ثالثها: أنه هو وأصحابه الأشاعرة والماتريدية قائلون بأن العبد قادر على فعله الاختياري وزاعمون بأن هذا هو الفرق بينهم وبين الجهمية وإخوانهم الخلص من الجبرية، وحينئذ نسألهم ماذا يريدون بقولهم: أن العبد قادر على فعله الاختياري؟ فإما أن يقولوا أنه قادر على تحصيل فعله وإيجاده، أو أن يقولوا إنما هو قادر على مجرد كسبه كما هو الظاهر من كلامهم في غير موضع، لا سبيل لهم إلى الثاني لأن الكسب عندهم عبارة عن حلول الفعل في العبد مع كونه قادرا مريدا بقدرته وإرادته لا تأثير لهما فيه أصلا، كما صرحوا به، فلو كان قادرا الكسب لزم كونه قادرا على قدرته وإرادته المذكورتين؛ لأنهما مأخوذتان في معنى الكسب فلا يتصور القدرة عليه بدونهما لكن قدرته على أن يوجد لنفسه قدرة غير مؤثرة في فعله محال قطعا وإجماعا، .....الأول وحينئذ فإما أن يقع نسبة الفعل، ويحصل عند تناهي دواعيه وكمال صوارفه أو لا يقع ولا يمكن حصوله كما صرحوا به، إن كان الأول فهو مطلوبنا ومرحبا بالموافقة على ما دل عليه كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وقام عليه دليل العقل الذي عليه بني النقلي وشهدت به الفطر السليمة حتى في الصبيان المراهقين فيبطل قوله، فلا يشاركه من خلقه في الإيجاد واحد، وإن كان الثاني فإما أن يكون عدم وقوع الفعل وحصول سببه على مقتضى الدواعي المتناهية لمانع من ذلك، أو لا لمانع أصلا لا سبيل إلى الثاني إجماعا؛ لأنه يهدم القول بأنه قادر، ولأنهم يقولون بأن قدرة الباري هي المانع للعبد القادر من التأثير والتحصيل كما صرح به الآمدي وغيره، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى، ولا سبيل إلى الأول أيضا؛ لأن قولنا: قادر على الفعل لكنه ممنوع منه بمثابة قولنا: قادر غير قادر وهو متناقض، لا يقال: أن وجود المانع لا ينافي ثبوت صفة القدرة، فكيف يلزم التناقض، لأنا نقول: ليس كلامنا في القدرة بمعنى الصفة التي هي معنى في الحي كما هو مذهب الخصم، وإنما كلامنا في القادرية على التحصيل والإخفاء في أن وجود المانع كاف في انتفاء القادرية على تحصيل الممنوع منه، وإلا لم يكن المانع صانعا حقيقة.
صفحة ٤٢