الاختيار لتعليل المختار
محقق
محمود أبو دقيقة
الناشر
مطبعة الحلبي (وصورتها دار الكتب العلمية - بيروت)
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٥٦ هجري
مكان النشر
القاهرة
تصانيف
الفقه الحنفي
وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مَعَ النِّيَّةِ بِشَرْطِ الطَّهَارَةِ عَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ; وَيَجِبُ أَنْ يَلْتَمِسَ النَّاسُ الْهِلَالَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَقْتَ الْغُرُوبِ، فَإِنْ رَأَوْهُ صَامُوا، وَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ أَكْمَلُوهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
ذَلِكَ فَصَارَ كَالصَّحِيحِ الْمُقِيمِ. وَلَهُ أَنَّ الشَّارِعَ رَخَّصَ لَهُ لِيَصْرِفَهُ إِلَى مَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ مِنَ الصَّوْمِ أَوِ الْفِطْرِ، فَصَارَ كَشَعْبَانَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَمَّا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ عَلِمْنَا أَنَّهُ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ فَيَقَعُ عَنْهُ، وَقِيلَ: الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ إِبَاحَةَ الْفِطْرِ لِلْعَجْزِ، فَإِذَا قَدَرَ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ، وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّفْلِ رِوَايَتَانِ، فَمَنْ قَالَ: يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْهُ فِي الْأَهَمِّ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنِ الْعُهْدَةِ أَهَمُّ مِنَ النَّفْلِ، بِخِلَافِ وَاجِبٍ آخَرَ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خُرُوجٌ عَنِ الْعُهْدَةِ. وَمَنْ قَالَ: يَقَعُ نَفْلًا فَلِأَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إِلَى مَا شَاءَ.
قَالَ: (وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ: الصُّبْحُ الصَّادِقُ، أَبَاحَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَحْرُمُ عِنْدَهُ. وَأَمَّا آخِرُهُ فَلِقَوْلِهِ ﵊: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ، أَكْلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ» .
قَالَ: (وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مَعَ النِّيَّةِ بِشَرْطِ الطَّهَارَةِ عَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ لُغَةً، زِدْنَا عَلَيْهِ النِّيَّةَ لِيَقَعَ قُرْبَةً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَالطَّهَارَةُ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِيَتَحَقَّقَ الْأَدَاءُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَتَمَامُهُ مَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ. وَالنِّيَّةُ: أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ يَصُومُ وَقَدْ مَرَّ.
قَالَ: (وَيَجِبُ أَنْ يَلْتَمِسَ النَّاسُ الْهِلَالَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَقْتَ الْغُرُوبِ) وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْهُ ﵊ وَعَنِ السَّلَفِ.
(فَإِنْ رَأَوْهُ صَامُوا، وَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ أَكْمَلُوهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا) لِقَوْلِهِ ﵊: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَلِأَنَّ الشَّهْرَ كَانَ ثَابِتًا فَلَا يَزُولُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَهُوَ الرُّؤْيَةُ أَوْ إِكْمَالُ الْعِدَّةِ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَهْرٍ.
1 / 128