اخبار العلماء بأخبار الحكماء
محقق
إبراهيم شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان
رقم الإصدار
الأولى 1426 هـ - 2005 م
حيان التوحيدي جاء في جواب له عن أمر سأله عن وزير صمصام الدولة بن عضد الدولة في حدود سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وصورته قال أبو حيان حاكيا عن الوزير المذكور حدثني عن شيء هو أهم من هذا إلي وأخطر على بالي أني لا أزال أسمع من زيد بن رفاعة قولا يربيني ومذهبا لا عهد لي به وكناية عما لا أحقه وإشارة إلى ما لا يتوضح شيء منه يذكر الحروف ويذكر النقط ويزعم أن الباء لم تنقط من تحت واحدة إلا لسبب والتاء لم تنقط من فوق اثنتين إلا لعلة والألف لم تعجم إلا لغرض وأشباه هذا وأشهد منه في غرض ذلك دعوى يتعاظم بها وينتفخ بذكرها فما حديثه وما شأنه وما دخلته فقد يلغي يا أبا حيان أنك تغشاه وتجلس إليه وتكثر عنده ولك معه نوادر معجبة ومن طالت عشرته لإنسان صدقت خبرته وأمكن اطلاعه على مستكن رأيه وخافي مذهبه فقلت أيها الوزير أنت الذي تعرفه قبلي قديما وحديثا بالاختيار والاستخدام وله منك الإمرة القديمة والنسبة المعروفة فقال دع هذا وصفه لي فقلت هناك ذكاء غالب وذهن وقاد ومتسع في قول النظم والنثر مع الكتابة البارعة في الحساب والبلاغة وحفظ أيام الناس وسماع المقالات وتبصر في الآراء والديانات وتصرف في كل فن إما بالشدو والموهم وإما بالتوسط المفهم وإما بالتناهي المفخم قال فعلى هذا ما مذهبه قلت لا ينسب إلى شيء ولا يعرف برهط لجيشانه بكل شيء وعليانه بكل باب ولاختلاف ما يبدو من بستطه ببيانه وسقوطه بلسانه وقد أقام بالبصرة زمانا طويلا وصادف بها جماعة لأصناف العلم وأنواع الصناعة منهم أبو سليمان محمد بن معشر البيستي ويعرف بالمقدسي وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني وأبو أحمد المهرجاني والعوفي وغيرهم فصحبهم وخدمهم وكانت هذه العصابة قد تألفت بالعشرة وتصافت بالصداقة واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة فوضعوا بينهم مذهبا زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفرز برضوان الله وذلك أنهم قالوا أن الشريعة قد دنست بالجهالات واختلطت بالضلالات ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال
صفحة ٦٨