهُ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ لِإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ، وَسَبَبُ وُجُوبِهِ مَا هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ، وَشَرْطُ جَوَازِهِ الْعَجْزُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ خَلَفُ الْوُضُوءِ، فَلَا يُشْرَعُ مَعَهُ، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: ٦] وَقَوْلُهُ ﷺ: «التَّيَمُّمُ كَافِيكَ وَلَوْ إِلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ» . قَالَ: (مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِبُعْدِهِ مِيلًا أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ عَطَشٍ أَوْ عَدَمِ آلَةٍ) يَسْتَقِي بِهَا، (يَتَيَمَّمُ بِمَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ وَالْجِصِّ وَالْكُحْلِ) أَمَّا بَعْدَ الْمَاءِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [المائدة: ٦]، وَأَمَّا التَّقْدِيرُ بِالْمِيلُ فَلِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْحَرَجِ بِذَهَابِهِ إِلَيْهِ وَإِيَابِهِ، وَالْمِيلُ: ثُلُثُ فَرْسَخٍ، وَأَمَّا الْمَرَضُ فَلِلْآيَةِ، وَسَوَاءٌ خَافَ ازْدِيَادَ الْمَرَضِ أَوْ طُولَهُ، أَوْ خَافَ مِنْ بَرْدِ الْمَاءِ أَوْ مِنَ التَّحْرِيكِ لِلِاسْتِعْمَالِ ; لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تُفَصِّلُ، وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ إِذَا خَافَ الْمَرَضَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْبَارِدِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَرَجِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمِصْرُ وَخَارِجُهُ. وَقَالَا: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِي الْمِصْرِ ; لِأَنَّ الْغَالِبَ قُدْرَتُهُ عَلَى الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَرِيبِ الْفَقِيرِ، عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ فَيَكُونُ عَاجِزًا فَيَتَيَمَّمُ بِالنَّصِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ عَدُوٌّ أَوْ سَبْعٌ لِأَنَّهُ عَادِمٌ حَقِيقَةً، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ وَيَخَافُ الْعَطَشَ لَوِ اسْتَعْمَلَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ، لِأَنَّهُ عَادِمٌ حُكْمًا، إِمَّا لِخَوْفِ الْهَلَاكِ، أَوْ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِالْأَهَمِّ فَصَارَ عَادِمًا، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى بِئْرٍ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَسْتَقِي بِهِ لِأَنَّهُ عَادِمٌ أَيْضًا حُكْمًا، وَيَتَيَمَّمُ بِمَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: ٦] وَالصَّعِيدُ: مَا يَصْعَدُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لُغَةً، وَالطَّيِّبُ: الطَّاهِرُ، وَحَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمَنْبَتِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ التَّطْهِيرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] فَكَانَ إِرَادَةُ الطَّاهِرِ أَلْيَقُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي التَّخْصِيصِ بِالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ، وَعَلَى الشَّافِعِيِّ فِي التَّخْصِيصِ بِالتُّرَابِ لَا غَيْرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادِ بِالطَّيِّبِ الْمَنْبَتُ؛ وَلِأَنَّ الطَّيِّبَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالْمَنْبَتِ وَالْحَلَالِ. وَإِرَادَةُ مَا ذَكَرْنَا أَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا، ثُمَّ كَلُّ مَا لَا يَلِينُ وَلَا يَنْطَبِعُ بِالنَّارِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَكُلُّ مَا يَلِينُ وَيَنْطَبِعُ أَوْ يَحْتَرِقُ فَيَصِيرُ رَمَادًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ مِنْ طَبْعِ الْأَرْضِ أَنْ لَا تَلِينَ بِالنَّارِ. (وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الطَّهَارَةِ) لِمَا قَدَّمْنَا. (وَ) لَا بُدَّ مِنَ (النِّيَّةِ) وَهِيَ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ كَالْوُضُوءِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّيَمُّمِ وَهُوَ الْقَصْدُ، وَالْقَصْدُ: النِّيَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَقَدْ وُجِدَ،

1 / 20