الاختيار لتعليل المختار
محقق
محمود أبو دقيقة
الناشر
مطبعة الحلبي (وصورتها دار الكتب العلمية - بيروت)
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٥٦ هجري
مكان النشر
القاهرة
تصانيف
الفقه الحنفي
وَالتَّلْبِيَةُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ. فَإِذَا نَوَى وَلَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ، فَلْيَتَّقِ الرَّفَثَ وَالْفُسُوقَ وَالْجِدَالَ، وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا وَلَا سَرَاوِيلَ، وَلَا عِمَامَةً، وَلَا قَلَنْسُوَةً، وَلَا قِبَاءً، وَلَا خُفَّيْنِ، وَلَا يَحْلِقُ شَيْئًا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مُعَصْفَرًا وَنَحْوِهِ، وَلَا يُغَطِّي رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
(وَالتَّلْبِيَةُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ) وَكَسْرُ إِنَّ أَصْوَبُ لِيَقَعَ ابْتِدَاءً، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ. قَالَ ﵊: «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» فَالْعَجُّ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ: إِسَالَةُ دَمِ الذَّبَائِحِ، وَلَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ لِأَنَّهَا مَنْقُولَةٌ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ، وَإِنْ زَادَ جَازَ بِأَنْ يَقُولَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ لَبَّيْكَ إِلَهَ الْخَلْقِ، غَفَّارَ الذُّنُوبِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهِيَ مَرَّةً شَرْطٌ وَالزِّيَادَةُ سُنَّةٌ، وَيَكُونُ بِتَرْكِهَا مُسِيئًا.
قَالَ: (فَإِذَا نَوَى وَلَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ) لِأَنَّهُ أَتَى بِالنِّيَّةِ وَالذِّكْرِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَيَدْخُلُ فِي الْإِحْرَامِ (فَلْيَتَّقِ الرَّفَثَ وَالْفُسُوقَ وَالْجِدَالَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٧] وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَقْلًا وَإِجْمَاعًا ; فَالرَّفَثُ: الْجِمَاعُ، وَقِيلَ: دَوَاعِيهِ، وَقِيلَ: ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ، وَقِيلَ: الْكَلَامُ الْقَبِيحُ، وَالْفُسُوقُ: الْمَعَاصِي وَهِيَ حَرَامٌ وَفِي الْإِحْرَامِ أَشَدُّ ; وَالْجِدَالُ: الْمُخَاصَمَةُ مَعَ الرَّفِيقِ وَالْجَمَّالِ وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ: (وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا وَلَا سَرَاوِيلَ وَلَا عِمَامَةً وَلَا قَلَنْسُوَةً وَلَا قَبَاءً وَلَا خُفَّيْنِ) لِأَنَّهُ ﵊ نَهَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَتَقَ سَرَاوِيلَهُ فَاتَّزَرَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ رِدَاءً شَقَّ قَمِيصَهُ فَارْتَدَى بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَخْرُجُ عَنْ لِبْسِ الْمَخِيطِ وَهُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. وَقَدْ قَالَ ﵊ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: «إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَيَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» وَإِنْ أَلْقَى عَلَى كَتِفَيْهِ قِبَاءً جَازَ، مَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لَا لَابِسٌ.
قَالَ: (وَلَا يَحْلِقُ شَيْئًا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَلِأَنَّ فِيهِ إِزَالَةُ الشَّعَثِ، وَقَدْ قَالَ ﵊: «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» الشَّعَثُ: الِانْتِشَارُ، وَمُرَادُهُ انْتِشَارُ شَعْرِ الْحَاجِّ فَلَا يَجْمَعُهُ بِالتَّسْرِيحِ وَالدُّهْنِ وَالتَّغْطِيَةِ وَنَحْوِهِ، وَالتَّفْلُ بِالسُّكُونِ: الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ، وَالتَّفِلُ: الَّذِي تَرَكَ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ فَيُكْرَهُ رَائِحَتُهُ، وَالْمُحْرِمُ كَذَلِكَ.
قَالَ: (وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مُعَصْفَرًا وَنَحْوَهُ) لِأَنَّهُ طِيبٌ حَتَّى لَوْ كَانَ غَسِيلًا لَا تَفُوحُ رَائِحَتُهُ لَا بَأْسَ (وَلَا يُغَطِّي رَأْسَهُ) لِقَوْلِهِ ﵊: «إِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ» .
(وَلَا وَجْهِهِ) بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ وَفِي كَشْفِهِ فِتْنَةٌ كَانَ الرَّجُلُ بِطَرِيقِ
1 / 144