ولهذا قال إمام الحرمين: ومما يجب التشبيه له أن قولنا: لا يدرك الحسن والقبح إلا بالشرع تجوز منا حيث يوهم كون نفس الحكم زائدا على الشرع موقوفا إدراكه عليه، وليس الأمر كذلك ... الحسن عبارة عن نفس ورود الشرع بالثناء على فاعله، وكذا في القبح، وإذا وصفنا فعلا بالوجوب فلسنا نقدر للفعل الواجب صفة بها يتميز عما ليس بواجب، وإنما المراد بالواجب الفعل الذي ورد الشرع به إيجابا، وكذا الحظر، انتهى.
كما نقله عنه سعد الدين في شرح المقاصد، فكلام المعترض هنا لا يطابقه بل ما نقلناه مما سيأتي عنه في مسألة القرآن لا يجري على مذهب أحد من الأشاعرة المنافي للحسن والقبح عقلا[5] كما لا يخفى.
وأما ما يقال من أن الذي أبان الحكم ليس هو الكلام النفسي القديم عندهم فإنه نفس الحكم كما صرحوا به تصريحا لا يخفى على أحد، بل المراد هو اللفظي الحادث اتفاقا وهو القرآن الذي هو الآن ببن أظهرنا، فإن ترجمة عن النفسي، وكلما كان كذلك صح أن تضاف الإبانة إليه، فلا توجيه له نظرا لما سيأتي للمعترض من الذهاب إلى قدم اللفظي المذكور تبعا للقاضي العضد، وأيضا فاتصاف النفسي بكونه أساس قواعد فيه ما فيه، كيف وقد زعموا أن النفسي الذي هو صفة لله تعالى غير متعلق بأحد التعليقين: التعلق الحادث والتعلق الأزلي بزعمهم، نفروا من إثبات تعلقه، وقالوا: أن قولهم في تعريف الحكم الشرعي هو خطاب الله المتعلق بفعل المكان...إلخ.
صفحة ١٤