2
فلم تتجه عنايتهم إلى شيء مما كشف عنه أبو عبيدة في كتاب مجاز القرآن، وأهمل الكتاب ونسي، ووقع بعض الباحثين في أيامنا على اسمه فظنوه كتابا في البلاغة. وما كانت كلمة المجاز إلى ذلك العهد قد خصصت بمعناها الاصطلاحي في البلاغة، وما كان استعمال أبي عبيدة لها إلا مناظرة لكلمة النحو في عبارة غيره من علماء العربية؛ فإنهم سموا بحثهم «النحو»؛ أي: سبيل
3
العرب في القول، واقتصروا منه على ما يمس آخر الكلمة. وسمي بحثه المجاز؛ أي: طريق التعبير، وتناول غير الإعراب من قوانين العبارة العربية، ولم يكثر ما أكثر سيبويه وجماعته، ولم يتعمق ما تعمقوا، ولا أحاط إحاطتهم، ولكنه دل على سبيل تبصرة انصرف الناس عنها غافلين، وقد بقي لنا من هذا الكتاب جزء يسير ننقل منه ما يبين أسلوب بحثه، ويصدق ما ذهبنا إليه من رأي في تقديره.
بدأ كتابه بمقدمة ذكر فيها كثيرا من أنواع المجاز التي يقصد إلى درسها، ثم أخذ في تفسير القرآن الكريم كله، يبين ما في آياته من مجاز على المعنى الذي أراد.
فمن المقدمة قوله: «ومن مجاز ما خبر عن اثنين مشتركين أو عن أكثر من ذلك فجعل بعض الخبر لبعض دون بعض، وكف عن خبر الباقي، قال:
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله . ومن مجاز ما جعل في هذا الباب الخبر للأول منهما أو منهم، قال:
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها . ومن مجاز ما جعل في هذا الباب الخبر للآخر منهما أو منهم، قال:
ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا
ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الغائب ومعناه الشاهد، قال:
صفحة غير معروفة