وحكى أبو علي بن مكنجا النصراني الكاتب قال لما وافي عضد الدولة في سنة أربع وستين وثلاثمائة إلى مدينة السلام استدعاني أبو منصور نصر بن هارون وكان قد ورد معه إذ ذاك وسألني عن أطباء بغداد وكان السبب في ذلك أن عضد الدولة قال له تويه أن تنظر أحذق طبيب ببغداد فتقدم إليه أن يحضر دارنا ويتأمل أمرنا ويقول لك ما عنده في موافقة هذا البلد لنا وغير ذلك قال ابن مكنجا فاجتمعت مع عبد يشوع الجاثليق وسألته عنهم قال ههنا جماعة لا نعول عليهم والمنظر إليه أبو الحسن الحراني وهو رجل عاقل لا مثل له في صناعته وفيروز وهو قليل التحصيل وأبو الحسن صديقي وأنا أبعثه على الخدمة وأشير عليه بالملازمة لها وخاطب الجاثليق أبا الحسن على قصد أبي منصور نصر بن هارون فقصده فنقدم إليه بأن يحضر دار عضد الدولة ويتأمل حاله وما يدبر به أمره فتلقى ذلك بالسمع والطاعة وشرط أن يعرف صورته في مأكله ومشربه وبواطن أكره وطالع أبو منصور عضد الدولة بالصورة وحضر أبو الحسن الدار وعرف جميع ما سأل عنه وأحضر إليه بالتماسه فراش خاص خبير بأمر الملك فسأله في مدة ثلاثة أيام على أحواله وتصرفه في خلواته فأخبره وتردد أياما ثم انقطع واجتمع مع الجاثليق فعاتبه الجاثليق على انقطاعه وعرفه وقوع الإنكار له فقال له لا فائدة في مضي ولست أراه صوابا لنفسي وللملك أطباء فضلاء عقلاء وقد عرفوا من تدبيره وطبعه ما يستغني بهم عن غيرهم في ملازمته وخدمته فألح الجاثليق عليه وسأله عن علة ما هو عليه في هذا الفعل والاحتجاج فيه بمثل هذا العذر فقال له قد جربت أمر هذا الملك وهو متى أقام ببغداد سنة على ما هو عليه من ملازمة السهر والاجتهاد في تدبير الملك وكثرة الأكل والشرب والنكاح قد عقله ولست أوثر أن يجرى ذلك على يدي وأنا مدبره وطبيبه ثم أن قال للجاثليق إن أنهيت هذا القول عنه جحدته وحلفت بالله والبراءة من ديني ما قلته وكان عليك في ذلك ما تعلمه فأمسك الجاثليق وكتم هذا الحديث فلما عاد عضد الدولة إلى العراق في الدفعة الثانية كان الأمر على ما أنذر به فيه. وذكر أبو الحسن بن أبي الفرج بن أبي الحسن بن سنان وكان أبو الحسن هذا المخبر أوحد زمانه في الطب لا يقصر عن متقدميه من الأهل قال حدثني أبو الفرج أبي قال حدثني أبو الحسن أب قال كنت وأبو الحسن الحراني يوما في دار أبي محمد المهلبي الوزير فقدم أبو عبد الله بن الحجاج الشاعر إلى الحراني وأعطاه له مجسه فقال له قلت لك غلظ غذاءك وأظنك أسرفت في ذلك حتى أكلت مضيرة بلحم عجل فقال كذاك والله كان وعجب هو والجماعة ومد إليه أبو العباس بن المنجم يده فأخذ مجسه وقال وأنت يا سيدي أسرفت في التبريد أيضا وأظنك قد أكلت إحدى عشرة رمانة فقال أبو العباس هذه نبوة لا طب وزاد العجب والتفاوض في ذلك من الجماعة الحاضرة وكنت أنا أيضا أكثرهم استطرافا وتعجبا وبلغ المجلس الوزير فاستدعانا وقال يا أبا الحسن ما هذه المعجزات الظاهرة لك فدعا له وجرى التفاوض لذلك وأنا ممسك لا ادري ما أقول فيه وخرجنا وقلت له يا سيدي يا أبا الحسن صناعة الطب معروفة بيننا لا يخفى عني شيء منها فبين لي من أين ذلك النص على أن المضيرة كانت بلحم عجل لا بقرة ولا ثور ومن أين لك الدليل على أن عدد الرمان إحدى عشرة فقال هو شيء يخطر ببالي فينطق به لساني فقلت صدقتني والله إذا أرني مولدك وجئت معه إلى داره فأخرج لي مولده ونظرت فيه فرأيت سهم الغيب في درجة الطالع مع درجة المشتري وسهم السعادة فقلت له يا عزيزي هذا تكلم لا أنت وكل ما تصيب في الطب من مثل هذا الحدس والقول فهذا سببه وأصله.
وذكر المحسن بن إبراهيم الصابي قال أصابتني حمى حادة كان هجومها علي بغتة فحضر أبو الحسن عمنا وأخذ بحسي ساعة ثم نهض ولم يقل شيئا فقال له والدي ما عندك يا عمي في هذه الحمى فقال له سرا لا تسألني عن ذلك إلى أن يجوزه خمسون يوما فوالله لقد فارقتني في اليوم الثالث والخمسين.
وتوفي أبو الحسن ثابت بن إبراهيم في آخر نهار يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوال سنة تسع وستين وثلاثمائة ببغداد وكان مولده بالرقة ليلة يوم الخميس لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين ومائتين.
صفحة ٥٢