وفي اختيار لا يجيء المنفصل
إذا تأتى أن يجيء المتصل
ومن ذلك كلمة «لولا» لا يكون الاسم الظاهر بعدها إلا مرفوعا، فكان من حق الضمير إذا جاء بعدها أن يكون مرفوعا أيضا، ولكن العرب يقولون: «لولاه»، و«لولا هو»، و«لولاكم»، و«لولا أنتم»: يستعملون ضمير النصب وضمير الرفع.
أما ضمير الرفع فوجه استعماله واضح والموضع موضعه، وأما ضمير النصب فاستجابة لداعية الحس اللغوي من وصل الأداة بالضمير إذا وليها.
وتجد لذلك نظيرا في عسى، وهو فعل يتصل به ضمير الرفع، فتقول: عسيتم. وفي القرآن الكريم:
قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا (آية 246 من البقرة)،
فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم (آية 22، محمد).
إلا أن هذا الفعل قد جمد فأشبه الأداة، وحرم خصائص الفعل من التصرف والدلالة على الزمن، فحول الضمير بعده إلى ضمير نصب، قيل : عساه وعساك؛ فإذا وليه الاسم الظاهر لم يكن إلا مرفوعا، تقول: عسى الله أن يغفر لي.
فهذا المسلك من العربية يفسر لنا ما نراه في استعمال العرب اسم إن منصوبا، وما نجده من أثر الرفع فيه؛ إذ يجيء أحيانا مرفوعا ثم يعطف عليه ويؤكد بالرفع أيضا؛ وذلك أنهم لما أكثروا من إتباع إن بالضمير جعلوه ضمير نصب ووصلوه بها، وكثر هذا حتى غلب على وهمهم أن الموضع للنصب، فلما جاء الاسم الظاهر نصب أيضا. وهذا موضع دقيق في العربية ولكنه صحيح مطرد عند الاختبار، أثبته النحاة وسموه الإعراب على التوهم، وتوسع في بحثه صاحب «الخصائص». ومن أمثلته عندهم: ما زيد قائما ولا قاعد. يقول النحاة: إن «قاعد» معطوف على «قائما» على توهم أنه جر بالباء؛ لأن الموضع يغلب أن تجيء فيه الباء.
وقال الفراء: «لما كثر توقيت العرب بالليلة، قالوا: صمت عشرا من الشهر، ولا يصومون إلا اليوم.»
صفحة غير معروفة